المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا
بون ـ إعداد وحدة الدراسات والتقارير “3”
شهدت أوروبا في السنوات الأخيرة تطرف الكثير من الشباب وانجذابهم نحو الجماعات المتطرفة، لا سيما تلك التي لديها أيديولوجية “جهادية”. أثارت ظاهرة استقطاب وتجنيد الشباب مخاوف بشأن الأسباب الكامنة وراء هذا التطرف والتهديدات الأمنية المحتملة التي يشكلها هؤلاء الأفراد. يمكن أن تسهم العديد من العوامل المختلفة في ظهور ونمو المنظمات المتطرفة بما في ذلك العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية.
الاغتراب الاجتماعي والحرمان من الحقوق
يشعر العديد من الشباب في أوروبا بأنهم مهمشون اجتماعياً وسياسياً لا سيما من خلفيات الأقليات، هذا الشعور بالإقصاء والحرمان يمكن أن يجعلهم عرضة للأيديولوجيات المتطرفة التي توفر إحساساً بالانتماء والهوية. تشير دراسة على مستوى دول الاتحاد الأوروبي إلى أن نسبة المهدديين بالتهميش المجتمعي في ألمانيا تصل إلى (20%) من عدد سكان البلاد تقريباً، حيث بلغت النسبة (19%) في عام 2017، أي ما يعادل حوالي (15.5) مليون شخص وبالنسبة لألمانيا فإن تلك الأرقام تعتبر أقل قليلاً من مثيلاتها في عام 2016 حيث كان عدد المهددين بالتهميش المجتمعي في ألمانيا يبلغ (16) مليون شخص أي بنسبة (19.7%).
تستغل الجماعات المتطرفة في فرنسا التمييز والرغبة في ممارسة الدين بحرية مطلقة كذلك استغلال المستوى التعليمي المحدود للاستقطاب والتجنيد. فتجذب الجماعات المتطرفة الفرد منهم في شبكاتهم الاجتماعية تدريجياً ثم يدعونه لحضور حلقاتهم الدينية حتى يصبح مقتنعاً تماماً بالإيديولوجية المتطرفة. فعلى سبيل المثال سلك العديد من الشباب البلجيكي طريق التطرف في 28 مارس 2023 وانخرطوا في الجماعات “الجهادية” لا سيما من حي “مولينبيك” في منطقة بروكسل و”أوبن” في شرق البلاد وفي مناطق ناطقة بالهولندية في الشمال هي “ميرسكيم وبورغهاوت ودورن” في “انتويرب”
تستقطب الجماعات السلفية”الجهادية” في هولندا الشباب وتقوم بعملية غسل الأدمغة لهم في 29 أكتوبر 2021. واستغلت تلك الجماعات كل الوسائل لاستقطاب الشباب المسلم إلى صفوفهم كدور العبادة فضلاً عن تجهيزهم ليسافروا كـ”جهاديين” إلى مناطق الصراعات. كما تمتلك الجماعات المتطرفة العديد من المراكز الإسلامية والمساجد لكسب النفوذ والتأثير بين أفراد المجتمع الهولندي وتهيئة أرضية خصبة للتطرف والاستقطاب العنيف داخل هولندا. محاربة التطرف ـ عوامل النزوح نحو التطرف
أزمة الهوية
اعتمدت الجماعات “الجهادية” في أوروبا “استراتيجية الاستقطاب المخادعة” في العام 2020 عبر تنفيذ هجمات ومخططات، وعندئذ كان أفضل سيناريو لصالح تلك الجماعات هو الردّ بهجمات يقوم بها يمينيُّون متطرفون وإثارة الرأي العام ضد الجاليات المسلمة ومن ثم يتم من خلالها إقصاء المسلمين أكثر لجعلهم من جهة أخرى أكثر تهميشاً واستعداداً لتبنِّي الإيديولوجيات المتطرفة.
يعاني الشباب في أوروبا من صعوبة في التعامل مع هويتهم وخاصة أولئك الذين ينتمون إلى خلفيات مهاجرة والذين قد يشعرون بأنهم محاصرون بين ثقافتين. تقدم الإيديولوجيات المتطرفة هوية اجتماعية وثقافية ودينية والتي يمكن أن تكون جذابة لأولئك الذين يشعرون بعدم الانتماء إلى مجتمعاتهم أو الارتباك بشأن مكانهم في المجتمع.
