المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الإستخبارات
إعداد: وحدة التقارير و الدراسات “8”
تحولت السجون في العراق منذ الغزو الأمريكي للعراق في 2003، إلى حواضن للمتطرفين و المتشددين الذين تمكنوا من تنظيم اجتماعات لهم داخلها بعدما كانوا عاجزين عن فعل ذلك و هم خارج السجن. و تدور احتمالات حول دور قوى كبرى مثل الولايات المتحدة و تركيا في تسهيل خلق تنظيمات إرهابية بهدف تحقيق أهداف و مصالح معينة في منطقة الشرق الأوسط.
سجن بوكا في العراق.. مكان لتفريغ و صناعة المتطرفين
عندما شرعت القوات الأمريكيّة، في عام 2003، لإنشاء سجن بوكا، جنوبي العراق قرب مدينة أم قصر، يبدو أنّها لم تكن تعلم بأنّ هذا السجن، سيتحوّل فيما بعد إلى نقطة التقاء الجهاديين من مختلف الجماعات الجهاديّة الإسلاميّة المتطرفة في العراق. وقد احتضن هذا السجن جميع أفراد الجماعات الجهاديّة الإسلاميّة التي ناهضت وجود قوات التحالف في العراق خاصة القوات الامريكية. حيث صار السجن بمثابة البيئة الأمثل للتخطيط والتفكير بتشكيل الجماعات الجهاديّة، وكان نقطة التقاء لقياديها من أمثلة أبو بكر البغدادي الذي قامت الولايات المتحدة الأمريكيّة بإلقاء القبض عليه في الفلوجة، شباط عام 2004، وكان يبلغ من السن 33 عاماً، وفق ما جاء في تقرير “لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى” في 13 سبتمبر 2019. داعش في العراق، من الترهيب المحلي إلى هجمات أكثر تعقيدا .
سجن “بوكا” كان وفق جل التقارير من أهم الفضاءات التي سجن فيها قيادات تنظيم داعش، قبل إغلاقه عام 2009، حيث كان يسمى قبل ظهور تنظيم “داعش” بـ”مدرسة تنظيم القاعدة”، وقدّم فيه “الجهاديون” دروسا حول المتفجرات وتقنيات التفجير الانتحاري للسجناء الأصغر سنًّا وتمكنوا من تجنيد أعداد من السجناء الذين اختاروا في ما بعد الانضمام إلى دولة الخلافة المزعومة. وتحوّل سجن “بوكا” الشهير الذي كان على بعد العشرات من الكيلومترات من الحدود العراقية الكويتية، وكان يؤوي أكثر من 20 ألف معتقل، إلى ما عرف بـ”جامعة الجهاد”، بناءا على تقرير نشرته “صحيفة العرب اللندنية” في 10 ابريل 2019.
أشار تقرير لوكالة “سبوتنيك الروسية” في 28 أكتوبر 2019 نقلا عن خبير، أن “الولايات المتحدة تعمل على إحياء تنظيمات إرهابية متطرفة وهو ما يشير إلى أن الوجهة القادمة قد تكون توجيه هذه التنظيمات إلى دول شرق أسيا ومنها الصين وإيران”.وشدد على أن “الولايات المتحدة تستثمر في وجود الإرهاب، وإشغال جيوش المنطقة في حروب مستمرة من أجل ربح الشركات الأمريكية من مبيعات السلاح”. وأكد أن “خسارة تنظيم “داعش” للمساحة الجغرافية لا يعني تفكك التنظيم، خاصة أن القاعدة انتشرت بشكل أكبر بعد مقتل أسامة بن لادن، ومن المتوقع أن تبرز بعض التنظيمات الجديدة من داعش بإشراف الاستخبارات الأمريكية خلال الفترة المقبلة، إما في جنوب سوريا أو العراق، وفي ليبيا تحديدا”.
قيادات إرهابية بارزة في تنظيم داعش خرجت من سجن بوكا
- أبو محمد الجولاني ( محمد حسين الشرع )
من مواليد درعا عام 1981 و نشأ “الجولاني” وعاش في حي المزة الأرستقراطي بالعاصمة دمشق، على بُعد 200 متر من مسجد الشافعي، وهو مسجد كان “خالد مشعل” رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وقتها يُؤْثر صلاة الجمعة فيه دون غيره؛ لقربه من منزله ولعلاقته الطيبة مع خطيبه “محمد أبو الخير شكري”، وهو مسجد يشتهر بأن أبناء حركة المقاومة الإسلامية “حماس” كانوا يرتادونه بانتظام، مما جعل أبناءه ورواده يحتكون مباشرة بتجربة حركية سياسية مختلفة كان لها أثر فارق في نشأة الجولاني، فهي بعيدة عن التجربة المشيخية التقليدية لبقية المدارس “العلمائية الدمشقية”، وستُلقي بظلالها لاحقا مُفرّقة بين رحلة الجولاني عن أيديولوجيا التجربة الجهادية التي خاضها بالعراق، الذي توجه إليه قبيل الغزو الأميركي له، ثم انضم لجماعة “التوحيد والجهاد” التي أسسها الزرقاوي، قبل أن تنتهي به تلك التجربة في “سجن بوكا”، حسب تقرير لموقع “الجزيرة نت” في 13 يناير 2019.
- أبو بكر البغدادي ( ابراهيم عواد ابراهيم البدري )
ولد البغدادي في مدينة سامراء شمالي بغداد عام 1971، وينحدر من عائلة سنية متدينة متوسطة الحال تنتمي إلى عشيرة البدري، و حصل البغدادي على شهادة البكالوريوس في الدراسات الإسلامية من جامعة بغداد عام 1996، ثم الماجستير والدكتوراه في الدراسات القرآنية من جامعة صدام حسين للدراسات الإسلامية بين 1999 – 2007. بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، ساهم البغدادي في تأسيس جماعة “جيش أهل السنة والجماعة” المسلحة. واعتقلته القوات الأمريكية في فبراير/شباط عام 2004، في مدينة الفلوجة، وبقي في معسكر الاعتقال في سجن “بوكا” ، نحو عشرة أشهر. استثمر البغدادي فترة السجن لممارسة الوعظ الديني بين أوساط المعتقلين، إذ كان يأمهم في الصلاة ويلقي خطبة الجمعة، وينظم دروسا دينية لهم، حسب ما جاء في تقرير لموقع “بي بي سي” في 27 أكتوبر 2019.
- عبد الله قرداش
كان سجيناً سابقاً في سجن بوكا بمحافظة البصرة جنوب العراق الذي كانت تديره القوات الأميركية في حينها بعد عام 2003 وهو نفس السجن الذي كان البغدادي موجوداً فيه بنفس الفترة، وبالتالي فإن العلاقة الوثيقة بين الرجلين، البغدادي و قرداش، وتعود جذورها الى ما قبل قرابة 16 عاماً. ويصنف قرداش بأنه من أشرس وأقسى قادة تنظيم الدولة الإسلامية وربما لهذا السبب أعلنت أجهزة الاستخبارات العراقية، حالة استنفار معلوماتية حول شخصية قرداش وما هي تحركاته وأين يمكن أن يكون موجوداً سيما أن قرداش ينحدر من بلدة تلعفر، شمال غرب مدينة الموصل، و ذلك في تقرير لموقع “إذاعة مونتي كارلو الدولية” في 08 اغسطس 2019. الدكتور هشام الهاشمي يحاور عبد الناصر قرداش، القيادي في تنظيم داعش
عمليات كومندوس أمريكية خاصة تغتال قادة داعش
نشر موقع “دوتشيه فيلله” تقريرا في 27 أكتوبر 2019 أن مروحيات أمريكية أنزلت مقاتلين على الأرض بعد منتصف ليل 26-27 اكتوبر في إطار عملية استهدفت قيادات في تنظيم “داعش”. و أن العملية التي تمت في قرية باريشا في إدلب، شمال غربي سوريا، على الحدود مع تركيا تخللها “إنزال مروحيات أمريكية لمقاتلين على الأرض اشتبكوا مع جهاديين”. و قد تولى “سرب مؤلف من ثماني طائرات مروحية في منطقة باريشا في شمال مدينة إدلب (شمال غرب سوريا) تنفيذ هجوم”فى 26-27 اكتوبر، في منطقة يتواجد فيها “عناصر من تنظيم “داعش” و”تنظيم حراس الدين”. و أضاف الموقع أن القوات الأمريكية انتشلت جثة يعتقد أنها للبغدادي من موقع الهجوم مع جثة أخرى يعتقد أنها لنائبه.
تورط تركيا مع تنظيم داعش
أظهرت وثائق خاصة حصل عليها “مراسل” قناة العربية حسب موقع “العربية نت” في 18أبريل 2020، تكشف سفر عناصر داعش إلى تركيا. وتكشف الوثيقة الأولى السماح بمرور من سمي بالأخ “أبو موسى الألباني” وزوجته إلى تركيا. أما الوثيقة الثانية فهي صادرة عن داعش من ولاية ما يسمى البركة تظهر سفر المدعو “أبو القعقاع التركي” من العراق إلى الشام. وتكشف الوثيقة الثالثة الصادرة عن ما يسمى ولاية حلب عند داعش وموجهة أساسا إلى المدعو الأخ الوالي وتتحدث عن شخص يدعى “أبو شهيدة التركستاني”، وينتمي لكتيبة صلاح الدين الأيوبي، الذي رغب في الزواج من امرأة تركستانية مفترض أن تدخل إلى سوريا من تركيا بعد أسبوع من تلك الفترة. وثائق أخرى تبين أسماء وأرقام هواتف تركية ووقت الاتصال وتاريخ وصول من يوصف بالمهاجرين إلى دولة الخلافة المزعومة. كيف تورطت تركيا مع تنظيم داعش؟ وماهي معسكرات التنظيم على اراضيها ؟
نقل موقع “سكاي نيوز عربية” في في 01 يناير 2020 تقريرا يصف “العلاقة الاقتصادية بين أردوغان و داعش، و أن أردوغان كان المشتري الأول للنفط من التنظيم الإرهابي، مخالفا بذلك التصريحات “الدعائية” التي كان الرئيس التركي يدلي بها، مصورا نفسه على أنه يعمل على تصفية التنظيمات الإرهابية. وإلى جانب تجنيد الإرهابيين ونقلهم للقتال في عدد من الدول، حرصت أجهزة المخابرات التابعة لأردوغان على بناء علاقات وطيدة مع “داعش”، وخصوصا في المجال الاقتصادي، حيث بلغت قيمة صفقات شراء النفط من الإرهابيين بحسب تقرير “أحوال” مئات الملايين من الدولارات.
الخلاصة
يعد سجن بوكا “النواة الأولى” لتأسيس “تنظيم داعش” حيث كان يأوى السجن أكثر من 1400 سجين من بينهم قادة التنظيم كـ”أبو بكر البغدادى”وأبو مسلم التركماني”. وكان هناك اجتماعات عدة داخل السجن بين المتطرفين وتدرب عناصر التنظيم داخل السجن على المهارات القتالية والعسكرية. ويتضح من ذلك أن مسألة السجون أصبحت تصنع المتطرفين الذين يمثلون خطرا على الأمن الدولي في حالة خروجهم .
عند التطرق إلى قضايا الامن و الإرهاب الدوليين، يوجد ما يسمى استراتيجية الإسفنجة “The Sponge Strategy” و التي تقوم على خلق بؤرة توتر في منطقة معينة هدفها استقطاب و امتصاص المتطرفين و الإرهابيين من مختلف أنحاء العالم و القضاء عليهم دفعة واحدة داخل منطقة التوتر التي تم إنشائها. و تقوم بعض الدول التي أدركت هذه الاستراتيجية، بتسهيل سفر المتطرفين و الإرهابيين من مواطنيها إلى منطقة التوتر للالتحاق بالجماعات المسلحة المركزية، و ذلك بهدف ضمان أن العناصر المتطرفة ستجد بديلا لممارسة العنف على الأراضي الحاضنة لمنطقة التوتر، تفاديا لحدوث هجمات و أعمال ارهابية داخلية تهدد الأمن القومي للدولة.
لكن المسألة الأساسية لهذه الاستراتيجية تكمن في “نوايا” القوى الكبرى التي ساهمت في خلق إرهاب خارجي . فقد تكون غالبا النوايا مرتبطة بخلق الفوضى ضمن مجال نفوذ دولة من الدول الكبرى، و استهداف تحقيق مكاسب و مصالح معينة.
التوصيات
فمن الأجدر على الحكومات أن تكثف عمليات المراقبة المشددة داخل السجون من خلال العنصر التكنولوجي من كاميرات متطورة و أيضا من خلال العنصر البشري عن طريق الاختراق لشبكات متطرفة مشكوك فيها داخل السجون.
رابط مختصر..https://www.europarabct.com/?p=70191
*جميع الحقوق محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الإستخبارات
الهوامش
أكاديمية معتقل بوكا الجديد لتخريج الجهاديين
زعيم “داعش” الجديد يخرج التنظيم من نظرية الخلافة… وتحذيرات من جماعات جديدة