الإنسحاب الأميركي من أفغانستان ـ بؤرة فوضى أمنية جديد
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الإستخبارات
إعداد: وحدة الدراسات و التقارير “8”
ذكرت إدارة الرئيس الأمريكي السابق ترامب في يناير 2021 أنها خفضت القوات الأمريكية في أفغانستان إلى 2500، أدنى مستوى منذ عام 2001، بعد ذلك قررت إدارة الرئيس الأمريكي الجديد بايدن من أن الانسحاب العسكري الكامل المحتمل يكون بحلول مايو 2021، وذلك حسب الاتفاق الذي تم توقيعه بين الولايات المتحدة وطالبان في فبراير 2020. وكجزء من هذا الاتفاق، في مقابل كامل انسحاب القوات الدولية، طالبان ملتزمة بمنع الجماعات الأخرى، بما في ذلك تنظيم القاعدة، من استخدام الأراضي الأفغانية لتجنيد أو تدريب أو جمع التبرعات للأنشطة التي تهدد الولايات المتحدة أو حلفائها.
واقع القوات الأمريكية و قوات التحالف في أفغانستان
يوجد ما يقرب من 3500 جندي أمريكي في أفغانستان وحوالي 7000 من قوات الناتو وقوات التحالف. وقد زاد عدد القوات الأمريكية في أفغانستان مع ضخ واشنطن لمليارات الدولارات لمحاربة تمرد طالبان، فضلا عن تمويل إعادة الإعمار. وقد انخفض هذا العدد إلى 4 آلاف جندي ، مع تقلص الأرقام بشكل أكبر. هناك أيضا أعداد كبيرة من المتعاقدين الأمنيين الذين يعملون لحسابهم الخاص، والذين يعملون لصالح الولايات المتحدة في أفغانستان، ويشمل ذلك العدد اعتبارا من الربع الأخير من عام 2020 أكثر من 7800 متعاقد يحملون الجنسية الأمريكية، وفقا لبحث أجراه الكونغرس الأمريكي. ووفقا لوزارة الدفاع الأمريكية بلغ إجمالي الإنفاق العسكري في أفغانستان (من أكتوبر من عام 2001 وحتى سبتمبر من عام 2019) 778 مليار دولار.خريطة حواضن التطرف و الإرهاب أفغانستان
انسحاب القوات الأمريكية و قوات التحالف من أفغانستان
قرر الحلفاء البدء في سحب القوات المنتشرة في إطار بعثة الدعم غير القتالية، التي تقوم بتدريب وتقديم المشورة والمساعدة لقوات ومؤسسات الأمن الأفغانية منذ يناير 2015. وسيبدأ تخفيض جميع القوات الأمريكية وقوات بعثة الدعم غير القتالية في 1 مايو 2021. وقد أطلقت قوة الدعم الأمني في أعقاب انتهاء مهمة القوة الدولية للمساعدة الأمنية في ديسمبر 2014، عندما نقلت المسؤولية عن الأمن في أفغانستان إلى قوات الدفاع والأمن الوطنية الأفغانية. وسيواصل حلف الناتو وشركاؤه دعم عملية السلام الجارية التي تقودها أفغانستان. ويكون انسحاب القوات لا يعني نهاية العلاقة مع أفغانستان، بل يعني بداية فصل جديد في 18 أبريل 2021.
قال مسؤولون أمريكيون إن الرئيس بايدن سيسحب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان ، ليكمل الخروج العسكري بحلول الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر 2001 التي جذبت الولايات المتحدة إلى أطول حرب لها. وصرح مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأمريكية بموجب قواعد عدم الكشف عن هويته التي حددها البيت الأبيض، إن القرار سيبقي الآلاف من القوات الأمريكية في البلاد بعد الموعد النهائي للخروج في الأول من مايو الذي تفاوضت عليه إدارة ترامب مع طالبان. الانسحاب الأميركي من أفغانستان الفوضى تلوح في الأفق!
ولا تزال القوات الأمريكية منتشرة في كوكبة من حوالي اثنتي عشرة قاعدة، معظمها يحتوي على مجموعات صغيرة من قوات العمليات الخاصة التي تقدم المشورة للجيش الأفغاني. ومن أجل تغطية الانسحاب، التزم الجيش الأمريكي بتقديم قدر كبير من الدعم الجوي، بما في ذلك وضع حاملة طائرات في الخليج الفارسي، في حال قررت طالبان الهجوم.الإنسحاب الأميركي من أفغانستان ـ الفوضى تلوح في الأفق!
صراع بايدن و الاستخبارات المركزية حول الانسحاب الأمريكي من افغانستان
حذرمدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز من أن قدرة الولايات المتحدة على جمع المعلومات الاستخبارية والعمل ضد التهديدات المتطرفة التي تنشأ في أفغانستان ستتضاءل بعد رحيل القوات الأمريكية. وسلطت شهادة بيرنز أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الضوء على خطر رئيسي كامن في قرار الرئيس جو بايدن بسحب جميع القوات الأمريكية المتبقية على الرغم من الوجود الدائم لمسلحي تنظيم “القاعدة” وتنظيم “داعش”. وذكر تقرير للأمم المتحدة في يناير 2021 أن هناك ما يصل إلى 500 مقاتل من القاعدة في أفغانستان طالبان تحافظ على علاقة وثيقة مع الجماعة الإسلامية المتطرفة. وتنفي حركة طالبان وجود أي من عناصر القاعدة في أفغانستان.
الأوضاع غير المستقرة في افغانستان.. نحو توسيع النفوذ الايراني ؟
انسحاب القوات الأمريكية وقوات التحالف من أفغانستان قد يؤدي إلى مزيد من حالة عدم الاستقرار والفوضى الأمنية، الأمر الذي قد تستفيد منه إيران في أول فرصة، باعتبارها أحد القوى الإقليمية الفاعلة داخل أفغانستان. من المحتمل أن يؤدي الانسحاب الأمريكي من أفغانستان إلى تسريع إيران لوتيرة مشروعها النووي على اعتبار غياب الخطر الأمريكي على جوارها، فإيران كانت تعتبر القوات الأمريكية الموجودة في جوارها تهديدا لبرنامجها النووي، بحيث كانت تخشى من استخدام الولايات المتحدة للأراضي الأفغانية كقاعدة حيوية وقريبة تمكنها من ضرب المنشآت والمفاعلات النووية. بالإضافة إلى ذلك، فإن احتمال التمويل الإيراني العسكري واللوجيستي للفصائل المتطرفة خاصة حركة طالبان والفصائل الشيعية الأفغانية، قد يكون السيناريو الأقرب الذي تحضر له إيران بعد الانسحاب الأمريكي، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من تعقيد عملية السلام واستتباب الأمن في أفغانستان.
تصعيد الجماعات المتطرفة لعملياتها من داخل أفغانستان.. نحو الرجوع إلى نقطة الصفر ؟
ساهم الوجود الأمريكي في أفغانستان في تقليل حجم التهديدات والعمليات الإرهابية من أفغانستان. ولكن لا يوجد شك في أنه كان هناك تطور كبير في التهديد الإرهابي على المستوى العالمي، والذي يتوجب مواجهته باستراتيجية عالمية تحتاج إلى أخذ أفغانستان في عين الاعتبار على أنها تبقى بؤرة مهمة وخطيرة في تصدير الإرهابيين ومركز تخطيط للعمليات الإرهابية إقليميا ودوليا. وأفغانستان لا تزال رمزيا وجغرافيا مساحة جذابة للجماعات الجهادية والمتطرفة التي تطمح لمهاجمة الولايات المتحدة وحلفاؤها ومصالحها الإقليمية والدولية، لذلك فإن الانسحاب الأمريكي من المحتمل أن يعيد الثقة والطموح والقوة لتلك الجماعات الإرهابية في سبيل التخطيط وتنفيذ أنشطة إرهابية كبرى.
تقييم: انسحاب القوات الأمريكية و قوات التحالف من أفغانستان
إن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان جاء بعد عقود من التجاذبات وأخذ ورد لمدى جدوى التواجد الأمريكي وقوات التحالف في أفغانستان وهل بالفعل تم تحقيق الأهداف التي حشدت من أجلها جيوش وأموال طائلة. الخسائر المادية والبشرية التي تكبدتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في أفغانستان مهدت إلى إعادة التفكير في مدى ضرورة التواجد العسكري، أزمة جائحة كورونا وتصاعد النفوذ الصيني في المنطقة كأنا النقطة التي الفاصلة في اتخاذ القرار الأمريكي بالانسحاب. . لكن هذا القرار كيف ستكون تداعياته السياسية والأمنية خاصة على المنطقة وعلي الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها؟
لم تحقق الولايات المتحدة هدفها المتمثل في هزيمة طالبان. منذ عدة سنوات، كانت حركة طالبان تصعد باطراد في ساحة المعركة. وهي تسير على طريق أن تصبح أقوى قوة سياسية في أفغانستان، وطرفا فاعلا قويا في حكومة أفغانية مقبلة. كما أن طالبان حسب الكثير من المراقبين تريد إدماج مقاتليها في الأجهزة العسكرية والاستخباراتية الأفغانية على الرغم من أن قوات الأمن الأفغانية قد انهارت بشكل كبير مسبقا. لذلك يمكن لطالبان الانقضاض على العديد من المناطق والأقاليم والسيطرة عليها أمنيا وسياسيا. والأسوأ من ذلك أن الحرب الأهلية القائمة يمكن أن تشتد وتتحول إلى حرب أكثر دموية على غرار النموذج السوري أو الليبي قبل وصول طالبان إلى السلطة.
بعد الإعلان عن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، من المحتمل أن يخلق ذلك على المدى القريب حالة انزعاج وقلق لإدارة بايدن أيضا إزاء ما إذا كانت إيران وباكستان وروسيا والصين والهند وتركيا ستفعل المزيد في أفغانستان، خوفا من أن تملأ دول أخرى الفراغ الذي خلفه انسحاب الولايات المتحدة، الأمر الذي من شأنه إعادة أفغانستان إلى بؤرة فوضى أمنية جديدة وفق ما يعرف بحروب الوكالة
رابط مختصر..https://www.europarabct.com/?p=75186
*جميع الحقوق محفوظة إلى المركز الاوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الإستخبارات
الهوامش
الحرب في أفغانستان: كم كلف ذلك الصراع الولايات المتحدة؟