إعداد: الدكتور كرم خليل ، كاتب وباحث ـ فينا
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا و هولندا
تعيش النمسا الى جانب باقي الدول الاوروبية جدلا واسع حول عودة المقاتلين الاجانب، وكيفية التعامل مع العائدين من القتال خاصة مايتعلق بعائلات عناصر التنظيم وسط ضغوطات المنظمات الدولية المعنية في حقوق الانسان.
اقترح وزير الداخلية النمساوي في 20 فبراير 2019 السجن الاحترازي لطالبي اللجوء الذي يشك بانتمائهم لتنظيمات متطرفة، ودعم المستشار النمساوي سباستيان كورتس، ونائب المستشار هاينز كريستيان شتراخه خطة وزير الداخلية لترحيل اللاجئين المتورطين في جرائم، والتي تقضي بترحيل اللاجئين المتورطين في جرائم بغض النظر عن المكان الذي يأتون منه، بغرض حماية المواطنين النمساويين من خطر الإرهاب.
وطالب وزير داخلية النمسا هيربرت كيكل، في 13 فبراير 2019، الحكومة والبرلمان بضرورة إصلاح قوانين اللجوء وسد الثغرات التى يستغلها طالبو اللجوء خاصة من العناصر الإجرامية الخطرة، وعبّر الوزير النمساوي عن قلقه من زيادة جرائم القتل فى النمسا منذ بداية العام الجارى، مشددا على أهمية القضاء على ظاهرة العنف فى المجتمع خاصة أنه يضم العديد من الأشخاص اللاجئين والأجانب القادمين من ثقافات مختلفة، وطلب إقرار عقوبات أوسع فى جرائم الاعتداء على رجال الشرطة وكذلك كل الإجراءات الممكنة للحد من جرائم العنف والاغتصاب والتحرش بالنساء والأطفال.
المقاتلين الأجانب
مع اقتراب حسم المعركة الأخيرة ضد تنظيم داعش في أخر جيوب التنظيم المحاصر شرق سوريا، ينسدل الستار على مشروع أبو بكر البغدادي، فيما لا تزال مخاوف خطورة التنظيم قائمة بوجود استراتيجية “القنابل الموقوتة” التي يتّبعها التنظيم عبر زرع خلايا سرية تنشط خارج مناطق سيطرته بين الحين والآخر، على حد وصف وزير داخلية النمسا هيربرت كيكل، أنه لن يسمح بعودة مقاتلي تنظيم “داعش” من حاملي الجنسية النمساوية إلى البلاد.
وشددّت الحكومة الحالية من إجراءات مكافحة الإرهاب، وفتحت باب التعاون مع وزارة العدل المغربية لتصبح شريكا استراتيجيا لها في تبادل خبرات مكافحة الإرهاب والتطرف خلال العام 2017.
تجنّبت النمسا في الماضي من دخول الحرب مع حلفائها الأوروبيين ضد تنظيم داعش، واقتصرت مساعدتها للتحالف الدولي فقط على المساعدات الإنسانية للمدنيين المتضررين من الخراب الذي خلّفه التنظيم في المنطقة، إلا أن حزب اليمين المتطرف دعا إلى مواجهة التنظيم عسكريّاً وإيديولوجياً، واتخاذ تدابير وإجراءات أكثر تشدداً في مكافحة الإرهاب والعمليات الإجرامية بحسب ما جاء على لسان وزير الخارجية كورتس في مقابلة مع صحيفة الكرونه تسايتونغ النمساوية خلال العام 2016، وقررت السلطات توسيع نطاق إجراءات المراقبة والمتابعة في كافة المجالات بما فيها الشبكة العنكبوتية.
قدّر وزير داخلية النمسا هيربرت كيكل في مقابلة مع صحيفة “كرونا تسايتونج” الصادرة يوم 23 يناير 2019 ، بإن عدد عناصر تنظيم “داعش” من حاملي الجنسية النمساوية بنحو 30 إلى 60 شخصا، مشيرا إلى أنهم “ذهبوا إلى سوريا طواعية ثم قاتلوا لشهور من أجل منظمة إرهابية ويريدون الآن العودة إلى الدولة الديمقراطية وهم يتطلعون إلى تدميرها”.
كما ذكر سباستيان كورتس مستشار النمسا رفض بلاده استقبال المقاتلين الأجانب فى صفوف تنظيم داعش الارهابى والمقبوض عليهم حاليا فى سوريا.
ونقلت صحيفة “دير شتاندرد” النمساوية في أغسطس 2018 عن مسؤولين في الخارجية النمساوية القول انه “برغم القضاء على ما يسمى بتنظيم داعش فإنه ترك إرثا ثقيلا يتمثل بعشرات المقاتلين القابعين في سجون العراق وبينهم من يحمل الجنسية النمساوية والألمانية”.
ردود أفعال سياسية
ازدواجية المواقف بملف إعادة المقاتلين الأجانب مع عائلاتهم إلى بلادهم، وعدم الجدية في اتخاذ التدابير اللازمة، أثار جدل واسع بين الأوساط السياسية، حيث ” قالت وزيرة الخارجية النمساوية كارين كنايسل إنها لا تستطيع فهم طلب ترامب، مشيرة إلى أنه لن يكون ” في مصلحة أحد” الإفراج عن المقاتلين الأجانب الذين قام التحالف الدولي والمقاتلين المحليين باعتقالهم”.
وتحدث الرئيس “ترامب” في وقت سابق بقوله: “إن الولايات المتحدة تطلب من الحلفاء الأوروبيين “استعادة أكثر من 800” من مقاتلي تنظيم داعش الذين تم أسرهم في سوريا وإحالتهم للمحاكمة، وقد وضع الأوروبيين أمام خيارين بحسب تغريدة له على تويتر “الخلافة على وشك السقوط.. البديل ليس بديلا جيدا حيث إننا سنضطر إلى إطلاق سراحهم”.
الخلاصة
موقف الحكومة النمساوية واضح بشأن المقاتلين حاملي الجنسية النمساوية منذ العام 2014، عندما صرّحت وزيرة الداخلية النمساوية (يوهنا ميكل لايتنر) بقولها:” علينا ان نسحب الجواز النمساوي من كل الجهاديين والراديكاليين”، ليؤكد على ذلك حديثاً برد على طلب ترامب لإعادة المقاتلين الأجانب قال وزير الداخلية النمساوي هيربرت كيكل” أن حماية المواطنين في بلاده لها الأولوية القصوى؛ ولذلك من غير المعقول استقبال النمسا الى العائدين من القتال . وأوضح الوزير النمساوي أن: “قاطعو رؤوس البشر لا مكان لهم بيننا ولا مكان أيضا لكل من يدعمهم أو يمولهم”. لذلك فإنّ جميع الحكومات الأوروبية تواجه ذات المشكلة بعد انهيار تنظيم داعش، وإن من تبقّى من مقاتلي التنظيم الأجانب يسعون إلى الاستفادة من نظام قضائي حديث وأنظمة اجتماعية جيدة وإنسانية في أوروبا. يبقى موضوع مراقبة العناصر الخطرة من العائدين حتى بعد انتهاء الاحكام القضائية أمرا صعبا يمثل تحديا الى اجهزة الشرطة والامن، وهذا يعني ان النمسا سوف تشهد تهديدا لامنها القومي من الداخل الى جانب بقية دول اوروبا بعودة المقاتلين الاجانب.
رابط مختصر … https://www.europarabct.com/?p=50588
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
الدكتور كرم خليل