المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
إعداد: الدكتور محمد الصالح جمال – باحث في المركز الأوروبي
استراتيجية مكافحة الإرهاب في العراق وسورياـ قراءة استشراقية
صدم تنظيم داعش العالم في عام 2014، عندما هزم الجيوش الوطنية في ساحة المعركة واستولى على مساحات واسعة من الأراضي في العراق وسوريا. ويمكن إرجاع النجاح العسكري للجماعة إلى أربعة متغيرات رئيسية: الابتكار التنظيمي، وتشكيل العمليات، والعزم على القتال، وموهبة الاحتفاظ بالمبادرة. لم يؤد المشروع العسكري لتنظيم داعش إلى إعلان “الخلافة” فحسب، بل إلى انتشار الامتيازات الجهادية التي دمرت البلدان وشردت الملايين وقتلت عشرات الآلاف. ومع ذلك، أدت نقاط ضعف الجماعة في نهاية المطاف إلى انهيار إنجازها الإقليمي مع بقاء خطرها وتهديدها قائماً.
تقييم استراتيجية مكافحة الإرهاب للحكومة العراقية
أعلن، المتحدث باسم جهاز مكافحة الإرهاب العراقي السيد صباح النعمان ، يوم 22 مايو 2021، عن وضع استراتيجية لخمس سنوات لمكافحة الإرهاب في البلاد. وقال، إن “جهاز مكافحة الإرهاب ووفقا للمهام التي حددت له قانونيا، هو جهاز استخباري يعمل على متابعة وتفكيك الشبكات الإرهابية، وعمله لا يقتصر على النشاط الإرهابي، وإنما على المراقبة والتقييم أيضا”. وأضاف، أن “الجهاز عمل على وضع خطة للنهوض بإمكانياته وقدراته لثلاث سنوات مقبلة، وفي بداية هذه السنة أكمل وأطلقنا الاستراتيجية العراقية لمكافحة الإرهاب ومدتها خمس سنوات”.وأشار إلى أن “العمليات لا تزال مستمرة ضد بقايا داعش الإرهابية”.
وقال في تصريح صحفي :”تم تشكيل مجلس أعلى لمراقبة الاستراتيجية الخمسية من مستشارية الأمن القومي، بالإضافة الى طبعها وتوزيعها لكل الجهات من الوزارات والمؤسسات الحكومية ولكل السفارات والقنصليات عبر وزارة الخارجية العراقية وكذلك المنظمات الدولية وجامعة الدول العربية”. وبين ان “الستراتيجية فيها محاور محلية واقليمية ودولية وتهدف لتشخيص السليات والايجابيات وتطوير الأداء وعبر ورش عمل”.
وأوضح ، ان “الستراتيجية الخمسية تمثل رؤية الدولة العراقية في مكافحة الارهاب وهي من أولى مهام جهاز مكافحة الارهاب الذي أعدها وأطلقت في عام 2021 وبدأنا بمباشرة عملية آليات تنفيذها، وسنشرع بها في بداية 2022 بالعمل مع كل وزارة ضمن دورها في مكافحة الارهاب واستثمار كل جهات الدولة بذلك”.
لا يزال “جهاز مكافحة الإرهاب” العراقي شريكَ الولايات المتحدة الأكثر شراسة وقوة في تنفيذ عمليات نوعية وعسكرية ضد تنظيم داعش. فالعلاقة الطويلة والوثيقة التي جمعت بين هذا الجهاز وقوات العمليات الخاصة الأمريكية سهّلت تكيّفه السريع، وإن المضي، في الانتقال من مكافحة الإرهاب إلى الحرب التقليدية. ومع عودة تنظيم « داعش» إلى طابعه التمردي اليوم، استعاد “جهاز مكافحة الإرهاب” ببراعة دوره في مكافحة الإرهاب، في حين يواجه الجيش العراقي صعوبات مستمرة. وظهر نمطٌ مشابه في سوريا حيث دعم التحالف تحوّل “قوات سوريا الديمقراطية” إلى قوة قادرة على هزيمة تنظيم داعش في ساحة المعركة ويستمر اليوم بتعزيز قدراتها في مجال مكافحة الإرهاب. وفي المرحلة القادمة، يجب على الولايات المتحدة تعميق هذه العلاقات بهدف تطوير قدرات أقوى في مجال مكافحة الإرهاب.
تعمل فلول الإرهابيين التابعة لتنظيم داعش على تحقيق الانتعاش المحتمل للجماعة من خلال استغلال الثغرات الأمنية، ومحاولة إعادة بناء القوة القتالية في المستقبل، والقيام بعمليات ضد المراكز السكانية والبنية التحتية. تمكن قوات مكافحة الإرهاب العراقية قوات الدعم من ممارسة الضغط المستمر ضد داعش، مما يجبر داعش على التراجع عن قدرتها التشغيلية وفعاليتها. وهدف جهاز مكافحة الإرهاب العراقي في السنوات القادمة هو زيادة قدراته بحيث يمكن أن يدير بشكل مستقل التهديد القادم من طرف تنظيم داعش.
تقييم استراتيجية مكافحة الارهاب للتحالف الدولي
لطالما أكدت الولايات المتحدة في اطار التحالف الدولي على أن هناك دوراً لكل بلد يلعبه في إضعاف داعش وإلحاق الهزيمة به. ويساهم بعض الشركاء في الجهود العسكرية، من خلال توفير الأسلحة أو المعدات أو التدريب أو المشورة. ويشمل هؤلاء الشركاء بلدانا في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط تساهم في الحملة الجوية ضد أهداف داعش. بيد أن المساهمات الدولية ليست مساهمات عسكرية فقط أو حتى في المقام الأول. سيتطلب الجهد الرامي إلى إضعاف داعش وإلحاق الهزيمة به في نهاية المطاف تعزيز خطوط متعددة من الجهود، بما في ذلك منع تدفق الأموال والمقاتلين إلى تنظيم داعش، وفضح طبيعته الحقيقية.
وفي معرض تناوله للوضع في العراق، شدد المبعوث الأمريكي الخاص بالإنابة للتحالف الجولي ضد داعش جون غودفري في سبتمبر 2021 على ضرورة تكثيف جهود بناء القدرات المدنية لمكافحة الإرهاب للمساعدة في ضمان الهزيمة المستدامة لداعش داخل العراق، وأشار إلى أن الولايات المتحدة تعتزم مواصلة دعمها لقوات الأمن العراقية حتى في الوقت الذي تكمل فيه انتقالها بعيدا عن الدور القتالي. في سوريا، لا تزال جهود تحقيق الاستقرار في المناطق المحررة من داعش عنصرا أساسيا في الجهود الرامية إلى منع عودة داعش إلى الظهور هناك. وشدد شركاء التحالف على أهمية المساهمات في تحقيق الاستقرار في مناطق العراق وسوريا المحررة من داعش – و قام شركاء التحالف بتقديم أكثر من 600 مليون دولار مقابل لعام 2021.
يبقى التحالف الدولي ملتزماً بشدة بملاحقة و هزيمة تنظيم داعش الارهابي، وهذا ما أكدته الأحداث الأخيرة في سوريا على مدى خطورة تنظيم داعش والتهديد المتواصل الذي يشكله في المنطقة وخارجها. و قد لوحظ تراجع دور و نشاط التحالف الدولي في سوريا والعراق مما انعكس سلباً على حالة الأمن والاستقرار في المنطقة، مما أدى إلى استئناف العمليات والهجمات الإرهابية لتنظيم داعش الارهابي، الذي أبان على امكانياته في إعادة بناء شبكاته وقدراته في المناطق والأقاليم التي تشهد غياباً في انتشار قوات التحالف الدولي.
تقييم استراتيجية مكافحة الإرهاب لدول أوروبا – الاتحاد الأوروبي
إلتزم الاتحاد الأوربي بمكافحة تهديد داعش وقد تبنّى مجموعة واسعة من التدابير الشاملة للقيام بذلك. إن مشاركة الاتحاد الأوربي كشريك غير عسكري في التحالف الدولي لمكافحة داعش قد زادت من التعاون بين بلدان المنطقة حيال مكافحة الإرهاب، وقد أدت إلى نشوء مجموعة واسعة من المشاريع حول مكافحة الأصولية، والأمن الداخلي وأمن الحدود. الاتحاد الأوربي جهة مانحة عالمية ورائدة في الاستجابة للأزمتين السورية والعراقية.
وللتصدي لنفوذ داعش العقائدي، وفر الاتحاد الأوربي الدعم المالي للبلدان الشريكة من أجل فهم ومواجهة عملية الأصولية التي تؤدي إلى التطرف والإرهاب العنيفين على نحو أفضل. وعمل الاتحاد الأوروبي أيضاً إلى تعزيز المناعة المحلية لمقاومة تجنيد المتطرفين. قام كذلك بدعم التدابير المتخذة في مجال التعليم والشباب ومنع ومكافحة الدعاية الإرهابية وخطاب الكراهية على شبكة الإنترنت وخارجها، فضلاً عن التدابير الرامية إلى تيسير إعادة الإدماج والتصدي للأصولية في السجون. وقد نشط الاتحاد الأوروبي في التوعية الدبلوماسية الإقليمية والدولية، ويواصل دعم جهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، السيد غير بيدرسن، لتسهيل التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2254. وفيما يتعلق بالعراق، لا يزال الاتحاد الأوربي يشجع، من خلال الحوار السياسي، جيران العراق على دعم جهود الإصلاح والمصالحة التي تبذلها الحكومة.
الخلاصة
تندرج استراتيجية مكافحة تنظيم داعش في الوقت الحالي تحت سلسلتين منفصلتين من القيادة، و يبدو أن هناك فجوة ملحوظة بين قوات التحالف الدولي لمواجهة تنظيم داعش وبين عملية العزم الصلب المكونة من فرقة عمل مشتركة موحدة : فلكل منهما مسؤولية وخطوط قيادة مستقلة، يعطي التفاوت في الأهداف و الأساليب بوجود حملة انقسام بصورة معتدلة أو غير معتدلة ، ويعزز هذا بدوره تحليلات الخبراء التي تقترح ان استراتيجية مكافحة الارهاب لتنظيم داعش تنقصها “رؤية شاملة”.
نجحت القوات العراقية، تحديداً جهاز مكافحة الارهاب من تحييد قدرات داعش خاصة في المناطق الحضرية، ليبقى داعش في المناطق النائية، تلك المناطق تحتاج إلى استراتيجية جديدة تتماشى مع التضاريس وطبيعة الأرض، وربما تكون عمليات الإنزال أو القوات الخاصة في اصطياد رؤوس قيادات التنظيم هي الأفضل، وهنا الحديث عن حوض حمرين شمال شرق بغداد وعن البادية السورية.
أصبح تنظيم داعش يمتلك قدرة كبيرة على التكيف والتأقلم مع الخطط و الاستراتيجيات التي ترسمها الدول والتحالفات في إطار مكافحة الارهاب، مما زاد من صعوبة اجتثاث التنظيم الارهابي من جذوره بشكل كلي ونهائي ، خاصة في ظل الانسحاب الأمريكي من ملعب الحروب ضد الإرهاب وتبعتها في ذلك بعض الدول الأوروبية، لاعتبارات سياسية ومالية (حسابات المصالح و التكاليف). لذلك يجب على القوى الدولية الكبرى والتنظيمات الدولية والإقليمية أن تضاعف من دعمها لدول المنطقة خاصة العراق وسوريا لمنع توسع نفوذ تنظيم داعش، وتلتزم بالمرافقة الأمنية والعسكرية و اللوجيستيكية تجاه كل من العراق و سوريا.
ما ينبغي العمل عليه تعزيز قدرات جهاز مكافحة الإرهاب إلى جانب قوات “قسد” في مجال التدريب والتسلح.
رابط مختصر…https://www.europarabct.com/?p=79939
* الحقوق محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب و الاستخبارات
الهوامش
How to Keep the Islamic State Down in 2022 and Beyond
https://bit.ly/3BA7tx7
THE GLOBAL COALITION TO DEFEAT DAESH/ISIS
https://bit.ly/3sTtnaQ
The Global Coalition To Defeat ISIS
https://bit.ly/34QYls4
(CTEF)Counter-islamic state of Iraq and Syria (ISIS): Train and equip fund
https://bit.ly/3pmswi3
Beating the Islamic State
https://bit.ly/3s3E4bm
الاتحاد الأوروبي
https://bit.ly/3JFu6TA
الاتحاد الأوروبي-مكافحة داعش
https://bit.ly/3p28JEd