المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا و هولندا ECCI
إعداد : جاسم محمد ، باحث في الأمن الدولي والإرهاب ـ بون
الإنسحاب الأميركي السريع وغير المنظم من أفغانستان ، .وسيطرة كابول على البلاد يوم 16 أغسطس 2021 يدفع هذا البلد الى “الفوضى الخلاقة” وحرب مدمرة كارثية، لها انعكاسات امنية وجيوسياسية أقليميا ودوليا من شانها تخلق تحولات سياسية جديدة. لم تتمكن سياسة التدخل الغربي من تحقيق سوى القليل من أهدافها وما تم التخطيط له، ليس في أفغانستان فقط، وإنما في العراق وليبيا أيضا . ان أفغانستان ليست المكان الوحيد الذي فشلت فيه التدخلات الغربية في تحقيق الأهداف التي خُطط لها. العراق أيضاً يعد أرض الآمال الفاشلة،على الأقل عند مقارنة الوضع الحالي مع التوقعات المعلنة إبان الغزو الأمريكي عام 2003. في ليبيا أيضاً، لم تتحقق الآمال بعد الإطاحة بمعمر القذافي بدعم من حلف شمال الأطلسي.
ووفق مركز “ستراتفور” فإنه بصرف النظر عن الاستفادة الميدانية من توسيع النفوذ على الأرض، فإن المكاسب الإقليمية تمنح طالبان أوراق مساومة استراتيجية لكسب المزيد من النفوذ في المفاوضات المستقبلية مع الحكومة الأفغانية. ويبدو أن الزحف السريع لقوات طالبان باغث القوات الدولية. فمع إعلان وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إرسال جنود مجددا، تذكر العالم الصورة التي خلدت هزيمة الولايات المتحدة الهزيمة الأمريكية في فيتنام ويظهر فيها لاجئون يستقلون مروحية على سطح أحد المباني.
كشف تقرير صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في يونيو 2021 تدهوراً حاداً في الوضع الأمني في أفغانستان ، تميز بزيادة الهجمات الإرهابية البارزة ، ووجود ما يصل إلى 10000 مقاتل أجنبي ، فضلاً عن ما يقدر بنحو 2000 مقاتل إسلامي أو نحو ذلك ، ولاية خراسان. حسب رأي، دانيال بايمان، الخبير الأمريكي في شؤون الشرق الأوسط والإرهاب. أن إجراءات مناهضة الإرهاب ستصبح أصعب بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان. ولكنه يستبعد أن تعود أفغانستان ملاذا للتنظيمات الجهادية العالمية. وذلك لأسباب عديدة: فالقاعدة فقدت الكثير من قوتها السابقة، وتنظيم “داعش” عدو طالبان.
دعا الاتحاد الأوروبي الولايات المتحدة خلال قمة لمجموعة السبع عبر الإنترنت إلى ضمان أمن مطار كابول “ما دام ذلك ضروريا” من أجل “استكمال” عمليات إجلاء أفغان تتم حاليا. وأعلن رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال أن قادة الاتحاد طلبوا من “أصدقائهم الأميركيين ضمان أمن المطار ما دام ذلك ضروريا”، و”ضمان وصول عادل ومنصف إلى المطار” لجميع الأفغان المؤهلين لإجلائهم، في وقت تعتزم واشنطن سحب قواتها من أفغانستان بالكامل بحلول 31 أغسطس 2021.
قال رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، يوم 24 أغسطس 2021″طالبنا الولايات المتحدة بتأمين الوصول إلى المطار على أسس عادلة”. وتابع “ندعم الجهود الهادفة إلى إيجاد حل سياسي شامل في أفغانستان”، مضيفاً “مستعدون لمواصلة الدعم الإنساني بشرط احترام حقوق الإنسان من بينها حقوق المرأة”. كما أضاف: “يجب أن لا تتحول الأزمة إلى سوق سوداء لتهريب المهاجرين الأفغان إلى الاتحاد”.وكان ممثل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل قد وصف قبل أيام، تطور الوضع في أفغانستان بأنه “كارثة وكابوس”. وقال في كلمة أمام البرلمان الأوروبي، إن عدم توقع عودة طالبان للسلطة ينم عن فشل المخابرات. وقال اريك مامير المتحدث الرسمي باسم المفوضية الأوروبية أنه لم يتم التواصل مع الحركة على المستوى السياسي، لكن هناك تواصل على المستوى الميداني.
