هل تنظيم داعش يبقى فاعلا بعد مقتل زعيمه البغدادي ؟
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا و هولندا
إعداد : وحدة الدراسات والتقارير “7”
بعد الإعلان عن مقتل زعيم تنظيم “داعش” أبوبكر البغدادي، فإن التساؤل الذي يثار هو عن تأثير ذلك على مستقبل التنظيم؛ ذلك أن حدث مقتل البغدادي الذي أشاد به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، واعتبره “مفتاحاً لتحقيق السلام” اعتبر من جانب الكثيرين ضربة للتنظيم الإرهابي ونقطة تحول في الحرب على الإرهاب.
وبهذا الصدد، فهناك من يرى بتأثر “داعش” فعلياً بمقتل البغدادي الذي كان شخصاً مهماً على رأس التنيظم، حيث قاد “داعش” منذ عام 2010، ومن الصعب إيجاد بديل للبغدادي يكون بحجم تحمسه إيديولوجياً للتنظيم، وذلك بحسب ما يرى المحلل السياسي الدكتور غيدو شتاينبيرغ، من “المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية”.
وبجانب ذلك، فإن الغالب في التنظيمات الجهادية أنها تدخل في مرحلة ضعف واضمحلال عقب موت قادتها البارزين، فعلى سبيل المثال، وبعد مقتل أسامة بن لادن عام 2011 استلم نائبه أيمن الظواهري قيادة تنظيم القاعدة، إلا أن وهج التنظيم خفت، وفقد السيطرة على فروعه وعناصره في العالم، الذين انضو معظمهم تحت لواء “داعش” فيما بعد عام 2014.
والحال ذاته ينطبق على تنظيم “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين” والذي أصبح لاحقاً “مجلس شورى المجاهدين” وكان يقوده أبو مصعب الزرقاوي، وبمقتله عام 2006 بغارة أمريكية دخل التنظيم في مرحلة تراجع، رغم اختيار خليفة له هو “أبوعمر البغدادي”، والذي أسس تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق”.
ولكن على الجانب الآخر، يرى جانب كبير من المتابعين باستمرار خطر تنظيم “داعش” حتى فيما بعد مقتل البغدادي، وذلك للأسباب الاتية:
- عدم تأثر التنظيمات الإرهابية كثيراً بفقد الزعيم: فعلى العكس من وجهة النظر السابق الإشارة إليها، فإن التنظيمات المتطرفة وخاصة الدينية منها لا تتأثر كثيراً بفقد زعمائها، وحتى إن كانت تصاب بنوع من الخفوت والخيبة لوقت معين، لكن ما تلبث أن تعيد ترتيب أوراقها وتركيب نفسها من جديد، ومثال على ذلك تنظيم القاعدة، الذي لم ينته بوفاة أسامة بن لادن ومازالت خلاياه نشيطة في أكثر من منطقة منها ليبيا واليمن ومصر وغيرها.
وليس من المحتمل أن يؤثر فراغ القيادة في تنظيم “داعش” على أعماله اليومية؛ فلا يهم من سيخلف البغدادي الذي لم يظهر علناً إلا نادراً منذ سيطرة التنظيم على أراضٍ واسعة في سوريا والعراق منذ عام 2014، ذلك أن صناعة القرار وتنظيم العمليات والتجنيد في أوساط التنظيم تخضع لنظام لا مركزي أكثر حتى من تنظيم القاعدة، وإذا كان انهيار القاعدة الأُم أدّى إلى نشوء تنظيمين أكثر عنفاً ودموية، وهما “النصرة” و”داعش”، فإنه لا يُستبعد أن تتكرّر السابقة نفسها في الأشهر والسنوات المقبلة بالنسبة لـ”داعش”.
