المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـألمانيا وهولندا
إعدادإعداد : اكرام زيادة ـ باحثة في المركز الأوروبي ـ باحثة دكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات العامة
داعش يُعيد تنظيمه من جديد داخل مخيمات شمال سوريا
يُنظر إلى مخيم “الهول” الواقع على بعد 45 كم شرق مدينة الحسكة شمال وشرق سوريا، على أنه أخطر مخيم في العالم، ويؤكد مسؤولون أمنيون إلى جانب إدارة مخيم الهول أن المخيم بدأ يصبح خطيراً مع دخول عائلات مقاتلي داعش، بالنظر إلى ما شهده المخيم بعد ذلك، من محاولات إعادة تنظيم النساء وتدريب الأطفال على فكر داعش المتطرف.
يضم مخيم الهول بحسب آخر الإحصاءات من إدارة المخيم في ديسمبر 2021 حوالي (60) ألف شخص من عوائل مقاتلي داعش، غالبيتهم 80% من النساء والأطفال، ويشكّل السوريون والعراقيون النسبة الكبرى، كما يضم قسماً خاصاً بالنساء الأجنبيات “المهاجرات” وأطفالهن، ينحدرون من نحو (50) دولة، إذ يبلغ عددهم نحو (10) آلاف. وفقاً للشرق الأوسط في 5 فبراير 2022.
وسبق وأن حذّر المتحدث باسم التحالف الدولي واين ماروتو في 7 يوليو2021، من تحول مخيم الهول السوري إلى “حاضنة” للمتطرفين المساندين للتنظيم الإرهابي وقال: “إذا لم يتدخل المجتمع الدولي، فسيصبح مخيم الهول حاضنة للمتطرفين المساندين لداعش. داعش يظهر من من جديد في سوريا والعراق، الدلالات والمعالجات. بقلم جاسم محمد
اجتمع وزراء خارجية التحالف الدولي لمحاربة داعش في الثامن من يونيو 2023 في الرياض اليوم بدعوة من وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني ج. وأكد شركاء التحالف دعمهم المستمر لبرامج مكافحة الإرهاب في أفريقيا والعراق وسوريا وجنوب ووسط آسيا، وهو ما يؤكد اتساع رقعة التحالف ومواصلة الالتزام بتقليص قدرات داعش. وأكد الوزراء التزامهم بتعزيز قدرات مكافحة الإرهاب التي يقودها المدنيون في شتى الدول الأعضاء في التحالف من العراق إلى أفريقيا وجنوب ووسط آسيا، مؤكدين على الأمن الحدودي والداخلي، والإصلاح القضائي، وتبادل المعلومات الاستخباراتية وإنفاذ القانون عبر منصات ثنائية ومتعددة الأطراف.
تنامي معدلات الجريمة والاغتيال
يُعتبر العام 2021 من أكثر الأعوام دموية في تاريخ مخيم الهول، حيث حدثت العديد من جرائم القتل وحرق الخيام ومحاولات الهروب وقتل أعضاء خلايا داعش على الرغم من عمليات قوى الأمن الداخلي للسيطرة عليه. إذ وصفت صحيفة “الإندبندنت” الوضع في مخيم الهول في مقال استقصائي منشور بتاريخ 12 نوفمبر 2021 بعنوان “داخل مخيم الهول: أكثر الأماكن دموية على وجه الأرض”، وذاك من حيث عدد جرائم القتل مقارنةً بكراكاس في فنزويلا، العاصمة الأكثر دموية في العالم. “..
وكان قد شهد مخيم الهول جهوداً حثيثة للسيطرة عليه. انطلقت عملية أمنية واسعة النطاق في 28 مارس 2021، لمدة 10 أيام. تضمنت تمشيط قطاعات المخيم الثمانية بالكامل، وأسفرت العمليات الأمنية عن اعتقال (158) مرتزقاً تم تجنيدهم ضمن خلايا داعش في المخيم بين عراقيين وسوريين.
رغم كل هذا فقد زادت عمليات القتل أكثر من العامين الماضيين، وبحسب إحصاءات إدارة المخيم وقوى الأمن “الأسايش”. شهد المخيم خلال عام 2021 مقتل (128) شخصاً معظمهم كانوا لاجئين عراقيين ونازحين سوريين قُتلوا بأسلحة وأدوات حادة أو فصلت رؤوسهم عن أجسادهم أو خنقاً حتى الموت، بينهم (3) أطفال و(19) امرأة، كما وقعت (41) محاولة قتل أدت إلى إصابة المستهدفين، كذلك وقعت (13) حالة حرق عمداً، واتهمت قوى الأمن خلايا موالية لتنظيم داعش بالوقوف وراء هذه الهجمات. يمكن القول إن هذه الحوادث المتكررة أظهرت أن إيديولوجيا داعش حية تُرزق في “الهول”، حيث تحرص عوائل التنظيم على استمراريتها وديمومتها.
محاولات التسلل والتهريب والتمويل
تسلل العديد من عناصر تنظيم داعش إلى مخيم الهول كمدنيين .بهدف العمل ضمنه وتنظيم أنفسهم مرة أخرى، حيث بلغ عدد الذين تمكنوا من التسلل خلال عام 2020 نحو (200) شخص، فيما سجلت أكثر من (700) محاولة في العام 2021. وقد تكون الأرقام أكبر بكثير من ذلك بسبب عجز السلطات المحلية عن حصر كل الحالات، وذلك بحسب “الشرق الأوسط ” في 6 فبراير 2022.
بالمقابل، نمت في الآونة الأخيرة شبكات تهريب المحتجزين من مخيم الهول، فقد أعلن العراق في 20 ديسمبر 2021، “إن هناك مخططاً لتهريب دواعش من مخيم الهول في سوريا”. وتقول أجهزة الأمن في المخيم إنها أحبطت أو وثّقت منذ مارس 2020 قرابة (700) محاولة هروب لأسر داعشية من المخيم.
تعتمد عمليات التهريب على إطلاق العديد من حملات جمع التبرعات من داخل المخيم عبر الهواتف المحمولة، بيد أن هذه الجهود خلقت في الوقت نفسه مصدر تمويل جديد للتنظيم، حين ينجح المتعاطفون في الهروب ويستجلبون تمويلاً من أنصار التنظيم في الخارج . ففي وقت تبدأ فيه أسعار التهريب من (16) ألف دولار لكل امرأة أجنبية يتم تهريبها إلى تركيا مع طفلين أو ثلاثة أطفال، يحتفظ عناصر تنظيم الدولة بجزء من الأموال التي يضخها إليه المتعاطفون معه. وذلك حسبما جاء في صحيفة “وول ستريت” في 9 يونيو 2021. وتشير التقديرات إلى أن المدفوعات البنكية لسكان المخيم وصلت إلى ما يزيد عن (500) ألف دولار، وفقاً لشهادة (50) امرأة داخل المخيم وخارجه، فضلاً عن مسؤولين أكراد محليين وعضو سابق في تنظيم داعش في أوروبا الشرقية ومقاتل أجنبي مستقر في محافظة إدلب ومتورط في عمليات التهريب.
سلاح داعش النسائي
يسيطر على مخيم الهول نساء متطرفات من التنظيم ,الذي لم يتوان عن استخدام هؤلاء النساء كأحد موارده وسلاح هام في إطار أيديولوجيته التوسعية. إذ تفيد نساء داعش للصحافيين الذين يدخلون مخيمي “الهول” [أنهم أتوا إلى سوريا من أجل نشر الجهاد ابتغاءَ مرضات الله وأن إيديولوجيا داعش لم تنته بعد]. صرخت النساء خلال شهر أبريل 2019، بفخر أمام عدسة قناة “العربية” قائلات: [عقيدتنا الراسخة هنا لن يتمكن أحد من إزالتها لا أمريكا، ولا الكرد، ولا الكفار، ولا اليهود. هذه العقيدة انغرست حتى في أطفالنا ولن نندم أبداً. سوف نستمر لأن دولة الخلافة ستعود مجدداً] . وعلى نحو مماثل، رشق الأطفال الذين تشربوا إيديولوجيا “داعش” صحافيي “أسوشيتد بريس” حين زاروا المخيم في مايو 2020، بالحجارة وهددوهم بالذبح لأنهم “كفار”.
ولترسيخ فكر داعش، لجأت نساء داعش إلى إجبار سكان المخيم، ومعاقبة كل من يحاول الابتعاد عن أفكار داعش، لإنشاء محاكم تسمى “المحاكم الشرعية، الحسبة” والجلد وحرق الخيام، والقتل. فيما يتمثل أحد أكثر المساعي إثارةً للقلق التي تبذلها النساء المواليات لتنظيم داعش في مخيم الهول في تلقين الأطفال عقيدة التنظيم داخل المخيم. واستناداً إلى مسؤولين أمميين وكرد، غالباً ما تلقّن أمهات داعش أطفالهن عقيدة التنظيم، وتحوّل شباب المخيم إلى متطرفين.
ويخشى المسؤولون الكرد من “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” ومنظمات حقوق الإنسان أن يولّد المخيم جيلاً جديداً من المقاتلين المتطرفين. حيث سبق أن أشار الجنرال بول كالفيرت، قائد المهمة الأمريكية لمكافحة داعش في العراق وسوريا، إلى أن زوجات مقاتلي داعش تنفذن برامج تلقين يومية، وقال إن “الأشبال” يُنقلون عبر خطوط سرية من مخيم الهول إلى صحراء البادية ليخضعوا لتدريب إضافي ويتمّ استخدامهم كمقاتلي داعش”. كما لفت كالفيرت إلى تهريب الأسلحة من وإلى المخيم.
وفي هذا السياق، أفاد الجنرال كينيث ماكنزي رئيس “القيادة المركزية الأمريكية” لـ “معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة” في أبريل 2021 أنه “ما لم نجد طريقة لإعادتهم إلى بلادهم وإدماجهم في المجتمع واجتثاث التطرف من عقولهم، فنحن نقدّم أنفسنا على طبق من فضة لمقاتلين على مدى السنوات الخمس إلى السبع القادمة”.
تقاعس دولي ومخاوف متجددة
يؤرق ملف أسر مرتزقة داعش في مخيم الهول، وما يشهده، إلى جانب وجود أكثر من (19) ألف مرتزق داعشي في معتقلات، قوات سوريا الديمقراطية، الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، غياب التحرك الدولي، الذي بات صمته سيد الموقف، بالرغم من مناشداتها لتحمل مسؤولياتها في محاكمة مرتزقة داعش، وإجلاء رعاياها المنخرطين في صفوف داعش.
حيث قدّم الرئيس الأميريكي السابق دونالد ترامب إسهاماً كبيراً في أواخر عام 2019، عندما سحب نصف القوات البرية الأمريكية القليلة التي يبلغ عددها (2000) جندي، والتي تساعد في حراسة منطقة سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شرقي سوريا، فيما أدارت الدول الأوروبية ظهرها ورفضت السماح للمتشددين أو زوجاتهم وأراملهم بالعودة إلى ديارهم حتى لمواجهة المحاكمة. ملف المقاتلون الأجانب ومعضلة إستعادتهم ـ هل من تغيير في مواقف دول أوروبا؟
كما ترفض السلطات العراقية والسورية التحرك بشأن استعادة رعاياها من العوائل، رغم إخراج دفعتين خجولة خلال عام 2021 كانوا نحو (500) عائلة ونقل آخرين ممن تتهددهم مخاطر إلى مخيمات أخرى.داعش ـ هل يشكل العائدون من مخيم الهول تهديد للأمن الوطني العراقي ؟
في المقابل، تتخوف الإدارة الذاتية من تفاقم الوضع نحو الأسوأ، وسط زيادة حالات الفرار ومحاولات داعش لاقتحام السجون. اذ دارت معارك ضارية في 21 يناير 2022 ولمدة أربع أيام بين قوات سوريا الديموقراطية (قسد)، ومقاتلين من تنظيم داعش، بهدف تهريب عناصره المحتجزين في سجن غويران في مدينة الحكسة في الشمال السوري، والذين يقدر عددهم بأكثر من (5000) مقاتل، ما أسفر عن مقتل أكثر من (180) داعشياً (بينهم 150 من منفذي الهجوم)، ونحو (120) جندياً من قوات “قسد”، وفقاً لتقارير صادرة عن المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وبعد أحداث الحسكة وتمرد سجن غويران، ظهرت بوادر تمرد جديدة في مخيم الهول في القسم النسائي للمخيم يوم 6 فبراير2022، إذ حاولت مجموعة من نساء تنظيم داعش اختطاف عناصر من قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، العاملين في إدارة المخيم فيما قالت مصادر أخرى، إنّ اشتباكات بالرصاص الحي وقعت بين الطرفين، في تطور أمني جديد يشهده المخيم.
تحركات تنظيم “داعش” في تهريب مقاتليه تنم عن تخطيط وتنفيذ دقيقين لعملية الهجوم على السجن، ما يشير إلى قوة التنظيم وخلاياه الكامنة في المناطق الصحراوية على الحدود السورية العراقية، وقدرته على المواجهة.
التقييم والمعالجات
إن استمرار احتجاز مقاتلي داعش وعوائلهم في مخيم الهول دون محاكمات وآليات واضحة لحل مشكلتهم واستخدام “سحب الجنسية” فعلياً، باعتبارها ألية أمنية للحد من العودة الى أوطانهم. سيكون سبباً في عودة التنظيم للنشاط، انطلاقاً من مراكز احتجاز مقاتليه الحالية ذاتها. ما زال التنظيم نشطاً رغم انكساره العسكري في سوريا والعراق.
عمليات الهجوم على السجون واقتحامها، تمثل مؤشراً خطيراً الى حالة الاستفاقة على. مختلف المستويات في تنفيذ الهجمات المسلحة، لا سيما أن التنظيم يعتمد على استراتيجية “حروب العصابات”، ومحاولة استنزاف خصومه عن طريق ذئابه المنفردة، وإعادة بلورة الصورة الذهنية التي توحي بقوته وقدرة نفوذه على الاستمرار والمواجهة.
يتأكد مع مرور الوقت أن تأجيل حل ملف “الهول” إلى وقت لاحق قرار خطير يتحمل المجتمع الدولي الذي دحر داعش قبل نحو الثلاث أعوام مسؤوليته، إذ لا بد من اتخاذ خطوات دولية واعتماد برامج تهدف إلى نقل قاطنيه في النهاية إلى دولهم الأم لمقاضاتهم أو مراقبتهم أو دمجهم. ودون ذلك ستبقى المخيمات -لا سيما مخيم الهول- بؤرة تحفظ وجود داعش، لا سجنا يقتل أفكاره كما يعتقد البعض.
ولأجل مكافحة التطرف العنيف في مخيميْ “الهول” و”روج”، على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي التحرك بصورة عاجلة من أجل الضغط على الدول بإستعادة مقاتليها. وتشمل الخطوات الأساسية زيادة التمويل للمراكز التعليمية والتأهيلية في المخيم، فضلاً عن التدريب على إعادة الإدماج السليم في المجتمعات الأم لسكان المخيم. وستتطلب هذه العملية على الأرجح فصل الأطفال عن الأمهات المتطرفات لفترة انتقالية إلى أن تُثبت الأمهات أنهن تخلصن من الفكر الإيديولوجي الراديكالي. وعندها، ستكون الدول المضيفة لهذه الأسر مطمئنة إزاء ترحيلها.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=79858
رابط تحديث .. https://www.europarabct.com/?p=88986
جميع الحقوق محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
الهوامش
Inside the ‘deadliest place on earth’: Murders surge in Syrian refugee camp stalked by Isis
https://bit.ly/3JqSp7R
أكثر من 700 محاولة هروب من مخيّم الهول السوري
https://bit.ly/3BuuCRK
West has ignored jihadist prisons — but it can’t ignore Hasakah attack
https://bit.ly/3gNMv4s
معركة “نساء داعش” الكبرى في مخيم الهول: محاولة الخروج منه عبر زواج الإنترنت أو الارتشاء
https://bit.ly/3uOWkqO
Syrian detention camp rocked by dozens of killings blamed on Islamic State women
https://wapo.st/3oRCCXT
عين «قسد» على مخيم الهول بعد إنهاء تمرد الحسكة
https://bit.ly/3GOPYKERe
fugee Camp for Families of Islamic State Fighters Nourishes Insurgency
https://on.wsj.com/3Jrx9yB
Coalition Plans To Expand Giant ISIS Prison In Syria
https://bit.ly/3GS5ANc