يقول “سيرج هيفيز” الطبيب النفسي الفرنسي والذي على اتصال مع حوالي (40) شاباً متطرفاً، إن هناك خيطاً مشتركاً بين أولئك الذين أصبحوا متطرفين ويبدو أنه “عدد من الإخفاقات خلال فترة المراهقة وأحياناُ حالات فشل كبيرة جداً والتطرف هو محاولة للخروج من هذا القلق الوجودي الذي يجدون أنفسهم فيه “. محاربة التطرف في أوروبا ـ أزمة الهوية، الأسباب والمعالجات
العنف المنزلي واستغلال المؤسسات التعليمية
كشفت الإحصائيات في 27 فبراير 2023 أن ما لا يقل عن (50%) من المدارس الإسلاموبة المستقلة في هولندا يديرها سلفيون ويروجون لرفض جميع جوانب القيم والمجتمع الهولندي وينشرون الأفكار المتطرفة والخطاب المعادي كما فشلوا في في تلبية متطلبات التعليم القياسية وحظروا العديد من الأنشطة مثل الموسيقى والفن. تواجه السلطات والحكومات في العديد من الدول الأوروبية كالسويد وفرنسا وبلجيكا والنمسا والمملكة المتحدة وأماكن أخرى مواقف مماثلة وكلها تهدد بتشكيل ثقافة وأيديولوجيات متطرفة.
تشير الدراسات إلى أن هناك انتشاراً كبيراً للعنف المنزلي في حياة أولئك الذين أحيلوا لبرنامج المعرضين لخطر أن يصبحوا متطرفين في بريطانيا. تبين بعد فحص (3045) شخصاً جري تصنيفهم على أنهم عرضة للتطرف أن ما يزيد قليلاً عن ثلثهم كانت لديهم صلة بحادثة عنف أسري إما كمعتدين أو ضحايا أو شهود أو مزيج بين الحالات الثلاث. تراوحت الحوادث بين طفل شهد عنفاً في البيت إلى أناس أدينوا بالشروع في قتل شركائهم. هناك ما يزيد قليلاً عن (15%) من المحالين للبرنامج بين سن (16 و64) عاماً كانوا ضحايا لعنف أسري وهي نسبة أعلى بحوالي (3) أمثال الرقم الرسمي المقدر، وكانت الأيديولوجية الإسلاموية مسجلة في (28%) من المحالين للبرنامج بينما سُجلت حالات اليمين المتطرف في (18%).
عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي
يواجه الاستقرار السياسي والاقتصادي في أوروبا اختباراً صعباً خلال الأعوام المقبلة وسط أزمة أوكرانيا وتداعياتها ومخاطر ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة. أدى عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في أجزاء كثيرة من أوروبا إلى خلق شعور بخيبة الأمل واليأس بين الشباب. تستغل الجماعات المتطرفة تلك العوامل وتقدم إحساساً بالأمل والهدف في هذه الأوقات المضطربة، وحذر “تشارلي وينتر” محلل الإرهاب ومدير الأبحاث في شركة “إكستراك” في 24 مايو 2022 من “السيناريو الأسوأ” المتمثل في أن الحرب في أوكرانيا قد تجعل “عدداً قليلاً من الناس أكثر ميولاً لأن يناصروا “داعش” وأضاف “لكنني أعتقد أنه من غير المرجح حدوث تعبئة على نطاق يشبه ما رأيناه في السنوات الماضية.” هذه هي عوامل وأسباب التطرف في أوروبا
الدعاية ووسائل التواصل الاجتماعي
أصبحت الجماعات المتطرفة بارعة في استخدام الدعاية ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر رسالتها وتجنيد أعضاء جدد، ويعتبر الشباب على وجه الخصوص عرضة لهذه الدعاية حيث يقضون وقتاً طويلاً على الإنترنت. يفضل الدعاة المنتسبين لـ”السلفية الجهادية” الانترنت لنشر أفكارهم ولاستقطاب أتباع جدد ويركزون على التأثير في عواطف ومشاعر الشباب عبر فيديوهات تكون مدتها قصيرة وتعليقات تكون مختصرة لكن كلماتها تُختار بدقة.
تتبع الجماعات المتطرفة تلك الأساليب لأنهم مقتنعون بأن التأثير في مشاعر الشباب هو الطريق الأكثر فعالية للتأثير على عقولهم في وقت لاحق. وبعد النجاح في كسب ودهم يتم التركيز على نقل أيديولوجيتهم المتطرفة للشباب بعد أن تم إعدادهم نفسياً. فعلى سبيل المثال استهدف المتطرفون في ألمانيا الشباب بمقاطع فيديو تصور مناطق النزاعات والصراعات بصورة جذابة وهي توزع ألعاباً وهدايا على الأطفال في محاولة لجذبهم وتجنيدهم.
الرغبة بالمغامرة والإثارة
ينجذب بعض الشباب إلى التطرف لأنه يوفر إحساساً بالمغامرة والإثارة قد يُنظر إلى الانضمام إلى جماعة متطرفة على أنه وسيلة للتحرر من رتابة الحياة اليومية. تحاول الجماعات المتطرفة التماس الإحساس بالمغامرة في المقام الأول بالتركيز على التغييرات المثيرة في الحياة بدلا من التركيز على العنف أو العزلة التي ينطوي عليها الانضمام لهم تقدم الجماعات المتطرفة أيضاً رؤية لحياة أفضل حيث يمكن للناس أن يعيشوا إلى حد ما خارج القانون مع عرض المال والسلطة في جوهرها.
المعالجات
ضرورة التنسيق مع منظمات المجتمع المدني وصناع القرار السياسي وتعزيز دورهم في محاربة التطرف. ينبغي إنتاج خطاب مضاد للخطاب المتطرف على الإنترنيت وداخل أسوار الجامعات والمؤسسات التعليمية. يجب الاستعانة بمتخصصين في كافة مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية يفهمون مشاكل الشباب ولديهم القدرة على التواصل معهم بلغة يفهمونها. تشديد المراقبة على الجماعات المتطرفة وحظر دخولهم مراكز اللجوء لمنع استقطاب وتجنيد اللاجئين ومنع أي تمويلات وعلاقات حكومية مع تلك الجماعات.
تقييم وقراءة مستقبيلة
– تلعب الجماعات المتطرفة على نقاط الضعف القائمة التي يواجهها الشباب ولديهم وسائل وأليات متعددة لاستقطاب المزيد من الشباب على نطاق واسع من خلال تعزيز الصداقات وخلق قواسم مشتركة فيما بينهم.
– يواجه الشباب أحياناً مشكلات تتعلق بهويتهم والانتماء، هذا يمكن أن يجعلهم يشعرون بأنهم بعيدون جداً عن الأسرة والمجتمع، والمتطرفون مدربون جيداً على استغلال أزمة الهوية والانتماء لاستقطاب وتجنيد الشباب.
– يمكن أن يؤدي التمييز أو العنصرية أو الشعور بمعاملة غير عادلة من قبل قطاعات مختلفة من المجتمع أو الأشخاص أو المجموعات إلى الشعور بالعزلة الاجتماعية أو الإقصاء ومن ثم الانجذاب إلى التطرف.
– يصبح الشخص متطرفاً إما عن طريق الاتصال بشخص آخر أو من خلال الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وتتوفر على المواقع الإلكترونية قدر غير عادي من الأفكار الجذابة التي تشجع على التطرف.
– إن أحد الأسباب التي تدفع الشباب إلى التطرف هو البحث عن المغامرة والإثارة في مرحلة عمرية خاصة .
– بات متوقعاً أن يصب تفاقم الأوضاع السياسية والاجتماعية في أوروبا في صالح التنظيمات المتطرفة لاستقطاب الشباب الأوروبي. ما يثير مخاوف الأجهزة الأمنية ويشكل مرحلة تمهيدية للتطرف.
– من المرجح أن تستمر دول أوروبا بإصدار التشريعات والقيام بتدابير جديدة وتعزز برامج التوعوية والتثقيفية للشباب من أجل محاربة التطرف والإرهاب.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=87549
*جميع الحقوق محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
الهوامش
How France was forced to reassess its ideas about radicalised youth
https://bit.ly/40OWKKH
What are the causes of extremism?
https://bit.ly/3G88P5V
Similarities and differences between gangs and violent extremist groups
https://bit.ly/3nAZAVi
Europe Grapples with Independent Koran Schools Radicalizing Students
https://bit.ly/3KtR8jE
دراسة بريطانية تربط العنف الأسري بالتطرف
https://bit.ly/40xHHFw
هل يستفيد داعش من الحرب في أوكرانيا؟
https://bit.ly/3nAOyiQ