اليمين المتطرف ـ صعود “حزب البديل” يُمثل اختبارًا للحكومة الألمانية

خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ألمانيا وهولندا  ECCI

اليمين المتطرف ـ صعود “حزب البديل” يُمثل اختبارًا للحكومة الألمانية

لا يزال حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي CDU هو الحزب الأقوى في الانتخابات المحلية في ولاية شمال الراين-وستفاليا. لكن حزب البديل من أجل ألمانيا AFD، اليميني المتطرف جزئيًا، ضاعف نتيجته لعام 2020 بثلاثة أضعاف، أما حزب الخضر Die Grünen، فقد ضعف بشكل ملحوظ. خسائر للاشتراكيين الديمقراطيين SPD، كذلك للخضر، وأداء جيد لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، والأهم من ذلك مكاسب قوية لحزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) اليميني المتطرف جزئيًا. هذه هي نتيجة الانتخابات المحلية في ولاية شمال الراين وستفاليا.

دُعي حوالي 13.7 مليون شخص للتصويت في أكثر ولايات ألمانيا اكتظاظًا بالسكان في 14 سبتمبر 2025. شملت الانتخابات المحلية ما يقارب 20 ألف مقعد في برلمانات ما يقارب 400 مدينة وبلدية، بالإضافة إلى انتخاب رؤساء بلديات جدد أو تأكيد انتخابهم في المدن الكبرى. لا تُؤثر هذه الانتخابات بشكل مباشر على الحكومة الفيدرالية في برلين، لكنها كانت الاختبار الأول والأهم للحالة المزاجية بعد تولي الحكومة السلطة في برلين في 6 مايو 2025.

حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي يفوز بالانتخابات، وحزب البديل لألمانيا يحظى بدعم قوي

وفقًا للنتائج الأولية للانتخابات المحلية، حصل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي على 33.3% من الأصوات، بينما حصل الحزب الاشتراكي الديمقراطي على 22.1%، وفقًا لمدير الانتخابات المحلية. أما حزب البديل من أجل ألمانيا، فقد فاز بنسبة 14.5%، بينما حصل حزب الخضر على 13.5%. وكان حزب البديل من أجل ألمانيا قد تفوق على حزب الخضر في ولاية شمال الراين وستفاليا في الانتخابات الفيدرالية التي جرت في فبراير 2025.

كان الخاسرون الأبرز هم حزب الخضر، الذين خسروا نسبة كبيرة من الأصوات. والفائز الواضح هو حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي ضاعف نتائجه ثلاثة أضعاف تقريبًا مقارنة بخمس سنوات مضت. صرح مارتن فينسنت، زعيم الحزب في الولاية، عن الانتخابات قائلاً: “لقد كان استفتاءً على توجه بلادنا، ومن يتجاهل إرادة الناخبين سيعاقبه الناخبون”.

المقارنة مع عام 2020 مناسبة جزئيًا فقط

لكن المقارنة مع الانتخابات المحلية لعام 2020 ليست بالضرورة طريقة فعّالة لتقييم النتائج. ففي عام 2020، كانت ألمانيا تعاني من جائحة فيروس كورونا، ولم يكن حزب البديل من أجل ألمانيا يحظى بشعبية تُذكر في جميع أنحاء البلاد كما هو عليه في العام 2025. في السنوات التي تلت ذلك، شهد سكان شمال الراين وستفاليا حكومةً اتحاديةً مُشكّلة من الاشتراكيين الديمقراطيين، والخضر، والحزب الديمقراطي الحر، والتي انهارت في نهاية المطاف إثر نزاعٍ حاد، مما كلّف الأحزاب الثلاثة دعمًا كبيرًا.

كانت قضايا نقص المساكن، والأمن الداخلي، وسياسة اللجوء قضايا مهمة آنذاك، لكنها لم تكن بنفس الأهمية التي هي عليها في العام 2025. وفي عام 2020، لم تكن هناك حرب في أوكرانيا، ولم تتصاعد الصراعات في الشرق الأوسط. بمعنى آخر، تفاقمت العديد من المشاكل التي تُقلق المواطنين منذ عام 2020. ومن الواضح أن حزب البديل من أجل ألمانيا استفاد من ذلك.

صعود الشعبويين اليمينيين “لا يطمئن”

أثار هذا قلق رئيس وزراء الولاية، هندريك فوست، من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي. وصرح فوست: “هذه النتيجة يجب أن تُثير فينا تأملًا عميقًا؛ فهي تُقلقنا، ولا حتى حزبي، الذي فاز في الانتخابات بأغلبية ساحقة”. ثم طرح فوست على الفور أسئلة يرى أنها نابعة من نتائج الانتخابات: “ما هي الإجابات الصحيحة بشأن الهجرة بسبب الفقر؟ هل جميع جوانب نظامنا الاجتماعي عادلة حقًا؟”. يرى فوست أن الأداء القوي لحزب البديل من أجل ألمانيا هو في جوهره تصويت احتجاجي. وهو نفسه يحكم الولاية بأكملها منذ أكتوبر 2021، ولم يترشح للانتخابات.

اختبار للمستشار الألماني ميرز

كما فقدت الحكومة الفيدرالية الجديدة، المؤلفة من المحافظين والديمقراطيين الاجتماعيين في برلين، الدعم سريعًا بعد انتخاب فريدريش ميرز مستشارًا جديدًا في مايو 2025. وكانت انتخابات بلديات ولاية شمال الراين وستفاليا مهمة لرئيس الحكومة، كونه ينحدر من ولاية شمال الراين وستفاليا. وكان سياسي الاتحاد الديمقراطي المسيحي مستعدًا بالفعل لأداء قوي من حزب البديل لألمانيا. يقول ميرز: “سأدرس هذا الأمر عن كثب، ثم أستخلص منه استنتاجات بشأن كيفية إدارة الحملات الانتخابية وكيفية تعاملنا مع القضايا”.

أعرب زعيما الحزب الاشتراكي الديمقراطي، بيربل باس ولارس كلينجبيل، عن خيبة أملهما. وصرح باس: “صحيح أننا لم نتمكن من وقف هذا التراجع”. ينبغي أن تكون النتيجة القوية لحزب البديل من أجل ألمانيا مصدر قلق لجميع الأحزاب الديمقراطية”. وصرح كلينجبيل، الرئيس المشارك ونائب المستشار” :أن الوضع الاقتصادي هو الشاغل الأكبر للناخبين، لن نتهاون في تحقيق النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل. هذه هي أولويتنا”.

النتائج

نتائج الانتخابات المحلية في ولاية شمال الراين وستفاليا تعكس تحوّلًا ملحوظًا في المزاج السياسي للمواطنين الألمان، وتحديدًا في أكبر ولايات البلاد من حيث عدد السكان. رغم فوز حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بالمركز الأول، فإن الأضواء سُلطت على الصعود المقلق لحزب البديل من أجل ألمانيا، الذي حقق مكاسب كبيرة مقارنة بانتخابات 2020، ما يُشير إلى تصاعد تأثير الخطاب الشعبوي واليميني المتطرف.

لم تكن النتائج تعبيرًا عن التأييد، بل كانت بمثابة تصويت احتجاجي ضد سياسات الأحزاب الألمانية، التي عانت من تراجع في شعبيتها نتيجة الأزمات المتعددة التي مرت بها البلاد، مثل أزمة الطاقة، وتداعيات الحرب في أوكرانيا، وموجات اللجوء، وتباطؤ النمو الاقتصادي، ناهيك عن الكوارث الطبيعية.

هذا الصعود لحزب البديل يُنذر بتحول في البنية السياسية الألمانية، ليس فقط على المستوى المحلي، بل وعلى المستوى الفيدرالي في الانتخابات القادمة. وقد يضطر الحزب الحاكم في برلين إلى مراجعة سياساته الاجتماعية والاقتصادية، خاصة في ما يتعلق بالهجرة، والرعاية الاجتماعية، لمحاولة كبح جماح تمدد التيارات المتطرفة.

إن نتائج الخضر والاشتراكيين تُشير إلى أن خطابهم لم يعد يُلبي طموحات شريحة واسعة من الناخبين الذين باتوا أكثر اهتمامًا بالقضايا الأمنية والاقتصادية. ومن المتوقع أن تُسرّع هذه الهزيمة إعادة التموضع داخل هذه الأحزاب، وربما تغييرات في القيادة أو البرامج السياسية.

مستقبلًا، من المحتمل أن تشهد ألمانيا تشددًا أكبر في برامج الأحزاب السياسية التقليدية لمحاولة استعادة الناخبين من حزب البديل، بالإضافة إلى محاولة استيعاب الخطاب الوطني دون الانجرار إلى التطرف. وقد يكون حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي مضطرًا لتوسيع تحالفاته أو مراجعة نهجه المحافظ المعتدل من أجل الحفاظ على موقعه القيادي.

رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=109280