بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI
بون ـ داليا عريان ـ باحثة في المركز الأوروبي ECCI
يجمع الاتحاد الأوروبي ومصر علاقات ممتدة على مدار عقود طويلة، على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية، وخلال السنوات الأخيرة شهدت هذه العلاقات طفرة غير مسبوقة، باعتبار أن الاتحاد الأوروبي يعد أهم الداعمين لمصر إقليمياً ودولياً، ويعتبر التكتل الأوروبي مصر ركيزة أساسية في الشرق الأوسط، بشأن حفظ الأمن والاستقرار في ظل توسع الصراعات بالمنطقة. وبرز التعاون بين الجانبين في الزيارات المتبادلة بين المسؤولين، وتوقيع الاتفاقيات حول ملفات الأمن والاقتصاد والهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب. وعززت حربا أوكرانيا وغزة من الحوار المشترك بين مصر ودول التكتل الأوروبي، لتقارب المواقف بشأن ضرورة تغليب الحلول الدبلوماسية على الحلول العسكرية، والتأكيد على حماية المدنيين في جميع مناطق الصراعات بالعالم.
ما طبيعة التحالفات البحرية والأمن الإقليمي بين مصر والاتحاد الأوروبي؟
حماية الأمن البحري والإقليمي
حرصت مصر والاتحاد الأوروبي على تعزيز التعاون الأمني البحري، باستضافة مدينة شرم الشيخ المصرية في 24 فبراير 2019، قمة بين أعضاء الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي، وإبرام اتفاقية الأمن البحري وترسيم الحدود البحرية، ووقعت مصر واليونان في 2020، اتفاقية بحرية تمكنهما من القيام بأنشطة استكشاف مشتركة في مياه محددة، وأجرت البلدان تدريبات عسكرية مشتركة وزيارات للموانئ، لمواجهة أي تهديدات أمنية وتدفقات للهجرة غير الشرعية.
انطلقت الجولة الثالثة من الحوار بين مصر والاتحاد الأوروبي في نوفمبر 2021، لمكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، ومناقشة الأسباب الجذرية للهجرة غير الشرعية، والارتباط بين الهجرة والتنقل القانوني عبر ميثاق الاتحاد الأوروبي للهجرة، الذي من المتوقع أن يدخل حيز التنفيذ في 2026.
توافق الاتحاد الأوروبي ومصر، في الاجتماع التاسع لمجلس الشراكة بين التكتل ومصر، في 19 يونيو 2022، على أولويات الشراكة لتوجيه العلاقات حتى عام 2027، بما يتماشى مع أجندة الاتحاد لمنطقة البحر المتوسط، ورؤية مصر (2030) لاستراتيجية التنمية المستدامة، حول الاقتصاد المستدام والسياسة الخارجية وتعزيز الاستقرار.
أجرت مفوضة الاتحاد الأوروبي للمتوسط دوبرافكا سويتشا، في 2 مارس 2025، زيارة لمصر، للتأكيد على التزام الاتحاد بدعم مصر في التوقيت الراهن، باعتبارها حجر الأساس للاستقرار والأمن الإقليمي. قدمت سويتشا وثيقة ميثاق البحر المتوسط الجديد، ووقعت مع الحكومة المصرية قرضاً بقيمة (90) مليون يورو لصالح مشروع “صمود مصر الغذائي”.
يدرك التكتل الأوروبي، دور مصر في تشكيل الاستقرار الإقليمي، خاصة فيما يتعلق بالأوضاع بغزة وسوريا والشرق الأوسط وتعزيز التعاون مع الخليج، وأكدت المفوضية الأوروبية، أن مصر شريك استراتيجي في استقرار منطقة البحر المتوسط، خاصة وأنها ليس مجرد فضاء جغرافي، بل تمثل جسر اقتصادي يربط بين القارات الثلاثة، لذا يصيغ الجانبان ميثاق البحر المتوسط الجديد وفقاً للمستجدات الأمنية بالمنطقة.الاتحاد الأوروبي ومصر ـ التعاون الأمني في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة
مراقبة تهريب البشر عبر البحر
ووقعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في 17 مارس 2024، شراكة استراتيجية لتغطي العلاقات السياسية والاقتصادية والهجرة والتنقل والأمن الإقليمي. يعمل الاتحاد على حزمة مالية بقيمة (7.4) مليار يورو للفترة (2024-2027)، من بينهم (600) مليون يورو في شكل منح ثنائية و(200) مليون يورو للهجرة.
أكدت مديرة برنامج الهجرة بالجمعية الألمانية للعلاقات السياسية فيكتوريا ريتيغ، أن التعاون في ملف الهجرة بين الاتحاد الأوروبي ومصر وثيق منذ 2004، حيث دعم الاتحاد مصر في إدارة الحدود ومكافحة الاتجار بالبشر والتهريب، وتشجيع العودة الطوعية للمهاجرين بقيمة (171) مليون يورو، يثق الاتحاد في مصر للسيطرة على الهجرة ووضع ضوابط صارمة لضمان تقليل القوارب التي تنطلق إلى أوروبا.
أكد وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي، في 2 أغسطس 2024، أن بلاده تهدف من الشراكة مع الاتحاد الأوروبي إلى تعميق التعاون في مختلف المجالات، والذي انعكس خلال مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي في يونيو 2024، والتعاون بمجالات مكافحة الهجرة غير الشرعية والإرهاب. تعد هذه الجهود امتداداً للجولة الرابعة للحوار حول الهجرة بين الجانبين في يوليو 2024، والاتفاقية التي وقعت لمكافحة الاتجار بالبشر في أكتوبر 2018، وتضمنت وقتها (7) مشروعات لمعالجة أسباب تدفق المهاجرين لسواحل أوروبا.
أطلقت مصر مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، في 30 سبتمبر 2024، برنامجاً مشتركاً لمواجهة تدفق اللاجئين من السودان منذ أبريل 2023، ويدعم الاتحاد الأوروبي البرنامج بـ (12.2) مليون يورو لتوفير الاحتياجات الصحية والتعليمية، وتعزيز القدرة لدى اللاجئين للصمود في مجتمعاتهم المضيفة. وأكد المسؤولون بمصر ودول الاتحاد، على ضرورة تقاسم الأعباء لدعم حقوق اللاجئين السودانيين، واستكشاف فرص إعادة توطينهم، والمسارات الآمنة والقانونية للاجئين في مصر للاتحاد الأوروبي.
ووقع اليوروبول ومصر في 9 أبريل 2025، على اتفاقية التعاون بمجال إنفاذ القانون لمكافحة الإرهاب والاتجار بالمخدرات، وتهريب المهاجرين والجريمة المنظمة، وتعد الاتفاقية الأولى من نوعها بشمال أفريقيا، لإنفاذ القانون بين ضفتي البحر المتوسط.
جدد وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي، في 24 أبريل 2025، تأكيده على التعاون في الأمن الإقليمي والهجرة غير الشرعية، خلال اتصال هاتفي مع مفوضة الاتحاد الأوروبي للمتوسط دوبرافكا سويتشا.
ما آليات التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومصر في أمن الطاقة؟
أصبحت منطقة شرق المتوسط ذات أهمية استراتيجية لأوروبا، بعد اكتشاف احتياطات كبيرة من الغاز الطبيعي في مياه قبرص ومصر وإسرائيل، لتنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الطاقة الروسية. ويتعاون الاتحاد الأوروبي مع مصر عبر منتدى شرق المتوسط في مجال الطاقة، لتعزيز استكشاف الغاز وتصديره، لضمان أمن الطاقة بأوروبا وتعزيز الاستقرار الإقليمي.
دفعت نزاعات الحدود البحرية بين تركيا واليونان وقبرص، الاتحاد الأوروبي إلى دعم العضوين بالتكتل في هذه المنطقة، و تعزيز التعاون مع مصر في شرق المتوسط كونها شريكاً مهما في مجال الطاقة، خاصة بعد الحرب الأوكرانية وأزمات السودان وغزة، والبحر الأحمر جراء هجمات الحوثيين.
ووقع الاتحاد الأوروبي مع مصر وإسرائيل، في يونيو 2022، مذكرة تفاهم لنقل وتجارة وتصدير الغاز الطبيعي، عقب تقليص روسيا إمدادات الطاقة لأوروبا بنسبة (40%) عبر خط نورد ستريم. بلغت إيرادات مصر من صادرات الغاز نحو (8.4) مليار دولار، بزيادة تقدر بنحو (140%) مقارنة بعام 2021. ووصلت صادرات الغاز في 2023، نحو (2.5) مليار دولار من إجمالي صادرات بترولية (8) مليارات دولار.
أقامت مصر مؤتمر “الاستثمار الدولي” في يونيو 2024، لتعزيز دورها في سلاسل إمدادات الطاقة للاتحاد الأوروبي، وللتأكيد على العلاقات القوية بينهما التي تتجاوز حدود المنطقة الأورو-متوسطية لضمان أمن الطاقة. واستقبلت أوروبا أكثر من (70%) من صادرات الغاز الطبيعي المصرية في 2024.
ووقعت مصر وقبرص وشركة “إيني” الإيطالية للطاقة في 17 فبراير 2025، اتفاقية لتطوير وتصدير الغاز من حقل كرونوس القبرصي، إلى الأسواق الأوروبية عبر البنية التحتية المصرية. وأشارت شركة “إيني” إلى أن الاتفاقية خطوة مهمة في إنشاء مركز للغاز بشرق المتوسط، وللاستفادة من البنية التحية الهيدروكربونية بمصر، مع وضع قبرص منتج ومصدر للغاز.
أكدت مصر واليونان في 7 مايو 2025، خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لأثينا، على ضرورة التعاون في قطاع الطاقة وتحديداً الغاز الطبيعي بالمتوسط، ومشروع الربط الكهربائي الذي يربط الدولتين عبر كابل بحري، لنقل الطاقة المتجددة من مصر لليونان ومنها لأوروبا، لدعم أمن الطاقة وأهداف التحول الأخضر.الاتحاد الأوروبي ومصر، شراكة استراتيجية، الهجرة غير النظامية وضبط الحدود
كيف يعزز الاتحاد الأوروبي ومصر التعاون الأمني بالمنطقة؟
شارك الاتحاد الأوروبي مصر، في الجهود الدبلوماسية لمعالجة الصراعات في سوريا وليبيا وفلسطين، عبر تقديم حلول سياسية والدعم الإنساني والاقتصادي لمناطق النزاعات، خاصة وأن الصراعين في سوريا وليبيا تسببا في موجة هجرة ولجوء واسعة لدول التكتل الأوروبي.
زادت الاتصالات والزيارات بين المسؤولين الأوروبيين والمصريين، للتباحث حول الأزمة السودانية والأوضاع في الأراضي الفلسطينية، في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية في البلدين، ما دفع الاتحاد الأوروبي لدعم التنمية الاقتصادية بمصر والتخفيف من تأثير نزوح اللاجئين السودانيين والفلسطينيين على الاقتصاد المصري. وقدم الاتحاد لمصر حزمة بقيمة (7.4) مليار يورو في شكل منح وقروض حتى نهاية 2027.
دشن الجانبان الأوروبي والمصري، وثيقة أولويات المشاركة المصرية الأوروبية (2021-2027)، والتي تحدد مسارات التعاون لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية في المنطقة والقارة الأفريقية، وتنفيذ مبادرات أجندة البحر المتوسط الجديدة، في أعقاب الأزمات العالمية مثل جائحة “كوفيد-19” والهجرة غير الشرعية والتغيرات المناخية.
يتشارك الاتحاد الأوروبي ومصر في رؤية موحدة تجاه قضايا المنطقة، إذ أكد رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، خلال مشاركته للقمة العربية المنعقدة بالقاهرة في مارس 2025، على دعم جهود مصر لوقف إطلاق النار في غزة. وفي أبريل 2024 رحبت القاهرة بإعلان المفوضية الأوروبية، البرنامج المالي متعدد السنوات للتعافي الفلسطيني الذي يقدر بنحو (1.6) مليار يورو.
كانت قضايا المنطقة محور نقاشات الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والمصري عبد الفتاح السيسي، خلال زيارة ماكرون للقاهرة في 7 أبريل 2025، بالتشديد على ضرورة عودة وقف إطلاق النار بغزة، ورفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم وضم إسرائيل لغزة أو الضفة الغربية. واتفق الجانبان على تنسيق الجهود المشتركة لإحلال السلام بالمنطقة، ودعم الخطة العربية لإعادة إعمار غزة.أمن هولندا ـ سياسات تطوير مجالات الاقتصاد والطاقة والمناخ
تقييم وقراءة مستقبلية
– تمثل مصر دولة ذات ثقل سياسي وأمني واقتصادي بمنطقة الشرق الأوسط، ويعول الاتحاد الأوروبي عليها في ضمان الأمن والاستقرار الإقليمي للمنطقة، نظراً لموقعها الجغرافي ولعلاقاتها القوية مع دول الجوار، وبالمثل تنظر مصر إلى دول الاتحاد الأوروبي كشريك رئيسي في المجالات السياسية والاقتصادية، وداعم مهم لها في مواجهة التحديات الراهنة التي تتصاعد مع تفاقم الأوضاع داخل السودان وليبيا، وعودة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي للواجهة مرة أخرى، مع حرب غزة الحالية والتصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية.
– التفاهم الواضح والمتبادل بين مصر والتكتل الأوروبي، حول القضايا الرئيسية في المنطقة والمتعلقة بأمن الطاقة ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، صنع رؤية مشتركة بين الجانبين وجعل التحالفات أساس التعاون في البحر المتوسط، نظراً لما يشهده من خلافات إقليمية بين اليونان وقبرص وتركيا، ولاحتوائه على موارد هائلة للطاقة، إضافة إلى استغلال عصابات الاتجار بالبشر هذه المنطقة، لتمرير المهاجرين غير الشرعيين من دول أفريقيا إلى سواحل أوروبا.
– أولت مصر قضية الهجرة غير الشرعية اهتماماً كبيراً خلال العشر سنوات الماضية، وهي نقطة تلاقي مع اهتمامات الاتحاد الأوروبي، لذا أصبحت مصر داعماً لأوروبا للتصدي للمهاجرين غير الشرعيين، عبر المباحثات المشتركة لمنع الأسباب الجذرية وراء تصاعد هذه الظاهرة، الأمر الذي دفع الجانبين الأوروبي والمصري لبحث حلول للصراعات السياسية في أفريقيا، ووضع خطة لمواجهة تداعيات تغيرات المناخ، خاصة وأن أفريقيا القارة الأكثر تضرراً من عواقب التغير المناخي.
– تحولت نظرة الاتحاد الأوروبي إلى مصر من مجرد إحدى الدول المصدرة للطاقة، إلى مصدر رئيسي لموارد الطاقة مثل الغاز الطبيعي المسال، وشريك للتعاون في مسألة التحول نحو الطاقة المتجددة، خاصة بعد اندلاع الحرب الأوكرانية ووقف روسيا خطوط إمدادات الطاقة عبر خط نورد ستريم لأوروبا منذ يونيو 2022، النقطة التي عززت من التعاون بين الجانبين ودعمت العلاقات الثنائية خاصة مع دول اليونان وقبرص وإيطاليا، في قطاعات استكشاف وتصدير الطاقة التقليدية والطاقة المتجددة، ما عزز من مكانة مصر اقتصادياً لدى التكتل الأوروبي على مدار الثلاث سنوات الأخيرة.
– يعول التكتل الأوروبي ومصر على بعضهما البعض في دعم القضية الفلسطينية، حيث تدعم أوروبا الجهود المصرية الدبلوماسية لوقف إطلاق النار بالأراضي الفلسطينية، وتستند مصر على الموقف الأوروبي في رفض تهجير الفلسطينيين واعتراف بعض الدول الأوروبية بدولة فلسطين مستقلة، والدعم الأوروبي المقدم للسلطة الفلسطينية لدعم تطبيق حل الدولتين، ومن المتوقع أن يمثل الاتحاد الأوروبي ومصر جبهة موحدة ضد التصعيد الإسرائيلي المتوقع بالمنطقة، ويدفعان للاتجاه نحو الحلول الدبلوماسية وإرساء قواعد السلام والأمن بالمنطقة.
رابط مختصر..https://www.europarabct.com/?p=104324
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات
الهوامش
مصر والاتحاد الأوروبي.. اتفاقية هجرة ذات أبعاد جيوسياسية!
The European Union and Egypt
Europol signs a working arrangement with Egypt
With EU funding: Launch of the Joint UN Programme under the Joint Platform for Migrants and Refugees in Egypt