بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI ـ وحدة الدراسات (27)
يُعد التطرف ظاهرة معقدة ومتعددة الأوجه في فرنسا، حيث يتجلى بأشكال مختلفة، تشمل التطرف اليميني، والتطرف الإسلاموي،اليساري،الليبرالي والتطرف الانفصالي. تُشكل هذه الأشكال من التطرف تحديات كبيرة للمجتمع الفرنسي، وتبذل الحكومة جهودًا مكثفة لمكافحتها. وقد عززت الحرب في غزة إلى حد كبير من الخاطر المتوقعة المرتبطة بالتطرف داخل البلاد. وقد شهدت البلاد مؤخرًا تنامي خطير للعمليات المتطرفة. كذلك يُعدّ صعود اليمين المتطرف في فرنسا ظاهرة مقلقة تتطلب جهودًا مُكثّفة لمواجهتها. من خلال معالجة الأسباب الجذرية لظهوره، وتعزيز التماسك الاجتماعي، ونشر الوعي بمخاطره.
واقع الإسلام السياسي
يُعد التطرف الإسلاموي تهديدًا أمنيًا كبيرًا لفرنسا، حيث شهدت البلاد خلال السنوات الأخيرة العديد من الهجمات الإرهابية التي نفذها متطرفون إسلاميون. تعود أسباب تنامي التطرف الإسلاموي إلى عدة أسباب منها الشعور بالتهميش، حيث يشعر بعض المسلمين الفرنسيين بالتهميش والتمييز، مما يجعلهم أكثر عرضة للتطرف. كما تلعب بعض الدول والجماعات الخارجية دورًا في نشر التطرف الإسلاموي في فرنسا. كذلك يُعاني بعض المسلمين الفرنسيين من نقص في المعرفة الدينية الصحيحة، مما يجعلهم أكثر عرضة للتأثيرات المتطرفة. تحتضن فرنسا أحد أكبر التجمعات المسلمة في أوروبا، حيث يُقدّر عدد المسلمين المقيمين على أراضيها بحوالي 6 ملايين نسمة، وهو الرقم الأعلى بين الدول الأوروبية. ويمثل مسلمو المغرب العربي الغالبية العظمى من مسلمي فرنسا، حيث تصل نسبتهم إلى 82%. منذ عام 1978، سعت جماعة الإخوان المسلمين إلى تأسيس إمبراطورية مالية وفكرية في فرنسا، بهدف تعزيز تواجدها ونفوذها داخل المجتمع الفرنسي. وقد نجحت الجماعة في بناء شبكة واسعة من المؤسسات والجمعيات الخيرية والمساجد، كما ارتبطت بعلاقات مصالح مع عدد من الأحزاب السياسية الفرنسية.محاربة التطرف في ألمانيا ـ مخاطر الخطاب المتطرف على الأمن المجتمعي
واقع اليمين المتطرف
شهدت فرنسا في السنوات الأخيرة صعودًا ملحوظًا لليمين المتطرف، ممّا يُثير قلق الكثيرين ويُطرح تساؤلات حول أسبابه وتداعياته. يُروج لخطاب قومي متشدد يُعزز الهوية الوطنية الفرنسية ويُعارض الهجرة والاندماج. يُعادي اليمين المتطرف الإسلام والمسلمين، وينشر الخوف والكراهية تجاههم. يستغلّ خطابًا شعبويًا يُلعب على مشاعر الغضب والاستياء لدى بعض فئات المجتمع، ويُقدم حلولًا بسيطة لمشكلات معقدة. يُؤمن بضرورة فرض قواعد صارمة للحفاظ على النظام، ويُعارض التعددية السياسية. يقول أندرس رافيك جوبسكاس نائب مدير مركز أبحاث التطرف بجامعة أوسلو إن عنف اليمين المتطرف آخذ في الارتفاع في فرنسا. وعند مقارنة الفترتين 2015-2018 و2019-2022، شهدت البلاد زيادة في أعمال العنف اليميني من 30 إلى 35 هجومًا شديدًا. أدت ثلاث هجمات منذ عام 2019 إلى نتائج قاتلة. علاوة على ذلك، وكجزء من جمع البيانات الأولية من عام 2023، سجلنا ما لا يقل عن 22 هجومًا يمينيًا شديدًا، مما يشير إلى أن الاتجاه تصاعدي بالفعل.
