المركز الأوروبي لدراسات الإرهاب والاستخبارات-ألمانيا وهولندا
إعداد: وحدة الدراسات والتقارير “8”
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة. وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها.
وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012. وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، حسب مانشرته صحيفة الشرق الأوسط في 29 فبراير 2020.
تدابير الاستخبارت الداخلية الألمانية ضد تيارات اليمين المتطرف
تحدث موقع Homeland Security News Fire في 30 اكتوبر 2019 عن اجراءات الاستخبارات الداخلية الألمانية في مواجهة اليمين المتطرف المتصاعد في ألمانيا، ة تتمثل هذه الاجراءات في :
ـ الطلب من مزودي الخدمة عبر الإنترنت مثل Facebook و YouTube و Twitter الإبلاغ عن خطاب الكراهية إلى السلطات الألمانية ، وكذلك تمرير عنوان IP للمستخدم الواضح. وحتى الآن، لم يُطلب من عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي حذف خطاب الكراهية إلا في غضون فترة زمنية معينة.
ـ تشديد قوانين شراء و بيع الأسلحة، و كل طلب للحصول على تصريح بامتلاك سلاح، سيكون مكتب حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) المسؤول عن التحقيق في هذه المسألة.
ـ تطوير برامج الوقاية القائمة التي تهدف إلى التصدي للتطرف اليميني ومعاداة السامية والعنصرية والعداء تجاه أي مجموعة مستهدفة و”الحفاظ على التمويل على مستوى عال”.
ـ توفير نفس الحماية الأمنية والقانونية الخاصة للسياسيين المحليين من التشهير والقذف الممنوحين الآن للسياسيين في الولايات والمستوى الاتحادي، وسيتم التعامل مع الهجمات ضد المسعفين والمهنيين الطبيين في حالات الطوارئ بنفس الطريقة التي يتم التعامل بها في التهجم على ضباط إنفاذ القانون.
في اطار الاجراءات الجديدة لمحاربة اليمين المتطرف، دعى رئيس هيئة مكافحة الجريمة هولغر مونش، إلى اتخاذ إجراءات بشأن التهديدات عبر شبكة الإنترنت، مشيراً إلى أن الجميع يأمل أن تعزز الوظائف، التي وافق عليها البوندستاغ، قدرة الاستخبارات الداخلية وهيئة مكافحة الجريمة على مواجهة المخاطر التي تنجم عن عنف اليمين المتطرف والنازيين الجدد”. ولفت إلى أنه “تم، في يوليو2019، تشكيل وحدة تنظيمية داخل المكتب الاتحادي لحماية الدستور من أجل التعرف إلى الشبكات المحتملة في العالم الافتراضي، بعد أن تبين، نتيجة التحليل السري للوكالة، الخطر الكبير للتطرف والتعبئة والتآمر على الإنترنت”. ألمانيا .. قلق من تنامي اليمين المتطرف والتيارات الشعبوية
في نفس السياق، أشاد جهاز الاستخبارات الداخلية بألمانيا بتجربة إنشاء خط ساخن للإبلاغ عن معلومات حول أنشطة تتعلق باليمين المتطرف قائلا: إن التقييم الأولي إيجابي جدا. جاء ذلك بعد مرور شهر تقريبا من تدشين الخط. وأضاف رئيس الاستخبارات الداخلية بألمانيا قائلا إن “الهدف هو الوصول لصورة رقمية عن الوضع من أجل تتبع مسارات الكراهية والتحريض على نحو أفضل وكذلك التعرف على مسارات التطرف”. وأشار إلى ما وصفه بـ “الدور الكبير” الذي تؤديه القوانين الجديدة “بصفتها العامل الفاصل بين المواقف الوطنية واليمينية المتطرفة”، حسب ما نقله موقع “دوتش فيلله” في 28 ديسمبر 2019.
يدرج الموقع الرسمي لجهاز الاستخبارات الداخلية الألمانية (مكتب حمابة الدستور) في موقعه، بعض الخطط الوقائية في مواجهة انتشار مخاطر اليمين المتطرف، من بينها:
– تقديم المشورة إلى الوالدين وأفراد الأسرة والشركاء من المعنيين.
– الاتصال الشخصي والرعاية أثناء عملية فك الارتباط مع تيار يميني معين.
– ترتيب فرص مواصلة التعليم أو التدريب الوظيفي.
– المساعدة في التعامل مع السلطات.
-الاتصالات مع أصحاب العمل وضباط المراقبة و انفاذ القانون.
– المساعدة، عندما تكون هناك حاجة إلى عروض خارجية للمساعدة، على سبيل المثال في حالة مشاكل الكحول والمخدرات أو الديون.
– تقديم الدعم في حالة وجود تهديد يشكله أعضاء المشهد اليميني المتطرف، على سبيل المثال المساعدة في إيجاد سكن وترتيب عملية النقل. وفي حالات فردية، على سبيل المثال، إذا كان الانتقال حتميا تماما، سيكون من الممكن منح الدعم المالي لمرة واحدة.
ألمانيا..معضلة تصاعد تهديدات اليمين المتطرف
وقعت ألمانيا بين نوعين من التهديدات الأمنية الخطيرة ، حيث لم تنحصر التهديدات في خطر الجماعات الجهادية المتطرفة، بل ان المسألة تعدّت الى خطر تيارات اليمين المتطرف التي تتزايد حدتها سنة بعد سنة. لذلك كان لزاما من الأجهزة الأمنية الألمانية، خاصة جهاز الاستخبارات الداخلية (مكتب حماية الدستور) أن يطالب بتوسيع صلاحياته في مواجهة تهديدات اليمين المتطرف، و اعتراف السلطات الألمانية بوجود خطر حقيقي من طرف تيارات اليمين المتطرف يمس الأمن القومي الألماني.
و أن التهديدات التي تشكل هذه التيارات هي نفسها او متفاوتة الدرجة بالنسبة لتهديدات التيارات الاسلاماوية المتطرفة، فقد تبين حاليا أن اليمين المتطرف في ألمانيا أصبح أكثر تنظيما و تهيكلا بالمقارنة مع سنوات سابقة، و اصبح يتمتع باستقلالية في مسألة الحصول على الموارد المالية و تعدّيه ليكون ممثلا داخل الأجهزة والمؤسسات السياسية داخل ألمانيا، الأمر الذي صعّب من مهمة الاستخبارات الألمانية في التحكم بهذا الملف المعقد، خاصة مع وجود جماعات يمينية متطرف تعتمد على “السرية التامة” في تكتلها و تجمّعها ، و ” تقنية الذئاب المنفردة” في شن هجماتها.
الاستخبارات الألمانية بين ضوابط الدستور و رهان زيادة الصلاحيات
تواجه الاستخبارات الألمانية مثلها مثل باقي أجهزة الاستخبارات في العالم، مشكلة القواعد القانونية التي تحد من أداء عناصرها، خاصة في ما يتعلق بمحاربة التيارات اليمينية الشعبوية المتطرفة، فأجهزة الاستخبارات الألمانية تحتاج الى تقنيات واستراتيجيات أمنية معقدة مثل اختراق الجماعات المتطرفة، و فك تشفير الأجهزة الإلكترونية للعناصر المتطرفة، و كذلك التجسس على هذه الأجهزة و التنصت على المكالمات الهاتفية…الخ، كل هذه التقنيات و الاستراتيجيات تكون محكومة وفق ضوابط يحددها الدستور الألماني و القواعد القانونية الداخلية التي قد تعيق في أحيات كثيرة عمل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، و قد يعطلها عن “فعالية” الأداء و صعوبة تحقيق “النتائج المخطط لها والمرغوبة”.
و مسألة حقوق الانسان من قبيل الحقوق المدنية و السياسية جعل منها “ملجأ” للعناصر اليمينية المتطرفة للتهرب والإفلات من الرقابة و العقاب، عن طريق الضغط السياسي والاعلامي من أجل محاصرة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في ألمانيا عن أداء عملها بالشكل الضروري و المطلوب، خاصة و ان ألمانيا مرتبطة بقوانين الاتحاد الأوروبي و موقعة على اتفاقيات و معاهدات في هذا الإطار، لذلك فإن مسألة ” الرقابة القانونية ” على أعمال الاستخبارات في معالجة ملفات اليمين المتطرف.
مستقبل الاستخبارات الألمانية في مواجهة تيارات اليمين المتطرف
ان مستقبل الاستخبارات الألمانية في مواجهة تيارات اليمين المتطرف الشعبوية، مرتبط بمدى قدرة الأستخبارات الألمانية بصياغة تقنيات و استراتيجيات جديدة، تكون ذات مستوى و فعالية يمكن من خلال فك واختراق السرية التي تكتنف تجمعات و لقاءات وأنشطة اليمين المتطرف، و كذلك قدرة الاستخبارات الألمانية على تطوير أجهزة فرعية تعنى بإدارة مخاطر التطرف و استشراف الهجمات اليمينية العنيفة التي تهدد الأمن القومي والمجتمعي الألماني.
كما أن مستقبل الاستخبارات الألمانية في مواجهة اليمين المتطرف متعلق بضرورة أن تحاول السلطات الألمانية توسيع صلاحيات أجهزة الاستخبارات في مكافحة التطرف اليميني.
التوصيات
الحكومة الألمانية مطالبة بزيادة صلاحيات جهاز الاستخبارات الداخلية و تعميق أطر تحقيقاته ضد تيارات اليمين المتطرف، لكن دون اهمال التعامل مع ملفات التطرف الاسلاماوي كذلك على اعتبار ان كلاهما يشكلان أولوية التهديد للأمن القومي الألماني. مثلما تم انشاء جهاز GTEZ و تركيزة بشكل على مكافحة الارهاب الاسلاماوي، فالاستخبارات الألمانية مطالبة كذلك بإنشاء جهاز استخباراتي فرعي يجمع ما بين “البحث والتحقيق و صياغة تقنيات أمنية” لمحاربة التطرف اليميني المتصاعد.
أجهزة الاستخبارات الألمانية مطالبة كذلك بتكثيف عمليات اختراقها لمجموعات اليمين المتطرف و الاعتماد على العنصر النسوي في الاختراق و على عملاء و مخبرين يكونون قريبين من محيط انتشار الفكر اليميني المتطرف.
رابط مختصر ….https://www.europarabct.com/?p=58412
* حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
الهوامش
(Bundesamt für Verfassungsschutz (BfV
Germany Unveils New Plan to Fight Far-Right Extremism, Online Hate Speech
ألمانيا وازدياد عنف اليمين المتطرف
الإستخبارات الألمانية تعيد تنظيم نفسها، امام تهديدات اليمين المتطرف
ألمانيا: إشادة بالخط الساخن للإبلاغ عن أنشطة اليمين المتطرف
الداخلية الألمانية تعيد تنظيم الأجهزة الأمنية لمواجهة خطر اليمين المتطرف
ألمانيا.. تعزيز عدد أفراد القطاع الأمني لمحاربة اليمين المتطرف
ألمانيا تعيد تنظيم نفسها لمواجهة خطر اليمين المتطرف