المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا
بون ـ إعداد: داليا عريان ـ باحثة في المركز الأوروبي
محاربة التطرف – دور المؤسسات الإسلامية في فرنسا وبلجيكا
تشابهت الإجراءات الأخيرة في فرنسا وبلجيكا بشأن مكافحة التطرف نظراً لوجود علاقات تجمع بين الشخصيات والجمعيات المرتبطة بالإخوان في البلدين، الأمر الذي يفسر تشابه الهجمات الإرهابية التي استهدفت باريس في 2015 والهجمات التي وقعت في بروكسل في 2016، لذا أصبحت مراقبة أنشطة الإخوان وتتبع مصادر تمويلهم وتحركاتهم أولوية قصوى لدى المؤسسات الرسمية.
دور المؤسسات الإسلامية في فرنسا في محاربة التطرف
دور المجلس الإسلامي
تأسس اتحاد المنظمات الإسلامية في 1983 (أقدم المنظمات الإسلامية بفرنسا) لمتابعة أوضاع المسلمين والإشراف على الملتقى السنوي لمسلمي فرنسا، وينتمي إلى اتحاد المنظمات الإسلامية بأوروبا والمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية منذ 2003. ولجأ في 2017 لتغير اسمه إلى ” مسلمي فرنسا” كمحاولة للتعميم على أي علاقات تجمع أعضائه بالإخوان والتأكيد على أنه الممثل الشرعي لمسلمي فرنسا، حيث يضم نحو (250) جمعية. وأيضا يقوم المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الذي تأسس في 2003، بدور الوسيط بين المسلمين والمؤسسات الحكومية، ويشارك مع الحكومة في وضع “ميثاق مبادئ حول الإسلام” لمنع التدخل الأجنبي في تعيين الأئمة والخطاب بالمساجد عقب الانتقادات لقانون “الانعزالية الإسلامية”.
دعم الحكومة للمجلس
عقب الهجوم على كاتدرائية نيس (نوفمبر 2020)، كثفت فرنسا من دعمها للمؤسسات الإسلامية والمساجد لمواجهة الإخوان، وفي 22 نوفمبر 2021 أسست فرنسا “مجلس وطني للأئمة” بمشاركة “مسجد باريس الكبير” و”تجمع المسلمين في فرنسا” و”اتحاد مسلمي فرنسا” مع إلزام جميع الجمعيات الإسلامية بالكشف عن تمويلها. وأسست المجلس الفرنسي الإسلامي في إطار منع التمويل الأجنبي للمساجد، فالتمويل العمومي لدور العبادة في فرنسا محظور بقانون 1905، واعتمدت في جمع الأموال على أنشطة المجلس الاقتصادية والضريبة على المنتجات الحلال وتبرعات الجالية التي بلغت (80%) من تمويل المساجد وقد تصل إلى مليون يورو في شهر رمضان.
مهام المؤسسات الإسلامية
يبرز دور المؤسسات الإسلامية في فرنسا المتمثلة في اتحاد المنظمات والمجلس الفرنسي، لضم فرنسا أكبر جالية مسلمة في أوروبا وتقدر بنحو (6) ملايين مسلم وأقدم المساجد “المسجد الكبير في باريس”، لذا تتولى تنظيم الأمور الدينية ودروس التعريف بالدين وتدريب الأئمة وإصلاح الجمعيات الثقافية التي تمول نحو (90%) من المساجد وإجبارها على التحول إلى جمعيات دينية لضمان شفافية التمويل، وفتح المساجد أمام الفرنسيين المسلمين وغير المسلمين لمناقشة قضايا مجتمعية وثقافية والتعريف بالإسلام بعد الهجمات الإرهابية التي ضربت فرنسا.