أعلنت الرئاسة الفرنسية،يوم 24 أغسطس 2021، أن مجموعة السبع وباريس على وجه الخصوص وضعت على رأس أولوياتها قطع العلاقات بين طالبان والمنظمات الإرهابية بالكامل ومشاركة الحركة في الحرب على الإرهاب.جاء ذلك، بعدما أعلن قادة مجموعة السبع أن حركة طالبان ستحاسب على أفعالها على صعيد مكافحة الإرهاب و(حماية) حقوق الإنسان وخصوصا حقوق النساء”، في بيان صدر في ختام قمتهم عبر الإنترنت. وشدد القادة السبعة على أن أفغانستان “يجب ألا تعود أبدا ملاذا آمنا للإرهاب ومصدر هجمات إرهابية” على بلدان أخرى.
وفي هذا السياق، نبه جنرال ألماني يوم 24 أغسطس 2021 إلى وجود خطر متزايد من وقوع هجمات انتحارية ينفذها مقاتلو تنظيم داعش الذين يتسللون إلى كابل، بينما تسارع الدول الغربية بإجلاء مواطنيها والعاملين المحليين من أفغانستان قبل انقضاء المهلة المحددة في 31 أغسطس.وقال المفتش العام للجيش إبرهارد تسورن للصحافيين في برلين، بحسب ما نقلت رويترز إن “الوضع الأمني آخذ في التدهور”.
ترحيب الجماعات المتطرفة بعودة طالبان
أصدرت عدة جماعات إرهابية أخرى مرتبطة بالقاعدة بيانات بشأن انتصار طالبان في أفغانستان بعد سيطرة الجماعة الإسلامية المتشددة على كابول.عادت المنطقة إلى المربع الأول لأفغانستان حيث أشادت القاعدة في شبه الجزيرة العربية بجماعة طالبان الإرهابية لاستيلائها على كابول بالقوة العسكرية بعد طرد القوات الأمريكية وحكومة أشرف غني. وهنأ التنظيم في بيان له جماعة البشتون السنية على انتصارها وتحرير البلاد.وأصدرت عدة جماعات إرهابية أخرى مرتبطة بالقاعدة بيانات بشأن انتصار طالبان في أفغانستان بعد سيطرة الجماعة الإسلامية المتشددة على كابول منتصف شهر أغسطس 2021. هيئة تحرير الشام في سوريا ، التي تعتبر طالبان مصدر إلهام للصمود.
وأصدر الحزب الإسلامي التركستاني (TIP) ومقره في غرب الصين بيانًا يهنئ فيه طالبان على تنظيم “الدولة الإسلامية” في أفغانستان. وقارنت هيئة تحرير الشام ، وهي أقوى فصيل في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في شمال غرب سوريا ، سيطرة طالبان على جزء كبير من أفغانستان بالفتوحات الإسلامية المبكرة. وقالت هيئة تحرير الشام في بيان أصدرته في اعقاب سيطرة طالبان : “مهما طال الوقت ، سينتصر البر”. “المحتلون لا يدومون في الأراضي المغتصبة مهما أضروا بشعبها”.
طالبان و ولاية خراسان ـ التنافس والمواجهة في أفغانستان ـ طالبان
الجدل مازال قائما حول طبيعة العلاقة مابين طالبان و ” ولاية خراسان ـ داعش” شرق افغانستان، اي هل ستكون هناك عمليات لولاية خراسان ضد طالبان في أعقاب سيطرة الحركة على أفغانستان ؟ بدون شك تبقى المنافسة قائمة واحتمال تنفيذ ولاية خراسان عمليات إرهابية، لكن يبقى احتمال ايجاد تفاهمات او مهادنة قائمة في أعقاب سيطرة طالبان على أفغانستان.
قال مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان اليوم 20 أغسطس 2021، : “تركز بشدة” على احتمال شن جماعة مثل ولاية خراسان، التابعة لتنظيم داعش هجوما إرهابيا في أفغانستان. وتناصب الجماعة العداء لطالبان التي استولت على السلطة في أفغانستان منتصف شهر أغسطس 2021. وأضاف سوليفان إن إخراج الأميركيين من أفغانستان “عملية محفوفة بالمخاطر” بالنظر إلى الأسئلة المتعلقة بما إذا كانت طالبان ستواصل السماح بالمرور الآمن إلى المطار وحالات طارئة أخرى مثل هجوم محتمل من جماعة متشددة مثل ولاية خراسان.
هاجمت ولاية خراسان التابعة لتنظيم داعش، حركة طالبان في أفغانستان، ووصفتها بأنها “مرتدة”، معتبرة أن محادثات السلام في العاصمة القطرية الدوحة حولتها من “مقاتلين” إلى “مفاوضين”، وأن ذلك يمثل “هزيمة”. واتهم تنظيم داعش في مجلته “النبأ” في العدد الصادر يوم 19 أغسطس 2021، حركة طالبان بأنها كانت تقيم الشريعة “ناقصة” قبل الغزو الأمريكي. واعتبر أن ما حصل من انتصار لطالبان، إنما هو باتفاق مع أمريكا، وأن واشنطن منحت البلاد للحركة، محذرا من “نموذج طالبان الجديد”.
ولاية خراسان ـ طالبان
تأسست من قبل مجموعة من المسلحين والمنشقين عن حركة طالبان باكستان (يُعرفون أيضاً باسم طالبان البنجاب) وطالبان أفغانستان في عام 2015. وتشمل “ولاية خراسان” حسب ادبياتهم كل من أفغانستان وأجزاء من باكستان وإيران وأزبكستان وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان، لكن التنظيم لا يزال يُعرف باسم “داعش” في أفغانستان. انضم إلى هذا التنظيم الكثير من السلفيين المختلفين مع قادة طالبان، ويهدف التنظيم إلى محاربة جميع الحركات المسلحة في “ولاية خراسان” مثل طالبان والقاعدة، إلى جانب حكومات المنطقة. وتشمل “ولاية خراسان” كل من أفغانستان وأجزاء من باكستان وإيران وأزبكستان وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان، لكن التنظيم لا يزال يُعرف باسم “داعش” في أفغانستان.
اعتقلت قوات الأمن الأفغانية، مطلع شهر ابريل 2020 زعيم فرع تنظيم داعش بولاية خراسان في أفغانستان، إسلام فاروق المعروف أيضا باسم عبد الله أوراكزاي أثناء “عملية معقدة”، وكثف الفرع الأفغاني لتنظيم داعش اعتداءاته في العاصمة الأفغانية، وغالبا ما يستهدف الأقليات الدينية. ويواجه الفرع منذ بضعة أشهر عمليات تشنها القوات الأميركية من جهة، وحركة طالبان من جهة أخرى.
يعتبر فرع ولاية “خراسان” بانه واحدًا من أقوى فروع تنظيم “داعش”، لما يتمتع به من قدرة على الانتشار والتمدد، خاصة في المناطق القبلية الباكستانية وولاية “ننجرهار”، وبعض مناطق ولاية “كونر”؛ حيث يحكم سيطرته على عدد من المناطق، ويفرض فيها قوانينه الصارمة ويتميز تنظيم “ولاية خراسان” باحترافية مقاتليه، وامتلاكهم خبرة عسكرية وتنظيمية عالية، نظرًا إلى أن معظمهم كانوا أعضاء سابقين في حركة “طالبان”، قبل أن ينشقوا عنها ويباعوا “داعش”.
وكان هناك تزايدًا ملحوظًا في انتقال المقاتلين الذين ينتمون لتنظيم “داعش” إلى أفغانستان من أجل الانضمام لما يسمى بـ”ولاية خراسان”، وذلك بالتزامن مع الهزائم القوية التي تعرض لها التنظيم في كل من العراق وسوريا عام 2017 . وقد وصل عناصر داعش إلى أفغانستان بعد أن شاركوا في المواجهات المسلحة التي انخرط فيها التنظيم داخل كل من سوريا والعراق، حيث أقام التنظيم معسكرًا خاصًا لهم جنوب غربى ولاية جوزجان، وذلك لمواصلة تدريباتهم وإكسابهم خبرة المشاركة في العمليات التي يقوم التنظيم بتنفيذها في أفغانستان.
شبكة حقاني
اسس الشبكة جلال الدين حقاني الذي حارب الغزو السوفياتي لبلاده في ثمانينيات القرن الماضي. آنذاك كانت تعتبره وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) شخصية مهمة فيما كانت الولايات المتحدة وباكستان تقومان بمد “المجاهدين” بالأسلحة والأموال. خلال ذلك النزاع وعقب الانسحاب السوفياتي، أقام جلال الدين حقاني علاقات وثيقة مع جهاديين عرب من بينهم أسامة بن لادن. تحالف فيما بعد مع طالبان التي سيطرت على أفغانستان في 1996 وشغل منصب وزير في نظام طالبان حتى الإطاحة بالحركة في الغزو الأميركي في 2001.
أعلنت طالبان وفاة جلال الدين حقاني بعد صراع طويل مع المرض في 2018، وتولى نجله سراج الدين قيادة الشبكة. مقاتلو حقاني معروفون باستقلاليتهم ومهاراتهم القتالية وصفقاتهم المربحة، مع بقائهم ضمن حركة طالبان. معقلهم في شرق أفغانستان مع قواعد مفترضة على طول الحدود في شمال غرب باكستان. عُرفت الشبكة بشكل أكبر ضمن قيادة طالبان في السنوات القليلة الماضية، وتم تعيين سراج الدين حقاني نائبا لزعيم الحركة في 2015.
طالبان
نشأت طالبان في أوائل التسعينيات، وبرز نجمها في عام 1994، في شمالي باكستان، عقب انسحاب قوات الاتحاد السوفيتي السابق من أفغانستان. بدأت الحركة في الظهور لأول مرة في المعاهد الدينية التي تتبنى نهجاً دينياً محافظاً في باكستان، والتي تُمول في الغالب من مصادر خارجية غير مصرح بها. وصلت طالبان إلى السلطة في أفغانستان في منتصف التسعينيات وحتى عام 2001 . وتولى زعامتها الملا عمر، وخلّفه الملا منصور، الذي قتل في غارة أمريكية عام 2016 ليحل محله نائبه المولوي هبة الله أخوند زاده، المعروف بتشدده أيضاً. وتعتمد طالبان في تبرير ممارساتهما العنيفة، على مرجعيات ومؤلّفات رجال دين متشددين أمثال ابن تيمية، عن طريق الأخذ بالقصص والأحاديث التي تُنسب إلى بداية التاريخ الإسلامي.
يعتبر تنظيم داعش، تنظيم توسعي وعابر للحدود بينما طالبان حركة إقليمية ليس لها أي نشاطات خارج منطقة تواجد البشتون الذين يشكلون غالبية أعضاء الحركة. وتركز الحركة على مناطق وجغرافيا معينة، مثل باكستان وأفغانستان، فهي ذات توجه قبلي منذ نشأتها. لكن داعش يرى أن ألدّ خصومه هم أعداء الداخل قبل الخارج. وصنفت الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى، تنظيم الدولة ضمن قائمة الإرهاب، في حين لم تُصنف طالبان كحركة إرهابية. ولا تزال “ولاية خراسان” تتوعد منافستها طالبان، وغيرها من الجماعات المسلحة في المنطقة بفعل المزيد.
تنظيم القاعدة في أفغانستان
نشأ تنظيم القاعدة في أفغانستان من بين المجاهدين والمقاتلين العرب ، مثل بن لادن ، السعودي ، الذين استلهموا الجهاد ، أو الحرب المقدسة ، ضد احتلال الاتحاد السوفيتي في الثمانينيات. بعد عقد من الزمان ، عندما بدأت الحكومات في العالم العربي في معاملة بن لادن على أنه منبوذ ، عاد إلى أفغانستان. منحته طالبان الملاذ بينما كانت شبكته الإرهابية تخطط لهجمات مميتة ضد المصالح الأمريكية ، بما في ذلك سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا ، ويو إس إس كول أثناء إعادة تزويدها بالوقود في ميناء عدن اليمني ، وهجمات 11 سبتمبر.
عودة طالبان بالسيطرة على افغانستان من جديد منتصف شهر أغسطس 2021 يثير مخاوف من أن القاعدة قد تعيد تجميع نفسها مسؤولون غربيون يحذرون من أن أفغانستان تخاطر بأن تصبح نقطة جذب لها المقاتلين الأجانب مرة أخرى. قبل عقدين من الزمان ، كان رفض طالبان تسليم أسامة بن لادن ورفاقه من قادة القاعدة بمثابة مبرر للرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش لإطلاق عاصفة من أفغانستان بقيادة الولايات المتحدة.
