بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI ـ وحدة الدراسات (2)
أصبحت الهجرة قضية رئيسية في السياسة الألمانية، حتى أن الأحزاب الرئيسية حثت على اتخاذ إجراءات عاجلة، لمعالجة العدد المتزايد من طلبات اللجوء، ومعالجة التأثيرات الناتجة عنها على جميع القطاعات الألمانية لا سيما الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن الوصول لحلٍّ لتوزيع وتوفير الرعاية والإقامة. جاءت هذه الدعوات وسط تنامي شعبية لحزب البديل من أجل ألمانيا، وبالتزامن مع اتهامات المستشار الألماني “أولاف شولتس” بولندا بمنح تأشيرات دخول مقابل أموال، وانتقاد الحكومة الألمانية أيضاً للحدود الأوربية المفتوحة.
عدد طالبي اللجوء في ألمانيا
سجل عدد طالبي اللجوء في ألمانيا رقماً قياسياً جديداً عام 2022، إذ وصل إلى نحو (1.14) مليون طالب لجوء جديد العام 2022. وأتى أغلب هؤلاء من أوكرانيا، حسب الإحصائيات في 30 مارس 2023. ومن أصل (1.14) مليون طالب لجوء جديد تم تسجيلهم العام 2023، جاء (1.01) مليون منهم من أوكرانيا. وبالإضافة إلى هؤلاء كان هناك في ألمانيا حتى نهاية 2022 حوالي (2.1) مليون لاجئ مسجلين لدى “بامف”، في المقدمة اللاجئون السوريون (674 ألف) ثم الأفغان (286) ألف يليهم العراقيون (211) ألف والأتراك (101) ألف.
تظهر الإحصائيات في 11 يناير 2023 أنه منذ بداية يناير2022 وحتى نهاية ديسمبر2022، سعى (217774) شخصًا للحصول على الحماية في ألمانيا. وهذا يمثل زيادة بأكثر من (47%) مقارنة بالعام 2021، والذي تم فيه تقديم (145233) طلباً للجوء. وجاء معظم الذين طلبوا الحماية العام 2022 من سوريا (70976) وأفغانستان (36358) وتركيا (23938) والعراق وجورجيا. وإن (24791) من هذه الطلبات الأولية تتعلق بالأطفال المولودين في ألمانيا دون سن عام واحد.
قوبلت مطالبات “الحزب الديمقراطي المسيحي ـ CDU” في 22 أغسطس 2023، بـ”فرض قيود أكثر صرامة على الهجرة إلى ألمانيا، وإن هذا يجب أن يحدث على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي”، بانتقادات في الائتلاف الحاكم الألماني. ردت أصواتا في الائتلاف الحاكم، الذي يضم “الحزب الاشتراكي الديمقراطي ـ SPD” بإن العزلة على المستوى المحلي، والظروف غير المنظمة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي ليست بديلاً.
دعوات لتسهيل عمليات الترحيل
اقترحت السلطات الألمانية على السلطات الأوروبية “إصلاح” نظام اللجوء الأوروبي بشكل يسمح لها بالبتّ في طلبات اللجوء في مراكز احتجاز على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، ويعطي لهذه السلطات صلاحيات منع اللاجئين من دخول الأراضي الأوروبية في حال رفضت طلبات لجوئهم وترحيلهم إلى بلدان “ثالثة آمنة”. ترمي هذه الخطة إلى إقامة مراكز “ترانزيت” يُعتبر اللاجئ فيها من الناحية القانونية خارج الأراضي الأوروبية ، وهذا يعني عدم قدرته على الطعن في قرار رفض طلب لجوئه إلا مرة واحدة وفي عجالة.
حث “الحزب الديمقراطي المسيحي ـ CDU”، على تصنيف دول إضافية كـ”دول آمنة” من أجل تسهيل عمليات الترحيل إليها في الثالث من سبتمبر 2023. ويرجع السبب إلى ذلك، إن الحق الأساسي في اللجوء له حدود عندما يتعلق الأمر بالاعتراف بالأسباب الفعلية للجوء، وأن بعض البلدان كـ”مولدوفا وجورجيا وتونس والمغرب والجزائر والهند” هي دول منشأ بمعدلات اعتراف ضعيفة من حيث اللجوء، ويجب الاعتراف بهذه الدول كدول منشأ آمنة كاملة، حتى يتمكن من الترحيل الفوري، بالإضافة إلى أن البلديات لم تعد قادرة على تحمل الأعباء المترتبة عن ذلك، ويتعين على الحكومة الاتحادية التحرك وأخذ هذا الأمر على محمل الجد.
يمكن للحكومة الفيدرالية والمقاطعات أن تقرر وضع ضوابط دائمة على الحدود مع الدول المجاورة والمساعدة في تشديد المراقبة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي في العاشر من مايو 2023. ومن المقرر أن تتخذ السلطات الألمانية قراراً بتشديد قواعد الهجرة بحيث تعزز الرقابة على الحدود وتسهل عمليات الطرد، بالإضافة إلى تسهيل عمليات الترحيل عبر إنشاء “مراكز وصول” للاجئين حيث يتم النظر في طلباتهم، وقد يمدد مدة الحجز في حال مخالفة حظر الدخول أو الإقامة.
اتخاذ إجراءات للحد من الهجرة غير القانونية
دعا “الحزب الديمقراطي المسيحي ـ CDU” الحكومة الفيدرالية في 29 سبتمبر 2023 إلى اتخاذ إجراءات للحد من الهجرة غير القانونية، والتدقيق في عوامل الجذب الموجودة في ألمانيا، التي تؤدي إلى قدوم أكثر من (30%) من طالبي اللجوء من جميع أنحاء العالم نحو أوروبا واختيارهم ألمانيا. يرى “الحزب الديمقراطي المسيحي ـ CDU” أن طالبي اللجوء يحصلون على مزايا كثيرة، ويحصلون على رعاية طبية كاملة، كما أنهم يستفيدون من الخدمات الطبية، وأن الألمان لايتمكنون من الرعايا الطبية اللازمة والكاملة.
اعترضت “نانسي فيزر” وزيرة الداخلية الألمانية على تلك المطالبات، وأكدت أن “أي شخص يتحدث بهذه الطريقة يحرض الناس ضد بعضهم البعض وهذا يشجع أفكار حزب البديل”. أضافت “نانسي فيزر”، “لدينا تحديات كبيرة، ويجب ألا نساهم في انقسام المجتمع. لا يمكن لطالبي اللجوء الذهاب إلى طبيب الأسنان إلا في حالات الطوارئ، أي إلا إذا كانت هناك مشكلة حقيقية”. الهجرة ـ تٌثير الكثير من الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي
حصلت ألمانيا على تنازلات تتيح الدعم على إصلاح سياسة الهجرة في 28 سبتمبر 2023، بعد أن امتنعت عن دعم مسودة سابقة اعتبرتها قاسية للغاية بالنسبة لبعض فئات المهاجرين، حيث أبدتا بولندا والمجر معارضتهما للمسودة الجديدة في اجتماع بروكسل، وشملت التغييرات التي تم إدخالها للحصول على موافقة ألمانيا التأكيد على إعطاء الأولوية للعائلات والأطفال عند وصولهم بشكل غير قانوني إلى أراضي الاتحاد الأوروبي، وعدم تشديد معايير قبول طالبي اللجوء.
الحاجة إلى هجرة كفاءات هادفة للعمل
أكد “الحزب الديمقراطي المسيحي ـ CDU” أن ألمانيا بحاجة لفترة راحة من هجرة اللاجئين التي لا تخضع لأي سيطرة، ومن وجهة نظر الحزب أن التجربة أظهرت أن السلطات لا يمكنها الحدّ من أعداد المهاجرين، وأن هناك حاجة لإصدار إشارة واضحة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى أن إدماج اللاجئين الذين يعانون صدمات جراء الحروب في المجتمع الألماني وفي سوق العمل، يحتاج الكثير من الوقت والموارد فضلاً عن أن عمليات الدمج لن تنجح، ما لم يتراجع عدد طالبي اللجوء إلى حد كبير. شدد الحزب على الحاجة إلى هجرة كفاءات هادفة للعمل، وأن يكون عدد اللاجئين الذين تستقبلهم أوروبا سنويًا ما بين (300 ـ 500) ألف لاجيء، يُوزّعون على دول الاتحاد.
أقر البرلمان الألماني، في 23 يونيو 2023 قانوناً يسهل قواعد الهجرة للعمال المهرة، وصوّت مشرعو الائتلاف الحاكم لصالح تغييرات قانونية مخصصة لتسهيل حصول العمال المهرة الأجانب على عمل في ألمانيا. بموجب التشريع يكون هناك نظام نقاط يأخذ بعين الاعتبار عوامل مثل المهارات والتعليم والمهارات اللغوية، ويتم أيضاً الاعتراف بالمؤهلات المهنية الأجنبية. أزمة أوكرانيا – تدفق اللاجئين إلى دول أوروبا، أزمة إنسانية ومعايير مزدوجة
انتقادات لمشروع قانون “التجنيس” في ألمانيا
جنست ألمانيا ( 168.545) شخصاً من (171) جنسية مختلفة العام 2022. أكد المكتب الاتحادي للإحصاء في “فيسبادن” إن ذلك كان أعلى بنسبة (28 %) مقارنة بالعام الذي سبقه (2021). لم يسجل مثل هذا العدد الكبير من المواطنين الجدد في ألمانيا منذ (20) عاماً. شكل السوريون (29%) من المجنسين العام 2022، فقد بلغ عددهم (48300) شخص، ويتبع السوريون الأوكرانيون بزيادة (3700) عن العام 2021، والعراقيون بزيادة (2400) شخص، والأتراك بزيادة (2000) شخص.
انتقد “الحزب الديمقراطي المسيحي ـ CDU” تقديم الحكومة الاتحادية إصلاحات خاصة بالتجنيس في خضم أزمة الهجرة واللجوء، واعتبر أن مشروع القانون يلحظ تطبيق إجراءات مرنة ويقدم تسهيلات في عملية التجنيس، ما يخلق مزيداً من الحوافز للهجرة غير المنضبطة. تقول “أندريا أندهولز” العضو في “الحزب الديمقراطي المسيحي CDU” أن “التجنيس يجب أن يحصل في نهاية الاندماج الناجح، وليس في بدايته”.
كانت قد قدمت السلطات الألمانية مشروع قانون جديد للبرلمان لتقليل العقبات التي تهدف إلى تكريس مفهوم الحكومة، التي تعتبر أن الوقت قد حان كي تقبل البلاد، على غرار غالبية الدول الأوروبية، أعدادا أكبر من حاملي جنسيات متعددة في 14 يوليو 2023. ترى الحكومة الألمانية أن القانون سيتيج للمهاجرين الحصول على الجنسية بعد خمس سنوات فقط من الإقامة في ألمانيا، بعدما كان الحد الأقصى بالسابق ثماني سنوات، وفي حال تحقيق شروط ” الاندماج” عبر تحقيق إنجازات مهنية ودراسية متميزة أو العمل التطوعي، يمكن تخفيض الفترة إلى ثلاث سنوات. ملف: الهجرة واللجوء تثير الإنقسام داخل الاتحاد الأوروبي
تقييم وقراءة مستقبلية
ـ لم يتم إحراز تقدم يذكر فيما يتعلق بقضية التوزيع المتساوي للاجئين داخل الاتحاد الأوروبي. يعد ملف الهجرة واللجوء في ألمانيا مسألة شائكة، وذلك لصعوية وجود توافق داخل الحكومة الألمانية، وتنامي الخلافات بين الأحزاب السياسية والمعارضة الألمانية، نظراً لاختلاف اجندات ومبادئ كل حزب.
– يوجد في ألمانيا (95) ألف أجنبي لا يمكن تحديد جنسيتهم، لذلك لا يوجد مكان يمكن ترحيلهم إليه بشكل قانوني، ونظراً لصعوبة تنفيذ عمليات الترحيل، يدعو السياسيون إلى تغيير سياسة الهجرة والحد من الهجرة بشكل أكثر كفاءة.
– يميل “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” في ألمانيا إلى تخفيف قيود المراقبه الحدودية، وتسريع حق التجنيس لكسب المزيد من أصوات المهاجرين الجدد والأجانب في الانتخابات المفترض إجراؤها العام 2024.
ـ لا يزال هناك مخاوف كبيرة لدى “الحزب الديمقراطي المسيحي ـ CDU” الذي يمثل المعارضة الألمانية، من تكرار موجة جديدة من الهجرة إلى ألمانيا، ويرى الحزب أن الولايات الألمانية لم تعد قادرة على تحمل الأعباء المترتبة عن ذلك.
– أبدت ألمانيا استعداداً واضحاً لاستيعاب أعداد كبيرة من طالبي اللجوء ومحاولة دمجهم في المجتمع الألماني، لكن صعود اليمين المتطرف في بعض الولايات الألمانية، وضغوط الأحزاب المعارضة، فرض على الائتلاف الحاكم إلى إعادة النظر في النموذج الألماني الحالي للهجرة.
– بات متوقعاً أن تشكل أزمة الهجرة واللجوء عبرالمتوسط و تزايد المخاطر الناتجة عنها صعوبات تواجهها الدول الأوروبية بشأن مراقبة حدودها الخارجية، ما قد يدفع الحكومات الاوروبية من إتخاد تدابير وإجراءات صارمة تحد من صلاحيات إتفاقية “شنغن”.
– من المحتمل تزايد أعدد اللاجئين في ألمانيا خاصة بعد تدفق الكثير من اللاجئين إلى إيطاليا واليونان والمجر. ومن المرجح أن يستغرق تنفيذ الاتفاق الأوروبي سنوات، بشأن إصلاح نظام اللجوء وإدخال إجراءات سريعة .
رابط مختصر .. https://www.europarabct.com/?p=91362
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات
الهوامش
Germany Puts in Place Tougher Checks to Control Migration
https://tinyurl.com/bdzeb2tr
Where Germany stands on refugees and asylum
https://tinyurl.com/ycxfvva9
اللجوء في ألمانيا ـ زعيم المعارضة يدعو لتسهيل عمليات الترحيل
https://tinyurl.com/7zmatnya
ميرتس: اللاجئون يأتون لتجميل أسنانهم في ألمانيا.. فهل هذا صحيح؟
https://tinyurl.com/ebmdmjt5