المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا و هولندا
إعداد : سهام عبدالرحمن، باحثة في المركز الأوروبي، مختصه في الإرهاب الدولي
التطرف في بريطانيا … أسباب النزوح والمعالجات
شهدت بريطانيا خلال عام 2021 عدد من الهجمات الإرهابية بداية من عملية طعن النائب البرلماني عن حزب المحافظين البريطاني “ديفيد أميس” يوم 15 أكتوبر 2021 وإنتهاءً بعملية تفجير سيارة أجرة أمام مستشفى في “ليفربول” يوم 15 نوفمبر 2021 وعلى الرغم مما تبذله الحكومة البريطانية من جهود لمحاولات مكافحة التطرف، وأعتمدها سياسات واستراتيجيات جديدة تحد من الخطابات الدعائية، والكراهية لليمين المتطرّف، إلا أنها غير قادرة على محاربة ومنع الهجمات الإرهابية والنزوح نحو التطرف وإنتشار الجماعات المتطرفة داخل المجتمع البريطاني وأنضمام بعض الشباب إلى هذه الجماعات مما يشكّل تهديداً للأمن القومي البريطاني.
أسباب النزوح نحو التطرف في بريطانيا
علي الرغم من تمتع الشباب في المجتمع البريطاني بالحياة أفضل نسبيا إلا أنه هناك ازدياد ملحوظ نحو النزوح للتطرف والأنضمام إلى الجماعات الإرهابية، يمكن أن تكمن الأسباب في ذلك كالأتي: هناك مجموعة من المشكلات الاجتماعية التي تواجه الشباب المسلم في دول أوروبا أبرزها الأغتراب وعدم الشعور بالأنتماء، وفشل المهاجرين في الإندماج في أوروبا، ولجوئهم للعزلة. استغلال الجماعات المتطرف للإسلام بشكل خطأ وعدم فهم الشباب للنصوص الدينية الفهم الصحيح، وأفاد بحث أُجري بتكليف من شرطة مكافحة الإرهاب البريطانية وتم نشر في 25 نوفمبر 2021 أن هناك وجود انتشار كبير للعنف المنزلي في حياة أولئك الذين أحيلوا لبرنامج المعرضين لخطر أن يصبحوا متطرفين، وفحصت الدراسة التي جرت بتكليف من شرطة مكافحة الإرهاب البريطانية 3045 شخصًا، جرى تصنيفهم على أنهم عرضة للتطرف، ووجدت أن ما يزيد قليلًا عن ثلثهم كانت لديهم صلة بحادثة عنف أسري، إما بأعتبارهم معتدين أو ضحايا أو شهودًا أو مزيجًا بين الحالات الثلاث.
البحث عن الهوية ما بين الوطن الأم وبريطانيا
أفادت التقارير التي تم نشرها من قبل الحكومة البريطانية أن معظم العمليات الإرهابية التي شهدها المجتمع البريطاني قام بها أشخاص من أصول غير بريطانية يحملون الجنسية البريطانية، حيث أفاد تقرير صادر عن “أندبندنت” بتاريخ 16 نوفمبر 2021 أن الشرطة البريطانية أعلنت أسم المشتبه به في عملية التفجير التي وقعت في مدينة ليفربول يدعي “عماد السويلمين” يبلغ من العمر 32 عاما انتقل إلى المملكة المتحدة من الشرق الأوسط منذ سنوات عدة، أعتنق المسيحية بعد هجرته إلى بريطانيا وذلك في عام 2017، أما عن حادث طعن النائب البرلماني عن حزب المحافظين البريطاني “ديفيد أميس” فأوضح تقرير أخر صادر عن صحيفة “أندبندنت” أن المشتبه به في طعن النائب رجل بريطاني من أصول صومالية يبلغ من العمر 25 عاما.
استقطاب الشباب عبر الإنترنت
مما لا شك فيه أن العديد من جماعات الإسلام السياسي تستغل الشبكة العنكبوتية وما تتيحه من قدرات للتواصل مع الشباب لغسل أدمغتهم واستقطابهم، ودفعهم بعد ذلك إلى العمل لتحقيق أهداف هذه الجماعات التي تمثل خطورة على المجتمع البريطاني، وفي تقرير صادر عن أندبندنت بتاريخ 22 نوفمبر 2021 نبه كبار الضباط في الجهاز إلى أن “الظروف السيئة المتراكمة” التي أسهمت في تعزيز التطرف، حين دفع إغلاق “كوفيد” بالشباب والأشخاص الضعفاء إلى تمضية وقت أطول على الإنترنت، فيما كانت تزداد حملات الدعاية السياسية بالإضافة الي استغلال جماعة الاخوان لبعض المنصات الإعلامية في بريطانيا والتي تعتبر من أبرزها قناة الحوار، شبكة المكين الإعلامية التي تقدم خدمات إخبارية تتبنى إيديولوجية التنظيم عبر منصات التواصل الاجتماعي، (Twitter – Facebook) ، موقع “ميدل إيست مونيتور”، شركة الخدمات الإعلامية العالمية المحدودة.
الدعاية المتطرفة عبر المنابر والجلسات المغلقة بالمساجد
تعتمد جماعة الإخوان على نسج شبكة هائلة من العلاقات داخل العديد من الدول الأوروبية، عن طريق المساجد والمراكز الثقافية والجمعيات الخيرية التى تشترك جميعها فى كونها عبارة عن واجهات لتنفيذ أهداف المشروع الإخواني في أوروبا، ويعد المجلس الإسلامي في بريطانيا، وهو مؤسسة يندرج تحت مظلتها أكثر من (500) هيئة إسلامية في بريطانيا، يزعم أنه “مؤسسة غير طائفية”، ولكن يعتقد أن مؤيدي الإخوان “لعبوا دورا هاما في إقامته وإدارته”. وتعتبر جماعة الإخوان “تنظيم ينظر إلى المجتمع الغربي على أنه مفسد ومعاد للمصالح الإسلامية”. كما إن جماعة الإخوان لها تأثير كبير على الرابطة الإسلامية في بريطانيا.
عدم وجود فهم للنصوص الدينية
عدم وجود الوعي الديني الصحيح لدى الشباب المسلمين نتيجة ضعف ما يتلقونه عن الإسلام الصحيح من قبل النظم التعليمية التي يدرسون فيها سواء في المدارس أو الجامعات، وهو ما يدفعهم إلى البحث عما يجهلونه في مصادر أخرى أبرزها شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ما يجعلهم فريسة سهلة لجماعات التطرف، وتقف وراء انتشار تطرف جماعات الإسلام السياسي في أوروبا بوجود فهم خاطئ للإسلام وتعاليمه وللآيات القرآنية والأحاديث النبوية لدى هؤلاء الذين ينضمون إلى هذه الجماعات خاصة من الشباب المسلم في المجتمعات الأوروبية، حيث دأبت جماعات الإسلام السياسي على تحريف وتسييس بعض الآيات والأحاديث لتناسب تطلعاتهم وأهدافهم مما كان أحد أسباب نشوء هذا الفهم الخاطئ.
سياسات وتشريعات الحكومة على مستوى وطني لمحاربة التطرف
قانون “المنع” (Prevent): يهدف قانون “المنع” (Prevent) في بريطانيا إلى الحد من تورط الأفراد والمجموعات في الإرهاب، بالتوازي مع سياسات بريطانيا في مكافحة التطرف العنيف. ويتم التمسك بهذا القانون من أجل تعزيز الشرعية والمنع بالتورط في التطرف والإرهاب من أجل تطبيقه للتعامل بشكل أكثر فعالية وكفاءة مع تهديد الهجمات الإرهابية، لا سيما بالنظر إلى أن منشئي هذه التهديدات أو مراقبيها مدعوون بموجب سياسة Preventإلى التعاون بالموافقة في المؤسسة لمكافحة الإرهاب، كما إن “قانون منع” التطرف يعني تعاون الأفراد والمجتمع تجاه التحذير من النزوح إلى التطرف أو تنفيذ عمليات إرهابية. وفي هذا السياق، قامت قوات الشرطة في المملكة المتحدة، بتدريب ضباط “بريفينت” بشكل خاص يعملون جنبا إلى جنب مع منظمات أخرى لمساعدة الأشخاص المعرضين للتطرف على الابتعاد عن التطرف العنيف.
قانون الطوارئ: الذي يهدف الي تشديد العقوبات على مرتكبي الجرائم الإرهابية ومنع إطلاق سراحهم مبكر، القانون الجديد يلزم الإرهابيين بقضاء عقوبتهم كاملة في سجون بريطانيا، تصل إلى 14 عاما.
توسيع صلاحيات الأجهزة الاستخباراتية: منحت وزارة الداخلية البريطانية صلاحيات وسلطات جديدة لمحاربة التطرف والإرهاب في المملكة المتحدة.
قوة إلكترونية: شكلت بريطانيا مطلع عام 2020 قوة أمنية هدفها شن حرب إلكترونية هجومية ضد التنظيمات الإرهابية التي تشكل تهديدا على البلاد. ويدير القوة وزارة الدفاع ومكتب الاتصالات الحكومية البريطانية.
محاربة التطرف على الإنترنت: بدأت بريطانيا العمل بقانون جديد لمكافحة الإرهاب خلال شهر أبريل (نيسان) 2019 وبموجب مجموعة التدابير الجديدة يمكن أن يسجن الأشخاص لمشاهدتهم مواد دعائية إرهابية عبر الإنترنت أو سيحاسبون لدخولهم «مناطق محددة» في الخارج أو كتابة «تعابير متهورة» بهدف دعم جماعات محظورة شمل:
أولا: تمجيد الجماعات المتطرفة عبر الإنترنت ووسائل الإعلام.
ثانيا: نشر صور أو فيديوهات تتضمن محتوى متطرف يحرض على الكراهية.
ثالثا: الدخول إلى مواقع الإنترنت، المحظورة والتابعة للجماعات المتطرفة، بغرض الحصول على التدريب أو الاتصال أو تداول مواد ذات استخدامات مزدوجة تدخل في صنع المتفجرات.
كما أعتبر القانون البريطاني الانتماء لمنظمة محظورة أو حشد التأييد لها أو أرتداء ملابس يمكن أن تعبر عن الدعم لها جريمة جنائية، وتصل عقوبة هذه الجريمة إلى السجن 10 سنوات كحد أقصى ودفع غرامة مالية أو إحدى العقوبتين.
التقييم
علي الرغم من قيام بريطانيا بعدد من الإجراءات الصارمة، وأعتمدها سياسات وتشريعات جديدة، إلا أنها غير قادرة علي مواجهة التطرف والنزوح اليه واستقطاب الشباب من قبل الجماعات المتطرفة للأنضمام اليها، ولابد من قيامها ببرامج التوعية في المدارس والجامعات تهدف إلى الحس والتحذير من حظر هذه الجماعات المتطرفة علي المجتمع البريطاني، بجانب تشديد الرقابة على المحتوى المنشور على الإنترنت، بالإضافة إلى سحب الجنسية ممن يتورطون في جرائم إرهابية، وعلى بريطانيا أن تُولي موضوع مكافحة الإرهاب والتطرف أهتماماً خاصاً وتضعه أولوية في جدول أعمالها، للتقليل على الأقل من تلك الثغرات الأمنية والعمل على سدها في إطار قانوني واقعي عقلاني يخدم الحكومة والمواطن على حد سواء.
الرابط المختص:https://www.europarabct.com/?p=79358
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
الهوامش
(1) الاستخبارات البريطانية… ترسانة قوانين وإجراءات لمحاربة التطرف والإرهاب
https://arb.majalla.com/node/124061
(2) بريطانيا: الجماعات الإرهابية قد تتمكن من شن هجوم نووي أو كيميائي بحلول 2030
https://bit.ly/3HS5xSLhttps://bit.ly/3HS5xSL
(3) إطلاق قاعدة بيانات جديدة ضمن الحملة لمكافحة التطرف تتضمن ناشطين من ديانات مختلفة
(4) ترابط بين العنف الأسري وخطر التطرف.. هذا ما كشفته دراسة بريطانية
(5) تطرف جماعات الإسلام السياسي في أوروبا – المدى.. الأسباب.. سياسات المواجهة
(6) الشرطة البريطانية متخوفة من تهديدات إرهابية، لماذا؟
(7) انفجار ليفربول: لحظة انفجار سيارة أجرة أمام المستشفى