المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
إعداد: جاسم محمد، باحث في الأمن الدولي والإرهاب
قوة أوروبية موحدة ـ هل أوروبا قادرة على تشكيلها، وهل ستكون بديلاً للناتو؟
تأتي الأصوات من داخل دول أوروبا، الاتحاد الأوروبي إلى ضرورة ايجاد قوة عسكرية سريعة التدخل، ممكن ان تتدخل عسكرياً في مناطق النزاع الاقليمي والدولي من شأن دعم القرار الأوروبي. تهدف الخطة التي تحظى بدعم نحو 14 دولة عضو لتعزيز القدرات العسكرية للاتحاد الأوروبي، في إطار مراجعة استراتيجيته الشاملة التي سيتم التوافق عليها عام 2022، وفقا لموقع “ميدل إيست”. وقال المسؤول الأوروبي: “ما نود القيام به الآن، ولأن العديد من الدول أيدت الفكرة، هو محاولة معرفة ما إذا كان بإمكاننا إجراء تدريب مسبق لـ5 آلاف شخص إضافة إلى عنصر جوي وربما بحري أيضاً”. وأضاف: “ما في ذهننا هو أن نكون قادرين على نشر قوة التدخل هذه بسرعة في حال كان لديك على سبيل المثال حكومة شرعية في دولة ما تخشى احتمال سيطرة مجموعة إرهابية عليها”.
وزراء الخارجية والدفاع بالاتحاد الأوروبي يتبنون سياسة دفاعية مشتركة جديدة، حسبما أكدت مصادر دبلوماسية متعددة. ومن أساسيات هذه السياسة، إنشاء قوات مشتركة تتألف من آلاف الجنود للاستجابة السريعة في حالة نشوب أي أزمات. ومع ذلك، حذر من أن مصداقية التكتل في المنطقة لا تزال تخضع للتدقيق في أوكرانيا. ومن المكونات الرئيسية للسياسة الدفاعية الجديدة، إنشاء قوات مشتركة تتألف من 5 آلاف جندي للاستجابة السريعة في حالة نشوب أي أزمات.
سياسية دفاعية جديدة
تبنى وزراء الخارجية والدفاع بالاتحاد الأوروبي سياسية دفاعية جديدة تسمح للاتحاد بتأسيس قوات للرد السريع، حسبما أكدت مصادر دبلوماسية متعددة لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، 21 مارس 2022.وستبدأ قوة الرد السريع التي سيطلق عليها اسم “البوصلة الاستراتيجية” العمل بحلول عام 2025. وقد أعطى غزو روسيا لأوكرانيا زخماً جديداً إلى المناقشات الخاصة بالسياسة الدفاعية. وقال الممثل الأعلى للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل “عندما بدأنا في العمل، لم نكن نتصور أنه في اللحظة الأخيرة للموافقة سيكون الوضع في مثل هذا السوء”. وأضاف إنه يتعين على الاتحاد الآن البدء في دراسة قدرة الاتحاد الأوروبي على مواجهة تحدي الحرب”.
يأتي موضوع تشكيل جيش أوروبي موحد، ضمن طموحات اوروبا، القومية بتأمين أمنها القومي في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد، وفي أعقاب تهديدات ادارة ترامب، برفع الحماية في حالة عدم تصعيد دول أوروبا إلى انفاقها العسكري.
في محاولة أوروبية للتقليل من الإعتماد على الولايات المتحدة على الصعيد العسكري، وقعت أكثر من 20 دولة من الإتحاد الأوروبي بينها ألمانيا وفرنسا يوم 13 نوفمبر 2017 على ميثاق للدفاع ودمج التخطيط العسكري وتطويرالأسلحة والعمليات العسكرية بهدف خلق عهد جديد من التكامل العسكري على الصعيد الأوروبي لتدعيم وحدة الإتحاد وجعله أكثر تماسكا في التعامل مع الازمات الدولية، في أعقاب قرار بريطانيا الخروج منه.
وسبق ان اتهم وزير الدفاع الأمريكي، الرئيس الروسي فلاديمير، بأعمال تلحق «أذى» بالآخرين على الصعيد العالمي، مؤكداً أن التزام بلاده حيال حلف شمال الأطلسي ثابت لا يتزعزع. وقال أمام طلاب فى ألمانيا أثناء احتفال بالذكرى السبعين لخطة مارشال لإعادة إعمار أوروبا التي مزقتها الحرب العالمية الثانية، إن روسيا اختارت تحدي نظام «الأمن والسلام» في مرحلة ما بعد الحرب.
وأكد استمرار دعم الولايات المتحدة لتعزيز حلف الأطلسي بمواجهة روسيا في الشرق. وقال، إن ترامب طلب زيادة كبيرة من أجل «مبادرة الاطمئنان الأوروبية»، من 3,4 مليارات دولار العام الماضي 2016 إلى 4,8 مليارات دولار العام الحالي. وأوضح ماتيس، «بعيداً عن أقوال الصحف، يمكنك أن تحكم على أمريكا من خلال هذه الأعمال».
تعزيز التعاون في مجال الأمن والاستخبارات والدفاع
تسعى دول الاتحاد الأوروبي خلال الفترة الحالية الى انعاش الاتحاد واظهاره أكثر تماسكاً، ذلك ، بتعزيز التعاون في مجال سياسات الأمن والاستخبارات والدفاع، لمواجهة تحديات باتت غير تقليدية عبر الجبهة الشرقة إلى جانب تهديدات المقاتلين الأجانب من الداخل وموجات اللاجئين. وفي وقت سابق دعا رئيسا حكومتي المجر وتشيكيا الى انشاء جيش أوروبي مشترك، وذلك خلال لقاء عقداه في وارسو مع المستشارة الالمانية انغيلا ميركل ونظيريهما البولندي والسلوفاكي. وقال رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان “علينا أن نعطي الأولوية للامن والبدء ببناء جيش اوروبي مشترك”. وبدت ميركل موافقة على هذا الطرح إلا أنها اكتفت بالتعليق بشكل عام قائلة “إن الأمن مشكلة أساسية وعلينا أن نقوم معاً بالمزيد في مجالي الأمن والدفاع”.
من جهته دعا رئيس الحكومة التشيكية في وقت سابق إلى الدفاع بشكل أفضل عن حدود منطقة شنغن معتبراً أن المطلوب ليس تعزيز التعاون ضد الارهاب فحسب بل أيضاً “اجراء نقاش حول امكانية انشاء جيش أوروبي مشترك” واتخذت بولندا مضيفة الاجتماع الموقف نفسه.
وطالب زعيم الحزب الحاكم في بولندا ياروسلاف كاتشينسكي بادخال اصلاحات على الإتحاد الأوروبي تمهيداً لانشاء كونفدرالية دول-أمم مع رئيس يكلف بقيادة قوة عسكرية مشتركة قوية. وكرر رئيس الحكومة البولندية المحافظة بياتا سزيدلو أن أوروبا بحاجة لإصلاحات لكي يصبح الاتحاد الاوروبي أكثر قوة وأكثر قابلية للتطور، مطالباً في الوقت نفسه بأن تجعل هذه الإصلاحات الأوروبيين يشعرون “بأنهم أسياد الاتحاد الأوروبي”.
وقالت المستشارة الألمانية السابقة، ميركل في هذا الإطار “أن البريكست ليس حدثاً عادياً، إنه يشكل منعطفاً في تاريح الاتحاد الاوروبي لذلك يتوجب علينا إعداد رد حذر” على هذا التطور. وتتعارض نظرة ألمانيا التي تؤيد قيام أوروبا فيدرالية مع دعوات الأعضاء الجدد لكونفدرالية دول أمم.
ما هي حاجة الاتحاد الأوروبي إلى إنشاء جيش خاص
تطرقت صحيفة “أرغومينتي أي فاكتي” إلى ما يطرحه الخبراء من أن الاتحاد الأوروبي يريد إنشاء جيش خاص به، مشيرة إلى أن دول الاتحاد لا تريد زيادة تمويل قواعد الناتو وعديده.
جاء في مقال الصحيفة: يعتقد الخبراء أن الاتحاد الأوروبي ينوي إنشاء جيش خاص به، لأنه لا يريد تلبية الطلبات بزيادة نسبة تمويل قواعد الناتو وعديد وحداته. كما أفادت صحيفة “تايمز” البريطانية، إلى أن أعضاء الاتحاد قرروا العودة إلى هذا الموضوع بعد قرار بريطانيا الانسحاب من الاتحاد. وقد بادر رئيس الوزراء التشيكي بوغوسلاف سوبوتكا بطرح هذه القضية، التي طرحها قبله سياسيو ألمانيا وإيطاليا.
الناتو في أوروبا
يعتقد خبراء روس أن أحد الأسباب الرئيسة لإنشاء جيش أوروبي، هو مطالبة الناتو بزيادة عديد الوحدات القائمة، التي تتألف في غالبيتها من الأمريكيين، وزيادة تمويلها. وقد برزت فكرة إنشاء جيش خاص بالاتحاد الأوروبي في تسعينيات القرن الماضي بعد تفكك يوغوسلافيا، وعادت إلى الظهور ثانية عام 2015، عندما أعلن رئيس المفوضية الأوروبية جان-كلود يونكر عن حاجة أوروبا إلى جيش خاص بها، كتلميح إلى روسيا بأن القارة العجوز ستبذل كل ما في وسعها لحماية قيمها، مؤكدا أنه آن الأوان لكي تصبح أوروبا قوية، ومشيرا في الوقت نفسه إلى أن هذا الجيش لن ينافس الناتو.
بيد أن هذه الفكرة آلمت الأمريكيين، فقد أعربت مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة عن أسف بلادها لعدم اشتراك مجموعات قتالية أوروبية في المعارك الحربية. وبحسب قولها، فالولايات المتحدة في انتظار إجراءات فعالة من جانب شركائها في أوروبا، للتفاعل مع النزاعات، وزيادة النفقات الحربية والمشاركة في المعارك الخاصة بحماية “المصالح الأمنية المشتركة “. كما ذكرت أن الولايات المتحدة تساهم بحصة الأسد في ميزانية الناتو، الذي يبقى بحسب قولها الضمانة الرئيسة للاستقرار والأمن. ويذكر أن بريطانيا، التي وقفت ضد إنشاء جيش أوروبي، تؤيد وجهة النظر هذه.
و دعاد رئيس وزراء التشيك هذه القضية من جديد. وقال: “لقد أدركت حتى بلدان وسط أوروبا أنه لمواجهة موجات تدفق اللاجئين، فإن من الضروري أن تكون الحدود الداخلية لأوروبا تحت حراسة أفضل. وهذا يعني أننا لن نتمكن من عمل ذلك على المدى البعيد من دون جيش أوروبي”.
أما أليكسي موخين، رئيس مركز المعلومات السياسية، فيعزو بروز فكرة إنشاء جيش ذاتي للاتحاد الأوروبي إلى ضغط الولايات المتحدة على الاتحاد بهدف نشر قواعد جديدة للناتو في الأراضي الأوروبية. ويشير موخين إلى أن الرئيس الامؤيكي السابق “باراك أوباما طلب قبل ترامب من الاتحاد الأوروبي زيادة تمويل القواعد الموجودة في أوروبا. ورداً على هذا بالذات، بدأ الحديث عن إنشاء جيش أوروبي لموازنة قواعد الناتو؛ لأن الأوروبيين يدركون أنه من الأفضل أن تخصص هذه النفقات لجيشهم وليس لجيش غريب، إذ عندما نتحدث عن قواعد الناتو، فإننا نعني القوات الأمريكية، وهذا ما تؤكده قاعدة رامشتاين في ألمانيا”.
ويضيف أليكسي موخين: عندما أصبح واضحاً أن الحضور الأمريكي سيزداد، ما سيتطلب زيادة النفقات المالية، فإن فكرة إنشاء جيش أوروبي ذاتي أصبحت أكثر وضوحاً، ذلك على الرغم من أن تنفيذها يحتاج إلى وقت طويل، و”يظهر لي أن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى 5-10 سنوات لتنفيذ هذه الفكرة. ولكن ليس لديه هذا الوقت”. وبحسب رأيه، فإن إنشاء هذا الجيش سيزيد من اختلال التوازن في الاتحاد.
أما النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الاتحاد فلاديمير جباروف، فيقول: “نحن نعلم أن العمود الفقري لهذا الجيش سيكون ألمانيا. وهذا يثير مخاوف كبيرة، لأن ميركل تدعو إلى وحدة أوروبا. وتعد ألمانيا حالياً المانح الرئيس للاتحاد الأوروبي، حيث تعتمد عليها البلدان كافة، وعندما يظهر الجيش ماذا سيحصل؟ أعتقد أن هذه الفكرة لن تبصر النور، لأن دافعي الضرائب لن يرغبوا بتمويلها”. كما أن الناتو سيعمل من أجل المحافظة على نفوذه في أوروبا.
الخلاصة
إن فكرة إنشاء جيش أوروبي ربما جائت بسبب عدم رغبة وقدرة دول اوروبا من تلبية طلبات واشنطن بتحقيق زيادة تمويل قواعد الناتو وعديد وحداته، تحاول أوروبا من فكرة تشكيل جيش أوروبي هو لسد الثغرات الأمنية، أمام تصاعد تهديدات الجماعات المتطرفة وتنظيم داعش، وكذلك من أجل مسك الحدود الداخلية والخارجية لدول أوروبا. ومن المحتمل أن يشكلاً الجيش الالماني والفرنسي العمود الفقري إلى دول الاتحاد الأوروبي في أعقاب خروج بريطانيا. وتصاعدت رغبة دول أوروبا إلى إنشاء جيش أو قوة موحدة أكثر في أعقاب “الغزو” الروسي إلى أوكرانيا نهاية شهر فبراير 2022.
ما تريده دول أوروبا، هو أن يكون لها دور في النزاعات الإقليمية والدولية، بعد أن أدركت جيداً، أن دورها ضعيف، وأن دورها السياسي، لا يمكن أن يكون قوياً بدون وجود قوة عسكرية وأمنية داعمة إلى القرار الأوروبي.
رابط تحديث يوم 02.09.2021 ..https://www.europarabct.com/?p=77138
رابط تحديث يوم 26.03.2022 https://www.europarabct.com/?p=80795
*حقوق النشر محفوظة للمركز الاوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات