خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
محاربة التطرف ـ واقع معاداة السامية في ألمانيا 2025
أثار هجوم حماس على إسرائيل، والهجوم العسكري الإسرائيلي، تصاعدًا في الاحتجاجات في ألمانيا. ويلاحظ المراقبون تزايدًا في المظاهرات ذات المحتوى المعادي للسامية. منذ الهجوم على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، وما تلاه من هجوم عسكري إسرائيلي على قطاع غزة، تعرّض العديد من اليهود في ألمانيا لمعاداة السامية. كما لاحظت الجمعية الفيدرالية لمراكز الأبحاث والمعلومات حول معاداة السامية (RIAS) زيادة في الاحتجاجات ذات المحتوى المعادي للسامية.
“الوضع الطبيعي خطير”
أوضح بنيامين شتاينيتز، المدير الإداري لجمعية RIAS الألمانية: “إن الدعوات إلى تدمير إسرائيل، والدعوة إلى العنف ضد اليهود، والدعم العلني لحماس، وإضفاء طابع نسبي على المحرقة ــ كل هذا أصبح أمرًا طبيعيًا ومحبطًا بعد عامين من أحداث السابع من أكتوبر 2023”. توثّق جمعية RIAS “الحوادث المعادية للسامية التي تتجاوز الحدّ الجنائي والتي لا تتجاوزه، بالإضافة إلى تقارير المتضررين أو الشهود والتقارير الإعلامية، وإحصاءات الجريمة. ووفقًا لجمعية RIAS “لا تُشكّل الحوادث المعادية للسامية الموثّقة عيّنة تمثيلية”.
RIAS يرى ارتفاعًا في معاداة السامية المرتبطة بإسرائيل
حللت RIAS في التقرير عددًا من 2225 تجمعًا من السابع من أكتوبر 2023 إلى نهاية عام 2024، حيث وُثّق محتوى معادٍ للسامية. واعتبارًا من السابع من أكتوبر 2023، ارتفع عدد التجمعات ذات المحتوى المعادي للسامية من أقل من تجمع واحد يوميًا إلى خمسة تجمعات. وُثّقت معاداة السامية المرتبطة بإسرائيل بوتيرة أعلى بكثير من ذي قبل، حيث بلغت 89% من التجمعات، وغالبًا ما اقترنت بأشكال أخرى من المشاعر المعادية لليهود.
المكتب الاتحادي لحماية الدستور يحذّر من معاداة السامية
لا يزال المكتب الاتحادي لحماية الدستور يرى “تهديدًا كبيرًا” لليهود في ألمانيا. وصرّح نائب رئيس المكتب، سنان سيلين، في تحليل للتهديدات عُرض في سبتمبر 2025: “تحت ستار النقد المشروع، تتلاشى الحدود الفاصلة بين الكراهية والعنف بشكل متزايد”. كما حذّر سيلين صراحةً من “الأحداث المتطرفة” في الذكرى الثانية لهجوم حماس. حتى في السنة الثانية بعد الهجوم، يُلاحظ تنامي النزعة للكراهية والعنف ضد اليهود في ألمانيا، حسبما جاء في تحليل المكتب الاتحادي لحماية الدستور. “في الوقت نفسه، تُطلق دعوات للعنف ضد دولة إسرائيل، وتكشف السلطات الأمنية عن مخططات لشنّ هجمات على المؤسسات اليهودية المؤيدة لها، ويُحرَم حق إسرائيل في الوجود في كثير من الحالات”.
صرّح سيلين: “أن الجماعات المتطرفة تحاول استغلال هذا الصراع وصوره وروايته لخدمة أيديولوجياتها، إنهم يستغلون الهجوم والوضع المتصاعد الحالي لتعزيز صورة عدو مشترك، اليهود ودولة إسرائيل هما واجهة لنظريات المؤامرة العالمية والأعمال العدائية”. من المتوقع وقوع هجمات بدوافع إرهابية على مؤسسات إسرائيلية أو يهودية، مثل عمليات الطعن أو الاعتداء على السيارات، في أي وقت. ومن الأمثلة الحديثة على ذلك مخططات مشتبه بها لمهاجمة السفارة الإسرائيلية في برلين كُشف عنها في فبراير 2025، وهجوم بسكين على النصب التذكاري للهولوكوست، كما ازداد عدد المنشورات المعادية للسامية على الإنترنت بشكل ملحوظ.
ميرز يناشد الألمان الوقوف ضد “الموجة الجديدة من معاداة السامية”
حذّر المستشار الألماني فريدريش ميرز، في السابع من سبتمبر 2025، من ارتفاع مستويات معاداة السامية في ألمانيا منذ هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، والرد الإسرائيلي الذي أعقب ذلك، ودعا الألمان إلى إظهار التضامن مع مواطنيهم اليهود، متابعًا: “اليوم ننظر إلى بلادنا بقلق”. وأضاف ميرز: “منذ السابع من أكتوبر 2023، شهدنا موجة جديدة من معاداة السامية تظهر في أشكال قديمة وجديدة: على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الجامعات، وفي شوارعنا، بصوت أعلى من أي وقت مضى، وأكثر وقاحة من أي وقت مضى، وبشكل متكرر في شكل عنف”.
أكد المستشار الألماني: “نشأتُ في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وتعلمتُ دروس الهولوكوست بوعد: ‘لن يتكرر هذا أبدًا'”، داعيًا الألمان إلى التواصل مع المجتمعات اليهودية وإظهار التضامن معها. وأوضح ميرز قائلًا: “علينا جميعًا أن نظهر أننا نقف إلى جانبهم، وأننا سنفعل كل ما في وسعنا لضمان أن يتمكن اليهود من العيش هنا في ألمانيا بثقة ودون خوف”. وصف وزير الخارجية الألماني يوهان فادفول يوم السابع من أكتوبر 2023 بأنه “يوم مظلم” بالنسبة لإسرائيل، وأكد فادفول: “تضامن ألمانيا ودعمها لها”، لكنه أوضح: “إن معاناة المدنيين الفلسطينيين منذ ذلك الحين لا ينبغي أن ننسى”. أوضح فادفول يجب أن نرفع أصواتنا ضد والكراهية ومعاداة السامية”، مؤكدًا: “أن ألمانيا تقف بحزم وثبات إلى جانب إسرائيل”.
النتائج
تشير المعطيات إلى تصاعد خطير في معاداة السامية داخل ألمانيا منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، وما تلاه من هجوم إسرائيلي على غزة، وهو ما أعاد فتح ملف حساس في المجتمع الألماني، يشمل العلاقة بين حرية التعبير والنقد المشروع لإسرائيل من جهة، والوقوع في خطاب الكراهية من جهة أخرى. يوثّق تقرير جمعية RIAS هذا التصاعد بالأرقام، ويبرز القفزة من أقل من تجمع واحد يوميًا إلى خمسة تجمعات يومية تحمل مضامين معادية للسامية، معظمها مرتبط بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتحديدًا بنسبة 89%.
يُظهر تحليل المكتب الاتحادي لحماية الدستور أن هذا التصاعد ليس مجرد احتجاج سياسي أو شعبي عفوي، بل بات يُستغل من قبل جماعات متطرفة لنشر الكراهية وتغذية نظريات المؤامرة واستهداف المؤسسات اليهودية. الأمر الذي يؤكده تحذير السلطات الأمنية من هجمات محتملة، وتسجيل محاولات فعلية مثل استهداف السفارة الإسرائيلية في برلين والنصب التذكاري للهولوكوست.
وعلى المستوى السياسي، جاءت استجابة الدولة الألمانية قوية وواضحة، عبر تصريحات المستشار فريدريش ميرز ووزير الخارجية يوهان فادفول، واللذين دعوا إلى التضامن مع اليهود ورفض معاداة السامية بجميع أشكالها. إلا أن هذا الخطاب السياسي
من المتوقع أن تظل ألمانيا في حالة توتر داخلي متزايد إذا لم يتم التعامل بجدية وحسم مع الظواهر المتطرفة التي تتغذى على أحداث الشرق الأوسط. ستكون هناك حاجة ماسة إلى تحرك سياسي ومجتمعي واسع، يشمل مراجعة قوانين التعبير، وتعزيز برامج التوعية ضد الكراهية، ومراقبة خطاب الكراهية على الإنترنت، خاصة مع احتمال استمرار التصعيد في غزة أو مناطق أخرى.
ستواجه الحكومة تحديًا متزايدًا في إيجاد توازن بين حماية المجتمع اليهودي واحتواء الاحتجاجات المتعاطفة مع الفلسطينيين دون تضخيمها. وسيتطلب الأمر خطابًا دقيقًا ومضاعفة الجهود الأمنية، بالتوازي مع سياسة خارجية أكثر توازنًا، إذا أرادت برلين الحفاظ على وحدتها الداخلية وصورتها كدولة ديمقراطية تُدين العنصرية وتحمي حقوق الإنسان.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=110370