الآن ، مع عودة طالبان في أعقاب الانسحاب الأمريكي ، يخشى مسؤولو المخابرات والدفاع الغربيون أن تستغل القاعدة الوضع لإعادة تجميع صفوفها ، مما يزيد من خطر أن تصبح أفغانستان مرة أخرى مركزًا لتجنيد وتدريب الإسلاميين. المتطرفين. أعرب مسؤولو المخابرات الأوروبية عن قلقهم من أن تصبح أفغانستان مرة أخرى نقطة جذب للمقاتلين الأجانب ، بما في ذلك المتطرفون من أوروبا. متحدثًا بينما كانت الولايات المتحدة تستعد لانسحاب قواتها ، تساءل أحد المسؤولين عما إذا كانت حكومة طالبان “لديها الإرادة أو القدرة” لردع الجهاديين المحتملين الذين يقيمون معسكرًا في البلاد.
كتب سيث جونز ، مؤلف كتاب “في مقبرة الإمبراطوريات” ، في صحيفة وول ستريت جورنال أن القاعدة والطالبان مع ذلك يبدوان أخوين في السلاح والأيديولوجيا. يكتب جونز أن “طالبان والقاعدة تتمتعان بعلاقات شخصية طويلة الأمد ، وتزاوجًا مختلطًا ، وتاريخًا مشتركًا من النضال والأيديولوجيات المتعاطفة ، وقد تعهد قادة القاعدة بالولاء لكل زعيم من قادة طالبان منذ تأسيس الجماعة”. ومن المرجح جدا ان تبقى العلاقة مابين القاعدة وطالبان، مهما كانت التحديات، وحسب ادموند فيتون براون، رئيس بعثة الأمم المتحدة لمراقبة المجموعات الإرهابية “داعش” والقاعدة. وقال براون في أكتوبر 2020 “نعتقد أن قيادة تنظيم القاعدة لا تزال تحت حماية حركة طالبان”.
حزب الله
لقد ألهم استيلاء طالبان وانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان ما يسمى بـ “المقاومة” والجماعات الجهادية في جميع أنحاء المنطقة. قال حسن نصر الله ، الأمين العام لحزب الله في لبنان ،في اعقاب سيطرة طالبان على افغانستان : “مع هزيمة الولايات المتحدة في أفغانستان ، تتجه الأنظار الآن إلى الاحتلال الأمريكي للعراق وسوريا. … يجب على العراقيين أيضًا أن يلقيوا نظرة في التجربة الأفغانية وإعادة النظر في موضوع [وجود] المستشارين الأمريكيين وقوات التدريب “.
حماس : أصدرت حماس بيانا جاء فيه أن “انتهاء الاحتلال الأمريكي وحلفائها دليل على أن المقاومة الشعبية ، وعلى رأسها شعبنا الفلسطيني المسلح ، ستنتصر وتحقق أهداف الحرية والعودة”.
الحوثيين : اعتبرت جماعة أنصار الإسلام ، المعروفة أيضًا باسم الحوثيين ، انسحاب الولايات المتحدة علامة محتملة على قوة اليد في إحكام السيطرة في اليمن.
إيران
بعد أن سقطت عاصمة طالبان السابقة مرة أخرى في يد طالبان في 12 أغسطس2021 ، ورد أن الرجل عندما استولت طالبان على معبر إسلام قلعة الحدودي الرئيسي في أفغانستان مع إيران في 9 يوليو 2021، افادت الشهادات من هناك ، أن المسؤولين الإيرانيين على الجانب الآخر رحبوا بهم. عندما بدا في 6 أغسطس 2021 أن عاصمة مقاطعة نمروز في غرب أفغانستان كانت على وشك السقوط وهرع العديد من أولئك الذين يخشون طالبان نحو الحدود للفرار ، ورد أن المسؤولين الإيرانيين رفضوا بدلاً من ذلك دخول معظم الفارين.
إيران لديها تاريخ طويل في استضافة أعضاء القاعدة وزعماء طالبان على حد سواء. كما ذكرت فورين بوليسي في وقت سابق، “قُتل زعيم طالبان الملا أختار محمد منصور في باكستان على يد طائرة أمريكية بدون طيار بعد مغادرته إيران ، حيث تعيش عائلته.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إن الملا منصور كان يسافر بانتظام وبحرية من وإلى إيران “. قالت عدة مصادر تحدثت إليها على الأرض في جميع أنحاء البلاد خلال رحلة صحفية استغرقت شهرًا بين يوليو وأغسطس من هذا العام 2021 . أن إيران لعبت دورًا رئيسيًا في الصراع. بعض التحقيقات والتقارير الاستقصائية كشفت عن وجود اسلحة إيرانية في أيدي مقاتلي طالبان القتلى في المنطقة أنهم تلقوا معلومات عن مقاتلين إيرانيين يعملون في مقاطعات نمروز وهيرات وهلمند .
تحالف الشمال ـ أقليم بانشير
منطقة “وادي بانشير” والتي تعني “وادي الخمسة أسود” كان لها دائما دور حاسم في المقاومة فموقعها الجغرافي يعزلها عن باقي أفغانستان، إذ لا يمكن الوصول إليها إلا عبر ممر ضيق شقه نهر بانشير. ومن الناحية العسكرية، الدفاع عن هذا الممر سهل.وأغلبية سكان المنطقة البالغ عددهم 150 ألفا، هم من الطاجيك، في حين أن أغلبية طالبان من البشتون. كما أن المنطقة معروفة بالزمرد الذي كان دائما مصدرا لتمويل المقاومة. وحتى قبل سيطرة طالبان على السلطة كانت تتمتع ولاية “بنجشير” بالكثير من الاستقلالية عن الحكومة المركزية في كابول.
دافعت “بنجشير” عن استقلالها أثناء التدخل السوفياتي (1980-1985) وفي إبان حكم طالبان (1996 – 2001). وفي فترة تواجد قوات الناتو والحكومة المدعومة من الغرب (2001 – 2021) كانت منطقة وادي بنجشير الأكثر أمنا في أفغانستان.
أعلنت حركة طالبان يوم أغسطس 2021 شن هجوم واسع النطاق على وادي بانشير، المنطقة الوحيدة التي لا تزال خارج سيطرتها في أفغانستان فيما أعلنت حركة طالبان شن هجوم واسع على وادي بانشير، آخر منطقة خارج سيطرتها في أفغانستان، أكد قائد “جبهة المقاومة الوطنية” في بانشير، أحمد مسعود، إنه يأمل في إجراء محادثات مع الحركة، لكنه أكد أن قواته “مستعدة للقتال. ودعا مسعود إلى تشكيل حكومة شاملة ذات قاعدة عريضة في كابول تمثل كل الطوائف العرقية المختلفة في أفغانستان
عادت حركة طالبان إلى السلطة بعد عشرين عاما من الإطاحة بها، وبسطت سيطرتها على أفغانستان، باستثناء منطقة “وادي بانشير” التي تبعد حوالي 150 كيلومترا شمال شرقي كابول، حيث انسحب إلى هناك وزير الدفاع، باسم الله محمدي ونائب الرئيس أمر الله صالح. والذي يقول إنه “الرئيس الشرعي المؤقت” بعد هروب الرئيس أشرف غني. وجاء في تغريدة لصالح: “لن أخضع أبدا وفي أي ظرف كان لطالبان الإرهابية. ولن أخون أبدا ضميري وإرث قائدي والزعيم البطل أحمد شاه سعود”.
النتائج
ـ سيطرت طالبان على الارض في أفغانستان في اعقاب تقدمها السريع، وفرضت سيطرتها على، كابول العاصمة الافغانية ، وربما كان تحركها في احتلال العاصمة وفرض سيطرتها خارج تقديرات الادارة الاميركية والاستخبارات، وهذا ما وضع بايدن والقوات الاميركية في وضع حرج. غير مستبعد ان الرئيس بايدن قد وقع مع طالبان في الدوحة اتفاق الانسحاب المنظم وتسليم السلطة، لكن طالبان لم تفي بوعودها واجتاحت افغانستان بالكامل.
ـ إن بايدن لم يستمع من قبل الى نصيحة الإستخبارات المركزية ولا البنتاغون، التي حذرت من سيطرة طالبان على الارض في غضون ثلاثة اشهر. وهذا مايثير الكثير من التكهنات حول اهداف الانسحاب الاميركي السريع من افغانستان وهو :
هل يهدف بايدن الى “خلق” بؤرة توتر في افغانستان من شأنها ان تستقطب الإرهاب من جديد على غرار ماحصل في سوريا، و “جر” روسيا والصين الى أفغانستان؟
غير ذلك ممكن ان تكون حسابات الرئيس الاميركي بايدن، بانه يريد اعادة توزيع القوات الاميركية، وتقويض النفوذ الروسي والصيني في مناطق أخرى.
ـ بات من المرجح أكثر من أي وقت مضى، أن يعود الوضع في أفغانستان للمربع الأول، وكأن القوات الدولية، بزعامة حلف الناتو، لم تحقق أيا من أهدافها، في سيناريو رهيب مفتوح على كل الاحتمالات، أبرزها تأسيس دولة خلافة متشددة ونزوح مئات الآلاف من اللاجئين وفتح صفحة جديدة من حرب أهلية طويلة الأمد سيكون المدنيون، كالعادة، أول من سيؤدي فاتورتها. ومن المرجح أن يؤدي تدهور الوضع الأمني في أفغانستان إلى اندلاع حرب أهلية فوضوية في أقل من ستة أشهر بعد انسحاب القوات الأجنبية.
ـ إن أفغانستان ستترك لمصيرها، اي انه من المستبعد جدا ان يكون هناك تدخلا عسكريا جديدا في أفغانستان من قبل الولايات المتحدة او الناتو او أوروبا، بسبب النتائج الكارثية، ومسك طالبان للارض.
ـ إن التطورات السريعة في أفغانستان من شأنه ان يعمل تحولات جديدة في السياسات الدولية وتوزيع القوى اقليميا، في آسيا الوسطى وجنوب اسيا.
ـ ستكون هناك موجة جديدة من اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين الى دول أوروبا، في اعقاب تقدم طالبان في افغانستان وسيطرتها الميدانية، وهذا يعني ان الاتحاد الأوروبي سوف يعيش حالة تأهب وانذار عن الحدود الخارجية، ناهيك عن الضغوطات التي ممكن ان تمارسها ادارة بايدن على أوروبا وحلفائها من أجل استقبال اللاجئين الافغان، خاصة من عمل مع القوات الاميركية في افغانستان.
ـ هناك تناقض واضح مابين مطالب القوات الاميركية في افغانستان والواقع السياسي، وهذا يعني ان الولايات المتحدة قد فشلت في تكوين نظام سياسي ناجح في افغانستان، بعد أكثر من عشرين عاما، وهذا مايثير التكهنات حول الدور الاميركي في “دعم الديمقراطيات والتغيير” التي باتت مفتوحة على الفوضى: ابرزها العراق وليبيا والصومال وليبيا.
ـ إنزلاق أفغانستان إلى حرب أهلية طويلة بعد انسحاب القوات الأمريكية ، ومايرجح ذلك، هو تراجع القوات الحكومية الافغانية، واعتمادها اسلوب تسليح المدنيين الافغان لمواجهة خطر طالبان، وهذا ما يشعل فتيل الحرب الاهلية داخل أفغانستان.
ـ عودة تنظيم القاعدة والجماعات “الجهادية” المتطرفة الى افغانستان وبضمنها تنظيم داعش، باعتبار طالبان ” مظلة الجماعات الجهادية، وممكن ان تنظلق من افغانستان عمليات إرهابية دوليا واقليميا، مع تدخل اطراف اقليمية ودولية في المشهد الافغاني خاصة ايران وباكستان وتركيا .
ـ بات متوقعا ان تشهد دول اسيا الوسطى، المجاورة الى أفغانستان تسرب الى الجماعات المتطرفة مثل كازاخستان وقرغيستان وطاجيكستان.
ـ سوف تراقب الولايات المتحدة الوضع في افغانستان عن بعد من خلال قواعد جديدة في دول الجوار الافغاني، تحت يافطة “محاربة الإرهاب” وسيكون هناك عمليات شد وجدذب بتنفيذ عمليات نخبوية.