- العمل من خلال “الخلايا النائمة”: فصحيح أن الإعلان عن القضاء على نشاط “داعش” في العراق منذ مارس 2019 كان له أثر سلبي على التنظيم حتى من قبل الإعلان عن مقتل البغدادي، إلا أن التنظيم لايزال قادراً على تحريك خلايا نائمة في المناطق التي طرد منها، وتقوم هذه الخلايا بوضع عبوات وتنفيذ عمليات خطف واغتيالات، بينما ينفذ مقاتلو التنظيم المنتشرون في مناطق صحراوية في سوريا والعراق هجمات محدودة توقع خسائر في صفوف خصومهم.
فعلى سبيل المثال، وحتى بعد الإعلان عن القضاء على نشاط التنظيم، فقد بث “داعش” في 19 أبريل 2019، شريط فيديو قال إنه لزعيمه يدعو فيه إلى مواصلة القتال، وكان ذلك الظهور الأول للبغدادي منذ خمس سنوات، ومن ثم يمكن أن يتحول التنظيم إلى مجموعة من الخلايا العنقودية أو “ذئاب المنفردة”، والتي يتم توظيفها في عملية استهداف بعض المؤسسات الغربية.
- قدرة التنظيمات الإرهابية على “الإحياء” مرة أخرى: ذلك أن مشهد إشادة ترامب بمقتل البغدادي ذكّر بإشادة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الإبن، قبل أكثر من 13 عاماً، عندما وصف مقتل زعيم “تنظيم القاعدة في العراق” أبو مصعب الزرقاوي بـ”الضربة القوية للتنظيم وبأنه انتصار مهم في الحرب على الإرهاب”، غير أن ما حدث هو العكس؛ فبعد سنوات من ذلك، وغير بعيد عن الرقعة التي كان ينشط فيها الزرقاوي، وُلد أكثر تنظيمات الشرق الأوسط دموية في العصر الحديث.. تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” الذي تزايد نفوذه بشكل سريع واستولى على أراض كثيرة ونشر فيها القتل والاغتصاب والتشريد ليتحول إلى تنظيم أكبر اختار له اسم “الدولة الإسلامية”.
وقد حذر الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرج، من الاستهانة بتنظيم “داعش” بعد مقتل زعيمها أبوبكر البغدادي، وقال “إن مقتل البغدادي لا يعني نهاية داعش.. تنظيم داعش لايزال بعيداً عن الهزيمة.. يتعين علينا التأكد من أنه لن يعود”. وأضاف أنه صحيح أن التنظيم لم يعد يسيطر على مساحات من الأراضي حالياً “إلا أنه لايزال حياً”، وقال: “داعش ترعى خلايا نائمة، وشبكات سرية وتعمل من أجل العودة”، مؤكداً أن مهمة التحالف الدولي ضد “داعش” لم تكتمل تماماً بعد. وفضلاً عن ذلك فإن التنظيم يمتلك ثروة مالية تتجاوز الـ400 مليون دولار، و40 طناً من الذهب، وهي ثروات تضمن بقاءه واستمرار نشاطه.
- العناصر التابعة لتنظيم “داعش”: فعلى الرغم من أن التنظيم يعتبر مهزوم عسكرياً في الوقت الحالي، ولكن لايزال يقيم في المنطقة ما يتراوح بين 14 ألفاً و18 ألف شخص تابعين له، وبينهم ثلاثة آلاف أجنبي، وذلك بحسب التقرير الثامن الذي صدر عن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في 11 فبراير 2019، حول التهديد الذي يشكّله “داعش” للسلام والأمن الدوليين. وقد حذر خبراء من احتمال أن يكون هؤلاء الأشخاص يترقبون فقط الوقت المناسب لانتفاضتهم القادمة، أو أن يستعيدوا القوة من جديد تحت قيادة جديدة.
