مخاطر اليمين المتطرف في أوروبا … هولندا وتنامي التيارات الشعبوية
إعداد المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا وهولندا-وحدة الدراسات والتقارير “4”
شهدت هولندا في الآونة الأخيرة تزايُدًا ملحوظًا في ظاهرة اليمين المتطرف، والاعتداءات العنصرية غير المبررة، والناتجة في الأساس عن تمييز قائم على أُسس طائفية وعرقية ودينية، وكشف جهاز المخابرات الهولندي أن اليمين المتطرف ربما يشكلون خطرًا على البلاد في المستقبل القريب، لا سيما في تهيئة أرضية خصبة للعنصرية والاستقطاب العنيف داخل المجتمع.
استراتيجية الجذب
يستفيد التيار الشعبوي اليميني المتطرف في هولندا من القلق الذي يسيطر على العمال والفقراء والمهمشين، فيما يتعلق بقضايا العمل والأجور والتفاوت الإجتماعي وغيرها. ويروج شعارات قوية ضد المؤسسات وضد الحكومات وضد الأحزاب التقليدية التي تداولت الحكم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية متهماً إياها بأنها لم تفعل شيئاً للحد من ظاهرة التفاوت أو لرفع مستوى المعيشة الحقيقي للعمال وللفقراء. وتقترب هذه الشعارات من عقلية الفئات الإجتماعية البسيطة المهمشة التي ترى الحياة في صورة أبيض وأسود فقط.
وزاد من تأثير الشعبويين أنهم بارعون في استخدام تكنولوجيا الاتصالات الحديثة خصوصاً السوشيال ميديا، وتركيزهم على موضوعات سطحية واستخدامهم شعارات ديماجوجية بسيطة مفهومة للأغلبية المهمشة. كذلك زاد من قوة الشعبويين لجوء بعض الأحزاب والجماعات السياسية إلى التركيز في برامجها على قضية واحدة أو شعار واحد فقط، بدون ربط مع بقية القضايا العالقة التي يعاني منها الناخبون.
حزب “بيم فورتاين”
حزب متطرف اسس فى 24 فبراير 2002 مؤسسه السياسي الهولندي المتطرف والمثير للجدل “بيم فورتاين” الذي توفي بعد وقت قصير من نقله للمستشفى بعد اغتياله من مجهول في حديقة “ميديا بارك” في مدينة هيلفيرسوم مركز الإذاعة والتليفزيون الهولندي بستة رصاصات أصابت صدره ورقبته ورأسه.
وكان بيم فورتاين الذي كان يتباهى بأنه”شاذ جنسيا” قد صعد نجمه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وذلك بتصريحاته المندفعة والعنصرية ضد الإسلام وضد الجالية العربية والإسلامية. حيث دعا لشن ما أسماه بالحرب الباردة ضد الإسلام. ووصف المسلمين بأنهم دائما يكذبون!! وأنه في حال وصوله للحكم سيمنعهم من دخول هولندا. ودعا لإلغاء المادة الأولى في الدستور الهولندي والتي تنص على المساواة بين المواطنين. ووصف الإسلام بأنه ثقافة متخلفة. وقد كانت تصريحاته وتحركانه السياسية المتطرفة كالحجر الذي حرك ماء الحياة السياسية الهولندية الراكد.
ويقول السياسى اتييس رودوين: كي نعرف سبب تنامي التطرف علينا أن نستوعب ان المجتمع الهولندي كان يصوت للجماعات السياسية او الإجتماعية و كان تأثير الدين كبيرا بخاصة لدى الكاثوليك و البروتستانت و كان يوجد نوع من التقسيم بين الجنوب و الشمال و الدين كان عاملا مؤثرا جدا و لما غاب التأثير الديني أخذت الأحزاب تؤثر بالناس و اقتراعهم
” حزب من أجل الحرية “
حزب من أجل الحرية هو حزب سياسي هولندي تأسس في 22 فبراير 2006. الحزب ذو توجهات يمينية متطرفة معادية للأجانب، خصوصاً المسلمين. يحمل أجندة ليبرالية متطرفة يستند منهجه إلى التراث اليهودي المسيحي بأوروبا رافضًا للقوميات، وتتشابه أفكاره مع حزب الجبهة الوطنية الفرنسي.
مؤسس الحزب هو خيرت فيلدرز السياسي اليمني المتطرف الذي أثار عاصفة من الاحتجاجات في العالم الإسلامي بسبب إنتاجه لـفيلم فتنة وبسبب تصريحاته المتكررة ضد الإسلام،في انتخابات 2010 حاز هذا الحزب 24 مقعداً من أصل 150 في مجلس النواب في البرلمان، ما جعله ثالث أكبر الأحزاب. كما يحظى هذا الحزب المتطرف بعشرة مقاعد في مجلس الشيوخ في البرلمان الهولندي و5 نواب في البرلمان الأوروبي.
يعلن دائما زعيم «حزب الحرية» اليميني المتطرف غيرت فيلدرز الذي يتجول وسسط حماية امنية دائمة انه لو حكم فسيمنع المسلمين من التوافد الى هولندا و يطالب بوقف هجرة المغاربة الى بلاده. وغالبا ما يوصف فيلدرز (54 عاما) بأنه الرجل “الأكثر حماية” في البلاد وهو يحظى بحماية أمنية على مدار الساعة.
ويؤيد فيلدرز نحو (20%) من الناخبين الهولنديين. هذه الأرقام تثير مخاوف المهاجرين المسلمين رغم مبادرات التضامن معهم كتلك التي نظمت في مسجد في أمستردام وشارك فيها أيضاً هولنديون من أصول غير مسلمة.
تتشكل هولندا غالبا حكوماتها بواسطة ائتلاف حكومي و الأكثرية السياسية الهولندية لا ترغب بالتعاون مغ خيرت فيلدرز اليميني المتطرف ، ولم يسبق لاستحقاق انتخابي هولندي أن استقطب اهتماماً أوروبياً ودولياً مثل الذي تحظى به المعركة الانتخابية الحامية التي تدور رحاها حالياً بين «حزب المحافظين الليبراليين» (VDD)، التي يتزعمه روته، و«الحزب من أجل الحرية» (PVV) اليميني المتطرف، الذي يقوده غيرت فيلدرز.
رصدت استطلاعات الرأي، فى عام 2017 قبل الانتخابات الهولندية ، صعوداً مقلقاً في شعبية الخطاب العنصري الذي يجاهر به فيلدرز، حيث يرتقب أن ينال ما بين (15 و20 %) من أصوات الناخبين، ما يخوّله الفوز بنحو (19) إلى (23)مقعداً نيابياً (من مجموع 150)، فيما تراجعت شعبية روته الى مستويات مقاربة، حيث يرتقب أن ينال ما بين(23) و(27) مقعداً.
لم يكتم قادة أوروبيون ارتياحهم لفوز رئيس الوزراء الهولندي الليبرالي مارك روتي على منافسه غيرت فيلدرز، المناهض للإسلام وللاتحاد الأوروبي، في انتخابات عامة « صفعت» التيار الشعبوي اليميني المتطرف في البلاد، على رغم أنه عزّز مقاعده في البرلمان. ، وأفادت وكالة الأنباء الهولندية بأن حل «حزب الحرية» بزعامة فيلدرز فى المركز الثانى بـ20 مقعداً.
مخاطر شعبية فيلدرز
يرى ياسين الفرقاني الناطق الرسمي السابق باسم المجلس الإسلامي المعترف به من طرف الحكومة الهولندية أن خطابات فيلدرز وتزايد شعبيته تثير بالفعل مخاوف المسلمين في البلاد، ليصل الأمر أحياناً إلى معارك ومشادات عنصرية في الشوارع بين مسلمين وهولنديين.
ويضيف عبد الرحمن في هذا السياق: “هولندا لم تستقبل سوى 50 ألف لاجئ ومع ذلك فإن استقصاء أُجري مؤخراً أظهر أن عدداً كبيراً من الهولنديين يعتقدون أن المسلمين أوشكوا أن يشكلوا 50 بالمائة من سكان البلاد. هذا الحديث المضخم والمبالغ فيه عن أن الهوية الهولندية مهددة يساهم أيضاً بشكل كبير في رفع شعبية شخص يتبنى شعارات كتلك التي يتبناها فيلدرز”.
صرح الإعلامي والمحلل السياسي الهولندي محمد أمزيان، عن طبيعة المخاوف التي يمثلها حزب فيلدرز، فأجاب: “ثمة مخاوف حقيقية من صعود اليمين المتطرف لسدة الحكم، لاسيما أن اليمين التقليدي بدأ فعلا في تنفيذ خطط اليمين الشعبوي، فيما يخص الهجرة واللاجئين، ومراقبة المساجد ومتابعة المقاتلين العائدين من مناطق النزاع في الشرق الأوسط”.
انشطة متطرفة
ينظم الحزب العديد من المظاهرات المناهضة للاسلام والمهاجرين فقد احتشد مئات المتظاهرين من اليمين المتطرف فى يناير 2018 في إحدى ساحات محطة القطارات المركزية في روتردام احتجاجا على ما وصفوه بـ”التمييز الممارس ضد المواطنين الهولنديين العاديين” لمصلحة المهاجرين والمسلمين.
وتأتي التظاهرة التي شارك فيها نحو (700) شخص من مؤيدي اليمين المتطرف في وقت تستعد الأحزاب الهولندية لخوض انتخابات في آذار/مارس من المتوقع أن تطغى على حملاتها قضايا الهجرة والاندماج،خاض حزب فيلدرز الانتخابات في نحو (30)دائرة من أصل (355)، حيث يبلغ عدد الناخبين المسجلين (13) مليونا، وهو يواجه صعوبات في إيجاد مرشحين يمثلونه في دوائر أخرى.
اعلن حزب الحرية بأن مقر البرلمان الهولندي سوف يستضيف مسابقة دولية لرسومات كاريكاتورية حول النبي محمد.وأوضح زعيم حزب الحرية الهولندي، في تغريدة له على “تويتر”، أن المعرض سيقام نهاية العام الجاري، مضيفا أنه “تلقى بالفعل أكثر من 100 من الرسوم الكاريكاتورية، وأن الباب ما زال مفتوحا لتلقي المزيد من الرسومات من مختلف أنحاء العالم.
يقول حزب الحرية إن المسابقة تمت الموافقة عليها من قبل وكالة مكافحة الإرهاب فى البلاد.وسيقيم الرسوم من قبل رسام الكاريكاتير الأمريكى بوش فاوستن، الفائز فى منافسة مماثلة بتكساس منذ ثلاث سنوات، استهدفها مسلحان مسلمان.
ادانت منظمة التعاون الإسلامي بشدة الإعلان عن مسابقة للرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد، وأعرب الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، يوسف بن أحمد العثيمين عن قلقه البالغ لهذه المسابقة الاستفزازية، التي تثير مزيدا من التحريض وتزرع بذور الكراهية بين مختلف أتباع الديانات.
حركات متطرفة
انتشر فى هولندا عدد من الحركات اليمينية المتطرفة التى سعت الي تنفيذ العديد من الاعتداءات العنصرية ومنها :
حركة “إد فيرزيت”
كشفت وكالة أنباء الأناضول في عددها الصادر 20 يناير 2018 أن حركة “إد فيرزيت” اليمينية المتطرفة ، قد اعتدت على مسجد “أمير سلطان” في العاصمة الهولندية “أمستردام”، عبر تعليق لافتة كُتِبَ عليها عبارات عنصرية ناتجة عن ظاهرة الإسلاموفوبيا، ومجسم لإنسان مقطوع الرأس، على باب المسجد.
ذكرت وسائل إعلام أن أعضاء من حركة “إد فيرزيت” (اليمينية المتطرفة)، صعدوا على سطح مدرسة “كورنيلوس هاجا” الثانوية بالعاصمة أمستردام مع بداية اليوم الدراسي، وعلقوا لافتة تحمل عبارات عنصرية ، نفذت الحركة نفسها اعتداءً إسلاموفوبيًّا على مسجد “التوحيد” التابع لوقف الديانة التركي في مدينة “فينلو” الهولندية، وعلق أعضاء الحركة آنذاك لافتة تحمل عبارات عنصرية على مئذنة المسجد تحمل عبارات مكتوبة باللغتين التركية والهولندية مثل ” “ابتعدوا من هنا، لا نريد مسلمين، هولندا ملكنا، لا نريد مساجد في منطقتنا”.
حركة (بيغيدا)
افادت بعض الصحف في مارس 2018 أن أعضاء من حركة (بيغيدا) المعادية للإسلام والمهاجرين في هولندا، غرست 23 صليبًا في أرض مخصصة لبناء مسجد في مدينة (أنسخديه) (Enschede) الهولندية، والغريب أن النيابة العامة في المدينة صرحت أن أعضاء الحركة الذين غرسوا الصلبان في الساحة المخصصة لبناء المسجد لن يتم تقديمهم للمحاكمة. جاء ذلك في تصريح للنيابة العامة قالت فيه: “إن العبارات التي قالها أعضاء هذه الحركة على الرغم من أنها عبارات صادمة إلا أنها لا تحمل احتقارًا ولا عنصرية ضد مجموعة معينة”.
التوصيات
ينبغى على الحكومة الهولندية الاهتمام بايجاد حلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية للفئات المهمشة مثل العمال والفقراء حتى لا تكون منفذ يستغله التيارات المتطرفة لجذب مزيد من المؤيدين ، كما يفترض سعى المؤسسات الاسلامية بالمجتمع الهولندي الى بذل مزيد من الجهد في تعريف أبناء مجتمعهم من الديانات الأخرى – حقيقة الدين الإسلامي، وشرح مبادئه الوسطية، وحثه على التعايش والتسامح، وذلك عن طريق المشاركة المجتمعية النشطة والفعالة.
الهوامش
رابط مختصر… https://www.europarabct.com/?p=47251
* حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات