خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
اليمين المتطرف ـ كيف أصبح “حزب البديل” أداة للتجسس داخل المؤسسات الألمانية؟
يشتبه وزير داخلية ولاية تورينغن في تورط حزب البديل من أجل ألمانيا “AfD” في أنشطة تجسسية، بعد أن تقدم أحد نواب الحزب بطلبات برلمانية تتعلق بمسارات ونقاط توقف النقلات العسكرية داخل الولاية. كشفت تقارير أن النائب طلب من حكومة الولاية تفاصيل دقيقة عن طرق النقل العسكرية في البر والسكك الحديدية، وعن كيفية تصرف السلطات في حال رصدت طائرة مسيّرة أجنبية هذه التحركات، إضافةً إلى الجهة المسؤولة عن تقييم المخاطر، وما إذا كانت من اختصاص الحكومة الاتحادية أو حكومة الولاية. حذّر وزير الداخلية جورج ماير من احتمالية إساءة استخدام حزب البديل لحقه البرلماني في طرح الأسئلة، معتبرًا أن هذه الاستفسارات تكتسب بعدًا أمنيًا حساسًا.
صرح ماير: “إن الحزب قد لا يستخدم حقه في الرقابة على الحكومة، بل للحصول على معلومات تفصيلية حول البنية التحتية الحساسة في البلاد”. وأضاف “ماير أن السلطات تراقب منذ فترة وبقلق متزايد سعي الحزب لجمع بيانات حول البنى التحتية الحيوية، معتبرًا أن مثل هذه المعلومات قد تثير اهتمام جهات أجنبية، خصوصًا روسيا”. يأتي هذا التحذير في ظل تقارير نُشرت في أغسطس 2025، نقلاً عن ثلاثة أجهزة استخبارات غربية، تفيد بأن روسيا وحلفاءها يستخدمون طائرات مسيّرة فوق شرق ألمانيا لجمع معلومات عن شحنات الأسلحة الغربية المتجهة إلى أوكرانيا، بما في ذلك الطرق الجديدة لنقلها ومواعيد وصول الذخائر إلى الجبهة.
رفضت قيادة حزب البديل هذه الاتهامات بشدة. وأكد زعيم الكتلة البرلمانية للحزب في تورينغن، بيورن هوكه: “أن تحويل حق النواب في توجيه الأسئلة البرلمانية إلى عمل تجسسي هو تشويه متعمد وتجريم لنواب منتخبين ديمقراطيًا، ما يشكل خطرًا على الديمقراطية”، مطالبًا رئيس وزراء الولاية بإقالة الوزير فورًا. كما صرّح المدير البرلماني لكتلة الحزب في البرلمان الاتحادي، بيرند باومان: “أن الهدف من الأسئلة هو كشف مدى إهمال الأحزاب الكبرى للبنية التحتية وليس أي غرض أمني أو استخباراتي”.
أوضح الباحث في شؤون اليمين المتطرف الدكتور يوهانس كيس: “أن كثرة الأسئلة البرلمانية من قبل الحزب لا تهدف فقط إلى جمع المعلومات، بل إلى إرباك الإدارات العامة وشل عملها، سواء على المستوى الاتحادي أو المحلي، من أجل خلق حالة من الفوضى والسخط الشعبي تُستخدم لاحقًا في تعبئة أنصار الحزب”. وأشار كيس إلى: “أن روسيا تسعى بدورها إلى زعزعة استقرار الدول الأوروبية لتعزيز نفوذها السياسي، وأن ما يحدث في ألمانيا يمكن أن يُفهم في هذا السياق الأوسع”. وتُتهم موسكو منذ سنوات بشن حرب هجينة ضد الغرب، تشمل عمليات تجسس وتخريب، من بينها استخدام ما يُعرف بشبكة من العملاء الذين يُرسلون لمهام محددة ثم يُتخلى عنهم.
تصويت الناخبين لحزب “البديل من أجل ألمانيا”
تتوالى قضايا تجسس حزب “البديل من أجل ألمانيا” واحدة تلو الأخرى، ومع ذلك يواصل الحزب اليميني المتطرف تحقيق مكاسب انتخابية. لا يكاد يوجد حزب ألماني آخر تحاصره قضايا التجسس مثل حزب AfD. فهناك قضية التجسس التي تورط فيها عضو البرلمان الأوروبي ماكسيميليان كراه، إذ أُدين مساعده السابق جيان غ. بالتجسس لصالح الصين، كما يخضع كراه نفسه للتحقيق بتهمة تلقي رشاوى من بكين. كما أن الاجتماع السري المسمّى “لقاء بوتسدام” أثار صدمة كبيرة، بعدما ناقش فيه مسؤولون من الحزب خططًا لـ”إعادة الترحيل الجماعي”، تشمل حتى مواطنين ألمان من أصول مهاجرة. أما زعيم فرع الحزب في ولاية تورينغن بيورن هوكه، فقد أُدين أكثر من مرة لاستخدامه شعارات نازية محظورة. ومؤخرًا، رُفعت الحصانة البرلمانية عن عدد من نواب الحزب مجددًا، من بينهم نائب رئيس الحزب شتيفان براندنر الذي يُتهم بإهانة صحفية من مجلة دير شبيغل، والنائب ماتياس موسدورف الذي يُشتبه في أنه أدى تحية هتلر داخل مبنى تابع للبرلمان. ورغم هذه القضايا، يظل ناخبو AfD يصوتون له على نحو لافت.
يقول مانفريد غولنر، رئيس معهد فورسا لبحوث الرأي: “منذ تأسيس الحزب، لم تكن الشخصيات السياسية داخله ذات أهمية كبرى بالنسبة لأنصاره، فغالبيتهم ينتمون إلى أوساط يمينية متطرفة أو يشعرون بخيبة أمل من سياسات الحكومة الحالية أو المعارضة المحافظة السابقة بزعامة ميرتس”. ويضيف غولنر: “أن شخصيات الحزب قابلة للاستبدال حتى زعيمته أليس فايدل. فالحزب، على عكس أحزاب يمينية أخرى مثل حزب الحرية النمساوي في عهد يورغ هايدر، يفتقر إلى شخصية كاريزمية توحد الناخبين حولها”. تاريخيًا، فشل قادة سابقون للحزب بعد خروجهم منه في تأسيس حركات بديلة. فالمؤسس بيرند لوكه فشل مع حزبه الجديد “نحن المواطنون”، كما فشل الرئيس السابق يورغ موثن في تحقيق عودة سياسية. أما فراوكه بيتري، المؤسسة المشاركة، فقد انهار حزبها بعد عامين فقط، وهي تحاول اليوم العودة إلى الساحة عبر حركة جديدة.
الأزمة الاقتصادية تغذي اليمين المتطرف
يُنظر إلى حزب AfD كحزب “معادٍ للنظام” يركب موجة الانتقادات الشعبية ضد النخب السياسية والاقتصادية. تقول مؤسسة هانز بوكلر القريبة من النقابات العمالية: “إن ناخبي الحزب يرون أنفسهم الأغلبية المهمشة التي تسعى إلى هيكلة النظام من الداخل، مدفوعة بمخاوف اقتصادية متزايدة”. ويؤكد غولنر: “الوضع الاقتصادي يمثل القضية الأهم بالنسبة للألمان، سواء في الحملات الانتخابية أو في الحياة اليومية”. ويشير معهد إيفو الاقتصادي إلى: “أن الأزمات المالية وتزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء هما من أهم أسباب صعود الحركات الراديكالية في ألمانيا وأوروبا”.
التعامل مع الحزب: المقاطعة أم المواجهة؟
في محاولة لاحتواء صعود الحزب، اجتمع قادة الاتحاد الديمقراطي المسيحي “CDU” في برلين واتفقوا على اعتباره “الخصم الرئيسي” لهم. لكن غولنر يرى أن المواجهة لا تكفي، بل يجب معالجة القضايا التي تهم الناس فعلًا. ويضرب مثالًا بـ”قانون التدفئة” الذي أطلقه الوزير روبرت هابك، والذي أدى إلى ارتفاع حاد في شعبية AfD. ومع ذلك، فإن مواقف الحزب المتطرفة، مثل تلك التي كُشفت في اجتماع بوتسدام، قد تُلحق به ضررًا ملموسًا، إذ تراجعت شعبيته بعد تسرب تلك الخطط. دعا عدد من السياسيين المحافظين السابقين إلى فتح قنوات حوار مع AfD، من بينهم بيتر تاوبر وأندرياس ريدر وكارل تيودور تسو غوتنبرغ. حيث لا يمكن احتواء AfD بالمقاطعة فقط، بل من خلال المواجهة الفكرية الجادة. ويؤكد غولنر: “أن التغيير في نظرة الناخبين للحزب مرتبط بإدراكهم المتزايد بأنه قد يمتلك كفاءة سياسية نسبية في بعض الملفات، وهو تطور جديد يثير قلق الأحزاب التقليدية.
الأغلبية ما زالت ضد AfD
لكن رغم تقدمه في استطلاعات الرأي، ما زال الحزب بعيدًا عن السيطرة على المشهد السياسي. فقد فاز المستقل أكسل شتراسر في انتخابات بلدية فرانكفورت (أودر) بنسبة 69.8%، مقابل 30.2% فقط لمرشح AfD فيلكو مولر.ومع ذلك، تُظهر الاستطلاعات أن الحزب يتصدر نوايا التصويت بنسبة 27%، متقدمًا على الاتحاد المسيحي الذي يحل ثانيًا بنسبة 25%. ويحذر غولنر من أن الاكتفاء بالتمييز السلبي ضد الحزب لن يوقف تمدده، بل يجب على بقية الأحزاب أن “تستعيد ثقة أولئك الذين فقدوا الإيمان بالنظام الديمقراطي نفسه”. يستفيد AfD من الخوف والاضطراب، الاقتصادي والسياسي معًا. ومن يريد إيقافه، عليه أن يقدم حلولًا ملموسة، لا شعارات فقط.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=110872