ويزيد من خطر ذلك في الوقت الحالي عاملان إضافيان، أولهما وأهمهما هو احتمال فرار مقاتلي التنظيم من المحتجزين في سجون “قوات سوريا الديمقراطية (قسد)” الذين يقدر عددهم بنحو 12 ألف مقاتل، بالإضافة إلى 70 ألف من ذويهم في مخيمات تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية أيضاً، وذلك بحسب تقرير صدر لقناة (بي بي سي) عن المراسل الأمني فرانك غاردنر، وثانيهما هو وجود مخاوف متزايدة داخل أجهزة الاستخبارات الغربية بأنه في حال نجح مقاتلو تنظيم “داعش” في الفرار من سجون قوات سوريا الديمقراطية، فإن بعض المتشددين منهم سيعودون إلى أوروبا بطريقة ما، ويخططون لهجمات أخرى مثلما حدث في لندن وباريس وبرشلونة وأماكن أخرى.
وينشط عناصر من “داعش” وموالون له في بقاع مختلفة من العالم، ويعلنون مسؤوليتهم عن الكثير من الهجمات عبر منصاتهم الإعلامية، وتُظهر البيانات أنه رغم خسارة التنظيم للكثير من الأراضي التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق بنهاية عام 2017، إلا أنه كان وراء 3670 هجوماً حول العالم في عام 2018 (حوالي 11 هجوم يومياً)، هذا بالإضافة إلى 502 هجوم في أول شهرين من عام 2019، أثناء حصار باغوز، وذلك بحسب البيانات التي جمعها قسم المتابعة الإعلامية في قناة (بي بي سي) والذي أعدته مينا اللامي، وصدر في 27 أكتوبر 2019. ورغم أن العراق وسوريا يصيبهما النصيب الأكبر من عمليات التنظيم، إلا أن العمليات تتواتر كذلك في أفغانستان والصومال والفلبين ونيجيريا وشبه جزيرة سيناء في مصر.
وحتى فيما بعد مقتل البغدادي، فقد هاجم مسلحون تابعون لـ”داعش” نقطة تفتيش للجيش العراقي في شمال بغداد، مما أسفر عن مقتل جندي عراقي وإصابة خمسة آخرين، مساء 31 أكتوبر 2019، وأعلن “داعش” مسؤوليته عن الهجوم في بيان أصدره الجناح الإعلامي للتنظيم، وكان ذلك الهجوم هو الأول من نوعه لداعش في العراق، في أعقاب الاعتراف بمقتل أبوبكر البغدادي، وتسمية أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، خليفة له. ولم تمض ستة أيام على مقتل البغدادي حتى نفذ بعض أتباعه عملية إرهابية أخرى في شمال مالي على الشريط الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، والذي يمثل جزءً في منطقة أوسع تمتد في الصحراء الكبرى وساحل أفريقيا الغربي، وحيث يعمل “داعش” في هذه المنطقة تحت اسم “ولاية الصحراء الكبرى”.
الخلاصة
لا يعني تنفيذ عملية إرهابية كبيرة على ذلك النحو انتفاء أي أثر لمقتل البغدادي على فروع التنظيم المنتشرة في مناطق عدة في العالم؛ فقد بدأ الإعداد لهذه العملية بالضرورة قبل أسابيع على مقتله، غير أن تنفيذ مثل هذه العمليات بطريقة متقنة، وعدم إلقاء القبض على أي من منفذيها، يعني أن الكثير من فروع “داعش” تعتمد على إمكانات محلية، وتعمل بطريقة التسيير الذاتي، والأرجح أنها صارت أكثر اعتماداً على نفسها بعد هزيمة التنظيم في معقله الرئيس بسوريا والعراق، واضطرار قادته للاختباء.
وذلك ما يتطلب من التحالف الدولي المناهض لداعش مواصلة عملياته في مواجهة التنظيم، سواء في داخل العراق، أو في المناطق الأخرى التي قد ينشط فيها العناصر الموالية له، لضمان القضاء على خطر التنظيم.
رابط مختصر : https://www.europarabct.com/?p=56200
* حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات