مساعي أوروبية لتشكيل جيش موحد، المهام و التحديات !
إعداد المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا وهولندا
وحدة الدراسات والتقارير “2”
أكدت المستشارة الألمانية “أنغيلا ميركل” فى 22 يناير 2019 خلال مؤتمر صحفي مع الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” العمل مع باريس على تشكيل جيش أوروبي موحد وتنسيق السياسيات الخارجية بينهما. من جهته شدد الرئيس الفرنسي على ضرورة تؤكد باريس وبرلين على وجهتهما واتحادهما. وتم الإشارة إلى تطوير “ثقافة عسكرية وصناعة أسلحة مشتركتين” بحسب ما تنص عليه المعاهدة المكملة لمعاهدة الإليزيه الموقعة عام 1963 بين البلدين. وتنص المعاهدة الجديدة على بند تضامن بين فرنسا وألمانيا في حال تعرض أحدهما لعدوان، استكمالا لبند الدفاع المشترك في نظام الحلف الأطلسي.
دوافع تشكيل جيش أوروبى موحد
دعت ” أورزولا فون دير لاين” وزيرة الدفاع الألمانية السابقة ورئيسة المفوضية الأوروبية الحالية خلال وجودها في المنتدى الاقتصادي العالمي بمنتجع دافوس السويسري، إلى تعزيز القدرات الدفاعية لأوروبا وفقا لـ”DW” فى 23 يناير 2019 . وأنه “لابد أن نكون قادرين على التعامل بصورة شاملة مع المشاكل الموجودة في جوارنا والتي تعنينا بشكل مباشر”.ورأت فون دير لاين أن الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو) عازمة على الاستمرار في الاعتناء بالأمور عبر ضفتي الأطلسي، لكنها ستكتسب المزيد من الطابع الأوروبي. جيش أوروبى
وكتبت صحيفة “Le Huffington Post” عن الأسباب الموجبة لإنشاء أو تشكيل جيش أوروبي موحد في القارة الأوروبية فى 14 نوفمبر 2018. وبحسب الصحيفة، هناك ثلاثة أسباب رئيسية موضوعية لتشكيل جيش موحد بين الدول الأوروبية.
أولا: توحيد الجيوش الأوروبية يعني توحيد الرؤية المشتركة للتهديدات والمخاطرالتي تواجه أوروبا ودولها.وبهذا الصدد كشفت الصحيفة عن مبادرات عدة من دول أوروبية لدعم هذا المشروع وآخرها مبادرة مؤسسة الدفاع الأوروبية المستعدة للتمويل في مجال التكنولوجيا والابتكار.
ثانيا: أن الجيش يعتبر أكثر من مجرد أداة عسكرية، فهذه المؤسسة قادرة على جعل المجتمع الأوروبي أكثر تقاربا وتضامنا وهذا ما تفتقر إليه أوروبا منذ زمن طويل.
ثالثا:هوأن توحيد الجيوش الأوروبية في كيان عسكري واحد سيعطي أوروبا استقلالا معنويا وذاتيا عن المساعدة العسكرية الأمريكية وبالتالي التحول إلى قوة مستقلة عن الولايات المتحدة.
ووفق تقارير صحفية فى 15 مارس 2017، فإن تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي كان بمثابة فرصة لدفع ألمانيا وفرنسا، أكبر قوتين في الاتحاد، إلى إحياء فكرة القيادة العسكرية المشتركة، ويطمح الاتحاد الأوروبي، عبر هذه القيادة، إلى تشكيل وحدات عمل عسكرية مشتركة تلعب دورا في الاستجابة للأزمات، وتحقيق المزيد من الاستقرار للعمليات العسكرية الأوروبية خارد حدود الاتحاد. جيش أوروبى
دوراعضاء الاتحاد داخل الناتو
تعد قضية التمويل المالي، التي يثيرها الرئيس الأميركي “دونالد ترمب”، متهماً أعضاء الحلف الآخرين بالتلكؤ في دفع التزاماتهم المالية، تاركين العبء الأكبر على كاهل الولايات المتحدة. مسألة باتت تطرح جدياً في أوروبا موضوع قيام “جيش أوروبي” يغني القارة الأوروبية عن الاعتماد على الدعم الأميركي، المعرض باستمرار لتغير الرياح السياسية التي تهب من واشنطن وفقا لصحيفة الشرق الأوسط فى 15 ديسمبر 2019. حلف الناتو
أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في براغ وفقا لـ”يورونيوز” فى 6 ديسمبر 2019، أن الوقت “الذي كانت فيه أوروبا تولي كليا للآخرين مهمة ضمان أمنها قد ولى”، داعيا الأوروبيين لأن يكونوا “استباقيين” داخل حلف أطلسي “أكثر تنظيما وتوازنا”. واضاف أنه بالنسبة لحلف شمال الأطلسي فإن “الشرط اللازم ليكون قويا، هو أن يكون الأوروبيون استباقيين أكثر وأن يتحملوا أكثر مسؤولياتهم داخل حلف أكثر تنظيما وتوازنا”.
حذر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس وفقا لـ”سكاى نيوز عربية” فى 10نوفمبر 2019 من تقويض حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وذلك في أقوى رد من برلين حتى الآن على تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انتقد فيها الحلف العسكري. وكان ماكرون قد قال لمجلة (ذي إيكونوميست)، إن حلف شمال الأطلسي في حالة “موت إكلينيكي”، مشيرا إلى الافتقار للتنسيق، وعدم القدرة على التنبؤ بالسياسة الأميركية، في ظل قيادة الرئيس دونالد ترامب .
وذكرت صحيفة “زايت” الألمانية وفقا لـ”روسيا اليوم” فى 12 فبراير 2019، أن كل ثاني مواطن ألماني، وفقا للاستطلاع، (50 %) وصف الولايات المتحدة بالتهديد الرئيسي للبلدان الأوروبية، فيما رأى (33 %) فقط من الألمان أن أكبر تهديد يتأتى من روسيا.بالإضافة إلى ذلك، وصف نصف المستطلعين (50%) توسيع حلف الناتو بأنه سبب لتدهور الأمن الأوروبي، ورأى (41%) من الألمان تهديدا في توسيع الاتحاد الأوروبي. وفي الوقت نفسه، يعتقد أكثر من نصف الألمان (54%) أن أوروبا بحاجة إلى استثمار المزيد في مجال الأمن. وأفيد أيضا أن نفس الاستطلاعات أجريت في العديد من البلدان الأوروبية الأخرى، على وجه الخصوص، في صربيا وأوكرانيا وبولندا.
نموذج دمج وحدات عسكرية في أوروبا
انضمت إسبانيا وفقا لـ”رويترز” فى 17 يونيو 2019 إلى مشروع فرنسي ألماني لصناعة جيل جديد من الطائرات المقاتلة يوصف بأنه عامل أساسي لضمان قدرة أوروبا على الدفاع عن نفسها دون الاعتماد على حلفاء في عالم يزداد غموضا. ووقع وزراء دفاع فرنسا وألمانيا وإسبانيا اتفاقا يؤذن بتدشين إطار عمل لتعاون ثلاثي في معرض باريس الجوي.
نقلت صحيفةُ “ديفنس نيوز” الأمريكية عن مسؤولين أوروبيين قولهم: إن ثمة (34) مشروعاً من مشاريع “مبادرة التعاون المنظم” لا تزال في مرحلة التأسيس وفقا لـ”يورونيوز”فى 8 مايو 2019. تتضمن المقترحات الـ(34) مشاريع للمراقبة والحماية البحرية لتعزيز القدرات البحرية لدول التكتّل مع إمكانية إجراء مراقبة وحماية للمياه الإقليمية للتكتّل.
تتضمن المقترحات، مشروعات تتعلق بتصنيع مركبات لفرق المشاة وإنشاء فرق التدخل السيبراني السريع. وتشتمل المشاريع الأخرى على تطوير معدات جديدة، مثل المدرعات، والمركبات الهجومية البرمائية، والمركبات المدرعة الخفيفة، والدعم الناري غير المباشر، وأنظمة القيادة والتحكم الإستراتيجية لمهام الدفاع الأوروبية، وطائرات بدون طيار، ورفع مستوى المراقبة البحرية، وتطوير برنامج مشترك آمن للاتصالات اللاسلكية.
هل يمكن فعلا تنفيذ جيش أوروبي موحد ؟
وفقالـ “كلوديا ميجور” الخبيرة الأمنية في مؤسسة العلوم والسياسة الألمانية (SWP)، وكريستيان ميلينغ، من باحثي الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية (DGAP) في مسائل الدفاع، إن الجيش الأوروبي المشترك، “مشروع سابق لأوانه”… المشكلة الرئيسية، كما يقول بحثهما، هي أن لدى “باريس وبرلين أهدافا مختلفة من تنفيذ هذه المبادرة. فحالما تنتقلان من الأقوال إلى الأفعال، سينشأ بينهما احتكاك وتوتر”. فالقيادة الألمانية الحالية ترى في الجيش الموحد خطوة أخرى نحو التكامل السياسي للكتلة، وطريقة إضافية لضمان السلام بين الدول الأعضاء، بينما، في باريس، ينظرون إلى الجيش الأوروبي الموحد كعنصر إضافي في الاتحاد الأوروبي للدفع بمصالحه في مناطق نفوذه..هناك فرقان دقيقان آخران يعقّدان تنظيم جيش أوروبي موحد: أولاً، وجود جيش واحد يختلف كليا عن حصيلة تجميع جيوش الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. فالأمر يحتاج إلى إنشاء قيادة وتنسيق قتالي وبالطبع المال.
الخلاصة
تصاعدت الدعوات فى أوروبا لتكوين جيش أوروبى مشترك في ظل الاضّطرابات التي اجتاحات أوروبا من ضم روسيا للقرم، والنزاع الروسي ـ الأوكراني، والصراعات المتواجدة حاليا فى الشرق الأوسط والتى تسببت فى موجة كبيرة من اللجوء والهجرة ،كذلك صعود التيارات الشعبوية، إضافة إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، كلها مقدمات أفضت إلى تأسيس تعاون منظم ومشترك، وتعد حجر الزاوية من أجل تعزيز التكامل الأوروبي عسكرياً من خلال تكوين جيش أوروبى موحد.
تعتبر ملامح الجيش الأوروبي غير واضحة تماما وينقصها وضوح الرؤية والأهداف حول قدراته المفترضة على اعتبار أنه “سيقوض وسيوازي الناتو” بينما قدرات حلف الناتو محددة وواضحة ولها تجارب عديدة في ميادين مختلفة. كذلك هناك عدم توافق أوروبى حول ألية عمل الجيش الأوروبى ومن يتخذ القرارات فيه، وفي حال كان الاتحاد الأوروبي صاحب القرار، فذلك سيتطلب قرارات توافقية تتخذ بالإجماع، مثلما يكون الأمر مع قبول أعضاء جدد في الاتحاد. الجيش الاوروبي
لذلك يبقى تكوين جيش أوروبى موحد في باب الطموحات ويبقى الاتحاد بحاجه الى الحماية الأميركية والناتو .لذلك ينبغى إيجاد مزيد من التعاون والتكامل الأمنى بين دول الاتحاد الأوروبي خاصة في مجال الدفاع، ليس فقط في الصناعات العسكرية، بل بالتسلح والتدريب والمهام القتالية من خلال المناورات ودمج بعض الوحدات العسكرية، رغم عامل اللغة وهذا مافعلته المانيا وهولندا.
رابط مختصر … https://www.europarabct.com/?p=58069
* حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات