بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI ـ وحدة الدراسات (2)
تشترك جماعات الإسلام السياسي واليمين المتطرف في دعاياها وخطاباتها المتطرفة من حيث مقدماتها الأيديولوجية واستراتيجياتها ووسائلها، وذلك من خلال التأثير السياسي والاجتماعي. ويمكن أن يُعزى ذلك التطور والعدد المتزايد بشكل كبير من المتابعين على وجه الخصوص إلى الدعاية المكثفة، على أرض الواقع، والواقع الافتراضي. وعلى خلفية هذا التطور، تهيئ تلك الجماعات أرضا خصبة للتطرف والإرهاب.
جماعات الإسلام السياسي وخطاب الكراهية
أثارت مظاهرة نظمتها جماعة إسلاموية في هامبورغ، حملت خطابات وشعارات تتضمن “الخلافة هي الحل” و “ألمانيا ديكتاتورية القيم”، الجدل في ألمانيا في 30 أبريل 2024. تعتمد هذه المنظمة بشكل أساسي على وسائل التواصل الاجتماعي مثل “تيك توك” من أجل تنظيم أنشطتها. تتضمن شعارات وخطابات الجماعة استطلاعات في الشوارع لتوحي بالقرب من المجتمع المسلم. ودائما ما تقدم محتويات تتسم بالعنصرية وتبرز المسلمين كمهمشين خاصة بعد حرب غزة. تصدر جماعات الإسلام السياسي في خطاباتها ودعايها إلى خلق مجتمع مواز، فقد أفاد استطلاع للرأي في 26 أبريل 2024، أن أكثر من ثلثي الذين شملهم الاستطلاع يعتبرون أن الخطابات التي تتضمن التفسير المتشدد للشريعة الإسلامية أكثر أهمية من القوانين في ألمانيا، فنحو (45.8 %) يرون أن شكل من أشكال الحكم.
اليمين المتطرف وخطاب الكراهية
يريد المتطرفون اليمينيون تقويض الثقة في استقرار الدولة وقدراتها على التحرك من خلال خطابات الكراهية على الإنترنت، وقد شاركوا هذا الهدف مع بعض الجهات الأجنبية بحسابات مزيفة، وتخترع قصصا باستخدام صور تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وتتظاهر بالمصداقية من خلال مواقع الصحف الإلكترونية، وتجري محاولات للتلاعب بتكوين الرأي والنقاش السياسي وإضعاف الديمقراطية في 13 فبراير 2024.
تعتبر المنصات الإلكترونية قنوات مركزية لنشر الخطابات المتطرفة. عى YouTube وInstagram، وTikTok، ويمكن الوصول بسهولة إلى الشباب، وحتى الأطفال، عبر التطبيقات، وبالتالي فهم هدف للتطرف المرغوب فيه. إنهم “متصلون بالإنترنت بشكل دائم، ومتصلون بشكل دائم” يقدم المشهد اليميني المتطرف للشباب على وسائل التواصل الاجتماعي إجابات بسيطة على ما يبدو على أسئلة معقدة.
حذر رؤساء شركات سيمنز ودويتشه بان ودويتشه بنك من عواقب الشعبوية والتطرف والعنصرية على ألمانيا كموقع تجاري حيث من تلك الخطابات تساهم في تقكيك التماسك المجتمعي، ويقسمون بلادنا، ويعرضون ازدهارنا للخطر”
جرائم الكرهية والتطرف
أحصى مكتب مكافحة الجريمة الألماني (PKA) وتقرير مكتب حماية الدستور الاستخبارات الداخلية، بأن عدد جرائم الكراهية لسنة 2023 خلال (9) أشهر بلغ (686) جريمة معادية للمسلمين أو حالة معاداة المسلمين تتجاوز إحصاءات عام 2022، حيث كان (610) فقط. كما وقعت (2249 ) جريمة معادية للسامية في ألمانيا. الملاحظ أن الأشهر الثلاثة الأخيرة والتي تصادف حرب غزة يتوقع أن الحوادث زادت فيها إذ تحدثت منظمات عن معدل (3) حوادث معادية للمسلمين يوميا في الأول من مايو 2024.
واجه حوالي (15.8) مليون مستخدم للإنترنت تتراوح أعمارهم بين (16 و74 ) عاما منشورات تحتوي على خطاب كراهية كان مستخدمو الإنترنت الأصغر سنا أكثر عرضة لملاحظة خطاب الكراهية عبر الإنترنت مقارنة بالمستخدمين الأكبر سنًا من بين مستخدمي الإنترنت الذين تتراوح أعمارهم بين 45 و64 عامًا، واجه خمسهم فقط (20٪) خطابًا يحض على الكراهية عبر الإنترنت. وفي الفئة العمرية من 65 إلى 74 عامًا، بلغت النسبة حوالي السُبع (14%).
