بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI ـ وحدة الدراسات (27)
شهدت ألمانيا في السنوات الأخيرة صعوداً ملحوظاً لحزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD)، وهو حزب يميني شعبوي يتبنى مواقف متشددة تجاه قضايا الهجرة والاتحاد الأوروبي. يمثل هذا الصعود تهديداً جدياً للسياسات الحكومية على مستويات متعددة، بما في ذلك البرلمان والحكومة الفيدرالية وكذلك داخل الاتحاد الأوروبي، كما يعطل صعود هذا الحزب فعلياً عملية اتخاذ القرارات التشريعية والتنفيذية بسبب استراتيجيته المعارضة والتي تركز على عرقلة القرارات والسياسات التي تعارض أجندته. أحد المخاطر البارزة يتمثل في قدرة الحزب على تعطيل عمليات التصويت في البرلمان من خلال المعارضة الشديدة لأي مشاريع قانونية تتعارض مع رؤيته. بفضل الكتلة التصويتية التي يمتلكها، يمكن للحزب أن يعرقل تشريعات مهمة، مما يؤدي إلى إعاقة قدرة الحكومة على تنفيذ برامجها الإصلاحية. علاوة على ذلك، يمكن لحزب البديل من أجل ألمانيا أن يؤثر على سياسة ألمانيا تجاه الاتحاد الأوروبي، مع تعزيز مواقفه المناهضة للاتحاد ومقترحاتها بشأن تقليص التزامات ألمانيا الأوروبية.
كيف يعطل حزب البديل من أجل ألمانيا القرارات الحكومية؟
يعتمد نجاح الحكومة في نظام الديمقراطية البرلمانية، بشكل كبير على قدرتها على تمرير التشريعات بفعالية. ومع ذلك، فإن حزب البديل من أجل ألمانيا، بفضل وجوده المتزايد في البرلمان، يتمتع بقدرة على عرقلة القرارات المهمة من خلال استغلال موقفه كحزب معارض قوي. يمكن للحزب أن يضغط على الحكومة لتغيير سياساتها من خلال التهديد بالمعارضة الشديدة، مما يفرض على الحكومة تقديم تنازلات. في حالة التصويت على مشاريع القوانين، يمكن لحزب البديل من أجل ألمانيا استخدام نفوذه لإعاقة أو تأجيل القرارات التي تتطلب أغلبية بسيطة أو أغلبية خاصة. مما يعني أن الأجندة التشريعية للحكومة قد تواجه صعوبات كبيرة في تحقيق أهدافها دون تقديم تنازلات تتعلق بالقضايا التي تهم حزب البديل من أجل ألمانيا.
قام حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) بتعطيل عدة قرارات حكومية داخل البرلمان الألماني، مما أثر على تنفيذ السياسات الحكومية. في عام 2022، كان هناك محاولة لتقديم قانون جديد لمكافحة تغير المناخ، والذي كان يتضمن أهدافاً طموحة لخفض الانبعاثات وتعزيز الطاقة المتجددة. حاول حزب البديل من أجل ألمانيا تعطيل هذا القانون من خلال تقديم طلبات للتعديل والمطالبة بمزيد من التأخير في تمريره. بالرغم من الضغوط الكبيرة من الأحزاب الأخرى، نجح الحزب في تأخير بعض جوانب القانون حتى تم التوصل إلى تسويات قد تقلل من تأثيره البيئي المرجو. أيضًا في عام 2022، كان هناك مشروع قانون يستهدف تعزيز استخدام التكنولوجيا الرقمية في المدارس لتحسين جودة التعليم. قام حزب البديل من أجل ألمانيا بتقديم طلبات لعرقلة هذا المشروع من خلال الاعتراض على الميزانيات المخصصة والإجراءات التنفيذية المقترحة. هذه المعارضة أدت إلى تأخير تنفيذ المشروع، مما أثر على تسريع التحول الرقمي في التعليم وتوفير الموارد اللازمة للمدارس.
وعام 2023، قدمت الحكومة الألمانية مقترحات لتعديل قوانين الهجرة واللجوء بهدف تحسين إدارة قضايا اللجوء وزيادة فعالية النظام. استخدم حزب البديل من أجل ألمانيا نفوذه لعرقلة هذه المقترحات من خلال المعارضة الشديدة والمطالبة بتعديلات كبيرة تتماشى مع سياساته المناهضة للهجرة. هذا التأخير أثر على قدرة الحكومة على تقديم حلول فعالة لقضايا الهجرة، مما أدى إلى استمرار بعض المشاكل المتعلقة بإدارة اللجوء.
عام 2024، حاولت الحكومة الألمانية إدخال تعديلات على قانون الصحة العامة لتعزيز نظام الرعاية الصحية ومواجهة التحديات الصحية الجديدة. عارض حزب البديل من أجل ألمانيا هذا التعديل بشدة، مما أدى إلى تأخير إقرار التعديلات. هذه التأخيرات أثرت على جهود الحكومة لتحسين الرعاية الصحية وضمان توفير خدمات طبية أفضل للمواطنين.اليمين الشعبوي ـ أسباب صعود حزب البديل من أجل ألمانيا
التأثيرات على الاستقرار السياسي الداخلي
صعود حزب البديل من أجل ألمانيا له تأثير كبير على عملية صنع القرار، ففي بعض الولايات الألمانية مثل تورينغن، تتطلب تغييرات معينة، مثل حل البرلمان المحلي أو انتخاب قضاة المحكمة الدستورية، أغلبية الثلثين من الممثلين المنتخبين. بما أن الحزب يمتلك نفوذاً ملحوظاً في هذه العمليات، فإن عدم موافقته يمكن أن يؤدي إلى تأخير أو إعاقة عمليات حيوية، مثل انتخابات جديدة أو تعديلات دستورية. تحتوي هذه القدرة على التعطيل على تداعيات كبيرة على استقرار الحكم المحلي، مما قد يؤدي إلى فترات طويلة من الجمود السياسي. وفي حالات معينة، يمكن لحزب البديل من أجل ألمانيا أن يعرقل حتى التصويت على انتخاب المناصب الرئيسية مثل رئيس الدولة أو قضاة المحكمة الدستورية، مما يؤثر على النظام القضائي والتنفيذي بشكل مباشر.اليمين الشعبوي في ألمانيا ـ هل يشكل صعود حزب البديل تهديدا للديمقراطية؟
التحديات التي يواجهها الحزب في تورينغن
تبرز التحديات التي يواجهها حزب البديل من أجل ألمانيا في ولاية تورينغن، بشكل واضح، حيث يتطلب حل البرلمان المحلي في تورينغن أغلبية الثلثين، مما يمنح الحزب تأثيراً قوياً في قرارات مهمة مثل الانتخابات الجديدة. نظراً للهيكل السياسي المعقد في الولاية، فإن الحزب يمكن أن يستخدم هذا التأثير لفرض قيوده أو حتى لتعطيل الإجراءات السياسية التي لا تتماشى مع أجندته. في سياق التعديلات الدستورية، يتعين على الحكومة توفير أغلبية الثلثين أيضاً، مما يعزز من قدرة الحزب على التأثير في هذا المجال. من خلال موقفه في البرلمان، يستطيع حزب البديل من أجل ألمانيا أن يمنع التغييرات الدستورية الرئيسية، مما يؤدي إلى عرقلة التقدم في مجال الإصلاحات السياسية والقانونية.
التداعيات على المستوى الأوروبي
تأثير صعود حزب البديل من أجل ألمانيا يتجاوز حدود ألمانيا إلى مستوى الاتحاد الأوروبي. يتبنى الحزب مواقف معارضة قوية للاتحاد الأوروبي، ويعزز من سياسات تقليص التزامات ألمانيا الأوروبية. قد تؤدي هذه السياسات إلى خلق صراعات داخل الاتحاد الأوروبي، مما يؤثر على التعاون والتنسيق بين الدول الأعضاء. قد يسعى الحزب إلى استخدام نفوذه لتعطيل المبادرات الأوروبية التي لا تتماشى مع سياساته. على سبيل المثال، قد يسعى إلى تقويض السياسات المشتركة أو الاعتراض على مواقف الاتحاد الأوروبي في مسائل مثل الهجرة والمالية. هذا يمكن أن يؤثر سلباً على استقرار الاتحاد الأوروبي وقدرته على اتخاذ قرارات فعالة. لمواجهة تأثير حزب البديل من أجل ألمانيا، يتعين على الحكومة الألمانية تبني استراتيجيات فعالة. قد تتضمن هذه الاستراتيجيات تعزيز التحالفات مع الأحزاب الأخرى التي تشاركها الأهداف السياسية، والعمل على تقديم حوافز أو تعديلات لتلبية بعض مطالب الحزب دون التنازل عن المبادئ الأساسية. من الضروري أيضاً تعزيز التواصل مع الجمهور لفهم التحديات والاهتمامات التي تواجههم، مما يمكن الحكومة من تقديم استجابة أكثر فعالية. علاوة على ذلك، يجب على الحكومة وضع استراتيجيات للتعامل مع سياسات الحزب على الصعيدين الوطني والأوروبي، لضمان استمرارية العمل المشترك والتعاون الفعّال في معالجة القضايا المعقدة. على المدى الطويل، تحتاج الحكومة إلى التركيز على تعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي لضمان عدم تأثير التحولات السياسية على السياسات التنموية والإصلاحية.اليمين الشعبوي في ألمانيا، صعود كبير في ولاية تورينغن، ما التداعيات؟
تقييم وقراءة مستقبلية
إن صعود حزب البديل من أجل ألمانيا يعكس تحولاً كبيراً في المشهد السياسي الألماني، مع تأثيرات محتملة على استقرار الحكومة والسياسات الوطنية والأوروبية. بينما يسعى الحزب إلى استغلال نفوذه لتعطيل القرارات وتعزيز أجندته، فإن استراتيجيات مواجهة فعالة يمكن أن تساعد في التخفيف من تأثيره. يتطلب الأمر توازناً دقيقاً بين الاستجابة لمطالب الحزب والحفاظ على استقرار النظام السياسي لضمان استمرار التقدم والنجاح في المستقبل.
تأثير حزب البديل من أجل ألمانيا على السياسات الحكومية يمكن أن يكون ملحوظاً على عدة أصعدة. بفضل موقفه المعارض والقدرة على تعطيل القرارات في البرلمان، يمكن للحزب أن يعرقل تنفيذ السياسات الحكومية، مما يؤدي إلى تأخير أو حتى إلغاء مشاريع قانونية هامة. هذه القدرة على العرقلة تعزز من صعوبة تحقيق الأجندة الإصلاحية للحكومة، مما يتطلب منها التكيف مع الواقع السياسي الجديد وتقديم تنازلات قد تكون ضرورية للتقدم.
بالرغم من قوة الحزب في الوقت الحالي، إلا أنه سيواجه تحديات كبيرة في المستقبل. أحد هذه التحديات هو كيفية الحفاظ على وحدة الحزب في ظل التباين داخل صفوفه حول بعض القضايا الأساسية. كما أن الشعبية الحالية قد تكون مؤقتة، حيث قد تنخفض إذا فشل الحزب في تحقيق وعوده أو إذا حدثت تغييرات في المشهد السياسي الوطني. يتطلب الأمر من الحزب أن يتعامل بحذر مع التوترات الداخلية وأن يكون مرناً في استراتيجياته السياسية.
قد يمتد تأثير حزب البديل من أجل ألمانيا إلى المستوى الأوروبي، حيث يمكن أن يعزز من صراعات داخل الاتحاد الأوروبي، خاصة في قضايا مثل الهجرة والمالية. يمكن للحزب أن يحاول تقويض سياسات الاتحاد الأوروبي من خلال الضغط على الحكومة الألمانية لتبني مواقف أكثر تشدداً. ومع ذلك، فإن قدرة الحزب على إحداث تغييرات كبيرة قد تكون محدودة إذا واجه مقاومة قوية من بقية الدول الأعضاء.
لضمان الاستجابة الفعالة لصعود حزب البديل من أجل ألمانيا، يجب على الأحزاب السياسية الأخرى والحكومة تبني استراتيجيات متعددة. تعزيز التعاون مع أحزاب أخرى، وتقديم حلول واقعية لمشاكل المواطنين، والتواصل الفعّال مع الجمهور يمكن أن يساعد في تقليل تأثير الحزب. من الضروري أيضاً معالجة الأسباب الجذرية لاستياء الناخبين من خلال سياسات شاملة تدعم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، مما يعزز من قدرة الحكومة على الحفاظ على توازن السياسة العامة.
رابط مختصر..https://www.europarabct.com/?p=96732
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
هوامش
Germany’s Far-Right Party Is Worse Than the Rest of Europe’s
Understanding the Alternative for Germany (AfD)
Is Germany’s far-right AfD a threat to democracy?
“The Rise of the AfD and its Impact on German Foreign Policy”