الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

آخر المشاركات التلفزيونية

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...

تجسس ـ واقع ومخاطر تجسس الصين على الأراضي الألمانية

مايو 18, 2024

بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI ـ وحدة الدراسات (26)

بالتزامن مع سعي الاتحاد الأوروبي بقيادة ألمانيا وفرنسا لإنهاء أي خلافات قائمة مع الصين، والدخول إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية، يستمر مسلسل التجسس الصيني على الأراضي الألمانية، في توقيت تتصاعد فيه التوترات السياسية في القارة الأوروبية، لاستمرار حرب أوكرانيا لأكثر من عامين، وتتأزم العلاقات بين الصين والولايات المتحدة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والتكنولوجية. وتثار التساؤلات حول أهداف الصين من هذه التحركات، وتداعياتها على العلاقة مع ألمانيا، وتتعامل حكومة برلين مع هذه التطورات في ضوء الانتقادات الداخلية لها بشأن التوجه لترميم العلاقات مع بكين، والاعتراض الأمريكي على التقارب الصيني الأوروبي في الأشهر الأخيرة.

حالات التجسس الصيني على الأراضي الألمانية

لم تمر أيام على زيارة المستشار الألماني أولاف شولتس للصين في منتصف أبريل 2024، لتعلن السلطات الألمانية عن ضبط حالات تجسس لصالح الصين، وفي 22 أبريل 2024 اعتقل المدعي العام الفيدرالي بألمانيا رجلين وامرأة بتهمة التجسس لصالح الصين، وتم القبض على المتهمين “توماس ر” والزوجين “هيرويج إف وإينا إف”، في مدينتي دوسلدورف وباد هومبورغ. وأشارت التحقيقات إلى أن “توماس ر” هو المشتبه به الرئيسي، لحصوله على معلومات بشأن تقنيات مبتكرة يمكن استخدامها عسكرياً لصالح الصين، ونقلها عبر شركة ” “هيرويج إف وإينا إف”، وما زاد الأمر تعقيداً إلى أن هناك اتفاقية تعاون بين هذه الشركة وجامعة ألمانية، لذا اعتبرتها السلطات بوابة للتجسس على العلماء والباحثين الألمان.

أوضح المدعي العام الألماني، أن المرحلة الأولى لهذه القضية شملت إعداد دراسة لشريك متعاقد صيني، بشأن التكنولوجيا الحديثة في قطع غيار الآلات، والتي تمثل أهمية في تشغيل محركات السفن القتالية، منوهاً إلى أن موظف بالاستخبارات الصينية كان وراء الشراكة مع المتعاقد الصيني. ووجهت السلطات الألمانية إلى المشتبه بهم، تهم العمل كعملاء للمخابرات السرية وانتهاك قانون التجارة الخارجية، لإجرائهم مفاوضات حول مشاريع بحثية، وتسليم أجهزة ليزر إلى المخابرات الصينية دون ترخيص، رغم أن هذا الأمر يخضع لقواعد الاستخدام المزدوج للاتحاد الأوروبي في الاستخدامات المدنية والعسكرية.

بعد هذه الواقعة بيوم واحد، ألقى المدعى العام القبض على شخص رابع، ويدعى “ماكسيميليان كراه” مساعد يعمل لدى نائب ألماني في البرلمان الأوروبي وينتمي لحزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني. ورداً على الواقعتين، نفت الصين أي اتهامات موجهة لها بالتجسس على ألمانيا، مطالبة التوقف عن استخدام هذه الادعاءات والانخراط في سياسات مناهضة لها. واعتبرت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر، أن الكشف عن جاسوس يعمل بالبرلمان الأوروبي خطر للغاية، خاصة وأنه مرر مفاوضات وقرارات بالبرلمان منذ يناير 2024، ويشتبه في تجسسه على معارضين صينيين بألمانيا لصالح الصين.

استدعت الصين في 26 أبريل 2024، السفيرة الألمانية في بكين باتريشيا فلور، على خلفية اتهامات بكين بالتجسس، وقالت باتريشيا فلور إنه “لا نتسامح مع التجسس في ألمانيا بغض النظر عن البلد الذي يأتي منه”. وفي 28 أبريل 2024 اعتقلت السلطات الألمانية مواطنين ألمانيين من أصل روسي، للاشتباه في قيامهما بالتخطيط لتخريب مساعدات عسكرية ألمانية لأوكرانيا. وترى الباحثة في مركز لايبنتز للشرق الحديث نورا شلاتي، أنه غير معتاد ضبط (3) شبكات متورطة في التجسس لصالح روسيا والصين في الوقت نفسه.تجسس ـ الجيش الألماني، خروقات أمنية، الأسباب والمخاطر

تعد هذه الجهود من الاستخبارات الألمانية استكمالاً، للتحركات من الأجهزة الأمنية العامين الماضيين، مع احتدام التوترات مع الصين وروسيا. وفي 30 يونيو 2023 استبعدت جامعة ” إرلانجن نورمبرج” الألمانية طلاب صينيين، بعد شهر على إعلان برلين استراتيجية للتعامل مع الصين، والتي تعتبرها شريكاً ومنافساً في آن واحد. ورغم أن الجامعة هي أكبر جامعة حكومية في فرانكن، إلا أن المخاوف من استغلال بكين الطلاب الصينيين الوافدين لألمانيا لأغراض التجسس، بالاعتماد على الحرية الأكاديمية في الجامعات الألمانية للاضطلاع على المواد البحثية المتعلقة بصناعة الأسلحة. وتم تسجيل نحو (40) ألف طالب صيني بالجامعات في الفصل الدراسي (2020- 2021)، ويستكمل نحو ثلث الطلاب الصينيين بألمانيا العيش بها بعد (10) أعوام من بدء دراستهم. وحكمت محكمة ميونيخ في 29 أبريل 2022، على عالم السياسة الألماني كلاوس لانج بالسجن لمدة عامين، بعد إدانته بالتجسس لصالح الصين.

ماذا تبحث الاستخبارات الصينية في ألمانيا؟

يرى خبراء أن قضايا التجسس المثارة الآن، تعكس رغبة الصين في الوصول إلى الأبحاث المتقدمة لصالح أغراض عسكرية وصناعية، بينما تستهدف روسيا إبطاء حركة المساعدات العسكرية الألمانية المقدمة لكييف. وأوضح ضابط سابق في الجيش الألماني وعضو عن المعارضة في البرلمان الألماني رودريش كيسويتر، أن الصين تستغل انفتاح ألمانيا للوصول إلى تقنيات حديثة، منوهاً إلى أن حملات الاعتقال الأخيرة رسالة من برلين للحلفاء على قدرتها لمواجهة هذه التهديدات. وكانت تعاني الاستخبارات الألمانية من قيوداً شاملة مفروضة عليها في التعامل مع هذه القضايا بعد الحرب الباردة.

تتزايد المخاوف من التجسس الصيني لأهدافه المستترة، تتعلق بعمليات تجسس مباشرة تقليدية، والاعتماد على أنشطة “المنطقة الرمادية” كاستغلال النفوذ والقمع العابر للحدود الوطنية. ولدى الجواسيس الصينين (3) أولويات؛ جمع المعلومات عن الصناعات الحساسة، وتشكيل الاتجاهات السياسية والاقتصادية بما يتوافق مع مصالح الصين، مراقبة سكان الشتات مثل أقليات “الأويغور، و”هونغ كونغ”، والتبتيين”. وتستهدف بكين من النقطة الأخيرة، إيصال رسالة لهؤلاء الأقليات بعدم الأمان وأن المانيا لا تستطيع حمايتهم، إضافة لردع أي انتقادات قادمة منهم، وجمع معلومات لمحاكمتهم إذا جاءت الفرصة. وتتولى وزارة أمن الدولة (MSS)هذه المهمة، كونها تضم أجهزة الأمن والشرطة السرية وكيان جمع المعلومات الاستخباراتية، لذا يطلق عليه “مكتب التحقيقات الفيدرالي” ووكالة “المخابرات المركزية”.

تلجأ الصين إلى التجسس الصناعي الذي يعرف باسم “الهندسة الاجتماعية”، ويتلاعب بالأشخاص العاملين في الشركات للحصول على معلومات مهمة، وقد يلجأ الجواسيس إلى التنكر في هيئة رجال أعمال أو صحفيين أو دبلوماسيين، أو استئجار عملاء لتنفيذ أنشطة محددة باستخدام هويات مزورة. وتهتم بكين بجمع معلومات تكنولوجية لاستخدامها عسكرياً، وتقنيات صواريخ الكروز والرقائق الدقيقة، وأشعة الليزر والروبوتات والذكاء الاصطناعي. وترغب الصين في تقوية اقتصادها عبر التجسس، بالاستحواذ على الشركات والاستثمارات المباشرة، لاسيما مع تطور الأمن السيبراني وزيادة الهجمات الإلكترونية المستهدفة للبنية التحتية للمؤسسات بألمانيا. وتقع (3) قطاعات بألمانيا في مرمى التجسس الصيني؛ “التجارة والعلوم والصناعة”، وعملت الداخلية الألمانية على زيادة الحماية بالتعرف على المخاطر وتجنبها والتصدي للتبعات.تجسس ـ عملاء الصين يخترقون ألمانيا !

مخاطر التجسس الصيني 

تتخوف ألمانيا من تأسيس الصين جيشاً من الجواسيس لمراقبة المغتربين لديها”الجالية الصينية”، وقال الخبير العسكري الاستراتيجي الصيني سن تزو، في 3 يناير 2024، إن “أهمية التجسس تكمن في التعرف على الخصم قبل أي معركة”. ووضعت بكين في 2017 قانوناً أساسياً للخدمة السرية، يتضمن إلزام أي منظمة أو مواطن صيني بالتعاون مع الاستخبارات بحسب القانون. وبزيادة أعداد الطلاب الصينيين في ألمانيا، أصبح هناك تحذير معتاد من تدفقهم المتزايد للجامعات. وأشارت تقارير في 2023 إلى إنشاء الصين عشرات مراكز الشرطة بأوروبا، بينما بررت بكين الأمر لمساعدة المغتربين الصينيين. ويتكبد الاقتصاد الألماني (200) مليار يورو سنوياً جراء الأضرار الناجمة عن التجسس، رغم أن هناك شركات لا تنشر البيانات المتعلقة بهذه الأنشطة خوفاً من الإضرار بسمعتها.

تداعيات التجسس الصيني على العلاقة بين بكين وبرلين

علق المستشار الألماني أولاف شولتس في 24 أبريل 2024، على حالات التجسس الصيني الأخيرة، بأنها مقلقة للغاية وتتطلب إجراءات للتصدي لها، مشدداً على رفضه لمحاولات التجسس على بلاده. ورغم اتجاه التوقعات إلى محاكمة ألمانيا للمسؤولين عن التجسس في حالة ثبوت الاتهامات، إلا أن المصالح الاقتصادية هي المعضلة التي تمنع تصدع العلاقات بين البلدين، فألمانيا تنظر للصين بأنها سوقاً مهماً لصادراتها خاصة في مجال السيارات ومنافساً نظامياً أيضاً. وتعد الصين الشريك التجاري الأول لألمانيا، وبلغ التبادل التجاري بينهما (266.68) مليار دولار في 2023، وتربطهما شراكة استراتيجية منذ 2014.

الظروف الاقتصادية لألمانيا تمنعها من تقليل الواردات والصادرات مع الصين، ومن المتوقع أن يحقق الاقتصاد الألماني نمواً بنسبة (0.2%) بدلاً من (1.3%) كانت متوقعة في سبتمبر 2023، ومن المحتمل أن يستمر النمو عند (0.5%) حتى 2028. ونظراً لأن برلين تربط نمو اقتصادها بالصادرات لمختلف أسواق العالم وخاصة السوق الصينية، وتعتمد على زيادة الطلب على منتجاتها وانخراط الشركات الألمانية في الصين، تعويضاً للخسائر التي تكبدتها جراء توتر العلاقات مع الصين في الفترة الماضية. وتوجد (5) آلاف شركة ألمانية بالصين متخصصة في صناعة السيارات وأخرى رائدة في التكنولوجيا، وارتفعت الاستثمارات الألمانية في الصين إلى (19.8%) على أساس سنوي في يناير وفبراير 2024.تجسس ـ فضيحة تنصت روسيا على اتصالات الجيش الألماني

تقييم وقراءة مستقبلية

– تشير حالات التجسس الصيني على الأراضي الألمانية، إلى أن العلاقة بين الصين وأوروبا وتحديداً لألمانيا لن تتجاوز الشراكة والتعاون الاقتصادي والتجاري ولن تصل إلى مرحلة التحالف، لاسيما وأن هناك نقاط خلافية لم يتوصل الطرفان إلى تسويتها مثل الحرب الأوكرانية وعلاقة بكين وموسكو، والتوترات بين بكين وواشنطن رغم أن أوروبا تتبنى موقفاً محايداً في هذه النقطة، إلا أن الصين لا تغفل العلاقة الوطيدة بين أوروبا والولايات المتحدة. وبالنظر إلى هذه الاعتبارات تظل الهجمات الإلكترونية وعمليات التجسس، ورقة الصين للضغط على أوروبا وألمانيا في هذه الملفات الشائكة وتداعياتها على العلاقات الثنائية بينهما، وبهدف متابعة الخطوات التي تخطوها ألمانيا في التطور التكنولوجي واستخداماته العسكرية، ما يؤكد على خطورة هذه العمليات على أمن ووحدة المجتمع الألماني.

– إن استغلال الصين لسياسيين ألمان وتحديداً من أحزاب التيارات اليمينية المتطرفة والشعبوية في عمليات التجسس، يشير إلى رغبتها في الاحتفاظ بالعلاقات الاقتصادية مع ألمانيا، وإصرارها على استكمال أهدافها من هذه العمليات، لجمع كافة المعلومات عن الأوضاع السياسية والاقتصادية في ألمانيا، إضافة إلى متابعة أحوال الصينيين المستقرين هناك، لتبعد أي اتهامات مباشرة لها بشأن هذه المحاولات.

– تعامل السلطات الألمانية السنوات الماضية مع حالات التجسس الصيني، تدل على وجود ثغرات في الأجهزة الاستخباراتية والأمنية، واتباع سياسات خاطئة في التعامل مع هذه التهديدات المحتملة، لذا جاء إدراك المؤسسات الألمانية متأخراً لخطورة الوضع على أمنها القومي، بحملات الاعتقال والمحاكمات لأي متهم في قضايا تجسس خلال العامين الماضيين.

– تداعيات التجسس الصيني على ألمانيا، ستشمل احتجاج رسمي من الحكومات الألمانية لدى الصين، واتخاذ تدابير استباقية تحسباً لأي عمليات مماثلة محتملة، في ظل التواجد الكبير للطلاب الصينيين والشركات الصينية في ألمانيا، وربما يقتصر التصعيد بين بكين وبرلين على حرب كلامية بين مسؤولي البلدين بشأن اتهام الأولى بالتجسس وتجنيد ألمان لصالحها. وبطبيعة الحال لن تطول هذه التوترات كثيراً، وربما تنتهي عقب انتهاء الانتخابات الأوروبية المقررة في يونيو 2024، لأن الأحزاب الألمانية تعترض على سياسات الحكومة حول إعادة التوازن للعلاقات مع الصين.

– العلاقة بين الصين وألمانيا الآن تحكمها المصالح المشتركة، فالصين بحاجة لكسب ود ألمانيا في الصراعات العالمية الراهنة، في ضوء تحركاتها لإقامة جبهة حلفاء وإعادة تشكيل النظام الدولي، وألمانيا تحتاج السوق الصيني لفتح استثمارات أكثر وزيادة حجم الصادرات والواردات، ومن هنا يتضح أن الاضطرابات التي يمر بها الاقتصاد الألماني، ستكون عامل رئيسي في خفض أي حدة توترات محتملة بين الجانبين على وقع عمليات التجسس الصيني.

-انخراط سياسيين من حزب “البديل من أجل ألمانيا” في قضايا تجسس لصالح الصين، يضعف من موقفه في الانتخابات المقبلة رغم ارتفاع أسهمه في استطلاعات الرأي، خاصة وأن الأحزاب المتطرفة كانت تستغل علاقة بكين وبرلين لانتقاد سياسات الأخيرة، لكسب كتل تصويتية جديدة، وتصبح أداة ضغط في يد الحكومة الألمانية، لتشديد الرقابة على أنشطة الحزب والتصدي لأي حملات تشويه تقوم بها هذه الأحزاب ضد الأحزاب التقليدية.

رابط مختصر..https://www.europarabct.com/?p=93833

*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات

الهوامش

Countries are now forced to confront it’: Rise in Chinese espionage arrests alarms Europe

https://bit.ly/3UUQDEu

Germany grapples with wave of spying threats from Russia and China

https://bit.ly/4dBunGV

China’s ‘Army Of Spies’ Horrifies Germany; Report Cautions Against Massive Influx Of Chinese Students

https://bit.ly/3R3cW8T

China spy fears: EU parliament staffer for AfD arrested in Germany

https://bit.ly/3WIVk5z

 

الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...