المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا و هولندا
إعداد : الدكتور فريد لخنش ـ باحث في التطرف
ترك خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتاريخ 02/10/ 2020 حول وضعية المسلمين وجماعات الإسلام السياسي في فرنسا انطباعات وردود أفعال كثيرة، حيث جاء في ثنايا هذا الخطاب إشارة واضحة لتعرض الدين الإسلامي حول العالم لأزمة حادة، وهذا ما اعتبره العديد من المحللين بمثابة خلط بين الدين وبين مختلف الجماعات التي تتخذه واجهة لها. وفي خضم ذلك زادت إدارة الرئيس الفرنسي من وتيرة الإجراءات لمواجهة تيار “الإسلام السياسي” في الداخل والخارج، خاصة تجاه “جماعة الإخوان المسلمين بفرنسا إثر قرار حلّ “التجمع المناهض للإسلاموفوبيا”، وثلاث منظمات أخرى مقربة منها.
تكوين الأئمة في فرنسا
كنبذة موجزة عن بعض المعاهد الإسلامية بفرنسا نجد في منطقة مورفان في الوسط الشرقي للبلاد واحدة من كليات العلوم الإسلامية القليلة تقوم بتدريب رجال دين مسلمين “على الطريقة الفرنسية”، وفق منهج ينوي الرئيس إيمانويل ماكرون تطويره بناءا على فكرة أن “الدراسة في فرنسا أساسية لمكافحة التطرف” حيث رأى عميد المعهد العربي أن “الإمام الذي سيعمل في فرنسا عليه الدراسة في فرنسا”، معتبرا أن الأئمة الأجانب هم من “خارج السرب”.
ويضم حوالي 2500 مسجد و300 إمام “معار” من تركيا والمغرب والجزائر. كما أشار إلى أنه قد حان الوقت لأن يقترح رئيس الجمهورية إطارا رسميا لتدريب الأئمة” متمنيا أن يكون معهده من ضمن المعاهد التي ستحصل على ترخيص. ومن أجل ذلك، يؤكد العميد على “استقلالية” المعهد” مثلما أكد عدم خوض المعهد بمجال السياسة منذ أن تأسس في سنة 1992 “ببادرة ” من اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، والاتحاد هذا الذي غير اسمه إلى “مسلمو فرنسا”، منبثق عن جماعة الإخوان المسلمين، التي صنفتها السعودية ضمن لائحة “الإرهاب”.
أقرَّ المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية” (CFCM)، في يناير 2020، ما يُعرف بـ”ميثاق الأئمة”، الذي يضع إطاراً لممثلي الاتحادات الإسلامية الفرنسية لتحويل الإسلام في فرنسا إلى “إسلام فرنسي”، بناءً على طلب من الرئيس إيمانويل ماكرون. وبناءً على رغبات الرئيس الفرنسي، فإن هذا الميثاق يجب أن يسير بالتوازي مع إنشاء ما يُعرف بـ”المجلس الوطني للأئمة” (CNI)، وهو المجلس الذي سيُمنح حصرياً المسؤولية عن تدريب الأئمة وشهاداتهم وتعيين مدى انصياعهم وتوافق اتجاهاتهم مع الميثاق.
وبخصوص عملية وقف جلب الأئمة من خارج فرنسا في سنة 2020، فقد أنهت السلطات اتفاقات مع المغرب والجزائر وتركيا كان يأتي بموجبها المئات من الأئمة سنوياً إلى فرنسا للقيام على شؤون المساجد. إذ يوجد نحو 151 إماماً من تركيا، فيما يوجد 120 إماماً من الجزائر، و30 من المغرب. مكافحة الأرهاب فى فرنسا ..المقاتلين الاجانب داخل تنظيم داعش
في المقابل، يتجه الرئيس ماكرون بالاتفاق مع مجلس الديانة الإسلامية نحو إنشاء “مجلس وطني للأئمة” تكون مهمته منح الاعتمادات للأئمة والدعاة وتدريبهم.
“ميثاق قيم الجمهورية”
أشارت الباحثة الألمانية Andreas Noll في إحدى مقالاتها بتاريخ 09/12/2020 حول تأهيل أئمة المساجد في فرنسا بأن هذه الأخيرة تراهن على تأهيل وتكوين الأئمة مستقبلا داخل البلاد، ومنع استقدامهم من دول أخرى مثل تركيا والمغرب والجزائر. و”مجلس الأئمة” الوطني سيتولى مسؤولية اختيار وتأهيل وتكوين الأئمة. حيث منح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون 14 يوما للمجلس الإسلامي الفرنسي من أجل تبني “ميثاق قيم الجمهورية”. وبموجبه يعترف اتحاد المنظمات الإسلامية بقيم الجمهورية وأن الإسلام في فرنسا يشكل دينا وليس حركة سياسية ويعلن نهاية التدخل من الخارج. كما يُتوقع إنشاء “مجلس وطني للأئمة” لاختيار وتكوين الأئمة في فرنسا.
أكد رئيس مؤتمر أئمة فرنسا، في حديث لـ “سكاي نيوز عربية”، بأن السياسة الفرنسية الجديدة في مواجهة التيارات المتطرفة وجماعة الإخوان، رغم تأخرها بسنوات عديدة، إلا أنني لا أعتقد أنها ستتوقف عند بعض الإجراءات الإدارية، وإنما ستتواصل في اتجاه مكافحة التمويلات المشبوهة لهذه المجموعات وقطع الولاءات الأجنبية لها تماماً.
وإبداءً لانتقاده، يُحيل الإمام إلى قانون عام 1905 الخاص بفصل الكنيسة عن الدولة، أو تبني العلمانية، والذي يضمن التحرر من تدخُّل الدولة في الشؤون الدينية، ما نصه: “يتعين على الدولة ليس فقط واجب ضمان الحرية الدينية، لكن أيضاً واجب الامتناع عن التدخل في الشؤون الدينية لمواطنيها”.
أبدا أحد المعنيين بهذه القضية ذاتها قلقه مؤكدا بأنه في حال وجدت شخصيات دينية تحرض على الكراهية فيمكن التعامل معها بالقانون كقانون بلفن لعام 1972، كما يتوجب على الحكومة الفرنسية الاعتراف بمشكلتها نحو الإسلام نفسه، في حين أنَّ ربط الدين الإسلامي بأعمال انفصالية أو إرهابية غير جائز تماما.
يبدوا أن هذا الميثاق قد جاء لتحقيق أهداف سياسية لا غير وللتحكم في المسلمين في فرنسا بغض النظر عن جنسياتهم سواء أكانت عربية أم فرنسية، وبالتالي هي محاولة لتشتيت وإثارة الرأي العام في ظل الانتخابات الرئاسية القادمة في مايو 2022، ومن جهة أخرى لتغطية عجز الحكومة الفرنسية عن حل بعض الأزمات الكبرى العالقة. مكافحة الإرهاب في فرنسا ـ قوانين و إجراءات جديدة ، عام 2020
وقف التمويل الخارجي للمساجد
اتهم وزير الداخلية الفرنسي “جيرالد دارمانان” يوم 25/03/2021 رئيسة بلدية مدينة ستراسبورغ شرق فرنسا “بتمويل تدخل أجنبي على الأراضي الفرنسية” على خلفية موافقتها على تقديم مساهمة مالية لبناء جامع تقف خلفه جمعية إسلامية موالية لتركيا. وعلى إثر ذلك نفت رئيسة بلدية ستراسبورغ في رسالة إلى الرئيس إيمانويل ماكرون أن تكون قد تلقت أي تحذير من أجهزة الدولة بخصوص هذا المسجد. وتابعت “إذا كان الأمر يتعلق بتدخل أجنبي على الأراضي الفرنسية، فهذا أمر يخص الدولة والحكومة، لذلك من واجب الدولة أن تتحمل مسؤولياتها وأن تتشارك المعلومات التي بحوزتها مع المسؤولين المنتخبين المحليين”.
التقييم
أجد أن الرد الأخير المشار إليه والذي أدلت به رئيسة بلدية ستراسبورغ ما هو إلا دليل على عدم وجود تنسيق محكم من طرف الحكومة مع جميع رؤساء البلديات في فرنسا، وهذا ما يثير تساؤلات عديدة حول مدى تواصل الحكومة الفرنسية مع المنتخبين المحليين. فليس من المنطقي أن يتهم وزير الداخلية رئيسة بلدية ستراسبورغ بالسماح بتقديم دعم مالي من جمعية إسلامية موالية لتركيا في ظل عدم مشاركتها للمعلومات هذا يعتبر أمرا غريبا جدا، ليس هذا فحسب بل أن رئيسة البلدية قد ذكرت بأن مشروع بناء المسجد يعود إلى “حوالي عشر سنوات” وأن وضع الحجر الأساس تم في 2017 “بحضور سلفها “رولان ريس” والمحافظ “ممثل الدولة” جان-لوك ماركس، وعدد من البرلمانيين”.
رابط مختصر …https://www.europarabct.com/?p=75379
* حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
الهوامش
شاهد: معهد فرنسي لتكوين الأئمة في إطار العلمانية وحرية التعبير
إسلام على طريقة ماكرون.. “ميثاق الأئمة” يُفاقم المخاوف من سيطرة الدولة على الإسلام في فرنسا
فرنسا: وزير الداخلية يعتبر مساهمة البلدية في بناء مسجد بستراسبورغ “تمويل تدخل أجنبي”