مشكلة الدواعش العائدين إلى بلجيكا
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا وهولندا
أكثر من مائة جهادي تابع لتنظيم “داعش” الإرهابي عادوا إلى بلجيكا. بعضهم ينشد القطيعة مع ماضيه، فيما قد ينشط آخرون في كل لحظة. هذه مشكلة كبيرة تواجهها بلجيكا، كيف يتم التعامل معها هناك؟
تواجه حكومات الدول الأوروبية بقلق عودة مواطنين قاتلوا في الشرقين الأدنى والأوسط مع تنظيم “داعش” الإرهابي. وفي الوقت الذي يخسر فيه هذا الأخير من نفوذه، يختار الكثير من أنصاره طريق العودة حاملين جوازات سفر أوروبية إلى بلدانهم الأصلية. وبلجيكا هي البلد الأوروبي الذي توجد فيه النسبة الأعلى للجهاديين مقارنة بعدد السكان. هؤلاء المدربين على القتال والمشحونين بإيديولوجيا متشددة يعودون للحياة في أحيائهم مما يثير قلقا عاما. وبعض العائدين السابقين الذين يعيشون حاليا حياة عادية يرفضون التحدث عن تجربتهم.
عضو مجلس مدينة أنتفيرب هشام المزيغ حاول إقناع هؤلاء العائدين بالتحدث أمام الرأي العام عن اندماجهم لتفادي أن يلجأ آخرون لاختيار هذا الدرب. لكن لا أحد إلى حد الآن أفصح عن استعداده. ويعتبر المزيغ أن هذا أمرا مخيبا للآمال، لكنه شيء مفهوم. يقول المزيغ في حديث مع DW : ” الكثيرون منهم يشعرون لدى عودتهم بخجل عميق، وهم لا يريدون إظهار هذا الشيء، ولا الكشف عن أسمائهم في التلفزة، نعم يقولون لقد ذهبت إلى هناك ، وكانت خطوة بليدة، لكنني موجود من جديد هنا، إنهم يريدون البدء بحياة جديدة”.
كما أن الضغوط تأتي من رفاق سابقين، فبعدما أعطى شقيق مقاتل مولود في بلجيكا مقابلة تلفزيونية، كشف رغم التستر عن هويته داعمون لداعش وضربوه لمنع آخرين من التوجه إلى الرأي العام.
العائدون وتجربة الجهاد
قبل سنوات قليلة كان الوسط مختلفا، فالبلجيكية لاورا باسوني مثلا ألفت كتابا حول ما عايشته كزوجة إسلاموي. وكانت باسوني طوال أشهر حاضرة في وسائل الإعلام حيث تعرض كتابها، وتتحدث بطلاقة عن الأشهر التسعة التي قضتها فيما يسمى دولة الخلافة. ومما قالته أنها لاحظت الخطأ الذي ارتكبته عندما قال لها ابنها البالغ من العمر أربع سنوات كيف تعلم قطع رأس الدب الدمية. وعادت العائلة إلى بلجيكا.
واليوم اختفت باسوني عن المشهد العام، وهي تظهر أحيانا في مدارس أو أنشطة عامة، لكن فقط برفقة خبير حول شؤون الإسلام ألف كتابا يتناول كيفية التعامل مع أشخاص راديكاليين. ولدى طلب DW القيام بمقابلة معها، أجابت دار النشر بأن باسوني غير مستعدة للكلام.ونس ديليفورتي، أحد العائدين البارزين ألف هو الآخر كتابا حول ما عايشه، وأعطى مقابلات تلفزيونية حول اعتناقه الإسلام ومشاركته في القتال في سوريا. وعندما عاد ديليفورتي في 2014 مع زوجته إلى بلجيكا، ألقي القبض عليه بتهمة العضوية في منظمة تجنيد راديكالية محظورة، وحُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات مع وقف التنفيذ، لكنه لم يندم على التحاقه بتنظيم داعش. وفي مقابلة مع قناة “يورونيوز” قال ديليفورتي بأنه يندم فقط على عودته إلى بلجيكا. .
” لا يريدون أن نعرف”
لكن المزيغ يقول بأنه لا يقلق بسبب أشخاص مثل ديليفورتي الذين يعبرون بوضوح عن تعاطفهم مع تنظيم داعش، بل هو يقلق على أولئك الذين يبقون في الخفاء. ويقول:” إنهم لا يريدون أن نعرف بأنهم عادوا، ولتبيان ذلك بوضوح إنهم لا يبرهنون على أي ندم. وهم أكثر خيبة من فقدان ما يُسمى دولة الخلافة لنفوذها”.وبما أن مبادرات على مستوى البلاد غير موجودة، فإن الإدارة المحلية تبقى معتمدة على نفسها في التعامل مع الإشكالية. لكن بعض البلديات برهنت على قوة التكاتف مثل فيلفورد Vilvoorde شمال بروكسيل حيث ذهب الكثير من الشباب الراديكاليين هنا إلى منطقة الحرب في صفوف تنظيم “داعش”.
نموذج فيلفورد
عمدة مدينة فيلفورد هانس بونته كان يعرف الغالبية منهم، وهو يهتم بكل عائد، ويزورهم في السجن ليشرح لهم الحالتين البديلتين في حياتهم بعد انتهاء مدة الاعتقال. “الرسالتان اللتان أقولهما لكل واحد منهم هما أولا أنهم سيخضعون للمراقبة بعد إطلاق سراحهم من طرف مدينة فيلفورد والشرطة، والأمر الثاني هو أنهم طلقاء، وقضوا عقوبتهم. وسنقدم لهم كل الدعم ليندمجوا مجددا في المجتمع”.
هذا الأسلوب في التعامل الذي ينهجه بونته يُعد نموذجا عمليا، وهو يفتخر بحالة ناجحة تتعلق بشخص تمكن بفضل مساعدة المدينة من إعادة ترتيب حياته. وقال بونته:” أطلعنا صاحب العمل على ماضي الرجل، وصاحب العمل منحه فرصة، وهذا ما فعلناه أثناء البحث عن بيت سكن”.لكن ليس كل واحد يعتقد بأن هذا الأسلوب في التعامل ينجح بشكل واسع. فبيتر فان أوستايين، أحد العارفين بأوساط الجهاديين البلجيكيين يقول بأن داعمي “داعش” يظهرون بقوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكنه يتساءل عن مدى قوتهم الفعلية؟ هذا الأمر نعرفه في الواقع عندما يقومون بضربة جديدة.”
DW
بالشراكة مع ال