ـ هناك خلاف “عقائدي” واضح مابين حركة طالبان و “ولاية خراسان” ، تنتمي طالبان الى “الديوبندية” وهي أسم بلدة في شبه القارة الهندية، وعقائديا، هي ايضا تشترك مع “السلفية الجهادية” من خلال “مراجعات محمد بن تيمية”.
ـ سوف تشهد أفغانستان ـ ولاية خراسان، إستقطاب أكثر الى الجماعات المتطرفة، خاصة الالتحاق بولاية خراسان منالعراق و سوريا وأفريقيا وأوروبا، وهذا يعني ان ولاية خراسان ممكن لن تشهد تنامي واسع خلال هذه المرحلة.
ـ التنافس يبقى قائم بين طالبان و ولاية خراسان، خاصة ان الإخيرة تضم اعداد كبيرة من المنشقين من حركة طالبان. المخاوف من تنفيذ عناصر ولاية خراسان عمليات إرهابية في أفغانستان، هي تبقى واردة لكنها ضعيفة، رغم التحذيرات او المخاوف الاميركية ربما تستهدف الممرات المؤدية الى مطار كابول، خلال توجه اعداد كبيرة من الافغان الى المطار ، او استهداف مطار كابول الذي مازال تحت سيطرة القوات الاميركية.
ـ التنافس والمواجهات مابين خراسان وطالبان تبقى واردة جدا، لكن ايضا هناك احتما كبير من إيجاد تفاهمات مابين خراسان وطالبان، ممكن ان تتضمن تنفيذ ولاية خراسان عمليات إرهابية خارج افغانستان واعتبار افغانستان ملاذ آمن لها، ومن المرجح ان تقبل خراسان بشروط طالبان، كون الان الوضع اختلف، بعد سيطرة طالبان على كابول منتصف شهر أغسطس 2021 .
ـ الولايات المتحدة، سبق ان نجحت بتصفية قيادات خراسان كثيرا، وهذا يعني ان ولاية خراسان ممكن ان تكون مخترقة كثيرا من الداخل من قبل اجهزة الاستخبارات ابرزها الاستخبارات المركزية الاميركية، ومايزيد في ذلك ان خراسان تنظيم غير متجانس .
ـ الولايات المتحدة ممكن ان تستمر في ضرب ولاية خراسان ، في الغالب من خلال قواعدها العسكرية في المنطقة : آسيا الوسطى او باكستان وقواعدها في الشرق الاوسط الى جانب إستخدام الطائرات المسيرة وهذا مابات متوقعا.
ـ يبدو ان حركة طالبان، لاتريد الان الدخول في مواجهات مسلحة مع المعارضة، تحديدا ـ تحالف الشمال، ولاية بانشير بزعامة احمد مسعود، ومايقوم به مسعود من إستعراض مقاتليه وقدراتهم القتاليه،لا تساوي قوة طالبان القتالية، رغم ان اعداد من الجنود الافغان بالجيش النظامي التحقوا بتحالف الشمال ـ بانشير، والتحق ايضا وزير الدفاع ونائب الرئيس الافغاني السابق. مايقوم به مسعود من استعراض ممكن ان يكون من اجل تعزيز موقفه امام طالبان للتفاوض ان يكون له حصة في الحكومة القادمة.تاريخ بانشير تقول بانها لا تدخل في حروب، وحافظت على “إستقلالية” الولاية، ولم تخضع من قبل لا لسيطرة السوفيت و لا طالبان و الولايات المتحدة، وهذا مايرجح ان تترك وشأنها.
ـ أن إجراءات مكافحة الإرهاب ستصبح أصعب بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان. وليس مستبعد ان تكون افغانستان ملاذا للتنظيمات الجهادية العالمية. وذلك لأسباب عديدة: فالقاعدة ممكن ان تستعيد قوتها وكذلك “داعش”.
ماينبغي العمل عليه
ماينبغي العمل عليه، ان تنهض الأمم المتحدة بمسؤولياتها في حفظ الأمن والأستقرار، باعتماد الخيار السياسي في ايجاد حل في أفغانستان بالتوازي مع ايجاد تحالف دولي واقليمي جديد لمكافحة الإرهاب والتطرف، لايتركز على الجهد العسكري فحسب بل في الاتمية المستدامة ومعالجة الجذور الحقيقية للتطرف والإرهاب.
رابط مختصر …https://www.europarabct.com/?p=76935
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات