المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات-ألمانيا و هولندا
إعداد : وحدة الدراسات والتقارير “6”
منذ توقيع اتفاقية ياوندي في العام 1963 بين المجموعة الاقتصادية الأوروبية وبين الدول الأفريقية، ركّز انخراط أوروبا على التعاون الإنمائي. لكن الاتحاد الأوروبي، الذي يدرك أن تحسين أمن الساحل يصب أيضاً في صالح تعزيز الأمن الأوروبي، تبنّى استراتيجية شاملة منذ العام 2011، أفضت إلى تشكيل “قوة مشتركة في منطقة الساحل” ومنح مبلغ 450 مليون يورو لمالي وموريتانيا والنيجر عبر الصندوق الأوروبي للتنمية والمديرية العامة للتعاون الدولي والتنمية.
ويتم تطبيق هذه الاستراتيجية في إطار خطة العمل الإقليمية، التي تُضاف إليها مبادرات أخرى مثل التحالف الدولي لزيادة القدرة على التكيف والصمود التي انطلقت في بوركينا فاسو في العام 2012، وعملية نواكشوط التي رأت النور في العام 2013 تحت إشراف الاتحاد الأفريقي، والمؤتمر الوزاري في باماكو الذي حظي بدعم منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي ومنظمات أخرى.
كثف الاتحاد الأوروبي انخراطه في منطقة الساحل وبات يركّز أيضاً على الأمن. وهذا أمر مفهوم باعتبار أن دول المغرب العربي الواقعة شمال منطقة الساحل تشكّل الحدود الجيوسياسية الجنوبية لأوروبا. وتواجه بلدان الساحل، على امتداد حدودها الطويلة سهلة الاختراق، أزمات متعددة الأبعاد منها الضعف البنيوي، وسوء الحوكمة، والفساد، وقلّة التطوّر، والهشاشة الاقتصادية، والإجرام، والاتجار غير المشروع، والإرهاب، والصراعات الداخلية المستعصية، والانعدام المستمر للأمن الغذائي، فضلاً عن المخاطر البيئية والنمو السكاني المرتفع. كل هذا يولّد حالة من انعدام الاستقرار بشكل كبير في المغرب العربي، إضافةً إلى إمكانية امتداده إلى أوروبا، الأمر الذي أدى بالاتحاد الاوروبي الى ضرورة ايجاد تنسيق و تعاون أمني مع دول افريقيا.
الاتفاقيات الأمنية بين الإتحاد الأوروبي و دول أفريقيا
ذكر تقرير لمركز كارنيجي للشرق الأوسط بعنوان ” الحدود الافريقية لأوروبا ” الصادر سنة 2017 ، أن الاتحاد الأوروبي عزز الاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف على السواء ، تشمل كلية أمن الساحل، فضلاً عن برنامج نظام معلومات الشرطة في غرب أفريقيا، الذي يُعدّ منصة لتبادل المعلومات بين مقرات الشرطة في كل من بنين وغانا ومالي وموريتانيا والنيجر.
أنشأ الاتحاد الأوروبي ثلاث بعثات للعمل في إطار سياسته الأمنية والدفاعية المشتركة : بعثة الاتحاد الأوروبي لبناء قدرات قطاع الأمن في منطقة الساحل في النيجر التي تم إنشاؤها سنة 2012، تهدف إلى مساعدة النيجر في مواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة من خلال توفير التدريب والمشورة لأفراد الشرطة والدرك والحرس الوطني؛ وبعثة الاتحاد الأوروبي لبناء قدرات قطاع الأمن في منطقة الساحل في مالي التي تم إنشاؤها سنة 2015 ، تتولى تدريب ومساعدة قوات الأمن في مالي، فضلاً عن تنسيق التعاون مع الشركاء الدوليين؛ وبعثة الاتحاد الأوروبي المنفصلة للتدريب العسكري في مالي التي تم إنشاؤها سنة 2012 ، تُعنى بتدريب الوحدات القتالية وتوفير الخبرات والتوجيه بشأن القيادة والسلاسل اللوجستية والموارد البشرية.
وتساهم هذه الأخيرة بالتنسيق مع بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي في عمليات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج التي نصّ عليها اتفاق السلام والمصالحة في مالي.
عزز الاتحاد الأوروبي أيضاً تعاونه الأمني في بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر في إطار “مجموعة دول الساحل الخمس” (Sahel G5)، ومنحها تمويلاً قدره 50 مليون يورو. ويُعتبر ذلك إطاراً مؤسسياً تمّ إنشاؤه في العام 2014 من أجل مواءمة التعاون الإقليمي في السياسات التنموية والقضايا الأمنية. ساهم ذلك في تعزيز التنسيق والتبادلية بين قوات الأمن في دول الساحل، وستبدأ قوة من الساحل العمل قريباً جنباً إلى جنب مع بعثة الأمم المتحدة المؤلفة من 12 ألف عنصر في مالي.
حسب تقرير لمعهد دراسات شمال افريقيا بعنوان ” شراكة مكافحة الإرهاب في ميدان مزدحم ” الصادر سنة 2017، فإن الاتحاد الأوروبي قد عقد اتفاق مع الاتحاد الافريقي من أجل تعزيز التعاون الأمني في مجال مكافحة الارهاب، و يتعلق الأمر بمجموعة العمل المشتركة المتعددة الجنسيات، وقد كُلفت فرقة العمل المتعددة المنظمات بتنفيذ عدد من المهام منها “القيام بعمليات عسكرية لمنع توسيع نطاق أنشطة بوكو حرام وغيرها من أنشطة الجماعات الإرهابية والقضاء على وجودها”. وقع الاتحاد الأوروبي اتفاقية مع الاتحاد الأفريقي لتوفير 50 مليون يورو بين عامي لتعزيز التنسيق الإقليمي للرد ودعم التنسيق و القيادة الفعالة للعمليات العسكرية للمجموعة.
يضيف نفس التقرير أن الاتحاد الأوروبي عقد اتفاقية تمويل لبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال. وفي حين أن بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال ينظر إليها عموما على أنها بعثة لحفظ السلام ذات مهام وأهداف واسعة النطاق، فإن لها ايضا مهتم محددة تتصل بمكافحة الإرهاب مثل الحد من التهديد الذي تشكله حركة الشباب وغيرها من جماعات المعارضة المسلحة؛ والقيام بعمليات هجومية ضد حركة الشباب وغيرها .
في تقرير لمجلس الاتحاد الأوروبي حول التنسيق الأمني الأوروبي-الأفريقي الصادر سنة 2018، ذكر هذا الأخير ان في منطقة القرن الأفريقي، زاد الاتحاد الأوروبي تعاونه الأمني، بما في ذلك في مجال مكافحة الإرهاب، من خلال آليات مختلفة. بعض بعثات الاتحاد الأوروبي الحالية مثل بعثة الاتحاد الأوروبي للتدريب الصومال و التي لديها هدف محدد من دعم قطاع الأمن و مكافحة الارهاب في الصومال.
التعاون الأمني و الإستخباري بين دول أوروبا و أفريقيا
فرنسا : ذكرت متحدثة باسم وزير الداخلية الفرنسي سنة 2017 أن فرنسا عقدت اتفاقية تمويل بقيمة 42 مليون يورو بين عامي 2017 و2022 لتدريب دول الساحل الأفريقي الخمس على مكافحة الإرهاب وصد هجمات محتملة لمتشددين. وتحتفظ فرنسا، الدولة المستعمرة سابقا للسنغال، بوجود عسكري هناك يبلغ قوامه 350 جنديا. وتنتشر قوة أكبر بكثير تضم 3500 جندي عبر تشاد وموريتانيا والنيجر ومالي وبوركينا فاسو هدفها تعقب الارهابيين والمتشددين.
ألمانيا : وعدت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل خلال شهر مايو 2019 بوركينا فاسو وباقي أعضاء مجموعة دول الساحل الإفريقي بتقديم دعم واسع من أجل تحقيق المزيد من الاستقرار ومكافحة الإرهاب. وفي أعقاب محادثات مع الرئيس روش مارك كابوري، قالت ميركل إن بوركينا فاسو تواجه تحديات جسيمة نظرا لتردي الوضع الأمني في البلاد مع تزايد سكانها بنسبة 3%، ووعدت بتعاون ألمانيا مع بوركينا فاسو في مجال الأمن.
تجدر الإشارة إلى أن ميركل لا تزال ترفض توريد أسلحة إلى بوركينا فاسو. وتعتزم ميركل إجراء مشاورات مع رؤساء مجموعة دول الساحل الخمس حول الاستقرار المحتمل لهذه الدول التي تواجه تهديدات من متشددين إسلاميين وميليشيات، وزعزعة الاستقرار.
تضم مجموعة الساحل، التي تأسست في عام 2014، إلى جانب بوركينا فاسو، كلا من مالي والنيجر وموريتانيا وتشاد. وأعلنت ميركل أن ألمانيا ستساعد بوركينا فاسو عبر تعزيزات قدرات الشرطة، وأنها ستخصص حوالي 10 مليون يورو لتجهيزاتها. وأضافت أن الحكومة الألمانية ستقدم المشورة العسكرية، ولفتت إلى أنه جرى البدء في المفاوضات الأولية بهذا الشأن، وقالت إن هذه الخطوة تأتي نظرا للوضع الصعب في بعض أجزاء في بوركينا فاسو حيث تم إغلاق العديد من المدارس.
إيطاليا : قال رئيس الوزراء الايطالي جوزيبي كونتي في يناير 2019 إن دولة النيجر تلعب “دورا مركزيا واستراتيجيا للأمن والاستقرار في منطقة الساحل وأيضاً لمصلحة وسط وشمال أفريقيا، وبالتالي أوروبا”. وأضاف كونتي خلال مؤتمر صحفي مشترك في نيامي مع رئيس جمهورية النيجر إيسوفو محمدو في يناير 2019، أن “زيارتي هي تحية لقيادة إيسوفو وللنتائج التي تحققها حكومته في مكافحة الإرهاب وضد الجماعات الإجرامية التي تتعامل في أنشطة الإتجار بكل أنواعها، بما في ذلك حياة البشر”.
أكد رئيس الحكومة الايطالية، الذي ختم جولته الافريقية القصيرة بزيارة جمهورية تشاد ، على أن “الهدف المشترك” مع النيجر يكمن في “التصدي لعمليات الإتجار هذه ومواصلة السعي في هذا الاتجاه وترابط الجهود”. ونوه بأن “إيطاليا تقوم بدورها” مشيراً إلى أن محادثاته في نيامي تركزت أيضاً على “تعزيز التعاون، ليس فقط في تدريب القوات المسلحة ولكن أيضًا في مجال “التعاون الاقتصادي”.
وكانت إيطاليا قد أعلنت في سبتمبر من سنة 2018 إنطلاق بعثتها العسكرية إلى النيجر لتدريب القوات المحلية على حماية حدود البلاد.
اعتزمت ايضا وزارة الداخلية الإيطالية فى أغسطس 2017، بدء عمليات تشكيل فريق عمل مكون من قادة أجهزة الأمن في كل من إيطاليا، ليبيا، ودول أخرى بهدف تعزيز التعاون الأمني، ومكافحة الإرهاب، وشهدت العاصمة الإيطالية روما اجتماع وزاري خماسي، ضم وزراء داخلية إيطاليا، وليبيا، ومالي، والنيجر، وتشاد، وتم خلال الاجتماع الاتفاق على تعزيز قدرة مراقبة الحدود البحرية، والبرية .
و تقدم إيطاليا مساعدات إلى طرابلس، مقابل تعاون الأخيرة في مواجهة الهجرة غير الشرعية، انطلاقا من الشواطئ الليبية، إلى أوروبا على الضفة الأخرى من البحر المتوسط.
وشدد “مينيتي” وزير الداخلية الإيطالي سنة 2018 على ضرورة حماية الحدود الجنوبية المطلة على ليبيا، نظرا لإمكانية مرور عناصر “داعش” من خلالها، ما يعني أن تلك الحدود باتت تعتبر نقطة حاسمة في مكافحة الإرهاب بالنسبة إلى أوروبا بأسرها.
الخلاصة
في السنوات الأخيرة ضاعف بشكل كبير كل من الاتحاد الاوروبي ككتلة و الدول الأوروبية منفصلة من مجهوداتها من حيث التنسيق الأمني مع الدول الافريقية في مسألة مكافحة الارهاب ، و أبرموا ترسانة من الاتفاقيات في سبيل النجاح في التقليل و الحد من التطرف العنيف و الارهاب في اوروبا و افريقيا على حد سواء.
نجح الاتحاد الاوروبي بمعية الدول الافريقية في تجسيد وتفعيل مختلف الاتفاقيات المبرمة على أرض الواقع و متابعتها و تقييمها ، ولذلك نشهد استمرارية اللقاءات الدورية بين الفاعلين الاوروبيين و الافريقيين في مسألة مكافحة الارهاب. إلا أن كل هذه الاتفاقيات و كل هذا التعاون يبقى غير كافي بالمقارنة مع انتشار الظاهرة الارهابية في افريقيا خاصة مع تراجع تنظيم داعش في الاقاليم السورية والعراقية و هروب عناصره نحو افريقيا ليتم خلق خلايا متشددة جديدة داخل القارة مؤخرا و تكثيفها للهجمات الارهابية.
التوصيات
يجب على الفاعلين الاوروبيين و الافريقيين زيادة التنسيق و التعاون بشكل أكثر مما هو عليه حاليا لا سيما في المجال الاستخباراتي و تعزيز القدرة على توقع تحركات الجماعات المسلحة في افريقيا لتفادي انتشار خطرها على الاراضي الاوروبية. كما يجب على الاتحاد الأوروبي أن يعطي القوات الأفريقية المكلّفة بمكافحة الإرهاب التفويض والتمويل اللازمين، تفعيل رد جماعي استعجالي أكثر حزما من طرف المجتمع الدولي خاصة الاتحاد الاوروبي من خلال ايجاد آليات فعالة تسمح بدعم كامل.
رابط نشر مختصر ..https://www.europarabct.com/?p=53762
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
الهوامش
-لماذا ترى بروكسل أن الأحداث التي تشهدها منطقة الساحل ترتدي أهمية حيوية لأمن الاتحاد الأوروبي؟
-Counter-terrorism Partnership in a Crowded Field: A Case Study of the EU, AU, and IGAD
-فرنسا تنفق 42 مليون يورو لتدريب دول الساحل الأفريقي على مكافحة الإرهاب
-ميركل تتعهد بدعم دول الساحل الأفريقي في مكافحة الإرهاب
-رئيس وزراء ايطاليا يشدد على مركزية النيجر بشأن إستقرار منطقة الساحل و وسط افريقيا
-مساعي المفوضية الأوروبية لتعزيز التعاون الاستخباراتي وتبادل المعلومات مع دول الشرق الأوسط