وقد أدت عدة أسباب لصعود اليمين المتطرف منها العوامل الاجتماعية والاقتصادية حيث يعاني بعض المجتمعات الفرنسية من البطالة والتهميش، ممّا يُؤدي إلى الشعور بالاستياء والغضب. يستغلّ بعض السياسيين هذه المشاعر من خلال خطاب شعبوي يُروج للخوف من الأجانب والمسلمين. تلعب بعض وسائل الإعلام، وخاصةً على الإنترنت، دورًا في نشر المعلومات المضللة والكراهية. واجهت فرنسا صعوبات في دمج المهاجرين في المجتمع، ممّا أدّى إلى شعور بعض الفرنسيين بالتهديد من قبل الثقافات الأخرى. يُساهم صعود اليمين المتطرف في استقطاب الحياة السياسية الفرنسية، ممّا يُعيق الحوار والتفاهم بين مختلف الفئات السياسية.محاربة التطرف في أوروبا ـ تدابير وسياسات في أعقاب حرب غزة
الخطاب المتطرف عبر الإنترنت
يُعدّ الخطاب المتطرف عبر الإنترنت ظاهرة مقلقة تُشكل تحديًا كبيرًا للمجتمع الفرنسي، حيث تُساهم في نشر الكراهية والعنف، وتُهدد قيم الديمقراطية والتسامح. يشمل خطاب الكراهية التهجمات والشتائم على أساس الدين، العرق، الجنسية، التوجه الجنسي، وغيرها من الخصائص. تهدف المعلومات المضللة إلى خداع الناس ونشر معلومات كاذبة أو مُحرفة. يدعو المتطرفون إلى استخدام العنف ضد الأفراد أو الجماعات. يُروج خطاب التطرف الإسلاموي للأفكار المتطرفة للإسلام السياسي والإرهاب. يُعزز خطاب التطرف اليميني الكراهية ضد المهاجرين والمسلمين، وينشر الأفكار القومية المتشددة. ينتشر المحتوى المتطرف بسرعة كبيرة على الإنترنت، مما يجعل من الصعب رصده وإزالته. يُمكن الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي لرصد المحتوى المتطرف وإزالته بشكل أكثر كفاءة.
استثمار حرب غزة من جانب جماعات الإسلام السياسي
توظف تنظيمات الإسلام السياسي حرب غزة في خطابها المتطرف ضد المجتمع الفرنسي منذ 7 أكتوبر 2023. اعتقلت الأجهزة الأمنية الفرنسية (486) شخصا لارتكابهم جرائم معاداة السامية، بينهم (102) من الأجانب منذ تصعيد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وفي منطقة باريس اعتقل (90) شخصا. تلقى (1487) شخص غرامات بسبب المشاركة في مسيرة غير مصرح بها في 31 أكتوبر 2023. قررت وزارة الداخلية الفرنسية في 12 أكتوبر 2023 حظر المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، لأنها من المحتمل أن تؤدي إلى اضطرابات في النظام العام. وفي حال خرق هذا الحظر يتم توقيف “منظمي المظاهرات”. أبطل مجلس الدولة الفرنسي، قرار الحكومة الفرنسية بحظر المظاهرات المؤيدة لفلسطين في باريس في 18 أكتوبر 2023، حيث يرى مجلس الدولة الفرنسي أن الأمر متروك لـ “المحافظين وحدهم لاتخاذ القرار على أساس كل حالة على حدة”، كما لم يوافق البرلمان الفرنسي على قرار الحكومة، بمنع المظاهرات الداعمة للفلسطينيين في المدن الفرنسية.محاربة التطرف ـ الإسلاموفوبيا في أوروبا الواقع والمخاطر ـ ملف
إحصائيات حول التطرف في 2024
أعلن رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال 24 مارس 2024 رفع حالة التأهب الأمني في البلاد إلى أعلى مستوى، وذلك في أعقاب الهجوم الإرهابي على حفل موسيقي بالقرب من العاصمة الروسية موسكو. كذلك أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد “إيفوب” الفرنسي لدراسات الآراء والتسويق، بتكليف من مؤسسة “إلنيت”، في مارس 2024 أن الغالبية العظمى من الفرنسيين يشعرون بالقلق من خطر وقوع هجمات إرهابية في بلادهم. زاد عدد عدد الهجمات الإرهابية في فرنسا في السنوات الأخيرة. ففي عام 2023، وقع 20 هجومًا إرهابيًا في فرنسا، مما أسفر عن مقتل 60 شخصًا. ارتفع عدد الأشخاص الذين تم إيقافهم بتهمة التطرف. في عام 2023، تم إيقاف 12,000 شخص بتهمة التطرف في فرنسا. كما زاد عدد الأشخاص الذين تم تجنيدهم من قبل الجماعات المتطرفة. في عام 2023، تم تجنيد 1,500 شخص من قبل الجماعات المتطرفة في فرنسا.
مخاطر التطرف على الأمن المجتمعي
يشكل التطرف، بكافة أشكاله، تهديدًا خطيرًا للأمن المجتمعي في فرنسا، ويُعرّض استقرارها وقيمها الأساسية للخطر. يُعدّ العنف والإرهاب من أخطر تداعيات التطرف، حيث تُهدد الجماعات المتطرفة، سواء كانت يمينية متطرفة أو إسلاموية متطرفة، بشن هجمات عنيفة على المدنيين والممتلكات. وقد شهدت فرنسا خلال السنوات الماضية العديد من الهجمات الإرهابية التي خلفت ضحايا وأضرارًا جسيمة. يُساهم التطرف في نشر خطاب الكراهية والتمييز ضد الأقليات، ممّا يُؤدّي إلى تفاقم التوترات الاجتماعية وتقسيم المجتمع. ويُمكن أن تُؤدّي هذه التفرقة إلى أعمال عنف وصراعات بين مختلف فئات المجتمع. يسعى المتطرفون إلى تقويض الثقة في المؤسسات الرسمية، مثل الحكومة والقضاء والأجهزة الأمنية، ممّا يُهدد الاستقرار السياسي والنظام العام.
معاداة السامية في فرنسا
شهدت فرنسا (1159) عملا معاديا للسامية منذ السابع من أكتوبر 2023، أي أكثر من (3) أمثال العدد المسجل في عام 2022. تشمل رسم الصليب المعقوف، أو نجمة داود على الجدران، واعتداءات، ففي منطقة باريس سجل (257) حادثا معاديا للسامية. يقول “ميشيل فيفيوركا”، الباحث بعلم الاجتماع في “مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية” في باريس “EHESS” إن هذا الرقم “مثير للقلق إذ يعد الأعلى منذ بدء التسجيل المنهجي (لحوادث معاداة السامية) عام 2000”. أضاف فيفيوركا “أن تصاعد مثل هذه الحوادث يعكس انتقال الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني إلى فرنسا التي تعد موطنا لأكبر عدد من السكان اليهود في أوروبا وتضم واحدة من أكبر الجاليات المسلمة في أوروبا”.
تشريعات للحد من التطرف
تُعدّ التشريعات أحد أهم أدوات الحكومة الفرنسية لمكافحة التطرف بأشكاله المختلفة. وتتميز هذه التشريعات بالصرامة والشمول، حيث تُغطي مختلف جوانب التطرف، بدءًا من التطرف اليميني والتطرف الإسلاموي، وصولًا إلى التطرف الانفصالي. من أبرز التشريعات الفرنسية لمكافحة التطرف، قانون مكافحة الإرهاب. تم سنّ هذا القانون في عام 2015 بعد هجمات باريس. ويُعزز صلاحيات أجهزة إنفاذ القانون لمراقبة الأفراد المشتبه بهم في التطرف ومكافحة التمويل الإرهابي. تم سن قانون مكافحة خطاب الكراهية في عام 2016، ويُجرم خطاب الكراهية والتحريض على العنف والكراهية على أساس الدين أو العرق أو الجنسية أو التوجه الجنسي. تم سنّ قانون مكافحة المحتوى المتطرف على الإنترنت هذا القانون في عام 2020، ويُلزم شركات التكنولوجيا بإزالة المحتوى المتطرف من منصاتها الإلكترونية بسرعة.
المعالجات والتدابير اللازمة لمواجهة التطرف
يجب التركيز على تعليم الشباب مهارات التفكير النقدي والتحقق من صحة المعلومات لتجنب الوقوع ضحية للمعلومات المضللة والخطاب المتطرف. كما يجب على جميع أفراد المجتمع أن يتكاتفوا لمكافحة الخطاب المتطرف من خلال نشر ثقافة التسامح والاحترام. تعد مكافحة الخطاب المتطرف عبر الإنترنت مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الحكومات، وشركات التكنولوجيا، ومنظمات المجتمع المدني، والأفراد. من خلال العمل معًا، يمكننا خلق فضاء رقمي أكثر أمانًا وتسامحًا.
تُبذل جهود كبيرة لمكافحة التطرف في فرنسا، تشمل، تعزيز التماسك الاجتماعي حيث تعمل الحكومة الفرنسية على تعزيز التماسك الاجتماعي من خلال برامج ومبادرات تهدف إلى دمج المهاجرين في المجتمع الفرنسي. تعمل الحكومة على مكافحة خطاب الكراهية من خلال القوانين. تعمل الحكومة على مكافحة التطرف على الإنترنت من خلال التعاون مع شركات التكنولوجيا. وتعمل الحكومة على مكافحة الإرهاب من خلال الاستخبارات وإنفاذ القانون.
يُعدّ صعود اليمين المتطرف في فرنسا ظاهرة مقلقة تتطلب جهودًا مُكثّفة لمواجهتها. من خلال معالجة الأسباب الجذرية لظهوره، وتعزيز التماسك الاجتماعي، ونشر الوعي بمخاطره، يمكن لفرنسا أن تُحافظ على قيمها الديمقراطية والتسامحية. ويجب معالجة الأسباب الجذرية لصعود اليمين المتطرف، مثل البطالة والتهميش، من خلال سياسات اقتصادية واجتماعية فعّالة. يجب سنّ قوانين صارمة لمكافحة خطاب الكراهية والتضليل الإعلامي. كما يجب تعزيز التماسك الاجتماعي من خلال برامج ومبادرات تُشجّع على الحوار والتفاهم بين مختلف الفئات في المجتمع. يجب نشر الوعي بمخاطر التطرف من خلال برامج تثقيفية تُوجّه إلى مختلف فئات المجتمع، خاصّةً الشباب.
لا تقتصر مسؤولية مكافحة التطرف على الحكومة فقط، بل يجب أن يُشارك جميع أفراد المجتمع في هذه الجهود. ويمكن للجميع المساهمة من خلال: الإبلاغ عن أي سلوك متطرف للسلطات، ونشر رسائل التسامح والاحترام، والمشاركة في برامج التوعية والوقاية من التطرف، ودعم ضحايا التطرف.
تقييم وقراءة مستقبلية
يعدّ التطرف ظاهرة معقدة ومتعددة الأوجه تُشكل تحديًا كبيرًا لفرنسا. لا تزال مستويات التهديد الإرهابي مرتفعة في فرنسا. تزداد مخاوف الفرنسيين من الإرهاب. تُواجه الحكومة الفرنسية صعوبات في دمج بعض الجماعات في المجتمع. تنتشر المعلومات المضللة والكراهية على الإنترنت بشكل مستمر.
يُعد التطرف تحديًا كبيرًا لفرنسا، لكنه ليس تحديًا مستحيلًا. من خلال الجهود المتضافرة من الحكومة والمجتمع المدني، يمكن لفرنسا هزيمة التطرف وتعزيز مجتمع متسامح وشامل.
تُغطي التشريعات مختلف جوانب التطرف في فرنسا، بدءًا من التطرف العنيف وصولًا إلى التطرف الفكري. تُفرض عقوبات صارمة على الأشخاص الذين يُدانون بارتكاب جرائم التطرف. تُساهم هذه التشريعات في الحد من انتشار التطرف وتحسين الأمن العام.
تُواجه الحكومة الفرنسية تحديًا في تحقيق التوازن بين الحفاظ على الأمن ومراعاة الحريات الفردية، مثل حرية التعبير. قد تواجه الحكومة صعوبات في تطبيق القوانين بشكل فعال، خاصةً على الإنترنت. قد يُنتشر التطرف عبر الحدود الوطنية، ممّا يتطلب تعاونًا دوليًا لمكافحته.
رابط مختصر..https://www.europarabct.com/?p=93891
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات
هوامش
Terrorism: France’s International Action
Hamas global jihad – An impact in France?
‘Extreme right violence in France is on the rise’
The Gaza War and the Danger of Extremism