تغلغل الإسلام السياسي
انتشر الإخوان بفرنسا عبر (51) مؤسسة من أصل (250)، ومن بينها ” المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية” و”مركز الدراسات والبحوث حول الإسلام” و”التجمع لمناهضة الإسلاموفوبيا”، و”جمعية الإيمان والممارسة” وجمعية ” فيميسو FEMYSO ” تضم ( 32) منظمة، إضافة إلى اتحاد المنظمات الإسلامية. وتمكنوا من تكوين قاعدة بالمؤسسات الدينية والتعليمية والمجالس البلدية معتمدين على علاقاتهم بالمؤسسات الإسلامية وحزبي اليسار الإسلامي والخضر، ليخترقوا نحو (600) جمعية دينية و(150) مسجداً ما منحهم وضع مميز داخل التنظيم الدولي منذ سبعينيات القرن الماضي. الاختراق الممنهج للإخوان أدى لتوتر العلاقات مع الحكومة بداية من 1989، ومع تصاعد الهجمات الإرهابية زاد عمق الخلاف بين الحكومة والمؤسسات المرتبطة بالإخوان، لذا أصبحت أنشطتهم محل رقابة من الجهات الرسمية وانتقاد من جانب السياسيين لرصد خطابهم المحرض ضد المجتمع الفرنسي.
مؤتمرات مشتركة بين الحكومة والمؤسسات الإسلامية
رغم تقلب العلاقة بين فرنسا والمؤسسات الإسلامية، إلا أنه في 5 نوفمبر 2022، عقد الاجتماع الأول لمنتدى ” الإسلام في فرنسا” بمشاركة أئمة ومسؤولي الجمعيات لتجاوز الخلافات بالتأكيد على أن الإسلام يتوافق مع سياسة الدولة. وجاء إطلاق المنتدى بعد انتقاد قانون “الانعزالية الإسلامية” وبعد نحو (19) عاماً من تأسيس المجلس الفرنسي الإسلامي، ليصبح البديل للمجلس في متابعة شؤون المسلمين عقب الانقسامات التي طرأت عليه العامين الماضيين.
وناقش المنتدى تنظيم مهام الأئمة وتشكيل سلطة دينية لمتابعة المرشدين المسلمين في المستشفيات والسجون والجيش وتوفير حماية المساجد ومناهضة الأفكار المعادية للإسلام، وتفعيل قانون ” مبادى الجمهورية” لنقل المساجد والجمعيات من قانون 1901 إلى 1905 الخاص بعلمانية فرنسا وحصر دور الجمعيات الدينية في العبادة فقط.
أهمية الاندماج الاجتماعي وتكافؤ الفرص
عملت فرنسا العام الماضي على تطبيق “ميثاق المبادئ” وتوظيف دور “المجلس الوطني للأئمة” لمنع استغلال الإسلام من قبل الإخوان ولتعزيز دور الدستور في دمج المسلمين، لجعل المجتمع أكثر تسامحاً في ظل صعود اليمين المتطرف بالتوازي مع الهجمات الإرهابية، لذا انتهجت استراتيجية رقابة (100) مسجد من أصل (2623)، وأغلقت (24) مسجداً من أصل (99) خلال العامين الماضيين. وفي 12 يناير 2022 أغلقت مسجد في “كان” جنوب فرنسا لدعمه جمعيتي ” بركة سيتي” و ” ضد رهاب الإسلام بفرنسا” ذات الصلة بالإخوان، وفي 24 سبتمبر 2022 أغلقت مسجد “أوبيرناي” شمال شرقي فرنسا لأنشطته المتطرفة. وتتابع فرنسا الإخوان عبر خرائط تفاعلية وأدلة سرية لمراقبة الترابط بين شبكة الجماعة في أوروبا، مع استمرار تحقيقات حول مصادر الجمعيات المرتبطة بالإخوان وتروج لـ ” إسلام انفصالي”.
الاندماج مسؤولية مشتركة
يصبح التواصل بين الدولة الفرنسية والمؤسسات الإسلامية مهمة ملحة في مجابهة الإخوان وتحقيق دمج المسلمين، لذا يؤكد المسؤولون على دور المسلمين الفعال في المجتمع الذي يتطلب تفعيله عبر أهداف منتدى الإسلام ومكافحة الخطاب المتطرف المحرض ضد علاقة المسلمين بالدولة، وهنا يأتي دور المؤسسات الإسلامية في الكشف عن الجمعيات والأعضاء بداخلها ومصادر التمويل منعا لتكرار سيناريو اختراق الإخوان للمجلس الفرنسي الإسلامي، بجانب تبادل المسلمين وفئات المجتمع حضور المناسبات، حيث تفتح المساجد أبوابها في رمضان والأعياد الدينية أمام المجتمع الفرنسي.
دور المؤسسات الإسلامية في بلجيكا لمحاربة التطرف
دور الهيئة الإسلامية
تعد الهيئة التنفيذية الإسلامية هي الممثل الرسمي لمسلمي بلجيكا وتأسست في 1996 لإدارة شؤون العبادة وتقديم دروس الدين الإسلامي في المدارس، وبعد 3 أعوام من إنشائها اعترفت بلجيكا بها كجهة رسمية تمثل الجالية المسلمة التي تقدر أعدادها ما بين (700) إلى (800) ألف نسمة ما تشكل (7-8%)من نسبة السكان وموزعة بين بروكسل وفالونيا والفلاندر. وتدريجيا تولت الهيئة مسؤولية التواصل بين الدولة والجالية في أمور الاعتراف بالمساجد وإنشاء الجمعيات الإسلامية وطقوس الذبح وتوفير المقابر.
ـ دعم الحكومة للهيئة
حرصت بلجيكا على تقديم تمويل للهيئة التنفيذية الإسلامية بمبلغ يقدر بنحو (600) ألف يورو سنويا، وفي 2005 تم تخصيص (4.5) ملايين يورو كرواتب لأئمة (120)مسجدا معترف به، ومن بعدها أصبح تمويل المساجد والمدارس الإسلامية والتعليم الإسلامي مسؤولية الدولة، ما يؤكد على الاهتمام الكبير الذي تحظى به الجالية المسلمة.
ـ مهام الهيئة التنفيذية الإسلامية
تولت الهيئة التنفيذية مسؤولية إدارة “المسجد الكبير” أكبر المساجد في بلجيكا إضافة إلى (90) مسجداً، لذا تعد الممثل الرسمي للعبادة الإسلامية في بلجيكا بتأهيل الأئمة والمعلمين لدروس الدين بالمساجد والمدارس، وبعد الاعتراف الرسمي بالهيئة أصبحت المحاور الرسمي للمسلمين مع الحكومة وتمكنت من زيادة الجمعيات الإسلامية المسؤولة عن متابعة شؤون المسلمين، ما خلق لهم حضور قوي سياسيا وجعلهم أكثر الأقليات اندماجا في المجتمع البلجيكي حتى عام 2016.
تغلغل الإسلام السياسي
استغلت جماعة الإخوان المساحة التي حصلت عليها الهيئة الإسلامية في بلجيكا لتخترق الجمعيات والمساجد والأحزاب السياسية، واستقدمت الأئمة من الخارج إلى المسجد الكبير، ما أدى لإنشاء جمعيات تربطها علاقة بالإخوان وفي 1992 أسسوا “المركز الإسلامي البلجيكي” الذي أغلق في 2002. بينما في 1997 أنشئت “رابطة مسلمي بلجيكا” في عدة مدن وسيطرت على (10) مساجد. ويعد مسجد “السلطان أحمد” في هوسدن زولدر أحد مراكز التشدد في بلجيكا ويديره “محمد أوستن” رئيس الهيئة الإسلامية. ونطرا للعلاقة القوية بين إخوان بلجيكا وإخوان فرنسا ظهر ” التجمع المناهض للإسلاموفوبيا” في بروكسل في فبراير 2021 بعد أن تم حله في فرنسا لاتهامه بأنه ذراع للإخوان ويحرض ضد سياسية الحكومات الأوروبية الخاصة بالاندماج المجتمعي.
أهمية الاندماج الاجتماعي وتكافؤ الفرص
قوبلت إجراءات فرنسا في مواجهة تغلغل الإخوان داخل المجتمع والمؤسسات الإسلامية برفض قاطع من جانب المتشددين الذين اخترقوا عمل المؤسسات الإسلامية، ما يعرقل عمل الدولة الفرنسية في مواجهة التطرف ويؤكد على تمدد الإخوان على نطاق واسع داخل المؤسسات الممثلة لمسلمي فرنسا لذا أصبحت الغلبة في أيديهم أكثر من باقي الأعضاء، وهذا الأمر يفسر تباين دور المؤسسات الإسلامية في فرنسا بين المتابعة الجادة لشؤون المسلمين ومحاولات الدمج داخل المجتمع، والتساهل في قبول تبرعات خارجية واختراق الإخوان، لذا تواجه هذه المؤسسات تحد للتحرر من التأثيرات الخارجية المسببة للانشقاقات بداخلها والخلافات مع الدولة حول بعض الإجراءات، ومن هنا يصبح التعاون مع الدولة بشأن تتبع اختراقات الإخوان للمساجد هي النقطة التي تعيد هذه المؤسسات لدورها الحقيقي وتضع حد للتطرف.
التقييم
نظراً لأن الشخصيات والجمعيات ذات الصلة بإخوان بلجيكا اعتمدوا على إخفاء هويتهم، ومن ثم سهل عليهم اختراق المؤسسات الإسلامية والمناصب السياسية عبر الأحزاب والقوانين التي تتيح مشاركة كافة فئات المجتمع بالمشهدين السياسي والاجتماعي، بجانب تأسيسهم جمعيات مناهضة لخطوات بلجيكا في مكافحة التطرف، توترت العلاقة بين الهيئة الإسلامية والسلطات البلجيكية ما سيؤثر سلبا على دور الهيئة خاصة وأن فرصة العودة باتت ضئيلة أمامها بعد قرار سحب الاعتراف منها، ورغم ما حظيت به من دعم حكومي ولعبها دور الراعي الرسمي للجالية المسلمة، إلا أن هذا الدور دارت حوله شُبهات كثيرة عقب هجوم 2016 والكشف عن اختراق الإخوان للمساجد، ما يتطلب إعادة النظر في المسؤولين عن الهيئة وطبيعة دورهم وتجنب استغلال الإخوان تقلب العلاقة بين الهيئة والحكومة وفرض سيطرتهم على ممثل الجالية المسلمة في بلجيكا من ناحية، والانتباه لمحاولات إخوان بلجيكا في استضافة شخصيات إخوانية من دول أخرى مثل فرنسا لتأسيس كيانات جديدة تعمل في العمل الإنساني من ناحية أخرى.
تواجه فرنسا وبلجيكا مهمة جسيمة للحفاظ على دمج المسلمين في وقت مواجهة اختراق الإخوان للمؤسسات الإسلامية المسؤولة عن الجالية المسلمة، لذا يجب: –
- مراقبة العلاقة بين إخوان فرنسا وإخوان بلجيكا وأي محاولات مستترة لبناء كيانات جديدة في الدولتين.
- صياغة قوانين تسمح بتتبع الإخوان في ظل سياساتهم المضللة للحكومتين.
- مراجعة للهيئات الإسلامية ومدى تغلغل الإخوان في أنشطتها والتأكيد على دورها في متابعة الشؤون الدينية ودمج المسلمين.
- متابعة أوضاع المساجد بشكل يضمن ممارسة الشعائر الدينية ويمنع الخطاب المتطرف.
- تفعيل توصيات المؤتمرات المشتركة بين الجالية المسلمة والدولة.
- التعاون المشترك بين الدولتين في مكافحة احتراق الإخوان لمؤسسات الدولة.
- مراقبة علاقات الأحزاب السياسية بالإخوان.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=86402
جميع الحقوق محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
هوامش
منتدى الإسلام في فرنسا: هل يفتح صفحة جديدة في العلاقة بين الدولة ومواطنيها المسلمين؟
https://bbc.in/3HwZ2Y6
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية “يحتضر” ويتجه نحو الزوال على وقع انقسامات داخلية حادة
https://bit.ly/3Hz1blV
بعد إغلاق 23 مسجدا خلال عامين.. فرنسا تغلق مسجدا جديدا
https://bit.ly/3HeZTew
The Forum for the Islam of France (FORIF): A New Beginning in Relations Between the State and Muslims?
https://bit.ly/3Y3EI5Q
L’Exécutif des Musulmans de Belgique
https://www.embnet.be/
Belgium revokes recognition and funding of Muslim Executive
https://bit.ly/3HzLHy1