خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
الناتو وروسيا ـ هل تشكّل الانتخابات الهولندية نقطة تحول في مسار الحلف؟
أدت النتائج الأولية المتقاربة للانتخابات الهولندية إلى تكثيف النقاش حول الأمن الأوروبي والاعتماد على الولايات المتحدة، مما أثار تساؤلات عاجلة بشأن الاستقلال الدفاعي والدورين اللذين تلعبهما كل من هولندا وفرنسا في هذا السياق. يقول بارت فان دن بيرغ، رئيس برنامج الأمن والدفاع في معهد كلينغنديل الهولندي للأبحاث في لاهاي: “تتفق معظم الأحزاب الهولندية على خطورة التهديد الروسي، وعلى تزايد المخاطر الناجمة عن الصين”. أعلنت وكالة الأنباء الهولندية ANP في الأول من نوفمبر 2025 أن حزب D66 أصبح الحزب الأكبر في الانتخابات البرلمانية. ورغم أن عملية فرز الأصوات لم تكتمل بعد، أكدت الوكالة أن الحزب بقيادة جيتن لم يعد من الممكن تجاوزه من قبل حزب PVV، وأن تشكيل الحكومة الجديدة بات من مسؤولية D66، رغم أن تركيبة الائتلاف لا تزال غير واضحة.
أشار فان دن بيرغ إلى أن الأحزاب الهامشية فقط تدعو إلى استعادة العلاقات مع موسكو أو التقليل من شأن الصين كتهديد أمني، بينما تتفق الأحزاب الرئيسية على تبني مواقف أكثر صرامة، ودعم مستمر لأوكرانيا، والتزام قوي تجاه حلف شمال الأطلسي (الناتو). أضاف فان دن بيرغ: “ستواصل هولندا سياستها الأمنية الحالية، أي الالتزام بأهداف الناتو ودعم أوكرانيا، لكن النقاش الحقيقي الآن يدور حول كيفية تقليص الاعتماد الاستراتيجي على الولايات المتحدة”.
مبيعات الأسلحة الأمريكية
يتزايد الاعتماد العسكري الأوروبي على واشنطن بسرعة تفوق قدرتها على التوصل إلى توافق سياسي مشترك. ففي حين ارتفع الإنفاق الدفاعي الأوروبي بشكل حاد، تحول جزء كبير من هذا الطلب نحو القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية. يقول غونترام وولف، الباحث البارز في مركز الأبحاث بروغيل في بروكسل: “إن هذا يفسر الارتفاع الحاد في مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى أوروبا خلال العامين 2023 و2024”. تُظهر البيانات أن إشعارات المبيعات العسكرية الأمريكية إلى أوروبا (FMS) قفزت من متوسط سنوي يبلغ 11 مليار دولار (2017–2021) إلى 68 مليار دولار في عام 2024، خصوصًا في مجالات الطائرات المقاتلة وأنظمة الصواريخ والبرمجيات الدفاعية. وأوضح وولف: “أن القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية نفسها تعاني من ضغط كبير، إذ ازدادت تأخيرات التسليم، بينما تحتفظ الحكومة الأمريكية بحق إعادة ترتيب أولويات المشترين بحسب مصالحها الاستراتيجية، مما يكشف عن مخاطر سياسية وقدرات محدودة تواجهها الدول الأوروبية”.
التقاليد الأطلسية ودور فرنسا
لطالما اعتمدت هولندا، بحكم تقاليدها الأطلسية، على التعاون عبر الأطلسي في المجال الدفاعي، مفضّلة المعدات الأمريكية مثل مقاتلات F-35 على المقاتلات الفرنسية رافال. ويُقصد بالتقليد الأطلسي رؤية سياسية واستراتيجية تؤكد على أهمية التعاون الوثيق بين أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية (الولايات المتحدة وكندا)، أي الدول المطلة على المحيط الأطلسي. يقول فان دن بيرغ: “مقاتلة الـ F-35 متفوقة على الرافال، لكن على المدى الطويل، ستصبح إدارة هذه التبعية أمرًا حاسمًا لقواتنا المسلحة”. ورغم امتلاك هولندا قدرات بحرية وتكنولوجية متقدمة، إلا أنها أقل اندماجًا من فرنسا في مشاريع الدفاع الأوروبية المشتركة، وما تزال متشككة حيال إنشاء جيش أوروبي مستقل بالكامل.
في المقابل، تواصل فرنسا الدفاع عن فكرة السيادة الدفاعية الأوروبية. ويُعد الرئيس إيمانويل ماكرون أبرز الداعين إلى ركيزة أوروبية داخل الناتو، بل وإلى جيش أوروبي، مما يجعل فرنسا المدافع الرئيسي عن الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي. وقد منحت المشاريع الفرنسية المشتركة في مجالي الطيران والبحرية زخمًا لهذه الجهود، إلا أن ألمانيا، كما يشير وولف، ما تزال تعتبر الولايات المتحدة، لا فرنسا، حليفها العسكري الرئيسي، مما يحد من مدى هذا التكامل. ويضيف فان دن بيرغ أن “سوق الدفاع الأوروبية لا تزال مجزأة، وأن تحقيق التوافق السياسي أمر صعب”.
مخاطر حقبة ترامب
يحمل الاعتماد على الولايات المتحدة مخاطر فورية وطويلة الأمد. حيث يشير وولف إلى أن الرئيس الأمريكي يمكنه في أي وقت تعديل أولويات التسليم ضمن برامج المبيعات العسكرية، وقد أدى ذلك إلى تأخيرات لعدة سنوات لبعض الحلفاء كما حدث مع سويسرا مؤخرًا. فأوروبا تحتاج بشكل عاجل إلى استراتيجية لتقليل اعتمادها التكنولوجي على الولايات المتحدة. يقول وولف: “إن ذلك يتطلب تحفيز الشركات الأوروبية المتخصصة في التقنيات الدفاعية المتقدمة، وتعديل سياسات المشتريات لصالح الموردين المحليين”. ورغم تفوق التكنولوجيا الفرنسية في بعض المجالات، غالبًا ما يتم تجاهلها لصالح الأنظمة الأمريكية، إما بسبب الضمانات الأمنية التي يُعتقد أنها توفرها، أو كنتيجة لتحالفات طويلة الأمد. لكن حقبة ترامب أثبتت أن هذه الضمانات ليست مضمونة بمجرد شراء المعدات الأمريكية. ويتبنى فان دن بيرغ رؤية أكثر واقعية: “تدعم معظم الأحزاب الهولندية تنويع التحالفات ليس فقط عبر تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، بل من خلال بناء شراكات مع قوى متوسطة مثل البرازيل والهند وإندونيسيا. تقليص التبعية يعني الاستثمار في الصناعات المحلية وتعزيز الابتكار العسكري الأوروبي”.
الطريق إلى الأمام مليء بالخيارات الصعبة
فمع تصاعد التهديدات، ولا سيما بعد حرب أوكرانيا، وتزايد الأزمات الهجينة في أنحاء القارة، بات السياسيون والمخططون الاستراتيجيون يؤكدون على الحاجة الملحّة لتوسيع الإنتاج الدفاعي المحلي، وتكامل الأسواق، وتحديث أنظمة المشتريات، حتى لا تبقى أوروبا رهينة لتقلبات العلاقات عبر الأطلسي. ويختتم وولف بالقول: “باتت لدى أوروبا اليوم شركات دفاعية متقدمة في مجالات التكنولوجيا الفائقة، وبعضها أصبح من الشركات العملاقة يُطلق عليها (يونيكورن)، ما نحتاجه هو استراتيجية متماسكة لتوجيه الطلب نحو هذه الشركات، وتوسيع نطاق الإنتاج، واستعادة القيادة التكنولوجية في المجالات الحيوية”.
رابط مختصر .. https://www.europarabct.com/?p=111255
