خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
الناتو وروسيا ـ هل اقترب الحلف من حرب مفتوحة؟
يناقش حلفاء الناتو تخفيف قواعد الطيارين للسماح لهم بإسقاط الطائرات الروسية، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة فاينانشال تايمز في التاسع من أكتوبر 2025. يأتي هذا التقرير في الوقت الذي يدرس فيه أعضاء الحلف اتخاذ نهج أكثر صرامة تجاه موسكو في أعقاب سلسلة من انتهاكات المجال الجوي المزعومة، وهجمات الطائرات المسيّرة، ومخططات التخريب في أوروبا. تتفاقم التوترات بين حلف شمال الأطلسي وروسيا مع استمرار التصعيد في حرب أوكرانيا، وهناك خطر متزايد من اندلاع صراع مباشر بين روسيا وحلف شمال الأطلسي. وقد وصف الجانبان الوضع بأنه شكل من أشكال الحرب بينهما، على الرغم من عدم صدور أي إعلان رسمي عن ذلك من جانب روسيا أو حلف شمال الأطلسي.
حلفاء الناتو يناقشون ردًا أكثر حزماً على الانتهاكات الروسية
ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز، نقلاً عن أربعة مسؤولين في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أن حلفاء الناتو يناقشون ردًا أكثر حزماً على الانتهاكات الروسية الاستفزازية المتزايدة، بما في ذلك تخفيف القيود المفروضة على الطيارين للسماح لهم بإطلاق النار على الطائرات الروسية، ونشر طائرات مسيّرة مسلّحة على طول الحدود مع روسيا. وتُعدّ التكلفة غير المتكافئة لإطلاق طائرات مقاتلة لاعتراض الطائرات المسيّرة مصدر قلق دائم للحلف، الذي يسعى إلى حل مالي مستدام. ذكرت الصحيفة أن الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي على خط المواجهة مع روسيا، بدعم من فرنسا وبريطانيا، هي التي بادرت بإجراء المناقشات، والتي اتسعت منذ ذلك الحين لتشمل مجموعة أكبر داخل التحالف الذي يضم 32 عضوًا.
بحسب البيانات الصادرة عن وكالة سلامة الطيران التابعة للاتحاد الأوروبي (EASA)، في عام 2021، ارتفع عدد الحوادث التي تنطوي على طائرات بدون طيار في الطيران الأوروبي من حوالي 500 حادثة سنويًا في عام 2015 إلى ما يقرب من 2000 حادثة في عام 2019. ولم تتمكن EASA من تقديم بيانات أحدث. تقول أورانيا جورجوتساكو، المديرة الإدارية لجماعة الخطوط الجوية الأوروبية: “لا شك أن حوادث الطائرات بدون طيار، بغض النظر عن مكان أو توقيت وقوعها، لها تأثير على المطارات وشركات الطيران، مما يؤدي إلى تعطيل حركة الركاب، وإثقال كاهل القطاع بتكاليف غير متوقعة”.
إسقاط الناتو للطائرات قد يُؤدي إلى حرب مفتوحة
أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في سبتمبر 2025: “أن على قوات الناتو إطلاق النار على الطائرات الروسية التي تخرق أراضي الحلفاء”. ورد متحدث باسم الكرملين قائلًا: “أن مثل هذا الخطاب لا يؤدي إلا إلى تأجيج العداء”. أسقط الجيش البولندي طائرات روسية مُسيّرة مُتسللة في 10 سبتمبر 2025، بعد أن أطلق طائرات مُسيّرة ردًا على ما وصفه بانتهاك “غير مسبوق” لمجاله الجوي، حيث هاجمت القوات الروسية غرب أوكرانيا المجاورة. اخترقت طائرات روسية المجال الجوي الإستوني، في حين كانت هناك العديد من الرحلات الجوية غير المبررة للطائرات بدون طيار فوق أعضاء الناتو الأوروبيين: رومانيا، والدنمارك، ومؤخرًا بلجيكا وألمانيا، مما أدى إلى تفاقم التوترات وأدى إلى دعوات داخل الناتو لتطوير سريع لاكتشاف وتتبع واعتراض الطائرات بدون طيار التي تنتهك المجال الجوي الأوروبي.
نفت روسيا الاتهامات الموجهة إليها، وحذّرت من أن إسقاط الناتو لطائرتها سيُمثّل تصعيدًا خطيرًا قد يُؤدي إلى حرب مفتوحة. يرى جان كريستوف أوتجين، عضو البرلمان الأوروبي الألماني من منظمة رينيو يوروب: “ليس كل ظهور لطائرة بدون طيار يشكل تلقائيًا خطرًا أمنيًا كبيرًا”. وأضاف: “أن هذا الموضوع مطروح منذ فترة طويلة، وحظي بالاهتمام بسبب التوترات الجيوسياسية”. لكن البعض في الحلف يعتقد أن روسيا لا ترد إلا بالردع القوي، وبالتالي يجب مواجهة انتهاكات المجال الجوي بردٍّ حازم.
الاتحاد الأوروبي يستعد لاتخاذ خطواته الخاصة
أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أمام البرلمان الأوروبي: “إنها حملة رمادية متعمدة ومستهدفة ضد أوروبا. وعلى أوروبا أن ترد”. تشير التقديرات أن هناك استعداد أوروبي لإصدار قرار يدق ناقوس الخطر بشأن “عملاء روس” يستخدمون طائرات بدون طيار لتعطيل حركة المرور الجوي. يوضح ساندر ستارفيلد، مدير شركة SIG Aviation الاستشارية: “لقد أصبحت المواجهات مع الطائرات بدون طيار تحدث منذ سنوات عديدة الآن، وأصبحت أكثر تواترًا في الاتحاد الأوروبي عندما بدأ استيراد الطائرات بدون طيار الاستهلاكية الأصغر حجمًا في الارتفاع حوالي عام 2010”. أكد المسؤولون الأربعة في حلف شمال الأطلسي لصحيفة فاينانشال تايمز إنه لا يوجد جدول زمني أو التزام بالموافقة على أي تغيير في الموقف، وقد لا يتم الإعلان عن أي تحول علنًا.
النتائج
يشير التقرير إلى تصعيد متنامٍ في العلاقات بين حلف شمال الأطلسي وروسيا، يتجسد في نقاشات جدية داخل الناتو بشأن تخفيف قواعد الاشتباك، بما يسمح بإسقاط الطائرات الروسية، سواء كانت مأهولة أو مسيّرة. ويعكس ذلك تحوّلًا في المزاج السياسي والعسكري داخل الحلف، من الاحتواء والردع إلى التفكير في إجراءات ميدانية مباشرة. كما أن دعم دول كفرنسا وبريطانيا لهذا الاتجاه يعزز من فرص تحوله إلى سياسة معتمدة، خاصة في ظل الانتهاكات الروسية المتكررة للمجال الجوي الأوروبي.
في المقابل، تؤكد موسكو أن أي إسقاط لطائراتها سيُعدّ تصعيدًا خطيرًا، ما يُبرز هشاشة الخط الفاصل بين الحرب الرمادية والمواجهة العسكرية المباشرة. ومع انخراط كيانات الاتحاد الأوروبي لا سيما البرلمان والمفوضية في توصيف الأحداث كـ”حملة رمادية”، فإن تنامي الشعور الأوروبي بضرورة الرد، ليس فقط دفاعيًا بل وهجوميًا أحيانًا، قد يدفع المؤسسات الأوروبية إلى خطوات تنسيق أكبر مع الناتو، وربما إجراءات منفصلة لتعزيز أمنها الجوي.
مستقبليًا، من المرجح أن تتكثف مبادرات الناتو والاتحاد الأوروبي لتطوير قدرات رصد واعتراض الطائرات المسيّرة، إلى جانب توسيع الاستثمار في أنظمة الدفاع الجوي منخفضة التكلفة. وإذا استمرت الانتهاكات الروسية، فقد نشهد تغييرًا تدريجيًا في قواعد الاشتباك، يتم تطبيقه ميدانيًا دون إعلان رسمي. ومع تصاعد التوتر
قد يصبح خطر الخطأ أو سوء التقدير واردًا، مما قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية محدودة، خصوصًا في دول المواجهة مثل بولندا أو دول البلطيق. ستعتمد دينامية التطورات القادمة على مدى استعداد الجانبين لفرض خطوط حمراء حقيقية، ومدى فعالية آليات الاتصال العسكري المباشر لتجنب التصعيد غير المقصود.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=110420