خلص تقرير في يونيو 2023 إلى أن ما يعانيه مسلمون من تمييز متزايد في المجتمع الألماني يبرّر اتخاذ إجراءات متضافرة لمكافحة خطاب الكراهية، أشار التقرير إلى أن البيانات تظهر أن نحو (50%) من الألمان يقبلون تصريحات مناهضة للمسلمين، ما “يوفر أرضا خصبة خطيرة” للجماعات المتطرفة. وفي تحليل للثقافة الشعبية، خلص التقرير إلى أن نحو (90%) من الأفلام التي أحصاها التقرير قدّمت نظرة سلبية عن المسلمين، وغالبا ما أقامت رابطا بينهم وبين “هجمات إرهابية “.
إجراءات لمكافحة خطابات الكراهية والتطرف
اعتمدت السلطات الألمانية برنامج “التحدث مع بعضنا البعض” التابع للوكالة الفيدرالية للتربية المدنية و برنامج تمويل “الديمقراطية على الإنترنت”، للتصدي لحطابات للتطرف واتخاذ موقف ضد الكراهية والتحريض بالإضافة إلى المعلومات المضللة، وتنفيذ (100) مشروع حواري بحلول نهاية عام 2024.
وافقت لجنة العدل في برلمان ولاية تورينغن في وسط ألمانيا على رفع حصانة المقاضاة عن النائب بيورن هوكه، السياسي البارز في حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي، حيث استخدم هوكه شعار “كل شيء من أجل ألمانيا”، الذي تبنته (كتيبة العاصفة) /إس إيه/ الجناح شبه العسكري لحزب أدولف هتلر في ثلاثينات القرن الماضي.
أعلنت السلطات الألمانية مداهمة عشرات المواقع التابعة لجماعة يمينة متطرفة داهمت المقر الرئيسي للجماعة التي يطلق عليها اسم “أرتجماينشافت و26 منزلا تعود إلى 39 عضوا في 12 ولاية يواصلون نشر الأيديولوجيا والدعايا النازية في سبتمبر 2023 إن المنظمة تضم نحو 150 عضوا ولها صلات بجماعات يمينية متطرفة عدة.
أعلن رئيس شرطة هامبورغ فالك شنابل إجراء مراجعة جنائية لدى الادعاء العام لشعارات ولافتات يُشتبه في أنها مخالفة للقانون رفعت خلال مظاهرة نظمها إسلامويون في مدينة هامبورغ الألمانية.
تعمل السلطات الألمانية على إصلاح مقترح المادة (130) المتعلق بخطاب الكراهية وتقييم أكثر من (300) دعوى جنائية بتهمة التحريض على الكراهية بين عامي 2016 و2021. وأكدت وزارة الداخلية الألمانية في 14 مايو 2024 أن السلطات الأمنية الفيدرالية ستواصل اتخاذ إجراءات حاسمة ضد المتطرفين وجرائم الكراهية. “لأن الكراهية، خاصة على الإنترنت، هي التي تمهد الطريق لمثل هذه الأعمال”
إجراءات لمكافحة خطابات الكراهية والتطرف على الإنترنت
يقيد واحد من كل شخصين استخدام الإنترنت بسبب الكراهية عبر الإنترنت وفقا لاستطلاع للرأي في 13 فبراير 2024. وهناك أكثر من (50%) الذين شملهم الاستطلاع هم أقل احتمالا للتعبير عن آرائهم السياسية عبر الإنترنت بسبب الخوف. ولاحظ الاستطلاع أن منصات وسائل الإعلام الاجتماعية يجب أن تتحمل المزيد من المسؤولية. ووافق (79%) على القول بأن هذه المنصات يجب أن تتحمل أيضًا المسؤولية المالية عن الأضرار الاجتماعية الناجمة عن خطابات الكراهية عبر الإنترنت.
تعتقد “ليزا باوس” الوزيرة الفيدرالية لشؤون الأسرة أن منع خطابات الكراهية عبر الإنترنت بشكل أفضل أمر ضروري. ودعت إلى تطبيق القواعد بشكل أفضل من قبل السلطات ومساعدة المتضررين. على الرغم من أنه يمكن الآن الإبلاغ عن منشورات الكراهية إلى الخدمات ذات الصلة، إلا أن لدى المرء انطباعًا: “إنها مجرد موجة مد ضخمة قادمة عليك، ومع كل مشاركة تبلغ عنها، يضاف (10 أو 20 أو 100 أو 1000) آخرين.
أظهرت قضية Telegram أن الدولة لا يمكنها الاعتماد فقط على مقدمي الخدمة لاتخاذ إجراءات ضد خطابات الكراهية والتطرف وفقًا للقانون. حيث تعمل السلطات الألمانية على ملاحقة المحتوى المتطرف و مراقبة هذه الشبكات من أجل التعرف على التطورات الحالية في مرحلة مبكرة. بالإضافة إلى ذلك، يتم توسيع نقطة الإبلاغ المركزية للمحتوى المتطرف وخطاب الكراهية التي تم إنشاؤها في مكتب الشرطة الجنائية الفيدرالية تدريجيًا وتكييفها.
أكد “هولغر مونش” رئيس الأمن الجنائي الاتحادي، اتخاذ إجراءات ضد مقدمي خدمات الإنترنت بهدف إزالة المحتوى المخالف من الإنترنت. أضاف “مونش” إنه جرى تقديم أكثر من (7200) طلب حذف خلال عام 2023، فحوالي (75%) من الطلبات تكللت بالنجاح. ويمكن أن يكون قانون الخدمات الرقمية الجديد مفيدا أيضا في زيادة هذا المعدل. حيث جرى اعتماده العام 2023، والهدف الأهم منه هو التمكن من معاقبة المخالفات القانونية في الفضاء الرقمي بشكل أسرع وأفضل، ينطبق هذا التعليقات التي تحض على الكراهية على منصات مثل “إكس” وفيسبوك وانستغرام وغيرها.
أشار استطلاع للرأي أن (84%) ممن شملهم استطلاع للرأي في 29 أبريل 2024 أن نشر خطابات الكراهية والتضليل عمدا يمثل تهديدا خطيرا للمجتمع الألماني، لاسيما عبر الاستخدام المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للمعلومات.
تقييم وقراءة مستقبلية
– يتشابه محتوى خطابات الكراهية والتطرف لجماعات الإسلام السياسي واليمين الشعبوي من حيث المقدمة الأيديولوجية واستراتيجياتها ووسائلها، وذلك من خلال التأثير السياسي والاجتماعي على المجتمع الألماني.
– يمكن تلخيص محتوى خطابات الكراهية في ألمانيا على دعايا تتضمن العنصرية والتمييز ضد أفراد أو مجموعات، بسبب أصلهم أو دينهم أو انتمائهم الاجتماعي، ويستغل المتطرفون خطابات الكراهية كوسيلة مناسبة لتحقيق أجنداتهم الخاصة.
– تسبب التصعيد المستمر في حرب غزة إلى تنامي خطابات الكراهية والتطرف داخل المجتمع الألماني، وساهمت حرب غزة في تزايد عدد حالات جرائم الكراهية والجرائم ذات الدوافع السياسية، ما “يوفر أرضا خصبة ” للجماعات المتطرفة.
– تولي ألأجهزة الأمنية الألمانية اهتماما للجهود المبذولة لمكافحة الكراهية والتحريض ضد جميع فئات المجتمع الألماني، كذلك سن تشريعات تُجرم خطاب الكراهية، سواء على أرض الواقع أو منصات التواصل الاجتماعي.
ـ يمكن القول بأن رغم الإجراءات والتدابير التي اعتمدتها السلطات الألمانية التي خلال الفترات السابقة، كإصدار”NetzDG” قانون تجريم خطاب الكراهية والتطرف، فأنها لم تأت بعد بالنتائج المرغوبة، وربما من المحتمل في المستقبل القريب أن لا تأت بنتائج ايضا.
– بات متوقعا أن توفر خطابات التطرف والكراهية أرضا خصبة للأيديولوجية المتطرفة، وأن تشكل خطابات الكراهية والتحريض عبر منصات التواصل الاجتماعي تهديدا للأمن المجتمعي والتعايش السلمي، ولمبادئ القيم الألمانية، وأن تتحول خطابات الكراهية الرقمية على الإنترنت إلى عمليات إرهابية.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=93845
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ECCI
الهوامش
Das Zusammenspiel von Hassrede und Desinformation
https://tinyurl.com/exx5kmdj
Hass im Netz schreckt viele ab
https://tinyurl.com/mtu39j8p
ألمانيا ـ استراتيجيات جديدة لمكافحة التطرف اليميني والكراهية
https://tinyurl.com/mwu488an
Beauftragte des Bundes beobachten mit Sorge die vermehrten Anfeindungen
https://tinyurl.com/yyv9j6ez