الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

آخر المشاركات التلفزيونية

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث ؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...

روسيا والناتو ـ خروقات المجال الجوي واستراتيجية الردع

سبتمبر 21, 2025

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ألمانيا وهولندا  ECCI

روسيا والناتوـ خروقات المجال الجوي واستراتيجية الردع

نسخة PDF .. روسيا والناتوـ خروقات المجال الجوي واستراتيجية الردع

شهدت العلاقات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي “الناتو” في سبتمبر 2025 مرحلة متقدمة من التوتر بعد خرق ثلاث مقاتلات روسية من طراز “ميغ-31” المجال الجوي الإستوني فوق خليج فنلندا، وبقاؤها داخله نحو اثنتي عشرة دقيقة. جاء هذا الحادث ليؤكد هشاشة الوضع الأمني في الجناح الشرقي للناتو، ويعيد طرح تساؤلات استراتيجية حول طبيعة قواعد الاشتباك بين روسيا والحلف، ومدى قدرة الأخير على الردع دون الانجرار إلى مواجهة مباشرة.

تأتي هذه الواقعة ضمن سلسلة من الخروقات الروسية المتكررة، بما في ذلك دخول طائرات مسيرة إلى أجواء بولندا ورومانيا، بالتزامن مع مناورات “زاباد-2025” الروسية-البيلاروسية، التي اعتبرها الغرب استعراضاً عسكرياً يهدف إلى الضغط على أوروبا ورفع مستوى التوتر على حدود الحلف. وقد فسّر الخبراء هذه التحركات بأنها اختبارات مدروسة لقدرة الناتو على الاستجابة، ومحاولة لقياس ردود فعل الحلفاء في ظل بيئة إقليمية متوترة. الناتو وروسيا ـ أنشطة ومناورات بعد لقاء ألاسكا 2025

وصف لوك كوفي، الباحث الأقدم في معهد هادسون (Hudson Institute) في واشنطن، الواقعة بأنها جزء من استراتيجية روسية مستمرة لاختبار مدى ردّ الحلف والدول الحليفة، معتبراً أن روسيا ستواصل هذه الخروقات ما لم يتخذ الناتو “عملاً قوياً” يجعل من الخطر المترتب على موسكو أكبر من الفائدة المحتملة  ويرى جيم تاونسند، الزميل في مركز الأمن الأميركي الجديد (CNAS)، أن الحادثة تمثل “انتهاكاً كبيراً” بالنظر إلى حجم إستونيا ومدة وجود الطائرات داخل المجال الجوي، مضيفاً أن مثل هذه الحوادث تبرز الحاجة لتعزيز مهمة مراقبة سماء دول البلطيق وزيادة عدد الطائرات والقدرات، خصوصاً وأن الطيارين غالباً ما يكونون في حالات إنذار مستمر مما قد يرهقهم.

يشدد كير جايلز من مركز تشاتام هاوس على أن الردع الفعّال يتطلب “وضوح الرسائل، وحدة الموقف بين الحلفاء، وقدرات دفاعية موثوقة” (Chatham House ). وبناءً على ذلك، يتفق الخبراء على أن الاكتفاء بالاعتراضات الجوية الروتينية لا يكفي، وأنه يجب تعزيز البنية الدفاعية للناتو في الجناح الشرقي، وزيادة الدوريات الجوية، وتطوير أنظمة الرصد والمراقبة، وربما نشر أنظمة دفاع جوي إضافية. ويُحذرون من أن استمرار الانتهاكات دون رد رادع قد يؤدي إلى “تطبيع الخرق”، ما يضعف قدرة الحلف على الردع ويفتح المجال أمام موسكو لمزيد من الاستفزازات.

مناورات عسكرية مشتركة باسم زاباد”

أجرت روسيا وبيلاروسيا مناورات عسكرية مشتركة باسم “زاباد 2025” في الفترة من 12 إلى 16 سبتمبر 2025. تُعتبر هذه المناورات جزءًا من سلسلة تدريبات دورية تُنظمها الدولتان، وتهدف إلى تعزيز التنسيق الدفاعي بينهما واختبار جاهزية القوات لمواجهة التهديدات المحتملة. رغم تأكيدات موسكو ومينسك على الطابع الدفاعي للمناورات، إلا أن هذه التدريبات أثارت قلق الدول الأوروبية، خاصة مع تزايد التوترات في المنطقة. الناتو وتحديات مواجهة الطائرات المٌسيرة

مناورات”الحارس الشرقي”

أجرت روسيا وبيلاروسيا مناورات عسكرية مشتركة تحت اسم “الحارس الشرقي” في الفترة من 12 إلى 16 سبتمبر 2025. تأتي هذه المناورات رداً على التوترات المتصاعدة بعد اختراق طائرات مسيّرة روسية للمجال الجوي البولندي في بداية الشهر نفسه. وقد أطلقت الناتو العملية لتعزيز الدفاعات الجوية على الجناح الشرقي للحلف، بما في ذلك إرسال مقاتلات من طراز F-16 وF-35، بالإضافة إلى أنظمة دفاع جوي مثل SAMP/T في إستونيا.  تُظهر هذه المناورات استمرار التوترات العسكرية في المنطقة، وتعكس استعداد الناتو لردع أي تهديدات محتملة على حدوده الشرقية. الناتو ـ هل تمثل مناورة “الحارس الشرقي” نقطة تحوّل في عقيدة الحلف الدفاعية؟

ردود فعل الرئيس ترامب

في أعقاب التصعيد العسكري الروسي على حدود الناتو، بما في ذلك انتهاكات المجال الجوي الإستوني، أدلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصريحات تعكس تحولًا في موقفه تجاه روسيا وحلف الناتو. في 19 سبتمبر 2025، صرح ترامب بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “خيّب ظنه”، مشيرًا إلى أن التصرفات الروسية الأخيرة، مثل اختراق الطائرات الروسية للمجال الجوي البولندي والإستوني، تُظهر تحديًا لالتزامات روسيا الدولية. الأمن الدولي ـ أنشطة ومناورات الناتو خلال 2025 وحجم القوات المنشورة

على الرغم من هذه التصريحات، إلا أن ترامب لم يُظهر استعدادًا لتقديم دعم عسكري إضافي لحلفاء الناتو في أوروبا الشرقية. في وقت سابق من أغسطس 2025، أبلغت وزارة الدفاع الأمريكية الدبلوماسيين الأوروبيين بتقليص المساعدات الأمنية للدول الأعضاء في الناتو مثل لاتفيا وليتوانيا وإستونيا، مما يشير إلى تحول نحو أولويات داخلية وتقليل الانخراط العسكري الأمريكي في أوروبا.   

قواعد الاشتباك بين الناتو وروسيا

منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا 2022، أصبحت قواعد الاشتباك بين الناتو وروسيا تحت اختبار دائم، خصوصاً في مناطق التماس مثل بحر البلطيق والبحر الأسود. يقوم الحلف على سياسة الردع دون الانجرار إلى مواجهة مباشرة، حيث تعترض الطائرات التابعة للناتو أي طائرة روسية تدخل أو تقترب من المجال الجوي للدول الأعضاء، مع تجنب استخدام القوة إلا عند وجود تهديد مباشر. ما يجري في أجواء البلطيق وبولندا ورومانيا يظل ضمن إطار “التصعيد المضبوط” الذي تديره موسكو بعناية، فروسيا تدرك أن أي صدام مباشر مع الناتو قد يقود إلى مواجهة واسعة النطاق. وفي المقابل، يعمل الحلف على تطوير قواعد اشتباكه لتعزيز الردع دون إعطاء موسكو ذريعة للتصعيد، من خلال زيادة الدوريات الجوية، نشر أنظمة دفاعية إضافية، والتأكيد على أن أي اعتداء مباشر على أراضي الأعضاء سيواجه بتفعيل المادة الخامسة. الناتو بين تهديد المسيّرات الروسية وتفعيل المادة الرابعة

استراتيجية الناتو للتعامل مع الخروقات الروسية

استراتيجية الناتو للتعامل مع خروقات روسيا تجمع بين الردع العسكري، المراقبة الدقيقة، والاستجابة الدبلوماسية والسياسية:

الردع الدفاعي: نشر قوات جوية وبحرية متعددة الجنسيات، تنفيذ مهمات شرطة الأجواء، وتعزيز أنظمة الدفاع الأرضية والرادارات المتقدمة.

المراقبة والتقييم المستمر: متابعة تحركات الطائرات والسفن والطائرات المسيرة، وتحليل طبيعة الخروقات لتحديد الهدف منها.

التصعيد المضبوط: الرد على الاستفزازات بطريقة مدروسة تظهر القوة دون التورط في مواجهة عسكرية شاملة.

البعد السياسي والدبلوماسي: تفعيل المادة الرابعة من معاهدة الحلف عند الشعور بالتهديد، وإظهار التضامن مع الدول الأعضاء، واستخدام العقوبات إذا لزم الأمر.

المرونة والتكيف: تحديث قواعد الاشتباك، تطوير القدرات الدفاعية، والاستعداد لمواجهة أساليب روسيا المتجددة مثل الطائرات المسيرة والحرب الإلكترونية وحملات التضليل الإعلامي.

