المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ألمانيا وهولندا ECCI، وحدة الدراسات والتقارير “1”
محاربة التطرف في ألمانيا ـ التطرف الإسلاموي لا يزال يُشكل تهديدًا متصاعدًا ومتطورًا
لايزال التطرف الإسلاموي يُشكل تهديدًا متصاعدًا ومتطورًا وخاصة “الذئاب المنفردة”. لم يعد التهديد مرتبطًا فقط بعدد السلفيين أو “الجهاديين”، بل أصبح يتجسد في ديناميكية التيار الإسلاموي، وانتشاره عبر الفضاء الرقمي، وتفاعله مع الصراعات الدولية.يتراجع عدد الأشخاص الذين تشتبه الشرطة في أنهم قد يرتكبون جرائم سياسية كبيرة ومع ذلك، فإن المشهد المتطرف يشهد حراكًا مستمرًا. ويظل الإسلام السياسي المصدر الرئيسي للخطر. وهناك أمر آخر يثير قلق السلطات الأمنية.حالياً، تُصنف سلطات التحقيق الألمانية (575 ) شخصًا ضمن فئة “الخطرين . وتشكل الفئة الأكبر وبفارق واضح، أولئك المصنفين ضمن “الجهادية”. ووفقًا لما أفاد به المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية (BKA) بلغ عدد هؤلاء حتى الأول من أبريل 2025 نحو 458 شخصًا. وبذلك يُسجّل المكتب انخفاضًا طفيفًا في عدد الإسلامويين المصنفين كخطرين؛ ففي الأول من أغسطس 2024، كان عددهم 472 شخصًا ضمن فئة “الجهاديين”. ووفقًا لجهاز مكافحة الإرهاب ، فإن الخطر يتمحور حول “الذئاب المنفردة”. مكافحة الإرهاب في ألمانيا ـ ما هي حجم تهديدات داعش لألمانيا؟
يبقى مستوى التهديد مرتفعًا في جميع مصادر التطرف. وقد حذّر المكتب الاتحادي لحماية الدستور في أحدث تقاريره السنوية من وجود ديناميكية كبيرة داخل المشهد الإسلاموي نتيجة النزاع في الشرق الأوسط. وجاء في التقرير: “الدعاية الإسلاموية لا تروّج فقط لأفكار معادية للسامية، بل كثيرًا ما تدعو صراحة إلى تنفيذ عمليات إرهابية .”فبعد 7 أكتوبر 2023، نُفّذت عدة هجمات إرهابية في دول أوروبية ولأن العناصر الخطرة ربطوا أفعالهم بالنزاع في الشرق الأوسط، فإن هذا يشير إلى أن الدعاية الإسلاموية الراهنة لها تأثير واضح على المتعاطفين معها. وكانت هناك مذكرات توقيف بحق 453 شخصًا، وُجّهت اتهامات إرهابية إلى 226 منهم، ويُعتقد أن نحو 97% منهم يعيشون في الخارج وفقًا لمعلومات BKA. كما يُلاحق 18 شخصًا بتهم تتعلق بالتجسس أو الإرهاب برعاية دول. ولا توجد حتى الآن أرقام رسمية حول مذكرات التوقيف المفتوحة لعام 2025.
العناصر الإسلاموية المتطرفة في ألمانيا عام 2025
ارتفع عدد الأفراد المصنفين كإسلاميين خطرين في ألمانيا من 550 في عام 2015 إلى أكثر من 2,000 في عام 2025، مما يمثل زيادة تقارب أربعة أضعاف خلال عقد واحد . بالنسبة للتيار السلفي “الجهادي”، تشير البيانات المتاحة حتى إلى وجود حوالي 12,150 سلفيًا في ألمانيا، مع تصنيف بعضهم كمتطرفين يميلون إلى العنف . بحسب أحدث البيانات المتاحة حتى نهاية عام 2023، يُقدّر عدد السلفيين في ألمانيا بحوالي 10,500 شخص. تجدر الإشارة إلى أن هذا الرقم يُظهر انخفاضًا طفيفًا مقارنةً بالسنوات السابقة، حيث بلغ عدد السلفيين في ألمانيا حوالي 11,000 في عام 2022. من المهم ملاحظة أن هذه الأرقام قد تتغير بمرور الوقت بسبب عوامل متعددة، بما في ذلك التطورات السياسية والاجتماعية، وجهود مكافحة التطرف. لذلك، يُنصح بمراجعة التقارير الرسمية الصادرة عن الجهات المختصة للحصول على أحدث المعلومات.
برامج الوقاية ونزع التطرف
ـ برنامج “Demokratie Leben!” الديمقراطية: بأشراف وزارة الأسرة الألمانية. وهذا البرنامج يهدف إلى دعم التعددية، التعليم المدني، الوقاية من التطرف الديني واليميني . وأبرز الأنشطة لهذا البرنامج هو تمويل منظمات المجتمع المدني، حملات في المدارس، مشاريع ضد الكراهية على الإنترنت.
ـ برنامج “Respect Coaches”: ينتشر في المدارس ويعمل على تعزيز التفكير النقدي لدى التلاميذ ومواجهة الأفكار المتطرفة. يستهدف بشكل خاص المراهقين في بيئات مهمّشة أو ذات كثافة مهاجرين.
ـ برامج الوقاية المجتمعية المحلية (Kommunale Prävention) تدعمها الولايات اللمانية، وتتم في الأحياء المعرضة للتطرف، تشمل، وساطة أسرية، دعم نفسي، أنشطة شبابية بديلة.
ـ برامج نزع التطرف (Deradikalisierung).
ـ برنامج “Hayat” : تشرف عليه منظمة “Violence Prevention Network”يُعدّ من أقدم البرامج الأوروبية في التعامل مع “الجهاديين” ويستهدف الأفراد الراغبين بالانسحاب من الجماعات المتطرفة، وتقديم الدعم لعائلاتهم. ويقدم جلسات حوار، دعم نفسي، مرافقة في الحياة اليومية.
ـ برنامج “الدليل“: ينفذ تحت إشراف وزارة الداخلية في ولاية شمال الراين- وستفاليا. ويعمل فيه شبكة من المستشارين المحليين من أجل تحديد الأفراد المعرّضين للتطرف، وإقناعهم بالانسحاب قبل التورط.
ـ مراكز المشورة للأسر (Beratungsstellen für Angehörige) توفر المشورة للأهالي الذين يلاحظون تغيرات مقلقة في سلوك أبنائهم نحو التطرف.
ـ برامج إعادة تأهيل العائدين من داعش.
ـ برنامج إدارة العائدين (Rückkehrerprogramme) يتبع للمكتب الاتحادي لحماية الدستور (BfV) بالتعاون مع الشرطة والولايات. يشمل مراقبة أمنية دقيقة ويعمل البرنامج على إعادة التأهيل النفسي والديني ويقدم برامج تعليمية وتأهيل مهني. غالبًا ما يُرافق ذلك إجراءات قانونية محاكمات أو مراقبة مشروطة. ويعمل البرنامج علىالتعاون مع مؤسسات دينية معتدلة خاصة من التيار السلفي غير “الجهادي” لمحاولة فك الارتباط الديني بطريقة غير تصادمية. مكافحة الإرهاب في ألمانيا ـ هل تواجه ألمانيا موجة جديدة من التطرف العنيف؟
هل نجحت برامح الوقاية من التطرف؟
ـ تعتبر ألمانيا من الدول الرائدة في الهيكلة المؤسساتية للوقاية والتدخل من خلال:
ـ بناء شراكات بين الدولة والمجتمع المدني.
ـ وجود برامج مرنة تتكيف مع كل فئة عمرية أو حالة تطرف.
ـ التنسيق بين الولايات والسلطات الفيدرالية، ما يؤدي إلى سد الفجوات . وتقييم فعّال لمدى نجاح البرامج .
ـ تأهيل بعض العائدين من داعش ومراقبتهم .
ـ تعزيز برامج نزع التطرف لدى المجتمعات المستهدفة، بسبب طابعها الأمني أو الرقابي.
التدابير التي تتخذها الحكومة الالمانية للحد من التطرف والإرهاب
تبنت الحكومة الألمانية في عامي 2024 و2025، حزمة واسعة من التدابير لمواجهة التطرف والإرهاب، خاصة الإسلاموي واليميني، انطلاقًا من فهم أمني شامل يدمج الأدوات الأمنية، القانونية، والاجتماعية. أبرزها:
ـ تعزيز القدرات الأمنية والاستخباراتية: زيادة ميزانيات الاستخبارات الداخلية (BfV) والمكتب الفيدرالي للشرطة الجنائية (BKA)، وتوظيف مزيد من المحللين المتخصصين في مراقبة التطرف الديني والرقمي.
ـ توسيع آليات مراقبة الإنترنت: خاصة فيما يتعلق بالتجنيد والتطرف عبر الشبكات المشفرة مع تعزيز أدوات الذكاء الاصطناعي للرصد الاستباقي.
ـ مراقبة المساجد والجمعيات المشتبه بها: المقصود هنا الجمعيات والمساجد ة المرتبطة بجماعات مثل الإخوان المسلمين، حزب الله، وحماس. تم حظر بعض الجمعيات في برلين وساكسونيا السفلى في 2024.
ـ إصلاحات قانونية وتشريعية : توسيع صلاحيات الشرطة في الاحتجاز الوقائي والمراقبة الإلكترونية للمشتبه بهم المصنفين كعناصر خطرة.
ـ تشريعات : سن قوانين جديدة تُجرّم التحريض الرقمي والكراهية عبر الإنترنت، مع التركيز على مكافحة الدعاية الإسلاموية واليمينية المتطرفة.
ـ تعديلات في قوانين الهجرة والإقامة: تسمح بإبعاد الأجانب المتطرفين أو من يُشتبه في انتمائهم لجماعات إرهابية حتى دون إدانتهم الجنائية.
ـ مكافحة تمويل التطرف: تشديد الرقابة على التمويلات الأجنبية للجمعيات الإسلامية، وتعزيز الشفافية المالية للمؤسسات الدينية. وتجميد أصول جمعيات يُشتبه بتورطها في دعم جماعات إرهابية خارجية .
ـ تعزيز برامج الوقاية والاندماج : دعم برامج التوعية والوقاية أبرزها “Demokratie Leben” و“Respect Coaches” في المدارس والجامعات. وتمويل مبادرات المجتمع المدني لتعزيز التعددية، ومحاربة الكراهية، والتطرف في الأحياء ذات الكثافة المهاجرة وتعزيز التعاون مع الأسر والمدارس لاكتشاف مبكر لحالات التطرف لدى الشباب.
ـ تعاون أوروبي ودولي: تعزيز التنسيق مع أجهزة الأمن الأوروبية من خلال “اليوروبول“وتبادل البيانات بشأن العائدين من مناطق النزاع مثل سوريا والعراق.
ـ التعاون مع الدول المغاربية والشرق أوسطية : التعاون بشأن ترحيل المتطرفين، ومراقبة شبكات التمويل والتجنيد.
ـ مشاركة ألمانيا في المبادرات الأوروبية: مشاركة ألمانيا لتتبع مقاتلي داعش السابقين ومحاولة إعادة تأهيل بعضهم. مكافحة الإرهاب في ألمانيا ـ ما هي دوافع الهجمات الإرهابية؟
تقييم وقراءة مستقبلية
ـ التهديدات الأمنية مازالت قائمة: يوجد أكثر من 450 شخصًا مصنفين كـ”خطرين” ضمن التيار الإسلاموي في ألمانيا، وفق بيانات المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية (BKA) ولا تزال التهديدات الأمنية قائمة، بل تتصاعد بفعل تطورات دولية، أبرزها النزاع في الشرق الأوسط.
ـ الجماعات الإسلاموية المتطرفة: يمثل الإسلامويون أكثر من 79% من إجمالي المصنفين كخطرين. رغم تراجع العدد من 472 في أغسطس 2024 إلى 458 في أبريل 2025، لا تزال الأرقام مرتفعة. وإن الدعاية الإسلاموية مرتبطة مباشرة بأحداث 7 أكتوبر 2023، ما يعكس خطر تسييس الصراع الفلسطيني الإسرائيلي داخل أوروبا. السلطات الألمانية أكدت بإن هناك دعوات مباشرة في الدعاية الإسلاموية لتحويل الكراهية إلى أفعال عنيفة.
ـ التحدي القانوني: أكثر من 1100 مذكرة توقيف مفتوحة، منها 453 بحق متطرفين إسلامويين، 97% منهم خارج المانيا. يشير ذلك إلى قصور في آليات التعاون الدولي أو محدودية النفوذ الألماني في بعض الدول. من المتوقع ان يكون هناك تصاعد خطر الإرهاب العابر للحدود مع استمرار تدفق العناصر” الجهادية”. لذا فأن خطر الهجمات الفردية أو الخلايا الصغيرة يظل قائمًا، لا سيما من العائدين من مناطق النزاع.
ـ إعادة تشكيل الاستراتيجية الأمنية: تقوم الحكومة الألمانية بإعادة تشكيل الاستراتيجية الأمنية الألمانية وتعزيز الرقابة الرقمية ودعم التعاون الأوروبي في تبادل المعلومات وتوسيع برامج الوقاية ونزع التطرف.
ـ التعاون مابين الجماعات الإسلاموية المتطرفة واليمين المتطرف : ليس مستبعد إن يكون هناك احتمال تحالفات ظرفية أو تقاطع أهداف بين متطرفين يمينيين وإسلامويين داخل السجون أو في الفضاء الرقمي. وتتجه الأن ألمانيا إلى مراجعة سياسات استقبال اللاجئين، خصوصًا فيما يتعلق بالتدقيق الأمني، بسبب تصاعد القلق من تسلل عناصر متطرفة وسط موجات الهجرة الجديدة من الشرق الأوسط.
ـ تعقيد بيئة التهديد في ألمانيا ـ رغم التراجع الطفيف في الأرقام، فإن بيئة التهديد في ألمانيا تتسم بالتعقيد والتطور. تشكّل الدعاية الإسلاموية المتجددة، عناصر مقلقة للأمن الداخلي. ويظل الخيار الأمثل هو المزج بين الإجراءات الأمنية الصارمة، والعمل على تفكيك البنى الأيديولوجية التي تغذي التطرف بجميع أشكاله.
ـ الفصل مابين السلفية والسلفية “الجهادية” : هناك فصل لدى الحكومة الألمانية مابين البفسة الدعوية و “الجهادية” التي تتبنى العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها. يُعتبر السلفيون” الجهاديون “أكثر خطورة من الناحية الأمنية، حيث يُصنف العديد منهم خطرين من قبل السلطات . تُظهر هذه الأرقام أن التهديد الذي يشكله الإسلاميون المتطرفون، وخاصة السلفيون “الجهاديون”، لا يزال قائمًا في ألمانيا، مما يستدعي استمرار الجهود الأمنية والمجتمعية لمواجهة هذا التحدي.
ـ ديناميكية التطرف داخل المشهد الإسلاموي: إن التيار الإسلاموي لا يزال نشطًا، حيث يعيد إنتاج نفسه بأدوات جديدة، تشمل تجنيد الأفراد عبر الإنترنت، وبث الدعاية المتطرفة بلغات متعددة تستهدف الجاليات المسلمة، خاصة الشباب. تطور هذا التيار يتجلى في تحوله من هياكل تنظيمية تقليدية إلى أنماط فردية يصعب تتبعها، بما في ذلك “الذئاب المنفردة” والخلايا الصغيرة.
ـ التهديد الكامن: بلغ عدد الإسلاميين المصنفين كخطرين في ألمانيا 458 شخصًا حتى أبريل 2025، بتراجع طفيف عن السنوات السابقة. إلا أن هذا التراجع العددي لا يعكس انخفاضًا فعليًا في حجم التهديد، بل يشير إلى تحول نوعي في نمط التهديد، حيث تتجه العناصر المتطرفة إلى العمل السري والتجنيد الهادئ عبر وسائل التواصل، مما يصعب على الأجهزة الأمنية الكشف المبكر عنها.
ـ تأثير النزاعات الخارجية على الداخل الألماني: أدت تطورات الصراع في الشرق الأوسط، لا سيما بعد أحداث 7 أكتوبر 2023، إلى تصاعد التوترات داخل ألمانيا، حيث استغلت جماعات متطرفة مثل حماس وحزب الله هذه الأحداث لنشر دعايتها وتبرير العنف. وقد رُصدت حالات لأشخاص مرتبطين بهذه الجماعات قاموا بتدريبات عسكرية خارج البلاد، وعادوا لاحقًا إلى أوروبا، مما يثير مخاوف من إمكانية تنفيذ هجمات مستوحاة من الخارج.
ـ تحديات الأجهزة الأمنية: رغم تفوق ألمانيا في مجال الاستخبارات التقنية، تواجه السلطات صعوبة متزايدة في تعقب الأنشطة المتطرفة التي تحدث عبر تطبيقات مشفّرة ومنصات غير تقليدية. وتشير تقارير إلى وجود أكثر من 450 مذكرة توقيف مفتوحة بحق إسلاميين، معظمهم خارج البلاد، ما يعزز احتمالية عودة بعضهم أو استئناف الاتصال مع شبكات محلية.
ـ التهديد الإسلاموي مازال قائماً : إن التهديد الإسلاموي في ألمانيا لم يعد يقاس فقط بعدد المنتمين أو المصنفين كخطرين، بل بقدرة هذا التيار على التجدد والتأقلم. وعلى السلطات الألمانية مواصلة التركيز على الرصد الرقمي، وتعزيز التعاون الدولي، إلى جانب سياسات اندماج أكثر فعالية لعزل المجتمعات عن خطاب الكراهية. التطرف الإسلاموي لم يتراجع، بل يُعيد ترتيب صفوفه في الظل، ما يتطلب يقظة دائمة واستراتيجيات استباقية تتجاوز الأرقام والبيانات السطحية.
لكن رغم هذه التدابير، لا تزال السلطات تواجه تحديات كبيرة، خصوصًا مع تطور التكتيكات المتطرفة نحو العمل الفردي والرقمي. وقد حذرت الأجهزة الأمنية في 2025 من تصاعد التطرف اللامركزي، والذئاب المنفردة، والتأثير المستمر للنزاعات الخارجية كعامل محفز للتطرف الداخلي.
رابط مختصر https://www.europarabct.com/?p=103452
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI