هل يبقى الاتحاد الأوروبي متماسكا ؟… معاهدة ماستريخت
إعداد المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا وهولندا-وحدة الدراسات والتقارير “2”
يقف الاتحاد الأوروبي أمام مفترق طرق بفعل التراجع الاقتصادي، وأزمة اللاجئين والهجرة الغير الشرعية، وصعود اليمين المتطرف، الذي يسعى إلى تدمير الاتحاد و تفكيك المؤسسات الأوروبية ،لذلك شدد الاتحاد الأوروبى على ضرورة إعادة بناء الاتحاد الأوروبي ، وتعزيز التعاون فى مجالات الدفاع والأمن والاقتصاد على المستوى الأوروبي.
معاهدة ماستريخت
تم التوقيع عليها في 7 فبراير 1992 من طرف 12 دولة أوروبية، ودخلت حيز التنفيذ ابتداء من 1 نوفمبر 1993، واتفق قادة 12 بلدا أوروبيا على تحويل المجموعة الأوروبية إلى اتحاد أوروبي، وتهدف المغاهدة لإقامة وحدة أوروبية شاملة،وتعزيز الشرعية الديمقراطية للمؤسسات الأوروبية وتحسين فعاليتها، وتأسيس اتحاد اقتصادي ونقدي، ووضع سياسية خارجية وأمنية مشتركة، وتطوير البعد الاجتماعي للجماعة الأوروبية،وبموجب هذه المعاهدة تم تجميع مختلف مؤسسات الاتحاد الأوروبي ضمن إطار واحد هو الاتحاد الأوروبي الذي أصبح هو التسمية الرسمية للمجموعة، وتقرر أن يعتمد الاتحاد عملة موحدة وسياسة هجرة موحدة، وشرطة ودفاعا مشتركا.
ووسعت معاهدة ماستريخت مفهوم الاتحاد الاوروبي، وذلك بادخال مبدأي السياستين الخارجية والامنية المشتركتين والتحرك نحو تنسيق السياسات الاوروبية بخصوص اللجوء والهجرة والمخدرات والارهاب،وانبثق عن معاهدة ماستريخت مفهوم المواطنة الأوروبية، أي السماح لمواطني الدول الاعضاء في الاتحاد بالتنقل بحرية بين كل دول الاتحاد، كما وضع البند الاجتماعي الذي احتوته المعاهدة الاساس للسياسات التي يتبعها الاتحاد الاوروبي في مجالات حقوق العمال وغيرها من المسائل الاجتماعية،ووضعت المعاهدة ايضا جدولا زمنيا لتحقيق الوحدة الاقتصادية والمالية بين الدول الاعضاء، كما وضعت الشروط التي يتعين على الدول الراغبة في الانضمام الى الاتحاد الوفاء بها.
وحددت خمسة معايير من أجل تحقيق التقارب الاقتصادي بين بلدان الاتحاد قبل السماح لها بالانضمام إلى منطقة اليورو:
- معدل تضخم لا يتجاوز متوسط معدلات التضخم المسجلة في بلدان الاتحاد الثلاثة الأقل تضخما بأكثر من 1.5 نقطة.
- عجز ميزانية لا يزيد على نسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي.
- مديونية عمومية لا تتجاوز نسبة 60% من الناتج المحلي الإجمالي.
- معدلات فائدة اسمية للأمد الطويل لا تتجاوز معدلات الفائدة المسجلة في بلدان الاتحاد الثلاثة الأقل تضخما بأكثر من نقطتين.
- الانضمام إلى المنظومة الأوروبية النقدية (آلية تثبيت أسعار الصرف) منذ سنتين على الأقل من دون اللجوء خلال هذه المدة إلى تخفيض قيمة العملة الوطنية مقابل عملة بلد آخر عضو بالاتحاد.
أزمات تهدد الاتحاد الأوروبى
لم يتمكن وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي خلال لقائهم بالنمسا فى يوليو 2018 من الاتفاق حول آلية للحد من تدفق المهاجرين إلى بلدان الاتحاد، بالرغم من اتفاقهم على ضرورة تحقيق ذلك،ولم يستطع هذا الاجتماع من توضيح ماهية الاقتراح بإقامة “نقاط إنزال” في أفريقيا للمهاجرين الذين يتم إغاثتهم في البحر خلال عبورهم، كما أن فكرة إقامة “مراكز خاضعة للمراقبة” داخل الاتحاد الأوروبي لمنع التحركات غير القانونية للمهاجرين بين دول الاتحاد الأوروبي تبقى بحاجة لتوضيح، لأن هذه التحركات من أهم أسباب التوتر بين الدول الأعضاء.
ذكرت صحيفة واشنطن بوست فى يوليو 2018 أن ترامب يريد تفكيك الاتحاد الأوروبي، لأنه تكتل تجاري منافس،و شاركت في التمويل من خلال وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “لإيقاف الاتحاد الأوروبي في المقام الأول”وحث ترامب حث نظيره الفرنسي على سحب بلاده من الاتحاد الأوروبي من أجل شروط تجارية ثنائية أفضل.
انقسم زعماء الاتحاد فى يناير 2018 بشأن مقترح ألماني يطرح شروطا جديدة للحصول على أموال الاتحاد، واحتدم الجدل بعد تقديم ألمانيا لمبادرة تربط تمويل الاتحاد الأوروبي بالدول الأفقر في التكتل لتنفيذ شروط معينة، بما فيها قبول لاجئين، ما أثار ردود فعل متباينة من جانب زعماء التكتل الأوروبي،وتقول رئيسة ليتوانيا داليا جريباوسكايتي، إن الهدف الوحيد لأموال الاتحاد الأوروبي هو دمج الدول الأكثر فقرا بالاتحاد، وهو وضع عبرت عنه دول أخرى بوسط وشرق أوروبا ، وانتقد رئيس وزراء لوكسمبورغ زافييه بيتل الاقتراح الألماني قائلا “من الذي ستتم معاقبته بعد ذلك؟ ليست الحكومات، لكن المواطنين”
كشف تقرير فى ديسمبر 2017 أن هناك عدة أزمات تساهم فى تفكيك الاتحاد الأوروبي من أهمها التراجع الاقتصادي للاتحاد، واستغلال اليمين المتطرف لمخاوف الأوروبيين من الإسلاموفوبيا، وانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبى ، كذلك معاناة العملة الأوروبية الموحدة “اليورو” أكثر من غيرها من العملات، وسط تحذيرات باحتمال انهيارها أمام الضغوط في حال عدم نجاح القادة الأوروبيين في إيجاد حلول واسعة النطاق لإنقاذ مستقبل الاقتصاد الأوروبي والعملة الموحدة.
مستقبل معاهدة ماستريخت
دعت “أنغيلا ميركل” المستشارة الألمانيةالاتحاد الأوروبي فى سبتمبر 2018 إلى مواصلة عمله في تعزيز سيادته كي يستطيع حل مشكلاته بنفسه، وأضافت “إنني متفائلة وأعتقد أن بإمكاننا التقدم معا من أجل أوروبا لتعتمد على نفسها ويكون في مقدورها حل مشكلاتها لوحدها”،وأعرب ” جان أسلبورن” وزير خارجية لوكسمبورغ فى يوليو2018عن اعتقاده بأن استمرارية الاتحاد الأوروبي معرضة للخطروأنه “إذا انهار احترام القيم، سينهار أيضا مشروع أوروبا”.
وأكد “دونالد توسك” رئيس المجلس الأوروبي فى مارس 2017 إن “الاتحاد يجب أن يكون أكثر من أي وقت اتحاد على المبادئ نفسها مع سيادة خارجية واتحاد للوحدة السياسية”، وحذر الاتحاد الأوروبى من عدم تطبيق شروط معاهدة الاستقرار (معاهدة ماستريخت)”، الأمر الذي سيؤدي تلقائيا إلى فرض عقوبات على الدول التي تخالف هذه الاتفاقية ، أو ترك معاهدة الاستقرار (ماستريخت) مجمدة، الأمر الذي سيؤدي إلى “تمييع” المعاهدة.
صرحت الحكومة الألمانية فى يناير 2017 ” بأن إصرار ألمانيا على التقشف في منطقة اليورو أحدث انقساماً في أوروبا أكثر من أي وقت مضى، مشيراً إلى أن تفكك الاتحاد الأوروبي لم يعد مستحيلاً، وأضافت أن الجهود الشاقة التي بذلتها دول مثل فرنسا وإيطاليا لخفض عجزها المالي رافقتها مخاطر سياسية.
التوصيات
يوصى بتعزيز التعاون بين دول الاتحاد الأوروبى من خلال تقديم جملة من المقترحات والحلول تهدف إلى إصلاح الاتحاد ، وتأمين الحدود الخارجية لدول الاتحاد ومواجهة الهجرة غير الشرعية،والتصدي لدعوات اليمين المتطرف لتفكيك الاتحاد داخليا وخارجيا، واتخاذ مجموعة من التدابير لتحسين حماية المواطنين ومدن الاتحاد الأوروبي من التهديدات الإرهابية.
الهوامش
* حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات