داعش في أفريقيا.. الوسائل العسكرية لا تكفي لمكافحة الإرهاب
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا وهولندا
بعد تنظيم القاعدة، جاء دور تنظيم “الدولة الإسلامية” ليوسع رقعة نشاطاته في القارة السمراء. مكافحة داعش في أفريقيا مهمة معقدة ولا تكفي الوسائل العسكرية للقضاء عليه. فما هي الوسائل الأخرى لمكافحة الإرهاب في أفريقيا؟
” لم نربح المعركة اليوم بعد”. والأمر يتعلق في الأشهر المقبلة بشيء واحد: “على قواتنا العسكرية تحقيق الانتصارات الواضحة”. بهذه الكلمات الواضحة عبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء زيارته للنيجر قبل أعياد الميلاد عن الموقف بشأن مكافحة الإرهاب. كلمات ماكرون تأتي في وقت لم يتم فيه تحقيق أي نجاح في الدولة الساحلية، كما في بقية دول المنطقة في هذا المجال.
وللواقع وجه آخر، ففي تشاد ومالي وأيضا في النيجر، رسخت الجماعات الجهادية وجودها. وفي كل مكان في المنطقة لا يوجد في الأفق ما يشير إلى القضاء عليها عسكريا وإيديولوجيا. وينبغي على الأقل أن تبذل القوات الفرنسية وبقية القوى الغربية، وطبعا معها القوى العسكرية المحلية، جهدا فائقا للغاية بهدف فرض السيطرة على الجهاديين وأفكارهم.
تنظيم داعش يسعى لتوسيع حضوره في أفريقيا
وليس من قبيل الصدفة أن يحدد الرئيس ماكرون فترة زمنية بحدود ستة أشهر لتحقيق هدف مكافحة داعش عسكريا وفكريا في القارة السمراء. فبعد هزيمة داعش في سوريا والعراق وطرده من مناطق واسعة كانت خاضعة لسيطرته، يحاول التنظيم الإرهابي تعويض خسارته لمناطق النفوذ عبر توسيع وجوده في غرب أفريقيا.
أما قوة مقاتلي داعش فقد باتت واضحة في البلد الذي زاره ماكرون وطالبه بمضاعفة الجهد، وهو: النيجر. ففي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي جرت مواجهة عسكرية بين قوات أمريكية داعمة لقوة نيجيرية على الحدود مع مالي ومقاتلين محسوبين على داعش. المواجهة أسفرت عن مقتل أربعة جنود أمريكيين وخمسة جنود نيجيريين.
من جانبه، أوضح الجنرال الأمريكي جوزيف دانفورد استراتيجية داعش في أفريقيا بالقول إن “طموح داعش يتمثل في توسيع حضوره في أفريقيا”. وأضاف الجنرال أنه على ضوء المواجهات القاتلة التي جرت، فإن الرئيس ترامب ووزير الدفاع جيم ماتيس سيضغطان من أجل زيادة عديد القوات الأمريكية المنتشرة في القارة السمراء، وذلك كرد فعل على ما نراه خطرا وما نتوقع أن يشكل خطرا في المستقبل أيضا”، بحسب قول الجنرال دانفورد. فيما عبر السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام عن الوضع بشكل مماثل مشيرا إلى أن “أسلوب الحرب يتغير”. مضيفا: “ستكون لنا مهمات أكثر في أفريقيا وليس اقل”.
وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تنشر حاليا 1300 عسكريا من القوات الخاصة في أفريقيا. فيما نشرت فرنسا قوة عسكرية بقوام 4000 جندي في المنطقة لدعم الحرب ضد الجماعات الجهادية. فيما جمعت الدول المانحة ـ بما فيها المملكة العربية السعوديةـ مبلغ 300 مليون دولار لدعم الجهود العسكرية لمكافحة الجهاديين في افريقيا. ومن المقرر أن يعقد لقاء تنسيقي في شهر كانون ثان/يناير في السعودية يعقبه لقاء ثان في شهر شباط/فبراير في بروكسل.
“مالي.. أفغانستان ثانية”
ويبقى الأمر مفتوحا عما إذا كانت زيادة عدد القوات ورفع حجم الأموال المخصصة لمنع انتشار داعش في المنطقة المعنية أو القضاء عليه كافيا. لكن الواضح هو أن التحديات التي تواجه التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب كبيرة ومعقدة.
في هذا السياق كتب المحلل السياسي في صحيفة “لموند” الفرنسية كريستوف أياد: “مالي.. أفغانستان ثانية بالنسبة للغرب”. فنماذج التطور فيهما متشابهة، حيث تبدأ بنصر عسكري كبير ومن ثم إخفاق في إعادة البناء، بعدها تظهر بشكل تدريجي انتفاضة تنتشر هنا وهناك تأخذ طابعا أكثر عنفا وتستند إلى سياسة ذكية تختلف كليا عن سابقتها.
الأسباب معقدة: فمن جانب يتراجع اهتمام القوات الغربية بالبلدان المعنية ـإلى حد كبير أيضا بسب فقدان الثقة بينها وبين شركاءها المحليين ـ من جانب آخر تدفع القوى الغربية الحامية للعملية السياسية بالسلطات المحلية إلى الهامش، حيث ينحصر نشاطهم بتنفيذ ما يقرره الشركاء الغربيون، وأغلبهم يجهلون التطورات المحلية، مثلا كيفية التعامل مع القبيلة الفلانية أو كيفية التعامل مع كتلة سياسية أو كيفية التعامل مع ميليشيات معينة. في غضون ذلك تكون الجماعات السياسية قد وسعت رقعة تواجدها في المنطقة.
ظروف انتشار الجماعات الجهادية
وتنتشر الجماعات الجهادية، وفق دراسة قدمتها مؤسسة “إن إس آي” الفكرية الأمريكية لأسباب عديدة تفعل فيها عوامل مختلفة فعلها. إيديولوجياً يمكن القول إن منطقة الساحل الأفريقي صعبة ومعقدة فيما يخص تقبل أفكار جهادية مثل ما يمثله تنظيم القاعدة وداعش، بحسب الدراسة. فسكان المنطقة لا يتميزون بالتحمس الديني. بيد أن منطقة الساحل الأفريقي باتت تتأثر بأفكار حركات جهادية .
لكن الاهتمام الذي يثير ظهور حركات جهادية يتعلق بأسباب أخرى تضاف على ما تم ذكره، بينها سوء الإدارة السياسية والاقتصادية على النطاق المحلي. كما تلعب الشرعية السياسية للحكومات القائمة في بلدان المنطقة دورا مميزا، بحسب ما جاء في الدراسة. ويخلُص القائمون على الدراسة إلى أن مخاطر انتشار الجهادية في منطقة الساحل كبيرة، وذلك بسبب عدم خضوع مناطق شاسعة من تلك البلدان عمليا لسلطة الدولة.
كما تعتبر تلك المناطق من أكثر المناطق الفقيرة في العالم والتي يقطنها أغلبية مسلمة إلى جانب وجود حكومات ضعيفة. كما يلعب انعدام وجود هوية وطنية واضحة في دول المنطقة دورا في هذا الشأن، بحسب الدراسة.
مزيج من نقاط الضعف
الوضع المشوه هذا يلاحظ في دول أخرى مجاورة لمنطقة الساحل، مثل بوركينا فاسو وساحل العاج ونيجيريا. ورغم أن دول المنطقة توفر أسبابا مختلفة لظهور وانتشار الجماعات الجهادية إلى جانب مواجهة كل دولة لهذه الظاهرة بأسلوبها الخاص، إلا أن هناك قاسما مشتركا بين هذه الدولة يتمثل في مزيج من نقاط الضعف في كل مفاصل الدولة والمجتمع تظهر هشاشة بنى المجتمعات والدول وتساهم بشكل عام في ظهور المنطقة بالضعف التام، وفق الدراسة الأمريكية.
كل هذه الأسباب دفعت الرئيس الفرنسي ماكرون إلى التنبيه بضرورة الإسراع في تنفيذ برنامج مكافحة الجماعات الجهادية. بيد أن الرئيس الفرنسي عليه أن يعلم أيضا أن عامل الوقت هو عنصر واحد فقط من عناصر مكافحة الإرهاب الإسلاموي في المنطقة. ولكي يتم ضمان النصر في هذه المعركة، يحتاج المرء إلى الكثير والكثير من الوقت.
كيرستن كنيب/حسن ع. حسين
https://wp.me/p8HDP0-b46رابط مختصر
بالشراكة مع ال DW