هذه الاستراتيجية تهدف إلى حماية سيادة الدول الأعضاء وتعزيز الردع دون الانجرار إلى مواجهة مفتوحة، مع الحفاظ على التوازن بين الردع الحازم والمرونة العملية. الناتو وروسيا ـ بحر البلطيق كمنطقة استراتيجية ونقاط الاحتكاك

النتائج

ـ تعكس الحوادث الأخيرة في إستونيا، وبولندا، ورومانيا كيف يتم تطبيق استراتيجية الناتو عملياً لمواجهة خروقات روسيا. فقد أظهرت هذه الوقائع أن الحلف قادر على الردع ومراقبة الأجواء بدقة، مع تعزيز الدفاعات الجوية والبحرية، وتفعيل التشاور السياسي بين الدول الأعضاء. وفي الوقت نفسه، تؤكد استمرار الانتهاكات الروسية على هشاشة الوضع وإمكانية الانزلاق إلى تصعيد غير محسوب إذا وقع حادث عسكري عرضي.

ـ يبقى التحدي الأكبر للناتو هو تحقيق التوازن بين الردع الحازم ومرونة التعامل، بحيث يُرسل رسائل قوة واضحة لموسكو دون الانجرار إلى مواجهة مفتوحة قد تكون لها تداعيات كارثية على الأمن الأوروبي والدولي. إن هذه الحوادث، في سياق الاستراتيجية الأطلسية، ليست مجرد اختراقات عابرة، بل مؤشر حي على اختبار روسيا لحدود الردع الأطلسي، وتذكير بأن أي تصعيد محدود يجب التعامل معه بحذر وحزم في الوقت ذاته.

ـ تشير التطورات الأخيرة إلى أن الخروقات الروسية على حدود الناتو لن تتوقف في المدى القريب، بل من المرجح أن تتخذ أشكالاً أكثر تنوعاً وتكراراً. فروسيا تعتمد استراتيجية الضغط التدريجي والاختبار المستمر لقدرة الحلف على الردع، من خلال الطائرات المقاتلة، الطائرات المسيرة، والحركات البحرية القريبة من الحدود، مع استغلال الفجوات في قدرات المراقبة والرصد في بعض المناطق.

يتوقع الخبراء أن تظل هذه الخروقات ضمن إطار التصعيد المضبوط الذي يختبر مدى استعداد الناتو، دون الوصول إلى مواجهة عسكرية مباشرة، إلا إذا وقع حادث عرضي غير محسوب. ومع ذلك، فإن تكرار الانتهاكات يزيد من إرهاق الناتو ويخلق تحديات لوجستية وأمنية مستمرة، خصوصاً في الجناح الشرقي حيث المسافات قصيرة والدوريات الجوية والبحرية كثيفة.

 من المرجح أن نشهد تنويع أساليب الخرق في المستقبل القريب، بما يشمل: زيادة استخدام الطائرات المسيرة لأغراض الاستطلاع والمراقبة. اختبارات متزامنة للأجواء والمياه مع عمليات حرب إلكترونية وحملات تضليل إعلامي. استغلال ثغرات البنية الدفاعية في بعض الدول الأعضاء الأصغر، مثل دول البلطيق.

ـ من المرجح أن يواصل الناتو تعزيزآليات الردع والمرونة، بما في ذلك زيادة الدوريات الجوية، نشر أنظمة دفاع جوي حديثة، وتعزيز التعاون الاستخباراتي بين الدول الأعضاء. كما سيظل التركيز على السياسة الدبلوماسية المتوازنة لتجنب الانجرار إلى مواجهة مباشرة، مع إبقاء خيار المادة الرابعة والمادة الخامسة جاهزاً إذا تجاوزت أي حادثة الخطوط الحمراء.

ـ يظهر موقف ترامب توازنًا بين الضغط على حلفاء الناتو لزيادة الإنفاق الدفاعي، والابتعاد عن تقديم دعم عسكري مباشر، مع التركيز على الضغوط الاقتصادية كأداة رئيسية في السياسة الخارجية الأمريكية.

ـ من المرجح ان يشهد المستقبل القريب دوامة مستمرة من الاختبارات والخروقات الروسية، مقابل ردود محسوبة ومستمرة من الناتو. التحدي الأساسي للحلف يكمن في الحفاظ على الردع الفعال دون الوصول إلى مواجهة عسكرية، وفي الوقت نفسه، منع روسيا من تحويل هذه الخروقات إلى أمر معتاد أو “تطبيع” يضعف المصداقية الدفاعية للناتو.

يمكن القول إن حدود الناتو ستظل مسرحاً لاختبار النفوذ والتوازن بين القوة والردع، حيث أي خطأ صغير أو حادث عرضي قد يؤدي إلى تصعيد سريع، ما يجعل إدارة هذه الخروقات الدقيقة والتخطيط الاستراتيجي للحلف عنصرًا حاسماً في استقرار الأمن الأوروبي والدولي.

رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=109606

*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI

الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث ؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...