المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا
مكافحة الإرهاب ـ الذئاب المنفردة سمة الإرهاب في أوروبا. ملف
1. مكافحة الإرهاب ـ مفهوم الذئاب المنفردة في سياق الإرهاب
تبرز ظاهرة “الذئب المنفرد” كتهديد عالمي متزايد في ظل التحديات في مواجهة الهجمات الإرهابية. وتنفذ “الذئاب المنفردة” الهجمات بدوافع أيديولوجية أو نفسية أو اجتماعية. ومع تزايد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في تجنيدهم، تسعى التنظيمات المتطرفة لاستغلال هذه الظاهرة لزعزعة الاستقرار في أوروبا، حيث تشهد العديد من الدول تصاعدًا في الهجمات المنفردة، بما في ذلك تجنيد مراهقين وقُصر.
ما هي الذئاب المنفردة، وما هي دوافعه؟
الذئب المنفرد: هو شخص يقوم بهجمات بمفرده مستخدمًا وسائل مختلفة، أو هو مصطلح إستخباري يدل على قيام شخص او أشخاص، غير منظمين، اي لا يخضعون الى تنظيم هرمي، يستلمون منه التعليمات للقيام بعمليات ارهابية، بل يقوم الشخص اوالاشخاص، بالتخطيط والتنفيذ ضمن امكانياتهم الذاتية. وهناك عدة عوامل تؤثر على “الذئاب المنفردة”، وإن كان من الممكن أن يكون هناك تداخل كبير بينهم، أبرزها:
-عوامل نفسية وأيديولوجية: يعاني الشخص من تحديات تتعلق بالأسرة أو العمل أو المجتمع أو يسعى في الوقت نفسه إلى الشهرة الشخصية، مما يدفعه إلى تفريغ طاقته تجاه الآخرين. وتعد العوامل الأيديولوجية أو القومية هو الأكثر شيوعًا وأكثر خطورة.
-عوامل اجتماعية: تظل العزلة الاجتماعية والتهميش والافتقار إلى نظام استخباري قوي من نقاط الضعف الرئيسية التي يستغلها المتطرفون لتحفيز “الذئاب المنفردة” لتنفيذ مخططاتهم. ويستغل الإرهابيون هذه نقاط الضعف لنشر رسالتهم على وسائل التواصل الاجتماعي وتجنيد أتباع جدد، ويعد هذا الامر مثير للقلق بشكل خاص في ضوء العدد المتزايد من الشباب، بما في ذلك القاصرين.
-عوامل سياسية: تلعب العوامل السياسية تلعب دوراً في تزايد أعداد المتطرفين. فعلى سبيل المثال يستغل إن تنظيم “داعش” حرب غزة كدليل على أن “بقية العالم يكره المسلمين” وأن أنصاره يجب أن ينتقموا منه. كذلك صعود اليمين المتطرف في أوروبا، فضلاً عن النقاش الحالي حول الهجرة والإسلاموفوبيا في عواصم أوروبا، له تأثير على المراهقين المهمشين من تلك المجتمعات. أمن دولي ـ هل تم تهميش دول أوروبا في مفاوضات ترامب وبوتين؟
كيف تساهم الجماعات المتطرفة في تعزيز هجمات “الذئاب المنفردة”؟
شجع تنظيم “داعش خراسان” في يناير 2025 أتباعه على تنفيذ هجمات “الذئاب المنفردة” في أوروبا واستهداف الأحداث الكبرى الحفلات الموسيقية ومباريات كرة القدم. يتسم نموذج “الذئاب المنفردة” بإنه منخفض التكلفة، ومن الصعب على وكالات الاستخبارات اعتراضه، لأنه غالباً ما يفتقر إلى المسار اللوجستي المرتبط بالمخططات الإرهابية المعقدة والأكبر حجماً والمنسقة.
أفاد تقرير في يناير 2025 أن هجمات الذئاب المنفردة، أصبحت مستوحاة من دعاية التنظيمات المتطرفة، ولكنها تفتقر إلى الدعم العملياتي المباشر، من خلال إلهام الأفراد لتنفيذ هجمات بشكل مستقل، وتسمح هذه الاستراتيجية للتنظيمات المتطرفة بالحفاظ على إبراز أهميتها وقوتها. وتستخدم الجماعات المتطرفة أساليب مختلفة ومبتكرة لإلهام الذئاب المنفردة من خلال أساليب تتراوح بين الخطابات المتطرفة في المساجد والسجون إلى ممارسة الضغوط عبر دائرة الأصدقاء أو الأقارب الموجودين والذين يتم استخدامهم كوسطاء في عملية التجنيد.
أجاب “فلوريان لايتنر” من اتحاد الشرطة “GdP” ردًا على سؤال “هل الجناة يلهمون بعضهم البعض؟ قائلا “لا يمكن استبعاد ذلك. ولكننا لا نعرف بعد ما حدث في الخلفية في هذه الحالات. وهذا الأمر قيد التحقيق. إن هدف المنظمات الإرهابية والأفراد المتطرفين هو تقويض الاستقرار والأمن في بلدنا”.
لماذا يعد استخدام منصات التواصل الاجتماعي وسيلة فعالة للذئاب المنفردة؟
يعد معظم الذئاب المنفردة مدفوعين بأيديولوجية متطرفة مثل الكراهية الدينية، والأيديولوجية العنصرية، وتشير الأبحاث أنه في حين أصبح العديد من الذئاب المنفردة متطرفين في أماكن العمل، أو السجون، أو داخل الأجهزة الأمنية كالقوات المسلحة والشرطة، فإن عددًا متزايدًا يشاهدون محتوى متطرفًا على الإنترنت. حيث عمل كل من “تنظيم داعش والقاعدة” على تجنيد الذئاب المنفردة عبر الإنترنت للتخطيط لهجمات إرهابية.
تحاول منظمات مكافحة الإرهاب على المستوى الدولي الاستجابة لهذه الظاهرة، ولكنها تجد صعوبة في منع التهديدات. ويحظى المؤثرون والدعاة المتطرفون بشعبية متزايدة، خاصة على منصات مثل تيك توك وتيليجرام. يقول “مايكل باراك” الباحث في معهد مكافحة الإرهاب في كلية “لاندر” للدبلوماسية الحكومية والاستراتيجية في جامعة “رايخمان” في الرابع من مايو 2024 إن “روكيت تشات أداة مشهورة للغاية تستخدمها المنظمتان. فلديهما غرف دردشة داخلية حيث يمكنهم العثور على جهات اتصال جديدة. بالإضافة إلى ذلك، هناك ديسكورد، وهي أداة أخرى تستخدم لشرح التعليمات للمتطرفين الجدد للانضمام إلى صفوفهم”.
أضاف مايكل باراك “وفي ما يتصل بتنظيم القاعدة على وجه الخصوص، إننا نرى مثال مجلة إنسباير، فهي تعتبر مفيدة جدًا لاستهداف الذئاب المنفردة في الغرب، لأنهم موجودون بالفعل داخل الدول الغربية، من خلال شرح كيفية التخطيط للهجمات الإرهابية في مختلف أنحاء العالم، وعبر تصنيع المتفجرات، واستهداف أشخاص محددين، وما إلى ذلك”. أمن دولي ـ هل من ضغوطات أوروبية على إيران بعد تغيير النظام في سوريا؟
أبرز الهجمات الإرهابية في بداية العام 2025
22 فبراير 2025: قتل جزائري يبلغ من العمر 37 عامًا رجلًا يبلغ من العمر 69 عامًا وأصاب خمسة من رجال الشرطة في “مولهاوس” بفرنسا، كان المهاجم مدرجًا على قائمة مراقبة الإرهاب وكان من المقرر ترحيله.
21 فبراير 2025: طعن لاجئ سوري سائحًا إسبانيًا وأصابه بجروح خطيرة في النصب التذكاري للهولوكوست في برلين. وقال المحققون إن هدفه كان قتل اليهود.
19 فبراير 2025: أعلنت السلطات النمساوية اعتقال صبي يبلغ من العمر 14 عاما من أصول تركية. كان يخطط لهجوم على إحدى محطات القطارات في فيينا. واعتنق الصبي الفكر المتطرف عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
15 فبراير 2025: قام شاب سوري يبلغ من العمر 23 عامًا باختيار عشوائي للمارة في مدينة فيلاخ في جنوب النمسا وطعنهم. كان الشاب قد أعلن ولاءه لتنظيم داعش.
13 فبراير2025: قاد طالب اللجوء الأفغاني “فرهاد نوري” سيارته نحو حشد من المتظاهرين في ميونيخ، وكان لديه دافع إسلاموي لارتكاب الهجوم.
22 يناير 2025: هاجم إينام الله أو لأفغاني الجنسية، البالغ من العمر 28 عامًا مجموعة من الأطفال في مدينة أشافنبورغ البافارية.
كيف تبدو سمات هجمات الذئاب المنفردة؟
أشارت الإحصائيات في 23 فبراير 2025 أن في العام 2022 وحده، سُجِّلت (28) هجمة إرهابية داخل دول الاتحاد الأوروبي، ويوجد في إسبانيا وحدها أكثر من (300) ذئب منفرد تحت المراقبة، حيث تعد إسبانيا دولة عبور للعديد من المتطرفين من شمال أفريقيا إلى أوروبا. وبات انتشار الأساليب منخفضة التقنية وعالية التأثير مثل الطعن والاعتداءات بالمركبات مصدر قلق خطير في الدول الأوروبية. وكانت قد حذرت الشرطة الأوروبية “يوروبول” من أن منفذي الهجمات الإرهابية في الاتحاد الأوروبي هم أشخاص منفردون، حيث يشكل الإرهاب الإسلاموي التهديد الأكبر في أوروبا الغربية.
تميل الهجمات التي يشنها “الذئاب المنفردة” إلى أن تكون “مُلهمة” من قبل الجماعات المتطرفة كتنظيمي “داعش والقاعدة” تعد هذه الديناميكية مختلفة تمامًا عن عام 2014 عندما استولى تنظيم داعش على أجزاء كبيرة من العراق وسوريا. في ذلك الوقت، كان المتطرفون المحتملون غالبًا على اتصال مباشر مع أحد المتطرفين في الشرق الأوسط يشجعهم على مغادرة ديارهم والقدوم إلى “دولة الخلافة”.
تقول “كارولا جارسيا كالفو”، الباحثة البارزة في مجال الإرهاب العالمي في معهد إلكانو الملكي في مدريد “ما نراه في كثير من الأحيان هو أنه على الرغم من أن المهاجمين ينفذون أفعالهم بمفردهم، فإن التحقيق يكشف لاحقًا أن المهاجم كان على اتصال بأشخاص آخرين مرتبطين بجماعات إرهابية. اتضح أنهم لم يكونوا بمفردهم كما بدو”. أمن دولي ـ التطور الدبلوماسي لموقف ألمانيا تجاه حل الدولتين: إسرائيل وفلسطين
هل هناك ارتباط بين المراهقين والشباب وظاهرة الذئاب المنفردة؟
تشير التقارير الاستخباراتية إلى أن المتطرفين العنيفين أصبحوا أصغر سنًا، وفي هذا السياق، تدرك السلطات الأمنية أن هناك بعض الأشخاص الذين ما زالوا قاصرين وقادرين على ارتكاب هجمات إرهابية. كما أن عمليات التجنيد والاستقطاب تتم في المقام الأول على شبكة الإنترنت في 17 فبراير 2025. أحصى باحثون في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في الفترة ما بين مارس 2023 ومارس 2024 (470) قضية قانونية ذات صلة بتنظيم “داعش”. وكان المراهقون أو القُصَّر متورطين في (30) قضية على الأقل من هذه القضايا، وأضاف التقرير أن “هذا العدد قد يكون أعلى بكثير نظراً لأن العديد من الدول لا تنشر بيانات أعمار المعتقلين”.
أجرى “بيتر نيومان” أستاذ الدراسات الأمنية في كينجز كوليدج في لندن دراسة مفادها أنه بعد النظر في (27) حالة حديثة مرتبطة بتنظيم “داعش”، وجد أن ما يقرب من ثلثي الاعتقالات المرتبطة بهذا التنظيم في أوروبا كانت لمراهقين. يعتقد الخبراء أن هذه الرسائل موجهة بشكل صريح إلى المراهقين الأوروبيين. ويعتقدون أن العدد المتزايد من المهاجمين المراهقين له علاقة أكبر بالطريقة التي تسمح بها وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الرسائل للمراهقين بالوصول إلى محتوى للتنظيمات المتطرفة.
**
2. مكافحة الإرهاب ـ كيف أصبحت الذئاب المنفردة سمة الإرهاب في أوروبا؟
شهدت أوروبا تحولًا واضحًا في طبيعة التهديدات الإرهابية، خلال السنوات الأخيرة حيث أصبحت “الذئاب المنفردة” واحدة من أخطر وأصعب الظواهر التي تواجه الأجهزة الأمنية والاستخباراتية. يشير مصطلح “الذئاب المنفردة” إلى الأفراد الذين ينفذون عمليات إرهابية بشكل مستقل، دون أن يكون لهم إتصال مباشر بتنظيم إرهابي معين، بل يتبنون أيديولوجيات متطرفة ويستلهمون أفكارهم من الدعاية الإرهابية عبر الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي.
ويرجع صعود هذه الظاهرة إلى عدة عوامل؛ من بينها تطور وسائل الاتصال، وتغيبر استراتيجيات التنظيمات الإرهابية، وتعقيد إجراءات الهجرة، فضلًا عن التحديات التي تواجهها الحكومات الأوروبية في دمج الأقليات والتعامل مع قضايا التطرف.يعد الهجوم الإرهابي الذي نفذه أنيس العمري في برلين عام 2016 أحد أبرز الأمثلة على خطورة هذه الظاهرة، حيث نفذ الهجوم بمفرده مستخدمًا شاحنة دهس بها عشرات المدنيين. ومنذ ذلك الحين، تكررت هجمات مشابهة في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا، ما دفع الأجهزة الأمنية إلى إعادة النظر في استراتيجياتها لمكافحة الإرهاب الفردي.
ما حجم الهجمات الإرهابية الفردية في أوروبا؟
إحصائيات وأرقام حول الهجمات الفردية خلال عامي 2024 و2025
تشير البيانات المتاحة إلى أن عدد الهجمات الإرهابية الفردية في أوروبا قد شهد ارتفاعًا ملحوظًا خلال عامي 2024 و2025. وفقًا لتقارير أوروبية، فإن حوالي 70% من الهجمات الإرهابية التي وقعت في أوروبا خلال هذه الفترة كانت من تنفيذ أفراد تصرفوا بمفردهم، مقارنة بـ 55% خلال الفترة 2018-2020. ومن بين هذه الهجمات، كانت هناك عدة عمليات دهس وطعن وإطلاق نار نفذها أفراد تأثروا بالدعاية الجهادية عبر الإنترنت، أو كانت لديهم دوافع أيديولوجية يمينية متطرفة.
نفذ شخص يحمل الجنسية الفرنسية هجومًا بالسلاح الأبيض في محطة قطارات بمدينة باريس، في يناير 2024، أسفر عن مقتل شخصين وإصابة آخرين.
وفي مايو 224، استهدفت عملية دهس في برلين عددًا من المارة في منطقة مزدحمة، ما أدى إلى إصابة 12 شخصًا ومقتل 3 آخرين. أما في بداية عام 2025، فقد تم إحباط هجوم إرهابي في مدريد كان يستهدف مركزًا تجاريًا، حيث تبين أن المهاجم كان يتواصل مع مجموعات متطرفة عبر الإنترنت.
شهدت مدينة ميونيخ الألمانية، في 13 فبراير 2025، حادث دهس أسفر عن إصابة 28 شخصًا، بينهم أطفال. المشتبه به هو طالب لجوء أفغاني يبلغ من العمر 24 عامًا، قاد سيارته نحو حشد من المتظاهرين خلال إضراب نظّمته نقابة “فيردي” العمالية. الحادث أثار جدلاً سياسيًا في ألمانيا حول سياسات الهجرة والأمن، حيث تعهّد المستشار الألماني أولاف شولتس بترحيل المشتبه به بعد محاكمته..
أفاد شهود عيان يوم الثالث من مارس 2025 أن سيارة دهست حشدًا من الناس في مدينة مانهايم الألمانية جنوب غرب ألمانيا، التابعة لمقاطعة شتوتغارت. وقال متحدث باسم الشرطة إن التحقيق يُجرى على قدم وساق. وفقًا للشرطة، وقعت الحادثة في ساحة بارادبلاتز المركزية في وسط مدينة مانهايم. يبلغ عدد سكان المدينة حوالي 320 ألف نسمة، وهي ثاني أكبر مدينة في بادن فورتمبيرغ. تم القبض على السائق المشتبه به، بحسب الشرطة. وذكرت التقارير أن الرجل ألماني ويعالج في المستشفى. ولم يتم الاشتباه في أي مرتكبين آخرين. وفقًا للشرطة، هناك قتيل وعدة مصابين بجروح خطيرة. وذكرت صحيفة بيلد أن الحادث أسفر عن مقتل شخصين وإصابة 25 آخرين، منهم 15 في حالة خطيرة. لم تستبعد الشرطة وجود وضع خطير آخر. دعا المسؤولون السكان إلى تجنب منطقة وسط المدينة، والبقاء في منازلهم. مكافحة الإرهاب ـ مفهوم الذئاب المنفردة في سياق الإرهاب
حذّر بروس هوفمان، خبير الإرهاب وأستاذ في جامعة جورج تاون، من تصاعد إرهاب اليمين المتطرف، مشيرًا إلى أنه بلغ ذروته في أوائل الثمانينات، مع تزايد أنشطة الذئاب المنفردة خلال تلك الفترة.أوضح بوعز غانور، المدير التنفيذي للمعهد الدولي لمكافحة الإرهاب، أن مصطلح “الذئب الوحيد” يشير إلى فرد يتبنى أيديولوجية متطرفة ويقرر تنفيذ عمل إرهابي دون تلقي دعم عملي أو توجيه مباشر من منظمة إرهابية، مما يزيد من صعوبة تعقبه ومنعه.
ما الفرق بين الهجمات المنظمة والهجمات الفردية؟
تختلف الهجمات الإرهابية الفردية عن الهجمات المنظمة من حيث طبيعة التخطيط والتنفيذ. فعلى سبيل المثال، تعتمد التنظيمات الإرهابية الكبرى مثل داعش والقاعدة على شبكات واسعة من الأفراد والمجموعات التي تعمل بشكل منسق لتنفيذ عمليات معقدة، تتطلب تمويلًا كبيرًا وتنسيقًا لوجستيًا دقيقًا. في المقابل، تعتمد هجمات الذئاب المنفردة على عنصر المفاجأة، حيث يمكن للمهاجم التحرك بحرية دون أن يكون تحت مراقبة الأجهزة الأمنية، نظرًا لعدم ارتباطه المباشر بأي منظمة إرهابية.
ومن الناحية الأمنية، يمثل تعقب الذئاب المنفردة تحديًا كبيرًا، لأن معظم هؤلاء الأفراد لا يملكون سجلًا إجراميًا أو تاريخًا واضحًا من التطرف، مما يجعل اكتشافهم قبل تنفيذ العمليات أمرًا في غاية الصعوبة. كما أن أدوات الهجوم التي يستخدمونها غالبًا ما تكون متاحة بسهولة، مثل السكاكين أو السيارات، مما يقلل الحاجة إلى شراء أسلحة نارية أو متفجرات، وبالتالي لا يتم رصدهم من قبل أجهزة الاستخبارات.مكافحة الإرهاب في ألمانيا ـ هل الترحيل وحده كافٍ لمكافحة التطرف والإرهاب؟
ما أسباب تحول الإرهاب نحو نموذج الذئاب المنفردة؟
أبرز أسباب تزايد الهجمات الفردية في أوروبا هو الصعوبة البالغة في تعقب الأفراد المتطرفين مقارنة بالخلايا الإرهابية المنظمة. فبينما تعتمد التنظيمات الإرهابية التقليدية على شبكات اتصال يمكن للأجهزة الأمنية اختراقها وتتبعها، يعمل الذئاب المنفردة في عزلة تامة، ما يجعل اكتشافهم قبل تنفيذ هجماتهم أمرًا معقدًا للغاية. لا تتطلب الهجمات الفردية موارد مالية ضخمة أو تخطيطًا معقدًا، على عكس الهجمات الإرهابية التقليدية التي تستلزم تنسيقًا بين عدد من الأشخاص، وتمويلًا لشراء الأسلحة أو المواد المتفجرة. على سبيل المثال، يمكن لشخص واحد تنفيذ هجوم بواسطة سيارة مسروقة أو سكين مطبخ، دون الحاجة إلى أي تجهيزات مسبقة.
أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي منصة رئيسية للجماعات الإرهابية، حيث يتم استخدامها لنشر أفكار متطرفة وتحريض الأفراد على تنفيذ عمليات فردية. وتعتمد هذه الجماعات على استراتيجيات نفسية لجذب أشخاص يعانون من العزلة الاجتماعية أو الأزمات النفسية، مما يجعلهم فريسة سهلة للأيديولوجيات المتطرفة.
ما استراتيجيات التنظيمات الإرهابية في تحفيز الذئاب المنفردة؟
تعمل تنظيمات مثل داعش والقاعدة على استهداف الأفراد الذين يعانون من مشاكل نفسية أو اجتماعية، حيث يتم إقناعهم بأن تنفيذ هجوم إرهابي هو “الخلاص” لهم، وأنه يمنحهم مكانة مرموقة داخل المجتمع الجهادي. تنشر الجماعات الإرهابية كميات هائلة من المحتوى التحريضي عبر الإنترنت، تتضمن مقاطع فيديو، ورسائل مشفرة، وتعليمات حول كيفية تنفيذ الهجمات بأساليب بسيطة لكنها فعالة. وأحد أبرز الأمثلة على ذلك هو مجلة “روميّة” التابعة لداعش، التي كانت تقدم نصائح مباشرة حول كيفية تنفيذ هجمات فردية.مكافحة الإرهاب ـ تحذيرات من تنامي التهديد الإرهابي العالمي
أمثلة على أفراد تأثروا، وما دوافعهم الشخصية؟
شهدت أوروبا العديد من الهجمات التي نفذها أفراد تأثروا بالدعاية الإرهابية. فعلى سبيل المثال، في عام 2024، شهدت العاصمة النمساوية فيينا هجومًا داميًا نفذه شخص يُعتقد أنه كان متأثرًا بأيديولوجية داعش. المهاجم، الذي كان يعاني من مشاكل اجتماعية واقتصادية، قام بمهاجمة سوق مزدحم بالسياح والسكان المحليين، مستخدمًا سكينًا لتنفيذ عملية طعن جماعي. وأسفر الهجوم عن مقتل وإصابة عدة أشخاص قبل أن تتدخل قوات الأمن وتتمكن من السيطرة عليه.
أظهرت التحقيقات اللاحقة أن منفذ الهجوم كان قد تابع مواد تحريضية عبر الإنترنت، وحاول التواصل مع متطرفين عبر منصات مشفرة، مما يعكس خطورة الدعاية الإرهابية في استقطاب الأفراد المعزولين. وتبين أن أحد العوامل التي دفعته لتنفيذ الهجوم هو شعوره بالإقصاء الاجتماعي، إلى جانب تأثره برسائل تحريضية تدعو إلى استهداف المدنيين. يؤكد هذا الحادث وغيره من الحوادث المماثلة أن الإرهاب لم يعد يقتصر على التنظيمات الكبيرة فقط، بل أصبح الأفراد المنعزلون يشكلون تهديدًا حقيقيًا للأمن الأوروبي.
**
3. مكافحة الإرهاب ـ كيف يتحول الشخص إلى ذئب منفرد بشكل مفاجئ؟
تصاعدت ظاهرة “الذئاب المنفردة” في أوروبا، عقب سقوط تنظيم “داعش” في العراق في 9 ديسمبر 2017، وهزيمته في سوريا في 22 مارس 2019، واتخاذ دول الاتحاد الأوروبي إجراءات استباقية، لتشديد الرقابة على التنظيمات المتطرفة، التي تلجأ إلى الذئاب المنفردة لتنفيذ عملياتها الإرهابية. ومع تجدد الصراعات في منطقة الشرق الأوسط جراء أحداث 7 أكتوبر 2023، عادت العوامل المؤثرة في تحول الأشخاص إلى التطرف العنيف والإرهاب بصورة واسعة، الأمر الذي يتطلب وضع تدابير وسياسات معالجة للأسباب الجذرية المسؤولة عن ظهور الذئاب المنفردة، واستغلال التنظيمات المتطرفة لهم خلال الفترة المقبلة.
ما مراحل تحول الشخص إلى متطرف؟
يمر الشخص بـ (4) مراحل للتحول إلى التطرف الفردي، وقد تستغرق المراحل ما بين أسابيع إلى شهر، نتيجة مروره بأزمات شخصية، أو لسيطرة أفكار تشعره بالمظلومية أو بالمعاناة لفترة معينة تجاه مؤسسة أو جهة.
– المرحلة الأولى “ما قبل الراديكالية“: يتعرض الشخص للأفكار المتطرفة، وغالباً مصدرها من أعضاء الجماعات الإرهابية، أو عبر الإنترنت، ويشعر الشخص وقتها بالانفصال والعزلة عن حياته التقليدية. تتوافر خلال هذه الفترة محفزات تدفع الشخص للدخول في عملية التطرف، مثل تعرضه لحادث أو خسارته وظيفة أو تعرضه لظلم. إذا كان الشخص لا يمتلك نظام داعم في حياته، لتجاوز هذه الأزمات، فأنه يتقبل بسهولة الأفكار المتطرفة، ويتخذ قراراً بأن العنف هو الطريق الوحيد لحل أي مشكلة.
– المرحلة الثانية “تغير الأفكار: ” يبدأ الشخص بقبول الأفكار المتطرفة، وتتبدل رؤيته وفقاً لإيديولوجية متطرفة، تؤكد على أن العمل العنيف رد فعل بطولي على أي ظلم تعرض له. وقد تتحول هذه الأفكار سريعاً إلى خطط لارتكاب أعمال عنف. تعد هذه المرحلة أخطر مرحلة، لأن الدخول إليها يعني اندماج الشخص مع الإيديولوجية المتطرفة دون إمكانية لتغيير موقفه.
– المرحلة الثالثة “التلقين وقبول العنف“: انتقال الشخص من مجرد قبول أفكار متطرفة، إلى الإفصاح عن هذه الأفكار والدعوة إلى العنف، بل يتطور الوضع إلى وضع خطط لتحويل هذه المتعقدات إلى أفعال، بتحديد الهدف لشن هجوم، واختيار أدوات الحادث والتقاط الصور للأشخاص والأماكن المستهدفة.
– المرحلة الرابعة “الانخراط في التطرف: ” يتجاوز الشخص مرحلة البحث والتخطيط، ويبدأ في الانخراط في أعمال العنف والاستعداد لحدث حقيقي. يتلقى الشخص تدريبات لإطلاق النار وتنفيذ هجمات إرهابية، والتحايل على التدابير الأمنية في المواقع المستهدفة. يصبح الشخص لديه كل النية لارتكاب أعمال عنف وإرهاب.
ما العوامل التي تتسبب في تحول الشخص إلى ذئب منفرد؟
– العوامل الاجتماعية: يتولد لدى الشخص مشاكل اجتماعية ونفسية، نتيجة الإقصاء الاجتماعي والتهميش والتمييز، مثل حالات عدم الحصول على فرص تعليم أو عمل متساوية، أو فقدان مسكن والإجبار على النزوح، ما يتسبب في فقدان الشخص الثقة في المجتمع، ويؤدي إلى افتقار التماسك الاجتماعي، لشعور الفرد بعدم القدرة على التأقلم مع الآخرين.
– الشعور بالظلم وعدم الانتماء: عندما يتعرض الفرد لإحباط أو أزمة نفسية، ولم يستطع تجاوز تداعياتها، ينجم عنها شعور قوي بدور الضحية والظلم والإذلال، والميل إلى تفسير سرديات المؤامرة.
– العوامل النفسية: التعرض لصدمات نفسية، واضطراب ما بعد الصدمة أو غيرها من المشاكل النفسية المعقدة، قد يدفع بعض الأشخاص إلى تبني العنف كمنفذ للتوتر والغضب. وعندما يجتمع التطرف مع الصدمة، يصبح التطرف الطريقة الأولى التي يعبر بها الشخص عن حالته النفسية.
– النشاط الإجرامي: قد يصبح الأشخاص المتورطين في أنشطة إجرامية، والعمل مع مجموعات إجرامية غير نظامية، عرضة لتبني أفكار متطرفة، وتحول سلوكهم إلى التطرف العنيف وارتكاب أعمال إرهابية. مكافحة الإرهاب في ألمانيا ـ ما هي حجم تهديدات داعش لألمانيا؟
كيف يُستخدم الفضاء الإلكتروني لاستقطاب أشخاص للتطرف؟
تستغل الجماعات المتطرفة الإنترنت، لاستهداف وإقناع وتجنيد الأشخاص، عبر نشر صور ورسائل ومقاطع فيديوهات تحرض على العنف، إضافة إلى نشر أخبار مضللة بشكل مكثف، لبث المخاوف بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي.
تستطيع شبكات الإنترنت الوصول إلى أفراد لا يمكن الوصول إليهم بطرق أخرى، فهي تسرع عملية اندماج الأشخاص في التطرف، وتزيد من فرص العنف الذاتي، نظراً لاتساع انتشار وجهات النظر المتطرفة ذات التفكير المماثل، عبر منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الألعاب، مثل “يوتيوب” و”تيلجرام” و”ريديت” و”ديسكورد” و”تيك توك”، بالتواصل والتشبيك بين أشخاص من جميع أنحاء العالم، وعلى مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.
أصبحت الخوارزميات حجر الأساس، في توزيع المحتوى وإشراك المستخدمين في وسائل التواصل الاجتماعي، وتستخدم في تضخيم الدعاية المتطرفة والسرديات الاستقطابية، ما يزيد من انتشار الدعاية المضللة، ويعزز وجود الخطاب المتطرف، وتفاقم الانقسامات المجتمعية، ما يعرف باسم “التطرف الخوارزمي”.
أشار الأكاديمي جو بيرتون، إلى أن التحيزات الخوارزمية تزيد من التفاعل من خلال الخوف أو الغضب، ما يؤدي بدون قصد إلى ظهور إيديولوجيات متطرفة، وجعل المستخدمين عرضة للمحتوى المتطرف. استعان تنظيمي “داعش” و”القاعدة” بمنصات التواصل الاجتماعي، لنشر الدعاية المتطرفة وتجنيد عناصر جديدة، واعتمد داعش على تطبيقي “إكس” و”تليجرام” لنشر محتوى استفزازي عاطفي يروج لخطاب متطرف، ويزيد الشعور بالانتماء بين عناصره. استخدمت القاعدة تطبيق “يوتيوب” لإلقاء خطابات وتدريبات باستخدام روابط مشفرة في مقاطع الفيديو الخاصة به. بينما استخدمت عناصر اليمين المتطرف، “تيك توك” لنشر مواد متطرفة وتضخيم أفكارهم المنحازة ضد المهاجرين.
رغم استخدام نماذج التعليم الآلي الذكية، لتعديل المحتوى الضار على الإنترنت، إلا أن الخوارزميات جزء من المشكلة، وقال الباحث الرئيسي في مايكروسوفت تارلتون جيليسبي، إن خوارزميات الفرز والتصفية والتوصية التي تنظم مساحات على الإنترنت، مثل الموضوعات الشائعة على “إكس” أو موجز أخبار “فيسبوك” تسمح بالترويج للخطاب الضار.
كيفية حماية المجتمع الأوروبي من ظاهرة الذئاب المنفردة؟
يعمل الاتحاد الأوروبي على طرح مبادرات لدعم الدول الأعضاء، في مجالات منع التطرف المؤدي إلى التطرف العنيف والإرهاب، خاصة وأنها باتت ظاهرة مقلقة لدول التكتل، واستندت أجندة مكافحة الإرهاب لعام 2020، على أدوات لمكافحة الدعاية الإرهابية وخطاب الكراهية غير القانوني وتعزيز حقوق ودعم ضحايا الإرهاب، وتطوير السياسات الوقائية لمنع تمدد ظاهرة الذئاب المنفردة.
وضعت الدول الأعضاء بالتكتل الأوروبي، عدداً من التدابير، بما فيهم أدوات تقييم المخاطر، وأنظمة الاحتجاز الخاصة، وبرامج إعادة التأهيل وإعادة الاندماج، والتدريب لموظفي السجون والمراقبة، وهياكل تبادل المعلومات والتعاون لإدارة المجرمين السابقين بعد الإفراج عنهم، مع معالجة التحديات المتعلقة بالتطرف في السجون، مثل تكيف العمل الوقائي مع النوع الاجتماعي، ومعالجة قضايا الصحة العقلية والبعد الديني في برامج إعادة التأهيل، خاصة وأنه تم رصد زيادة أعداد المتطرفين في السجون في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي.
أنشأت المفوضية الأوروبية عدداً من الشبكات، لتبادل المعرفة وتعزيز التعاون في الوقاية من التطرف والتطرف العنيف، مثل مركز المعرفة التابع للاتحاد للوقاية من التطرف، ويجمع عدد من صناع السياسات والباحثين في مجال الوقاية في أوروبا. ومنتدى الإنترنت للاتحاد الأوروبي، الذي يعالج المحتوى غير القانوني عبر الإنترنت. وشبكة التوعية بالتطرف التي تربط بين العاملين بالقطاعين الصحي والاجتماعي، وموظفي السجون، ومنظمات المجتمع المدني، ويبلغ عددهم نحو (7) آلاف شخص.
تضم شبكات أخرى، مثل المنظمة الأوروبية للسجون والخدمات الإصلاحية، وأكاديمية تدريب السجون الأوروبية، والشبكة الأوروبية للتدريب القضائي.
تعمل مؤسسات التكتل الأوروبي، على تحقيق التوازن بين حرية التعبير والاعتدال الفعال في المحتوى، عبر قانون “Netz” في ألمانيا، للحد من خطاب الكراهية على الإنترنت، وإجبار المنصات على إزالة المحتوى الضار. تم تقليص التضخم الخوارزمي للتطرف، عبر التعديل الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي مثل نموذج التعليم الآلي في يوتيوب 2023، وقلل من مقاطع الفيديو المتطرفة بنسبة (30%).
يتطلب قانون الخدمات الرقمية 2023 الصادر عن الاتحاد الأوروبي، من تطبيقات التواصل الاجتماعي، الكشف عن كيفية عمل خوارزمياتها وتقييم تأثيرها على المستخدمين. يتعين على صناع السياسات أن يحددوا قواعد المساءلة الخوارزمية، والعقوبات المفروضة على المنصات التي تفشل في معالجة التضخيم الضار. مكافحة الإرهاب ـ تحذيرات من تنامي التهديد الإرهابي العالمي
ما الاتجاهات المحتملة لظاهرة الذئاب المنفردة؟
– فقدان التنظيمات مثل “القاعدة” و”داعش” حرية التحرك مثل السنوات الماضية، تدفعها للتركيز على الذئاب المنفردة في شن هجمات في مناطق متفرقة، ما يجعل من الصعوبة التنبؤ بهؤلاء الأشخاص، وطبيعة الأفكار التي ينجذبون إليها، ووسائل التواصل التي يلجؤون لها. فالتنوع الشديد داخل المجتمعات الأوروبية، يجعل للتطرف أشكال متنوعة، وظاهرة الذئاب المنفردة موجودة بين كل الفئات بدون استثناء.
– التدابير الأمنية الاستباقية التي تتخذها الدول الأوروبية، والقواعد المشددة للحد من حركة الهجرة، لا تعني أن ظاهرة الذئاب المنفردة تتجه إلى الانحسار، بل يتجه الأشخاص الذين يعانون من أزمات نفسية وشخصية وعزلة اجتماعية، إلى تبني العنف كوسيلة للتعبير عن هذه المشاعر، خاصة وأن بعضهم يقتنع هذا هو الحل لتحقيق العدالة في المجتمعات.
– تجدد الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، تمنح التنظيمات الإرهابية فرصة لاستقطاب عناصر جديدة في المجتمعات الأوروبية، تحت مسمى “الذئاب المنفردة”، خاصة وأن داعش يستغل غضب الشباب من أحداث غزة، لتحريضهم على العنف عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تحت ذريعة أن هذه الهجمات الفردية بمثابة الثأر للفلسطينيين. مكافحة الإرهاب في ألمانيا ـ هل الترحيل وحده كافٍ لمكافحة التطرف والإرهاب؟
**
4. مكافحة الإرهاب ـ لماذا تشهد ألمانيا حوادث دهس وطعن أكثر من بقية دول أوروبا؟
الهجمات الإرهابية التي يشنها أشخاص منفردون نادرة من الناحية الإحصائية، ولكنها يمكنها أن تدمر المجتمعات المحلية وتؤجج المخاوف العامة. تثير هجمات الفاعلين المنفردين الأخيرة أيضا شبح الهجمات المقلَّدة، وهي ظاهرة لاحظها علماء الاجرام، عادة بين الشباب الذكور الذين يتأثرون بالدعاية المثيرة التي تحمل في طياتها فكرة القتل الجماعي، و الذين يحملون مزيجا من الأمراض العقلية الحادة ، والسجلات الجنائية ، أو لديهم تاريخ من السلوك العنيف.هجمات الذئاب المنفردة لا تزال نادرة نسبيا و أقل شيوعا من الهجمات الارهابية الجماعية. كما أن الأنشطة التي ينفذها الافراد لوحدهم تمثل تاريخيا أكثر صعوبة في الكشف عنها ومنعها في المقام الأول لأن الجناة يعملون بأنفسهم ولا يبلغون عن نواياهم مع متعاونين. تتميز عمليات الذئاب المنفردة بالبساطة، وتنفيذها من قبل فرد واحد، وهذ يبدو هذا منطقيا.
حادثة مدينة مانهايم الألمانية
أفاد شهود عيان يوم الثالث من مارس 2025 أن سيارة دهست حشدًا من الناس في مدينة مانهايم الألمانية جنوب غرب ألمانيا، التابعة لمقاطعة شتوتغارت. وقال متحدث باسم الشرطة إن التحقيق يُجرى على قدم وساق. وفقًا للشرطة، وقعت الحادثة في ساحة بارادبلاتز المركزية في وسط مدينة مانهايم. يبلغ عدد سكان المدينة حوالي 320 ألف نسمة، وهي ثاني أكبر مدينة في بادن فورتمبيرغ. تم القبض على السائق المشتبه به، بحسب الشرطة. وذكرت التقارير أن الرجل ألماني ويعالج في المستشفى. ولم يتم الاشتباه في أي مرتكبين آخرين. وفقًا للشرطة، هناك قتيل وعدة مصابين بجروح خطيرة. وذكرت صحيفة بيلد أن الحادث أسفر عن مقتل شخصين وإصابة 25 آخرين، منهم 15 في حالة خطيرة. لم تستبعد الشرطة وجود وضع خطير آخر. دعا المسؤولون السكان إلى تجنب منطقة وسط المدينة، والبقاء في منازلهم.
تم إخلاء المنطقة الداخلية للمدينة إلى حد كبير، وكانت هناك استعدادات في المستشفى الجامعي لاستقبال الجرحى. وقد قام المستشفى على الفور بتنفيذ خطة الكوارث والطوارئ للتحضير لرعاية المصابين، كما تم نشر ما مجموعه ثمانية فرق متخصصة في علاج الصدمات، للبالغين والأطفال. تم القبض على السائق المشتبه به وهو يتلقى العلاج في المستشفى. وقال وزير داخلية الولاية شتروبل إن الرجل هو ألماني يبلغ من العمر 40 عامًا من راينلاند بالاتينات . وبحسب المعلومات الواردة من مجلة “شبيغل” وشبكة SWR، فإن الرجل المعتقل لم يلفت انتباه السلطات الأمنية الألمانية بعد فيما يتصل بالتطرف أو الإرهاب. لكن هناك علامات تشير إلى وجود مرض عقلي. مكافحة الإرهاب ـ الذئاب المنفردة في أوروبا، فهم الدوافع
ما لا نعرفه عن الحادث
تفترض الشرطة أن هناك شخصًا واحدًا على الأقل قد توفي، بينما أفادت مصادر أمنية عن مقتل شخصين. ولم تتمكن الشرطة حتى الآن من تقديم أي معلومات دقيقة حول عدد الأشخاص المصابين بجروح خطيرة ومدى خطورة إصاباتهم. لا توجد معلومات حول دوافع الحادث. لم تصدر أي تصريحات رسمية حول نوايا السائق حتى الآن. وقع الحادث في ساحة بارادبلاتز المركزية في مانهايم، وهي منطقة حيوية ومزدحمة، وهو حادث دهس جماعي أوقع قتلى وجرحى، ما استدعى استجابة طارئة واسعة النطاق. تم القبض على السائق المشتبه به، وهو ألماني الجنسية ويتلقى العلاج في المستشفى. لم يتم الإبلاغ عن متورطين آخرين حتى الآن. عدم وضوح الدافع. حتى الآن، لم يتم تحديد ما إذا كان الحادث هجومًا متعمدًا أم مجرد حادث سير. لا توجد تصريحات رسمية حول دوافع السائق، ولم تستبعد الشرطة وجود مخاطر إضافية.
قائمة حوادث الدهس والطعن في ألمانيا لعامي 2024 و2025
ـ هجوم سوق عيد الميلاد في ماغديبورغ – يناير 2024 : حادث دهس وقع خلال سوق عيد الميلاد في ماغديبورغ، أسفر عن مقتل 5 أشخاص وإصابة أكثر من 200 آخرين. يشتبه في أن الدافع قد يكون مرتبطًا بتوجهات متطرفة أو احتجاجات سياسية.
ـ حادث الدهس في مانهايم – مارس 2025 : سيارة، يُزعم أنها من نوع الدفع الرباعي، اندفعت في وسط المدينة عند منطقة بارادبلاتز. أدى الحادث إلى مقتل شخص واحد وإصابة عدة آخرين. لا تزال التحقيقات جارية، لكنه يُبرز تصاعد المخاوف الأمنية في المناطق الحضرية.
ـ حادث الدهس في ميونخ – فبراير 2025 :حادث دهس آخر في ميونخ أدى إلى إصابة 28 شخصًا على الأقل. استدعى الحادث تدخلًا عاجلًا لقوات الشرطة والإسعاف. يُعتقد أنه قد يكون جزءًا من سلسلة هجمات تستهدف التجمعات العامة.
ـ حادث الطعن في مانهايم – مايو 2024 : وقع الحادث خلال تظاهرة في مانهايم وأدى إلى إصابة عدد من الأشخاص، بينهم إصابات خطيرة. تم الإبلاغ عن حادث طعن آخر في المدينة أسفر عن مقتل شخص. يُشتبه في دوافع متطرفة أو احتجاجية تتعلق بالسياسات الداخلية.
ـ حادثة الطعن في أشافنبورغ – مايو 2024 : هجوم نفذه طالب لجوء أفغاني مرفوض، مما أدى إلى مقتل طفل في الثانية من عمره ورجل في الأربعين. أثار الحادث موجة من الغضب في الرأي العام. يندرج ضمن سلسلة حوادث مرتبطة بجدل سياسات اللجوء والهجرة في ألمانيا.
“الذئاب المنفردة”
قيام شخص ليس بالضرورة منظم الى التنظيمات المتطرفة، أي لا يخضع إلى تنظيم هرمي يتلقون منه التعليمات للقيام بعمليات إرهابية، بالتخطيط لعمليات إرهابية وتنفيذها ضمن إمكانياتهم الذاتية. وغالبا ما ينتمي هؤلاء المتطرفون إلى فئة الشخصيات السوية الاعتيادية التي لا تثير الشّكوك حول سلوكها وحركتها اليومية. ووفق هذا الطارئ التكتيكي، تتحول العمليات الإرهابية من عمليات واسعة تنفّذها تنظيمات ومجموعات منظمة إلى عمليات فردية ينفذها أفراد. ويمكن أن تتنزل هذه العمليات في إطار بحث المنظمات الإرهابية عن حلول لمواجهة مشكلة التمويل والنقص في القيادات الميدانية من الجيل الأول للقاعدة، الذين تقدّم بهم السن وخرجوا من الخدمة.الذئاب المنفردة والتطرف المجتمعي.. تصاعد التهديدات الإرهابية في أوروبا
أصبح من الواضح أن الجريمة في بعض الأحيان تكون مدفوعة بعوامل إسلامية أو متطرفة، وفي بعض الأحيان يمكن تفسيرها بالمرض العقلي الذي يعاني منه الجاني. وفي بعض الحالات قد يكون مزيجًا من الاثنين.
أسباب تكرار الحوادث في ألمانيا أكثر من بقية دول أوروبا؟
ـ قضايا الهجرة واللجوء: تُعتبر من أكثر المواضيع المثيرة للجدل في ألمانيا. تثير السياسات الحكومية توترات داخل المجتمع، مما قد يدفع بعض المتطرفين إلى تنفيذ هجمات عنيفة.
التغطية الإعلامية المكثفة: نظرًا لحجم الاقتصاد الألماني وأهميته الجيوسياسية، تحظى هذه الحوادث بتغطية إعلامية واسعة مقارنة بدول أوروبية أخرى.
ـ الكثافة السكانية العالية: المدن الكبيرة مثل برلين، ميونخ، ومانهايم تضم تجمعات كبيرة من الناس، ما يجعلها هدفًا أسهل للهجمات.
ـ تصاعد حوادث التطرف: سواء كانت ناتجة عن عوامل اجتماعية أو تأثيرات خارجية، فقد شهدت ألمانيا ارتفاعًا في الحوادث المرتبطة بالتطرف.
ـ صعوبة منع بعض الهجمات: على الرغم من الجهود الأمنية، فإن بعض الهجمات تُنفذ بأساليب يصعب التنبؤ بها، خاصة في الأماكن المزدحمة.
تواجه ألمانيا تحديات أمنية معقدة بسبب تصاعد حوادث الدهس والطعن، التي تتداخل فيها عوامل سياسية، اجتماعية، وأيديولوجية. التوترات الناتجة عن قضايا الهجرة واللجوء، إضافة إلى الطابع الحضري والكثافة السكانية العالية، تعد من أبرز الأسباب وراء تكرار هذه الحوادث مقارنة ببقية الدول الأوروبية. معالجة جذور هذه الظواهر أمر ضروري لتعزيز الاستقرار والسلام في المجتمع الألماني.
ماتشهده ألمانيا من حوادث وعمليات مهما كانت دوافعها، سياسية، عرقية، أيدلوجية وغيرها، فهو ليس بعيداُ من الوضع السياسي الألماني الهش والمعقد الى جانب التطورات الجيوسياسية دولياً: الحروب والنزاعات الدولية والإقليمية.
أما الحديث عن استثمار واستغلال الجماعات المتطرفة بجميع خلفياتها اليمينية المتطرفة والإسلاموية، فهي تستغل المناسبات والتجمعات الواسعة في ألمانيا في مناطق مفتوحة مثل أعياد الميلاد ورأس السنة واحتفالات الكرنفالات وغيرها،
ـ من الواضح أن هناك ضغوطا كبيرة لوقف هذا العنف، إن توجيه أصابع الاتهام إلى السياسة وحدها لا يساعد. إن مكافحة التطرف والإرهاب أمر ضروري لإنشاء شبكة وطنية. يجب تدريب ضباط الشرطة وتجهيزهم للتعامل مع عمليات إطلاق النار الجماعي والهجمات الإرهابية (لقد تغير الكثير في هذا الصدد في السنوات الأخيرة، كما يتضح من التدخل السريع للشرطة بعد الهجمات). وفي الوقت نفسه، يتعين على ألمانيا الاستثمار في الوقاية من العنف: ينبغي أن يكون التدريب على مكافحة العنف للطلاب والشباب جزءاً دائماً من المناهج الدراسية.
ـ ويجب على مكاتب رعاية الشباب والمحاكم الأسرية والمدارس ومجموعات الدعم لضحايا العنف أن تتعاون بشكل وثيق على المستوى المحلي. لم يعد العنف موضوعا محرماً في الأسرة، وفي الحي، وفي العمل، وفي النوادي والمجتمعات المحلية.
ـ بات ضرورة المراقبة المستمرة للوضع الأمني وتعزيز التدابير الأمنية لمنع أي تصعيد محتمل. وأعتماد القواعد التقليدية في حماية المناطق المفتوحة والتجمعات منها، وضع الموانع والحواجز الكونكريتية وكاميرات المراقبة والتفتيش والتواجد للشرطة واجهزة الأمن. أما الاستخبارات فتقع على عاتقها فرز الأشخاص الخطرين وادراجهم تحت المراقبة.
رغم ذلك هناك اجماع لدى خبراء الأمن والاستخبارات، بإن عمليات الطعن والدهس الفردية ان كانت ذات دوافع”إرهابية” او غير إرهابية، يمكن وصفها بإنها على غرار الذئاب المنفردة والتي لايمكن التكهن بها ولا يمكن الحد منها.
**
تقييم وقراءة مستقبلية
– تبقى الأيديولوجية المتطرفة هي المحرك الرئيسي للذئاب المنفردة رغم أن الدوافع النفسية والاجتماعية مهمة. كما أن تزايد استهداف الشباب والمراهقين سيجعل هذه الفئة هدفًا رئيسيًا للوقاية والتوعية.
– تتسم أساليب هجمات الذئاب المنفردة بإنها منخفضة التقنية وبعيد عن أعين الأجهزة الاستخباراتية ولكنها فعّالة، مثل الطعن واستخدام السيارات، هذه الأساليب قد تصبح أكثر تطورًا مع مرور الوقت، مما يرفع من مستوى التهديد.
– بات متوقعًا أن تستمر ظاهرة الذئاب المنفردة في التزايد ويرجع ذلك لعدة أسباب منها سهولة الوصول إلى المحتوى المتطرف، فضلًا عن العوامل السياسية التي قد تُسهم في زيادة التطرف.
– من المرجح أن تستمر الجماعات المتطرفة في إلهام الذئاب المنفردة خاصة في صفوف الشباب والمراهقين، وستظل تستغل وسائل التواصل الاجتماعي لتحفيزهم على تنفيذ الهجمات الإرهابية بشكل منفرد.
– يكمن التحدي الكبير بالنسبة للسلطات الاستخباراتية في التعامل مع هذه ظاهرة الذئاب المنفردة في صعوبة تتبعها أو إيقافها قبل حدوثها، لا سيما أن “الذئاب المنفردة” لا تخضع عادة للتنسيق مع جماعات إرهابية منظمة.
– تتطلب مواجهة ظاهرة الذئاب المنفردة استجابة سريعة وشاملة تشمل عدة عناصر منها المراقبة، والوقاية، والتوعية، وتعزيز التعاون الاستخباراتي بين الجهات الأمنية على المستوى الدولي والإقليمي، وحذف المحتوى المتطرف على ورسائل التواصل الاجتماعي.
**
– أصبحت الهجمات التي ينفذها الذئاب المنفردة واحدة من أكبر التحديات الأمنية التي تواجه أوروبا اليوم، نظرًا لصعوبة اكتشافها قبل وقوعها. وتعتمد هذه الهجمات على تكتيكات مبسطة وأدوات يسهل الحصول عليها، مما يجعل من الصعب على أجهزة الأمن توقعها أو منعها بشكل فعال. ومع تزايد استخدام الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي لنشر الفكر المتطرف، يمكن القول إن التهديد سيستمر بالنمو ما لم تتخذ السلطات تدابير فعالة للحد من تأثير الدعاية الإرهابية.
– تلعب التكنولوجيا الحديثة دورًا مزدوجًا في ظاهرة الإرهاب الفردي، حيث توفر وسائل لتجنيد الأفراد وتحفيزهم، لكنها في الوقت ذاته تقدم حلولًا متقدمة للكشف المبكر عن المتطرفين المحتملين. يمكن للذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة تتبع الأنشطة المشبوهة عبر الإنترنت، ما يمنح السلطات قدرة أكبر على تحديد الأفراد المعرضين للتطرف قبل تنفيذهم لأي هجمات. ومع ذلك، تظل هناك تحديات قانونية تتعلق بحماية الخصوصية وحقوق الأفراد، مما يستدعي وضع توازن بين الأمن وحقوق الإنسان.
– من المتوقع أن تظل هجمات الذئاب المنفردة تحديًا أمنيًا رئيسيًا في أوروبا خلال السنوات القادمة، خاصة مع استمرار استخدام الإنترنت كوسيلة للتجنيد والتحريض. ولذلك، فإن مكافحة هذه الظاهرة تتطلب تبني استراتيجيات شاملة تشمل تعزيز الرقابة على الإنترنت، وتطوير برامج إعادة تأهيل للأفراد المعرضين للتطرف، إضافة إلى تحسين أساليب تحليل البيانات الأمنية لاكتشاف الأفراد الذين يشكلون خطرًا محتملًا.
– في ظل تزايد تهديد الذئاب المنفردة، لا بد للحكومات الأوروبية من تطوير استراتيجيات جديدة تعتمد على الوقاية وليس فقط المكافحة. من الضروري تعزيز التعاون بين أجهزة الأمن والمجتمعات المحلية لاكتشاف الأفراد المعرضين للتطرف قبل تحولهم إلى تهديد حقيقي. كما أن برامج إعادة التأهيل والتوعية ضرورية لمنع انتشار الأفكار المتطرفة بين الشباب والمهاجرين الذين يعانون من التهميش الاجتماعي والاقتصادي.
– لا يمكن لأي دولة أن تواجه خطر الإرهاب بمفردها، لذا فإن التعاون الدولي في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية وتعزيز الإجراءات القانونية المشتركة أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى. يجب على الدول الأوروبية التنسيق والتعاون مع دول أخرى، لضمان تبادل فعال للمعلومات حول الأفراد المتطرفين ومنع عبورهم بين الدول. كما أن تعزيز القوانين التي تجرّم نشر المحتوى الإرهابي على الإنترنت سيكون عاملاً أساسيًا في تقليل تأثير الدعاية الإرهابية.
**
– تتمثل خطورة ظاهرة “الذئاب المنفردة” في صعوبة تعقب هؤلاء الأشخاص الذين يتحولون إلى أشخاص متطرفة، نتيجة ظروف شخصية أو الثأر من أحداث عامة، تشعرهم بالظلم وعدم المساواة. ونظراً لأن هذه الظاهرة تعود إلى نهاية تسعينيات القرن الماضي، وتزايدت حدتها مع أحداث 11 سبتمبر 2001، وبتصاعد حدة الإجراءات الأمنية لتعقب التنظيمات الإرهابية. وتدريجياً ومع ظهور تنظيم “داعش” في 2014، تصاعد من جديد هذا المفهوم، في تبني بعض الهجمات الإرهابية، ومع خسارة داعش المساحة الجغرافية التي سيطر عليها في سوريا والعراق، باتت الذئاب المنفردة وسيلة يعتمد عليها التنظيم، كمحاولة لإثبات وجوده في المجتمعات الأوروبية، ولاستقطاب عناصر جديدة بهذه الهجمات الفردية عبر نشرها من خلال شبكة الإنترنت، والترويج لأفكار العنف والتطرف.
– عادت ظاهرة الذئاب المنفردة للظهور مجدداً بقوة، مع الحرب الإسرائيلية على غزة، واستغلال التنظيمات المتطرفة هذه الأحداث، لتغذية العنف والتطرف، وتحريض بعض الأشخاص وتحديداً من خلفيات مهاجرة، لشن هجمات فردية ضد فئات معينة بالمجتمع الأوروبية. ومنذ 7 أكتوبر 2023 شهدت مدن أوروبية هجمات لذئاب منفردة، وسرعان ما أعلن داعش تبنيه مسؤولية هذه الهجمات، الأمر الذي يزيد من مخاوف اتساع رقعة الإرهاب، وأن تصبح أوروبا في مرمى أهداف الذئاب المنفردة، في ظل استمرار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بمنطقة الشرق الأوسط.
– يستند داعش على الذئاب المنفردة، لصعوبة التواصل بين قادة التنظيم وخلاياه في أوروبا في التوقيت الحالي، ويعتمد التنظيم على طبيعة المحتوى المتطرف، الذي يتم نشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لإقناع بعض الأشخاص بتنفيذ هجمات فردية، وقد يعلن هؤلاء المنفذين انتمائهم لداعش بعد أو أثناء الهجوم.
– ينبغي على دول الاتحاد الأوروبي مراجعة الأسباب الجذرية، وراء ظهور الذئاب المنفردة، المتعلقة بالعوامل الاجتماعية والنفسية، والأزمات المرتبطة بفقدان فرص التعليم أو العمل، فهذه الأسباب هي الدوافع الرئيسية وراء هذه الظاهرة، ومعالجتها تسهل عملية الحد منها وخطورتها، خاصة وأن تدابير تتبع هذه العناصر لا يمكن تطبيقها، لصعوبة حصر الأشخاص غير المنتمين لجماعات متطرفة.
– مراجعة خوارزميات شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، تعد خطوة رئيسية في إجراءات تتبع الذئاب المنفردة، خاصة وأن التنظيمات المتطرفة تعتمد على هذه الوسائل بشكل أساسي، للترويج لأفكارها وجذب أشخاص للتطرف، وإقناعهم بشن هجمات فردية.
– إن التنسيق المشترك بين دول الاتحاد الأوروبي، لإعادة تأهيل الأشخاص ذوي الخلفيات الإجرامية، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، والمؤسسات التعليمية والتربوية، جزء لا يتجزأ من مكافحة الإرهاب وتبعات هجمات الذئاب المنفردة، خاصة وأن دول مثل ألمانيا وفرنسا وقعت من جديد في دائرة استهداف هذه المجموعات.
– التصدي للخطاب المتطرف من قبل الجماعات الإسلاموية المتطرفة من ناحية، وجماعات اليمين المتطرف من ناحية أخرى، يمكن الحكومات الأوروبية من مواجهة هجمات الذئاب المنفردة، ويضع حداً للانقسامات داخل المجتمعات الأوروبية، في ظل تزايد التصعيد الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية.
رابط مختصر .. https://www.europarabct.com/?p=101849
حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ECCI
هوامش
Britain faces increasing threat from lone wolf terrorists radicalised online
https://tinyurl.com/5n8cdh57
ISIS calls for ‘lone wolves’ to carry out Ramadan massacre of Christians and Jews across Europe, US and Israel
https://tinyurl.com/yckf4xcd
New Orleans attacker’s apparent loyalty to Islamic State group highlights persistent threat of lone wolf terrorism
https://tinyurl.com/yt87zsxx
Lone wolf terrorists in Europe are not so lonely anymore – who is radicalising and recruiting them
https://tinyurl.com/ms6tbxea
**
Lone Wolf: Passing Fad or Terror Threat of the Future?
Lawmakers question the FBI’s preparedness and response to New Orleans attack that killed 14 people
Lone wolf terrorists in Europe are not so lonely anymore – who is radicalising and recruiting them?
مكافحة الإرهاب ـ الذئاب المنفردة في أوروبا، فهم الدوافع
**
The Root Causes of Violent Extremism
What Are the 4 Stages of Radicalization?
From clicks to chaos: How social media algorithms amplify extremism
Prevention of radicalisation