بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI – وحدة الدراسات (24)
شهدت ألمانيا تزايد في عدد الجماعات اليمينية المتطرفة، والتيارات الشعبوية، مستغلة قضية اللجوء والهجرة كذلك استغلال الأزمات كأزمة الطاقة وحرب أوكرانيا و”كوفيد 19″ لبث دعايتها المتطرفة. ونجحت الجماعات اليمينية بتنظيم أنشطتها وتوزيع الأدوار، ما بين النشاط السياسي المنظم، وتنظيم التجمعات الشعبوية اليمينية وخلايا سرية جداً تنفذ عمليات إرهابية، معتمدة على أساليب ووسائل عمل استراتيجية وخفية لاختراق مفاصل الدولة من قضاء وأجهزة أمنية والجيش، وهو ما يشكل تهديداً مباشراً للنظام الديمقراطي والأقليات والأجانب.
تنامي خطر اليمين المتطرف في ألمانيا
كشف تقرير استخباراتي في 21 يونيو 2023 أن التطرف اليميني لا يزال يشكل “أكبر تهديد متطرف للنظام الديمقراطي الأساسي” في ألمانيا، ووجد التقرير أن عدد المتطرفين اليمينيين ارتفع من (33,900) في العام 2021 إلى (38,800) في عام 2022. . كما ارتفعت جرائم العنف التي ارتكبتها هذه المجموعة بنسبة (7.5%) وتشمل محاولتي قتل. وعلق توماس هالدنوانغ، رئيس المكتب الاتحادي لحماية الدستور: “يستخدم المتطرفون الأزمات للحصول على موطئ قدم في الطبقات الوسطى، ويتبادلون أساطير المؤامرة والمعلومات المضللة والدعاية” . اليمين المتطرف في ألمانيا ـ أبرز الجماعات المتطرفة
اليمين الجديد.. أسلوب خفي واستراتيجي
يتم تعريف “اليمين الجديد” وفقاً للاستخبارات الداخلية عن طريق أساليبه الخفية والماكرة. قال أكسل زالهيازر، مدير قسم البحث في التطرف اليميني بمعهد الديمقراطية والمجتمع المدني الذي يعرف اختصاراً (IDZ)، إن ما يميز “اليمين الجديد” هو استراتيجيته الواعية في طرح نفسه باعتباره حركة وطنية محافظة تنتمي إلى الطبقة الوسطى إذ تقوم في الوقت نفسه بالترويج بما يصفه “بمواقف متطرفة راديكالية عنصرية معادية للديمقراطية والليبرالية.”
ومن أبرز الأفكار التي يتم الترويج لها نظرية “الاستبدال العظيم” التآمرية التي تزعم أن هناك مؤامرة تحيكها نخبة غربية خفية ذات نفوذ كبير (غالباً ما تكون يهودية) لتهجير وإحلال العرق الأبيض بموجات هجرة جماعية من إفريقيا والشرق الأوسط.
اختراق الأجهزة الأمنية والجيش
يرى ئيس مكتب حماية الدستور في ألمانيا، أن عدد اليمينيّن المتطرفين المعادين للديمقراطية في أجهزة الأمن الألمانية “مرعب”. وقد حددت الأجهزة الأمنية في مايو 2022 أن أكثر (327) حالة مشبوهة ومثبتة للتطرف اليميني المتطرف بين الجنود وضباط الشرطة وضباط المخابرات في السنوات الثلاث السابقة (يوليو 2019 حتى يونيو 2021) . تشير وزيرة الداخلية نانسي فيزر إلى أن ذلك له مخاطر كبيرة محتملة: “لديهم صلاحية الوصول إلى البيانات الحساسة، كما أن لديهم معرفة متخصصة وأحيانًا تخويل بالوصول إلى الأسلحة”. وكان قد سبق أن أبلغ الجيش الألماني في يوليو 2020 عن فقدان أكثر من (62) كيلوغراماً من المتفجرات و (60000) طلقة من الذخيرة: فيما اختفت (48000) طلقة أخرى من وحدات القوات الخاصة.
وفي واحدة من أبرز قضايا التسلل اليميني المتطرف، حُكم على ملازم سابق في الجيش الألماني يعرف باسم فرانكو أ. بالسجن لمدة خمس سنوات ونصف في يوليو 2022. كان جندياً نشطاً عندما اكتشف أنه يخزن الذخيرة ويخطط لإسقاط الدولة الألمانية. وكشفت قضيته عن شبكة من التهديدات اليمينية المتطرفة التي تغلغلت في وكالات الأمن الألمانية على جميع المستويات.
علاوة على ذلك، ترأس هانز جورج ماسن ، الذي قدم المشورة والحماية لـ”حزب البديل من أجل ألمانيا AFD ” وشاركه أيديولوجيته المعادية للأجانب ، جهاز المخابرات الألماني لمدة ست سنوات (2012-2018).
وقد أعادت عملية تفكيك الخلية الانقلابية اليمينية في ألمانيا، في 7 ديسمبر 2022، إلى الواجهة مسألة تغلغل أنصار اليمين المتطرف ودعاة النازية الجدد في صفوف المؤسسة العسكرية والأمنية في ألمانيا، لا سيما أن عدداً كبيراً من أعضاء المجموعة التي ألقي القبض عليها هم جنود في الجيش، أحدهم لا يزال في الخدمة داخل القوات الخاصة، بينما يخدم آخرون في قوات الاحتياط، وآخرون جنود وضباط متقاعدون. اليمين المتطرف في ألمانيا ـ فوبيا نظرية الاستبدال
تغلغل اليمين المتطرف في سلك القضاء
تزايدت المخاوف في ألمانيا من تغلغل عناصر يمينية متشددة في السلك القضائي، خاصة وأن مناصب القضاء المؤثرة باتت تستقطب شخصيات تعادي دستور البلاد، وبالذات من خلال استغلال سهولة شروط اختيار القضاة الفخريين للالتحاق بسلك القضاء. تورط في ذلك ينس ماير الذي كان عضواً البرلمان الألماني عن حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي بين عامي 2017 و2021، لكنه كان يرغب بعد خروجه من البوندستاغ في العودة إلى منصبه السابق كقاض في ولاية ساكسونيا في شرق البلاد. بيد أن محاولة ماير للعودة إلى ساحة القضاء باءت بالفشل بسبب أن وزيرة العدل في ساكسونيا كاتيا مير، التي تنتمي إلى حزب الخضر، قامت برفع دعوى إلى المحكمة لتنجح في إفشال مساعي ماير في أبريل 2023. وقد جرى خروج ماير، الذي صنفه مكتب حماية الدستور الألماني باعتباره شخصية يمينية متطرفة، إلى التقاعد المبكر.
و تعتزم وزارة العدل الاتحادية، من أجل الحيلولة دون تسلل عناصر متطرفة متشددة في السلك القضائي، تعديل المادة رقم (44 أ) من قانون القضاء الألماني بما يمنع أي شخص من تولي منصب القاضي الفخري إذا “انتهك المبادئ الأساسية للإنسانية أو للدولة الدستوري” أو إذا كان قد عمل “في جهاز أمن الدولة في جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة (ألمانيا الشرقية سابقاً)”. وينص مشروع التشريع الجديد على أنه يمكن عزل القضاة الفخريين الذين “لا يقدمون ضمانات بأنهم سيدافعون في كل الأوقات عن النظام الأساسي الديمقراطي الليبرالي كما ينص القانون الأساسي الألماني (الدستور الألماني)”.
استغلال وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الإلكتروني في نشر الأيدولوجيات المتطرفة
تنشط شبكات اليمين المتطرف على مواقع التواصل الاجتماعي والعديد من المنصات ومجموعات الدردشة، لا سيما على تطبيق” تلغرام”. واستغلت مجموعات الدردشة للتحريض على رفض سياسات الحكومة الألمانية المتبعة لمواجهة جائحة كورونا وأزمة أوكرانيا وسياسات تسليح أوكرانيا واستقبال اللاجئين الأوكرانيين. وأطلقت الجماعات اليمينية دعوات لتصنيع السموم، وتبادل النصائح حول الحصول على السلاح، فضلاً عن رصد الأجهزة الأمنية الألمانية مقابلات الأعضاء بعيداً عن المحادثات الالكترونية. وأسس اليمين المتطرف في ألمانيا شبكات من النازيين الجدد تروج لنفسها عبر حملات التجنيد للشباب في الجامعات الألمانية في الثاني من أغسطس 2022.
أضحت “كومباكت Compact” الوسيلة الإعلامية الأكثر انتشاراً في ألمانيا لليمين الجديد. وتم إنشاؤها في عام 2010 وتتضمن موقعاً إلكترونياً وقناة على اليوتيوب ومجلة شهرية تزعم أن توزيعها يتجاوز (40) ألفاً وأنها متاحة بالمجان في العديد من أماكن بيع الصحف والمجلات في شوارع ألمانيا الرئيسية. وتصنف “كومباكت” باعتبارها “مجلة من أجل السيادة” بيد أن تحريض المجلة ضد الحكومة الألمانية والنظام السياسي في البلاد قد جذب انتباه الاستخبارات الألمانية خاصة استخدامها “لخطاب المقاومة والثورة”.
اتصالات مع حزب “البديل من أجل ألمانيا AFD”
ترتبط وتتشابك جماعات اليمين المتطرف الحديث مع أحزاب يمينية سياسية من أجل تحقيق أهدافها. حيث تم تأكيد وجود روابط وثيقة بين حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي وكوبيتشيك وبيورن أحد أبرز رموز الجناح المتطرف ومؤسس ومدير “معهد البحوث لسياسة الدولة” وهو مركزاً بحثياً ينشر الأفكار اليمينية المتطرفة وساعد في تطوير الأفكار الإيدلوجية لمنظمتي “واحد في المائة” و “حركة الهوية الألمانية”. مع
يملك حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف (78) مقعداً في البرلمان وهو ممثل في (15) برلماناً من برلمانات الولايات الـ (16). وقد أصبحت شعبية الحزب – الذي صنفت المخابرات الداخلية الألمانية أقساماً منه متطرفة، وسيحاكم أحد قادته بتهمة استخدام شعارات نازية محظورة – تنتشر إلى ما هو أبعد المعاقل الشرقية. وعلى الصعيد الوطني، تبلغ نسبة الاستطلاعات في 25 سبتمبر 2023 إلى حوالي (22%) في المائة، متقدما على جميع الأحزاب الثلاثة في ائتلاف المستشار أولاف شولتس: الديمقراطيون الاجتماعيون الخضر والديمقراطيون الأحرار الليبراليون. ومن بين نوابه موظفون في الخدمة المدنية، سواء في الخدمة المدرسية أو في القضاء أو حتى في السلطات الأمنية.
وضع البروفيسور المحاضر في شؤون اليمين الشعبوي والمتطرف بجامعة برلين الحرة ثلاثة أسباب لهذه النتائج، “إحباط وخيبة أمل المواطنين من سياسة الائتلاف الحكومي المكون من الاشتراكين الديمقراطيين والخضر والليبراليين”. وأضاف أن الأزمات التي تتصدرها الحرب في أوكرانيا، وأيضاً الأزمة الاقتصادية الناجمة عن غلاء الأسعار وارتفاع نسبة التضخم تعد السبب الثاني لهذا التطور. وأكد أن عدم قدرة الأحزاب الديمقراطية على انتقاد التصعيد المستمر للحرب الأوكرانية، ووضع حلول سياسية لها، في وقت يجهر فيه حزب (البديل) بمعارضته لهذه الحرب وبضرورة التوصل لحل سياسي لها يعد السبب الثالث لارتفاع شعبية الحزب اليميني. اليمين المتطرف في ألمانيا ـ كيف يستثمر حزب البديل AFD ملف الهجرة؟
التجنيد عبر استضافة وتنظيم مهرجانات رياضة فنون القتال
يقول الخبراء إن جماعات النازيين الجدد في ألمانيا وعبر أوروبا عملت على استمالة فنون الدفاع عن النفس كأداة للتدريب والتجنيد عبر استضافة مهرجانات الرياضات القتالية رفيعة المستوى في محاولة لتوسيع جاذبية الجماعات. مما يجعل من الصعب حظرها وضمان إعفاء أي ربح من الضرائب.
وكجزء من استراتيجية أكبر لجعل وجه التطرف أكثر انتشاراً. تقوم المهرجانات أو منظمو البطولات بتسويق أحداثهم بطريقة تجعل من الصعب تمييزها عن بطولات الرياضات القتالية العادية. ثم يستخدمون الأحداث كبوابة لتليين المجندين المحتملين لأيديولوجيتهم. وعادة تضم المهرجانات متحدثاً يمينياً متطرفاً أو ندوة ، وفقا ًلهانز جاكوب شندلر ، المدير البارز لمشروع مكافحة التطرف في برلين. وعلى الرغم من أن بطولات فنون القتال المختلطة في أوروبا عادة ما تضم مقاتلين من مجموعات عرقية مختلفة، فإن هذه الأحداث تسمح فقط للمقاتلين البيض بالمشاركة.
وقد وصف بعض المشاركين علناً جهودهم لتعلم فنون الدفاع عن النفس بأنها استعداد للرد على أولئك الذين يرون أنهم يهددون الهوية الأوروبية البيضاء، حسبما ذكرت تقارير إعلامية في 17 سبتمبر 2023 نقلاً عن مقاتل فنون الدفاع عن النفس الذي شارك في معركة نيبيلونغس، وهي بطولة الرياضات القتالية اليمينية المتطرفة الأكثر شهرة في ألمانيا.
تقييم وقراءة مستقبلية
– يشهد اليمين المتطرف توسع في ألمانيا، فبعد أن كان يركز على الأزمة الاقتصادية والاكتفاء بانتقاد برامج الحكومة، اليوم يقدم وعود للمواطن الألماني منها الحد من الهجرة، وتقليص الدعم للاتحاد الأوروبي والخروج من الناتو.
– شهد عمل اليمين المتطرف نقلة نوعية في وسائل واساليب العمل وهذا كان وراء صعود شعبية “حزب البديل” ليصبح ثاني أكبر حزب في استطلاعات الرأي على المستوى الوطني.
– تشير التقارير الاستخبارية إلى تزايد مدى اختراق اليمين المتطرف وأيديولوجيته لأجهزة الدولة والمؤسسات الحكومية، مما أصبح يشكل تهديداً مباشراً للسياسيين والأجانب، ومن مصادر الخطورة أيضاً؛ احتمال اختراق هذه الجماعات لأجهزة الأمن للحصول على التدريبات والذخيرة، وتنفيذ عمليات “الذئاب المنفردة”.
– يعتمد اليمين المتطرف في ألمانيا استراتيجية “التدمير البناء” التي تهدف لترسيخ مفهوم عدم الاعتراف بالمؤسسات. ويطبق اليمين المتطرف تلك الاستراتيجية داخل الجيش الألماني عبر تكوين “جيش ظل”.
– تعد منصات التواصل الاجتماعي أداة مهمة لجماعات اليمين المتطرف لنشر أيديولوجيتهم واستقطاب أنصار ومتعاطفين جدد، مما قد يشكل تهديداُ بصفة عامة للاجئين والأجانب، وعلى المجتمع الألماني ككل.
– ينبغي وجود إستراتيجية واضحة من جانب الأحزاب المعتدلة وتقديم الحكومة الألمانية حلولاً مبتكرة تجاه الأزمات والقضايا على المستوى الوطني والإقليمي والدولي لا سيما أزمة الطاقة وغلاء الأسعار والتضخم، حتي لا تصبح مواد انتخابية تستطيع من خلالها الأحزاب اليمينية المتطرفة توسيع قاعدتها الانتخابية.
– من أبرز المعالجات المقترحة: إبعاد اليمينيين المتطرفين من الخدمة العامة عبر اتباع عمليات «فحص» إلى العناصر التي تتقدم بالعمل إلى مؤسسات الأمن والدفاع وربما المؤسسات الحكومية العامة. والتعاون الأمني بين وكالات الأمن في الولايات والمكتب الاتحادي، كما ينبغي رفع المحتوى المتطرف بسرعة من الإنترنت. بالإضافة إلى تعزيز التربية السياسية والكفاءة الإعلامية. وإخضاع أفراد الشرطة وأجهزة الأمن تحديدا إلى دورات «تثقيفية» ضد العنصرية والتطرف.
رابط مختصر .. https://www.europarabct.com/?p=91504
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات
الهوامش
How Germany’s Extreme Right Seized on the Martial Arts Scene
https://n9.cl/s0g1r
How the far-right has grown into the greatest extremist threat to Germany’s democracy
https://n9.cl/0l1n4
ألمانيا ـ مخاوف من تغلغل عناصر يمينية متشددة في سلك القضاء
https://n9.cl/qjw6r
ألمانيا- تغلغل “مرعب” للمتطرفين المعادين للدولة في الأجهزة الأمنية
https://n9.cl/k8461w
‘Protecting our democracy’: German police foil alleged coup plot
https://n9.cl/mxovw