هل يبقى الاتحاد الأوروبي متماسكا؟
إعداد المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا وهولندا – وحدة الدراسات والتقارير “3”
يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات داخلية وخارجية كبيرة تهدد تماسكه ، منها تنامى النزعة الشعبوية والقومية في أوروبا ودورها فى زعزعة تماسك الاتحاد ، كذلك الخلافات القائمة بين الدول الأعضاء حول أزمة اللاجئين والهجرة الغير شرعية وانهيار الشنغن ، وتواجه أيضا دول الاتحاد الاوروبى تهديدات إرهابية يشكلها المقاتلون الأجانب العائدون إلى دولهم الأوروبية.
الاتحاد الأوروبي
الاتّحاد الأوروبي هو تكتل سياسي واقتصادي بدأ مساره منذ عام 1951 ومر بعدة مراحل توسع خلالها ليشمل 28 دولة أوروبية أوروبي تنظَّم فيه السياسات الاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والأمنيّة المشتركة بينهم، تأسس بناء على “معاهدة ماستريخت” الموقعة عام 1992، وقد كان الهدف من هذه المعاهدة تعزيز التكامل السياسيّ، والاقتصاديّ الأوروبيّ، وذلك من خلال إنشاء عملة موحدة وهي اليورو، وإنشاء سياسة خارجيّة، وأمنيّة موحّدة، وتحقيق المواطنة المشتركة، وتعزيز التعاون في مجالات الهجرة واللجوء والشؤون القضائيّة. يتخذ الاتحاد العاصمة البلجيكية “بروكسل” مقرا دائما لأمانته العامة وللمفوضية الأوروبية، ومدينة “ستراسبورغ” الفرنسية مقرا لبرلمانه الأوروبي.
تشمل دول الاتحاد الأوروبيّ (النمسا، وبلجيكا، وبلغاريا، وقبرص، وجمهورية التشيك، والدنمارك، وإستونيا، وفنلندا، وفرنسا، وألمانيا، واليونان، والمجر، وأيرلندا، وإيطاليا، ولاتيفيا، وليتوانيا، ولوكسمبورغ، ومالطا، وهولندا، وبولندا، والبرتغال، ورومانيا، وسلوفاكيا، وسلوفينيا، وإسبانيا، والسويد، والمملكة المتحدة، وكرواتيا) .
أنشأ الاتحاد عدة أجهزة أخرى على غرار المجلس الأوروبي الذي يتكون من رؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية والبنك المركزي الأوروبي وبنك الاستثمار الأوروبي،ويخضع الاتحاد لنظام الرئاسة الدورية حيث تتعاقب الدول الأعضاء على رئاسته لمدة ستة أشهر،ومن أهم المعاهدات والاتفاقيات التى وقعها الاتحاد الاوروبى( معاهدة أمستردام ، معاهدة ماستريخت ،معاهدة نيس ، اتفاقية روما ، اتفاقية شينجن ،اتفاقية دبلن)
المؤسسات الرئيسية للاتحاد الأوروبي
- البرلمان الأوروبي (ينتخب من قبل الشعوب الأوروبية)
- مجلس الاتحاد (يتكون من حكومات الدول الاعضاء)
- المفوضية الأوروبية (الجهاز التنفيذي)
- محكمة العدل الأوروبية (الاشراف على تنفيذ القوانين)
- محكمة مراقبة الحسابات “ديوان المحاسبة” (الاشراف على ميزانية الاتحاد)
الاتحاد الأوروبى وملف الهجرة
توصل الاتحاد الأوروبي فى يونيو 2018 إلى اتفاق حول الهجرة بعد ماراثون من المحادثات أثناء القمة الأوروبية المنعقدة في بروكسل ،وهددت إيطاليا، نقطة الدخول لآلاف المهاجرين من أفريقيا سنويا، بوقف الاتفاق ما لم تتلقى الدعم في جهودها المستمرة منذ سنوات على مستوى إنقاذ وإيواء المهاجرين عبر المتوسط.
قرر الاتحاد الأوروبي إقامة مراكز للاجئين في دول الاتحاد الأوروبي على أن يكون ذلك بشكل “طوعي”، وفقا لما ينص عليه الاتفاق الأوروبي،وستقرر مراكز اللاجئين على أراضي أوروبا “المهاجرين الذين ستتم إعادتهم إلى بلادهم” بعد دخول أوروبا عبر البحر المتوسط.
كشف تقرير فى يونيو 2018عن إحصاء للمنظمة الدولية للهجرة، ، أن أكثر من (3000) مهاجر اختفوا في عرض البحر الأبيض المتوسط، منذ بداية عام 2017، فيما وصل نحو (171) ألف مهاجر عن طريق البحر إلى أوروبا، ثلاثة أرباعهم في إيطاليا حوالي (119) ألف شخص، بينما تشير التقديرات إلى أن عدد المهاجرين التقريبي في ليبيا يتراوح بين (700)ألف إلى (1000000)شخص.
أفاد التقريرأن اللاجئون الذين يريدون طلب اللجوء في أوروبا، لا يمكنهم فعل ذلك في أي بلد كان، فمنذ عام 2003، بات عليهم الالتزام باتفاقية “دبلن”، والتي تقول بأن اللاجئ يجب أن يتقدم بطلب اللجوء في بلد الاتحاد الأوروبي، الذي دخل أرضه للمرة الأولى.
وأوضح استطلاع “يوروباروميتر” الذي أجرته المفوضية فى مارس 2018 أن (38%) من مواطني الاتحاد الأوروبي، البالغ عددهم (510) ملايين نسمة يعتبرون الهجرة أهم قضية تواجه الاتحاد،وجاءت أعلى مستويات للقلق من تلك الظاهرة في دول معدلات الهجرة فيها متدنية للغاية وهي استونيا والتشيك والمجر ،ونسبة من يميلون إلى عدم الثقة، في الاتحاد الأوروبي بلغت(48%)
أعرب “فرانس تيمرمانس”نائب رئيس المفوضية الأوروبية في بروكسيل قلقه لكون قوة الشعبويين اليمينيين وقضية الهجرة العالقة لا تقود فقط إلى أزمة حكومية في ألمانيا، بل تهدد أيضا تماسك الاتحاد الأوروبي. “لو نظرنا إلى السنوات الأخيرة، لوجدنا أن موضوع الهجرة هو الذي قاد الاتحاد الأوروبي إلى الحضيض. فالهجرة تلعب دورا محوريا في كل بلد عضو”.
أكد “هربرت كيكل “وزير الداخلية النمساوي فى سبتمبر 2017 أن بلاده ستستمر في رفض استقبال القوراب والسفن التي تقل المهاجرين واللاجئين في إطار سياستها المعتمدة تجاه الهجرة، وأضاف كيكل أنه ينبغي على دول الاتحاد الأوروبي أن تعارض سياسة استقبال وتوزيع المهاجرين الذين يتم انقاذهم في البحر المتوسط، وأن الاستمرار في استقبال هؤلاء المهاجرين يتعارض مع ما اتفق عليه زعماء الاتحاد الأوروبي في قمة في يونيو2017.
الاتحاد الأوروبي وملف اليمين المتطرف
يشار إلى أن اليمين الشعبوي المتطرف يشارك في حكومات العديد من دول أوروبا، منها دول أوروبية شرقية مثل المجر وبولندا والتشيك وسلوفاكيا، وفي أوروبا الغربية نجدهم في حكومات هولندا وإيطاليا والدنمارك والنمسا، وفي ألمانيا يشكل اليمين الشعبوي المتمثل بحزب “البديل من أجل ألمانيا” القوة البرلمانية الثانية بعد حزب ميركل
أوضح تقرير حكومى فى يونيو 2018 أن المملكة المتحدة تواجه تهديدا إرهابيا “متزايدا” مصدره اليمين المتطرف ، و كشف النقاب عن انه خلال السنوات الخمس الماضية، وقعت (4) هجمات ارهابية في المملكة المتحدة ارتكبها “افرادا مدفوعين بدرجات متفاوتة من ايديولوجيات يمينية متطرفة”.
أكد “ماتيو سالفيني” رئيس حزب رابطة الشمال الإيطالي اليميني المتشدد فى يناير 2018 ، معارضته لليورو وقواعد الاتحاد الأوروبي، وأضاف نحن لا نغير أفكارا وفقا للملاءمة والانتخابات أو استطلاعات الرأي، تجربة اليورو كانت ومازالت خاطئة أضرت بالوظائف والنمو في إيطاليا”
واحتضنت العاصمة التشيكية براغ مؤخرا اجتماعا مثيرا للجدل لقادة أحزاب يمينية متطرفة في أوروبا، تمسكوا خلاله برفض سياسات الاتحاد الأوروبي المتبعة في قضايا الهجرة واللاجئين، فيما دعت ” مارين لوبان” إلى الثورة على قوانين الاتحاد الأوروبي وتدميره من الداخل.
الاتحاد الأوروبى وملف المقاتلين الأجانب
وذكر تقرير فى يونيو 2018 أن (29%) من الأوروبيين،الإرهاب يمثل مبعث قلق لهم، و كانت أعلى معدلات القلق منه في دول لم تشهد أي هجمات إرهابية في الأعوام الماضية وهي ليتوانيا وقبرص وأيرلندا والتشيك وبلغاريا وبولندا ولاتفيا.
ناقش وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي ببروكسل فى مارس 2018 عددا من الملفات التي تهدد الأمن في القارة الأوروبية وعلى رأسها التهديدات الإرهابية،وبحث الاجتماع سبل تفعيل سجل أسماء الركاب المسافرين والتعاون مع دول غرب البلقان في مجال الأمن الداخلي ومكافحة “الارهاب”.
عبر مسؤولون وباحثون في أوروبا فى فبراير 2018 عن قلقهم من عودة المتشددين الذين كانوا قد التحقوا بتنظيم داعش في مناطق النزاعات، إلى بلدانهم الأصلية في أوروبا ، وكشف تقرير صادر عن “فرونتكس”، وهي وكالة تابعة للاتحاد الأوروبي تعنى بمراقبة الحدود الدولية للدول الأعضاء، أن التهديد في تصاعد ويتطور من يوم لآخر.
وأوضح التقرير أن التهديد قادم من المتشددين، بمن فيهم من النساء اللواتي فقدن أزواجهن خلال المواجهات، وكذلك من الأطفال الأيتام، مضيفا أن من الصعب حاليا تقييم التهديد؛ لكننا على يقين بأن أمده سيطول،وذكرت وكالة «فرونتكس» أن نحو (30 %) من 5000 مقاتل إرهابي أوروبي، أي نحو 1500، عادوا إلى بلدانهم ،وأن نحو (1000) فتاة كن قد توجهن من أوروبا للالتحاق بالجماعات المتطرفة، وخصوصا (داعش) في مناطق النزاعات، سيعدن لا محالة إلى دولهن.
الاتحاد الأوروبي وملف البريكسيت
أثارت دراسة أعهدها معهد “أكسفورد أكونوميكس” فى مارس 2018 الهلع بتوقع معاناة المملكة المتحدة أكثر من الاتحاد الأوروبي على الرغم من تزايد الأرقام بإضافة تكاليف غير مباشرة، وبحلول عام 2020، قدرت الدراسة خسارة (112) مليار يورو (137) مليار دولار للاتحاد الأوروبي، و(125) مليار جنيه إسترليني (174) مليار دولار للمملكة المتحدة. لكن نسبة ضئيلة من ذلك – 50 مليار يورو – هي الخسائر التي سيتحملها الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2020، وهي ما تمثل التكاليف المباشرة للمصدرين والمستوردين.
قام “جان كلود يونكر” رئيس المفوضية الأوروبية فى ديسمبر 2017 صياغة وثيقة موجزة عن مستقبل العائلة الأوروبية تحمل عنوان “كتاب أبيض حول مستقبل أوروبا”، حدد يونكر (5)مسارات إلى الوحدة؛ أهمها استمرار الاتحاد كما هو، والعودة إلى صيغة السوق المشتركة أي “تكتل تجاري”، وخلق أوروبا «متعددة السرعات» تستطيع فيها الدول التي تتشابه في طريقة التفكير تنفيذ خطط على رغم مخالفة دول أخرى إياها،ومن السيئ تحدي المتشككين في الاتحاد الأوروبي ومواصلة تحقيق حلم أوروبا الفيدرالية في شكل تام.
رفض الاتحاد الأوروبي فى مارس 2017 طلب بريطانيا إجراء محادثات موازية لاتفاق الانسحاب حول “العلاقة المستقبلية” حتى يتم تحقيق “تقدم كاف” في اتفاق الخروج،ويسعى الاتحاد للحفاظ على وحدته بينما يواجه للمرة الأولى انفصال أحد أعضائه البارزين منذ تأسيسه قبل 60 عاما.
عقدت الدنمارك استفتاء في ديسمبر 2015، وإن كان ذا تأثير محدود للغاية؛ إذ صوت فيه الدنماركيون ضد تسليم المزيد من الصلاحيات للاتحاد الأوروبي،إلا أن هذا وحده لا يكفي للتنبؤ بما إذا كان الدنماركيون حقا يريدون التصويت لصالح «الخروج» من الاتحاد الأوروبي، ففي حقيقة الأمر، يعتقد معظم السكان في البلدان الأعضاء بالاتحاد الأوروبي أن بروكسل لا ينبغي أن تكون أكثر قوة مما هي عليه، وفقا لدراسة صادرة عن مركز بيو للأبحاث،
ودعم “جيرت ويلدرز” رئيس الحزب الشعبوي اليميني، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وعقد الآمال على إجراء استفتاء مماثل في هولندا ،وخطط “أوروبان” رئيس الوزراء المجرى لإجراء استفتاء في المجر قد يفضي إلى نتائج تضر بتماسك الاتحاد الأوروبي.
مستقبل الاتحاد الأوروبى
حذرت أجهزة الاستخبارات الأوروبية من أن انهيار اتفاق “شنغن” للحدود المفتوحة و إعادة فرض نقاط التفتيش ، قد ينجم عنه “أزمة هجرة أكثر تدميرا من أي أزمة في منطقة اليورو”،و أن أزمة اللاجئين التي تواجهها أوروبا حاليا “ليست صدمة مفاجئة، وإنما تغير هيكلي كبير سيستمر لفترة طويلة”.
أعرب وزير خارجية لوكسمبورغ” جان أسلبورن” فى يوليو 2018 عن اعتقاده بأن استمرارية الاتحاد الأوروبي معرّضة للخطر،وأفاد أسلبورن إذا انهار احترام القيم، سينهار أيضاً مشروع أوروبا، وذكر أسلبورن، أن هناك دولاً في الاتحاد الأوروبي لم تعد ترى قيم التضامن والمسؤولية أمراً سليماً وتريد أوروبا أخرى،و أن الاتحاد الأوروبي يمر بـ”أزمة وجودية مضيفاً أن التضافر في قضية الهجرة اختبار لاستمرارية الاتحاد الأوروبي.
الخلاصة
يجب التمسك بمسألة الحفاظ على وحدة الاتحاد الأوروبي ، التوصل إلى حل أوروبي بشأن استقبال طالبي اللجوء والمهاجرين وتوزيعهم ، التعاون الوثيق بين دول التكتل الأوروبى كرد على تنامى الشعبوية ، وتعزيز قواعد الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب والتطرف، وتكثيف تبادل البيانات والمعلومات بين دول الاتحاد
الهوامش
رابط مختصر:https://www.europarabct.com/?p=47593
* حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات