الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

آخر المشاركات التلفزيونية

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...

محاربة التطرف عبر الإنترنيت  في العراق ـ الواقع والتحديات

iraq-3
مايو 13, 2025

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ألمانيا وهولندا  ECCI

بقلم:  الباحثة شهلاء الهاشمي ، عضوة منتدى خبراء الأمن منتدى خبراء الأمن ـ ECCI

يمر العراق بمرحلة حاسمة في تاريخه الحديث، حيث يواجه تحديات أمنية وسياسية واجتماعية متداخلة، من أبرزها خطر التطرف الإلكتروني الذي بات أحد أكثر أشكال التهديد المعاصرة تعقيدًا. بعد هزيمة تنظيم “داعش” عسكريًا في عام 2017، تحوّلت ساحة المعركة من الأرض إلى الفضاء الإلكتروني، حيث بدأت التنظيمات المتطرفة باستخدام الإنترنت كمنصة لنشر الأيديولوجيا المتطرفة، تجنيد الأفراد، التحريض على العنف، وتخطيط وتنفيذ الهجمات. وقد أصبح الإنترنت، بما يتيحه من سرية وسرعة وانتشار، أداة رئيسية في يد هذه الجماعات.

واقع التطرف الإلكتروني في العراق 

تشير بيانات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) إلى أن العراق من أكثر البلدان تعرضًا لاستهداف إلكتروني من قبل الجماعات المتطرفة، لا سيما عبر منصات التواصل الاجتماعي والتطبيقات المشفرة. فقد استغلت هذه الجماعات الظروف السياسية الهشة، والانقسامات الطائفية، والبطالة المرتفعة بين الشباب، لترويج سرديات تحريضية ترتكز على المظلومية وتبرر العنف.  ويُلاحظ أن التنظيمات الإرهابية أصبحت أكثر ذكاءً في استخدام التكنولوجيا، حيث تعتمد على منصات مثل “تيليغرام” و”ديسكورد” و”تويتر” لنشر مقاطع فيديو عالية الجودة، رسائل دعائية، وتعليمات تصنيع المتفجرات. كما تم رصد استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تزييف الصور والفيديوهات بما يخدم أهدافها.مكافحة الإرهاب ـ التحولات الأمنية في مواجهة داعش في سوريا والعراق. ملف

عوامل ساهمت في تصاعد التطرف الإلكتروني 

ـ ضعف الثقافة الرقمية: لا يمتلك عدد كبير من الشباب العراقيين مهارات التحقق من المعلومات أو التمييز بين المحتوى المضلل والموثوق، مما يجعلهم فريسة سهلة للدعاية المتطرفة.

ـ الفراغ السياسي والاجتماعي: تستغل الجماعات المتطرفة الشعور بالإقصاء أو الظلم لدى بعض فئات المجتمع، خاصة في المناطق التي شهدت صراعات مسلحة أو إقصاء تنموي.

ـ غياب التنظيم القانوني للمحتوى الرقمي: لا توجد قوانين حديثة واضحة في العراق تجرّم التحريض الرقمي على التطرف أو تحدد آليات الرقابة والمحاسبة.

ـ  الاختراقات الإلكترونية المستمرة: ضعف البنية التحتية الرقمية يسمح للجماعات باختراق مواقع حكومية أو اختطاف حسابات رسمية ونشر رسائل تحريضية.

جهود الدولة العراقية والمؤسسات الشريكة 

ـ رغم محدودية الإمكانات، بدأت الحكومة العراقية باتخاذ خطوات لمواجهة هذا التحدي. ومن بين أبرز هذه الجهود:

ـ تأسيس وحدة الجرائم الإلكترونية التابعة لوزارة الداخلية، والتي تعمل على رصد المحتوى المتطرف وتحديد أماكن الحسابات المشبوهة ومحاولة تفكيك الشبكات الرقمية التي تنشر الدعاية الإرهابية (وزارة الداخلية العراقية، 2023).

ـ تعاون العراق مع المنظمات الدولية، مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، الذي يقدم الدعم التقني والتدريب للمحققين والقضاة حول كيفية التعامل مع الجرائم المرتبطة بالإنترنت، وخاصة المحتوى المتطرف.

ـ إطلاق حملات توعية رقمية تستهدف الشباب وتسلط الضوء على مخاطر المحتوى الإرهابي، وتشجع على التفكير النقدي والتبليغ عن الأنشطة المشبوهة عبر الإنترنت. مكافحة الإرهاب ـ أهمية الشراكة مع جهاز مكافحة الإرهاب العراقي إقليمياً ودولياً

ـ الانضمام إلى التحالف الدولي ضد داعش، الذي يشكل منصة للتعاون الاستخباري وتبادل المعلومات حول الشبكات الرقمية التابعة للتنظيم الإرهابي (Global Coalition Against Daesh, 2022).

دور المجتمع المدني والقطاع الخاص 

لا تقتصر المعركة ضد التطرف الإلكتروني على الدولة وحدها، بل تشمل أيضًا منظمات المجتمع المدني، المؤسسات التعليمية، والإعلام. وقد ظهرت مبادرات محلية بقيادة شبابية تهدف إلى مواجهة خطاب الكراهية وتعزيز ثقافة التسامح عبر الإنترنت. على سبيل المثال، أطلقت منظمة “السلام الرقمي” حملة تحت وسم #فكر_قبل_أن_تشارك، تستهدف توعية الشباب بخطر المشاركة في نشر محتوى متطرف ولو دون قصد.  من جانب آخر، لا يزال التعاون مع شركات التكنولوجيا الكبرى مثل “ميتا” و”غوغل” و”تويتر” ضعيفًا نسبيًا، رغم أهمية هذا التعاون في إزالة المحتوى المتطرف بسرعة وفعالية. وقد دعت تقارير دولية، من بينها تقرير مركز”صوفان” (2020)، إلى ضرورة تعزيز التعاون بين الدول المتأثرة بالتطرف الرقمي والشركات المالكة للمنصات الرقمية.

التحديات الراهنة  في مجال مكافحة التطرف الإلكتروني في العراق:  

ـ الافتقار إلى استراتيجية وطنية شاملة: لا يوجد حتى الآن إطار وطني متكامل يربط بين السياسات الأمنية، والقانونية، والتربوية في مواجهة هذا التهديد.

ـ غياب التشريعات الحديثة: لا يزال القانون العراقي يفتقر إلى نصوص واضحة تجرّم التحريض على العنف أو الإرهاب عبر الإنترنت، مما يخلق فراغًا قانونيًا تستفيد منه الجماعات المتطرفة.

ـ نقص الخبرات: تحتاج المؤسسات الأمنية والقضائية إلى تدريب مستمر لمواكبة تطور أساليب التطرف الرقمي، خاصة مع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتشفير.

ـ التوازن بين الأمن الرقمي وحقوق الإنسان :هناك مخاوف مشروعة من أن تتحول جهود مكافحة التطرف الرقمي إلى وسيلة لقمع حرية التعبير، وهو ما يتطلب التوازن بين الأمن الرقمي وحقوق الإنسان.

التوصيات 

رغم التقدم النسبي الذي أحرزته الحكومة العراقية في الحرب العسكرية ضد تنظيم داعش، فإن الحرب على التطرف عبر الإنترنت لا تزال تعاني من غياب واضح في الاستراتيجية والأدوات، الأمر الذي يسمح للجماعات المتطرفة بإعادة إنتاج سردياتها على منصات التواصل الاجتماعي واستقطاب شرائح شابة من العراقيين.

ـ وضع استراتيجية وطنية لمكافحة التطرف الرقمي، ترتكز على التعاون بين جميع الجهات المعنية، الحكومة، القطاع الخاص، المجتمع المدني، والمؤسسات الدولية.

ـ تطوير قانون الجرائم الإلكترونية بما يتضمن مواد واضحة تجرم التحريض الرقمي والتجنيد عبر الإنترنت، مع ضمان الحماية من إساءة استخدام القانون.

ـ تعزيز الثقافة الرقمية لدى الشباب من خلال إدخال مادة التربية الإعلامية في المناهج المدرسية والجامعية.

دعم المبادرات الشبابية والمجتمعية التي تروج لخطاب التسامح، وتعمل على كشف أساليب الجماعات المتطرفة. أي اعتماد المعالجات الفكرية “المناصحة الفكرية” والسياسات المجتمعية الناعمة في محاربة التطرف.

ـ اعتماد برامج وقاية ونزع التطرف والتطرف العنيف.

ـ توقيع اتفاقات تعاون رسمية مع شركات التكنولوجيا الكبرى بهدف الإبلاغ السريع عن المحتوى المتطرف، وتطوير أدوات لرصد المحتوى الإرهابي باللغة العربية واللهجات المحلية العراقية، خاصة في مناطق غرب وشمال العراق.

ـ تأسيس وحدة حكومية مختصة بمراقبة الفضاء الرقمي ترتبط بالأمن الوطني أو الاستخبارات، وتكون وظيفتها تحليل خطاب الكراهية والتطرف العنيف، ومتابعة الشبكات الرقمية التي تتبنى فكر الجماعات الإرهابية أو تعبئ له.

ـ الاستثمار في التكنولوجيا المحلية من خلال دعم مراكز بحثية وأكاديمية تُعنى بمتابعة التطرف الرقمي وتقديم تقارير دورية حول أنماط الاستقطاب عبر الإنترنت، خصوصًا في منصات الألعاب الإلكترونية وتطبيقات المحادثة التي يصعب مراقبتها تقليديًا.

ـ تعزيز حملات التوعية الرقمية بين فئة الشباب، بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني، من خلال منصات شبابية وإعلامية بديلة تقدم سرديات مضادة تحصّن الفضاء العام من التأثيرات المتطرفة، وتُظهر مآلات الفكر التكفيري على المستوى الاجتماعي والسياسي.

ـ الانخراط في مبادرات دولية متعددة الأطراف مثل “المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب GCTF” و”مبادرة كرايست تشيرش Christchurch Call”، التي تهدف إلى الحد من انتشار خطاب العنف والكراهية عبر المنصات الرقمية وتطوير المعايير التقنية لمواجهته.

ـ تشريع قوانين وطنية محدثة لمكافحة خطاب الكراهية والتطرف الرقمي، مع ضمان ألا تتعارض هذه التشريعات مع الحريات الأساسية، عبر إطار قانوني واضح يميز بين التعبير المشروع والدعوة للعنف أو التحريض على الإرهاب.

ـ تدريب الكوادر الأمنية والقضائية على فهم طبيعة التطرف الرقمي وأدواته الحديثة، بما في ذلك فهم آليات التشفير، البث المباشر، استخدام الميمات، وأدوات الذكاء الاصطناعي في الدعاية الجهادية أو العنصرية.التطرف في أوروبا ـ عندما تساهم السياسات الحكومية بنشر التطرف(ملف)
إن مكافحة التطرف على الإنترنت في العراق تتطلب نقلة نوعية في الفهم والسياسات، تتجاوز الردود الأمنية إلى بناء استراتيجية وطنية رقمية تدمج البعد التكنولوجي، القانوني، الثقافي، والتعليمي في آنٍ واحد، بالشراكة مع الأطراف الدولية والمنصات الرقمية الكبرى. العراق بحاجة إلى أن يتعامل مع الفضاء الرقمي كساحة مركزية في معركة ما بعد داعش، وليس مجرد وسيلة ثانوية للدعاية.

النتائج 

ـ التهديد المتزايد: التطرف الإلكتروني يُعتبر تهديدًا معقدًا لأنه لا يرتبط بالحدود الجغرافية، ويستفيد من تقنيات حديثة مثل الذكاء الاصطناعي والتشفير، مما يعقّد مساعي الدول لمكافحته. هذا التهديد يجعل من الصعب على العراق مكافحة هذا النوع من التطرف باستخدام الأساليب التقليدية فقط.

ـ الفراغ القانوني: هناك حاجة ماسة لتحديث التشريعات العراقية في مجال مكافحة الجرائم الإلكترونية. فراغ التشريعات يعكس ضعف القدرة على التصدي بفعالية للتهديدات المتزايدة، ويزيد من صعوبة تقديم المتطرفين للعدالة.

ـ التركيز على دور المجتمع المدني: لا يمكن للحكومة وحدها محاربة التطرف الإلكتروني. المجتمع المدني يلعب دورًا مهمًا في توعية الشباب وتحفيزهم على التفاعل الإيجابي مع وسائل التواصل الاجتماعي. كما أن توسيع دائرة التعاون مع القطاع الخاص يمثل أحد المفاتيح الأساسية لتسريع عملية مواجهة المحتوى المتطرف.

ـ التعاون الدولي: العراق يحتاج إلى تعزيز التعاون مع الدول والمنظمات الدولية لمكافحة التطرف الإلكتروني. المنظمات الدولية يمكن أن تقدم الدعم الفني والتدريبي، بينما يمكن لتعاون العراق مع شركات التكنولوجيا الكبرى أن يسهم في إزالة المحتوى المتطرف بسرعة.

ـ التحديات الاجتماعية والسياسية: العوامل الاجتماعية مثل البطالة، التهميش، والانقسامات الطائفية تعتبر بيئة خصبة لتجنيد الشباب في صفوف الجماعات المتطرفة. ولهذا، يجب أن تشمل استراتيجية مكافحة التطرف الإلكتروني برامجًا اجتماعية تركز على معالجة الأسباب الجذرية.

ـ  خطر التطرف الإلكتروني: إن خطر التطرف الإلكتروني في العراق ليس مجرد تحدٍ أمني، بل هو معركة على العقول والوعي. ومواجهته تتطلب عملاً جماعيًا وشراكات متعددة المستويات، تتجاوز الأدوات الأمنية لتشمل الإصلاح التربوي، والتمكين المجتمعي، والسياسات الرقمية العادلة. فقط من خلال هذه المقاربة الشاملة، يمكن للعراق أن يبني بيئة رقمية آمنة، تحمي شبابه من السقوط في فخ التطرف، وتعزز مستقبلًا يسوده السلام والعدالة.

ـ  التعاون في المجال الرقمي : بات ضرورياً تشكيل لجنة وطنية عراقية دائمة للتنسيق مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في مجال الأمن الرقمي ومكافحة الدعاية الإرهابية.

ـ استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة التطرف الرقمي:  تبني العراق لاستراتيجية وطنية شاملة لمكافحة التطرف الرقمي ضمن خطة الأمن الوطني، بمشاركة الجهات الدولية.

رابط نشر مختصر..https://www.europarabct.com/?p=104199

*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI

هوامش: 

  1. United Nations Office on Drugs and Crime (UNODC). “Iraq strengthens response to online terrorism.” 2021.
  2. وزارة الداخلية العراقية، التقرير السنوي لوحدة الجرائم الإلكترونية، 2023.
  3. UNDP Iraq. “Preventing Violent Extremism through Justice Sector Reform.” 2022.
  4. Global Coalition Against Daesh. “Countering Daesh’s Digital Influence.” 2022.
  5. The Soufan Center. “Digital Jihad: Propaganda and Recruitment in the Cyber Age.” 2020.

 

الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...