خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
أكدت رئيسة الوزراء الدنماركية، ميت فريدريكسن، في ختام قمة زعماء الاتحاد الأوروبي: “لن أسمح لدولة واحدة، وبالتأكيد لن أسمح للسيد أوربان، باتخاذ قرارات بشأن مستقبل أوروبا بأكمله”. اختتم زعماء أوروبا يومين من القمتين المتتاليتين في كوبنهاغن، والتي اتسمت بعرقلة رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، الذي أعاق بحق النقض (الفيتو) الدعم الجماعي لأوكرانيا، وتحدّى الوحدة في وقت حرج، حيث تكثّف روسيا قصفها وتبتعد الولايات المتحدة.
أوربان يرفض بشكل قاطع رفع حق النقض (الفيتو)
على الرغم من المناشدات التي وجهها رؤساء دول وحكومات أخرى، رفض أوربان بشكل قاطع رفع حق النقض (الفيتو) عن محاولة أوكرانيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي منع مولدوفا من التقدم في المفاوضات، حيث إن التوسع يعتمد كليًا على الإجماع. وسارع الزعيم المجري إلى إحباط محاولة رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، لتعديل قواعد التصويت والتحول إلى الأغلبية المؤهلة.
رفض أوربان مبادرة رائدة لإصدار قرض بقيمة 140 مليار يورو لأوكرانيا باستخدام الأصول المجمدة للبنك المركزي الروسي، على الرغم من أن نظيره البلجيكي، بارت دي ويفر، قدّم قضية متحمسة لتقاسم المخاطر. تعد بلجيكا موطنًا لبنك “يوروكلير”، وهو البنك المركزي للأوراق المالية الذي يحتفظ بالجزء الأكبر من الأصول الروسية، مما يجعلها الهدف الرئيسي للانتقام المحتمل من جانب الكرملين. يقول دي ويفر: “أريد أقصى درجات اليقين القانوني، أريد التضامن، لا أعتقد أن هذا موقف غير معقول”.
يقول أوربان: “بلجيكا بحاجة إلى تكافل المسؤولية، مستحيل، لسنا جزءًا من الاتفاق”، واصفًا حجج دي ويفر بأنها “مفيدة للغاية”. مضيفًا: “إذا قرر الاتحاد الأوروبي المساس بأموال شخص آخر، فلن نكون جزءًا من هذه (الصفقة)، وبالتالي لن نتحمل أي مسؤولية في المستقبل”. يُهدد غياب الإجماع بتعقيد ما يبدو أنه خطة معقدة أصلًا، فبدون دعم الدول الأعضاء السبع والعشرين، لن تتمكن المفوضية الأوروبية من استخدام ميزانية الاتحاد الأوروبي كضامن نهائي.
تعديل آلية تجديد العقوبات
تسعى المفوضية إلى تعديل آلية تجديد العقوبات لجعل تجميد الأصول أكثر قابلية للتنبؤ. لكن هذا أيضًا يتطلب إجماعًا. أعربت رئيسة الوزراء الدنماركية، ميت فريدريكسن، عن إحباطها من عرقلة أوربان في المؤتمر الصحفي الختامي في كوبنهاغن، قائلةً: “أعتقد أن علينا الالتزام باستراتيجيتنا، وتوسيع الاتحاد الأوروبي جزءٌ منها. وهي مسألةٌ تخص الاتحاد الأوروبي بأكمله، بل القارة الأوروبية بأكملها. وعلينا بناء أوروبا قوية قدر الإمكان، وهو ما يعني، في رأيي، توسيع الاتحاد الأوروبي”. وأضافت: “لن أسمح لدولة واحدة، وبالتأكيد لن أسمح للسيد أوربان، باتخاذ قرارات بشأن مستقبل أوروبا بأكمله”.
زيلينسكي: “لدينا مشاكل مع المجر”
اقترحت فريدريكسن أن تُمضي كييف قدمًا في استراتيجيتها ريثما يُرفع الفيتو وتُفتتح المجموعة الأولى من محادثات الانضمام. أعلنت المفوضية الأوروبية، خلال سبتمبر 2025، أن أوكرانيا أكملت فحص تشريعاتها لجميع المجموعات الست “بسرعة قياسية”. تابعت فريدريكسن: “إذا لم نتمكن من إقناع فيكتور أوربان، فإنني أعتقد ببساطة أنه يتعين علينا المضي قدمًا في كل العمل الذي يتعين القيام به بين أوكرانيا والمفوضية الأوروبية”.
من جانبه، اتهم الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، أوربان بممارسة ضغوط انتخابية. ظل الزعيم المجري في السلطة لمدة خمسة عشر عامًا متواصلة، ويواجه تحديه الأصعب، وهو زعيم المعارضة، بيتر ماجيار، الذي يتصدر استطلاعات الرأي بفارق كبير، وستُجرى انتخابات في البلاد في أبريل 2026. أكد زيلينسكي: “لدينا مشاكل مع المجر. يمكننا التحدث عنها بصراحة، لأن فيكتور أوربان لديه انتخابات. وأعتقد أن إجراء انتخابات ليس بالأمر الذكي، ولهذا السبب يعرقل انضمام دولة كبيرة يبلغ عدد سكانها 40 مليون نسمة إلى الاتحاد الأوروبي”.
أسباب اعتراض المجر على انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي
لطالما كانت القيود المفروضة على استخدام لغات الأقليات في التعليم العام الأوكراني محل خلاف بين البلدين، نظرًا لوجود أقلية مجرية كبيرة تعيش في منطقة ترانسكارباتيا، جنوب غرب أوكرانيا. إلا أن أوكرانيا عدّلت القواعد التقييدية لاحقًا، على أمل بدء عملية الانضمام بنهاية عام 2023. وهناك مخاوف اقتصادية، نظرًا لأن السوق الموحدة سوف تنفتح أمام كميات هائلة من الحبوب الأوكرانية وغيرها من المواد الغذائية، ومن المؤكد أن انضمام دولة كبيرة كهذه سوف يخل بالتوازن بين المساهمين الصافين والمستفيدين الصافين.
يرى أوربان بأن قبول أوكرانيا يعني “استيراد الاتحاد الأوروبي للحرب”، وحذّر من خطر عبور المافيا الأوكرانية للحدود الأوروبية بحرية. لكن في الواقع، لا يعني الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي تلقائيًا الانضمام إلى منطقة شنغن التي تُتيح حرية التنقل؛ فعادةً ما تمر سنوات طويلة قبل قبول عضو جديد في المنطقة. لذلك قررت المجر الاعتراض استباقيًا ومنع أوكرانيا من اتخاذ الخطوات الأولى نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، كما هو الحال مع جميع القرارات الأخرى ذات الصلة في عملية الانضمام، يجب اتخاذها بالإجماع.
لماذا يستخدم أوربان حق النقض (الفيتو) بشأن العقوبات على روسيا؟
يرى أوربان أن المجر تعتمد بشكل كبير على الغاز الطبيعي والنفط الروسي، وقد وقّعت على صفقات طويلة الأجل مع شركة “غازبروم”. كما يرى أوربان أن العقوبات على روسيا تضر بالاقتصاد المجري أكثر مما تضر بروسيا، ويصف بعض العقوبات بأنها “عقوبات ضد أوروبا نفسها”. كما أن مشروع توسعة مفاعل “باكش” النووي يتم بمساعدة روسية، ويُعتبر من المشاريع الاستراتيجية في البلاد. يستغل أوربان موقفه من العقوبات لكسب تأييد شعبي داخلي، خاصة بين القوميين والمحافظين، ويروّج لفكرة أن بروكسل تحاول فرض سياسات غير متوافقة مع مصالح المجر، خاصة في ملفات مثل الهجرة والعقوبات.
يُعد أوربان هو الزعيم الأوروبي الوحيد الذي حافظ على علاقات علنية مع فلاديمير بوتين منذ بدء حرب أوكرانيا في فبراير 2022. وكلا الزعيمين يشتركان في رفض “الليبرالية الغربية”، ويؤمنان بسياسات محافظة وتقليدية في الشأنين الثقافي والاجتماعي. يُعد استخدام الفيتو ورقة تفاوض للضغط على بروكسل في ملفات أخرى مثل الإفراج عن أموال مجمّدة للمجر بسبب قضايا تتعلق بسيادة القانون، وتخفيف الضغوط السياسية والمالية التي تواجهها حكومته من مؤسسات الاتحاد الأوروبي. وأخيرًا، يطالب أوربان بمراجعة استراتيجية العقوبات، حيث يرى أن الاستراتيجية الأوروبية لم تؤدِّ إلى تغيير سلوك روسيا، بل ساهمت في ارتفاع الأسعار في أوروبا.
النتائج
يعكس موقف فيكتور أوربان في قمة كوبنهاغن عمق الأزمة التي يعيشها الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق باتخاذ القرارات بالإجماع، خاصة في الملفات الحساسة كالتوسّع والعقوبات. رفضه المتكرّر للدعم الجماعي لأوكرانيا، سواء عبر مسار الانضمام أو التمويل، يشير إلى توجّه منهجي لتقويض وحدة الصف الأوروبي، وتحويل الفيتو إلى أداة مساومة سياسية تخدم أجنداته الداخلية وعلاقاته الخارجية، ولا سيما مع روسيا.
يبرز أوربان كلاعب منفصل عن السياق الأوروبي العام، ويستخدم ملفات كالهجرة والطاقة وسيادة القانون للمناورة مع بروكسل. لكن هذا السلوك يُضعف مصداقية الاتحاد ويُعطل قدرته على الاستجابة الجماعية للتحديات، خصوصًا مع تراجع الدور الأمريكي. كما أن استمرار أوربان في الاعتراض على انضمام أوكرانيا يمنح روسيا مكاسب سياسية دون كلفة، ويضعف رمزية الاتحاد كحصن للديمقراطية في مواجهة الاستبداد.
يحمل المستقبل عدة سيناريوهات أبرزها، أولاً: سيناريو الضغط المتصاعد من الدول الأوروبية الكبرى لتقليص صلاحيات الفيتو عبر تعديل المعاهدات، لا سيما في المسائل الخارجية والميزانية. وهو نقاش بدأ فعليًا، وقد يُكسب زخمًا إذا استمر التعطيل المجري. ثانيًا، اعتماد حلول بديلة مثل التعاون الطوعي بين مجموعة من الدول لتمويل أوكرانيا خارج الإطار المؤسسي الرسمي، ما قد يخلق “اتحادًا داخل الاتحاد” يقصي المجر تدريجيًا من مراكز التأثير.
في كلتا الحالتين، فإن مستقبل المجر في الاتحاد الأوروبي سيخضع لمراجعة ضمنية، إما بإعادة ضبط دورها عبر آليات قانونية، أو بعزلها سياسيًا حتى لا تكون حجر عثرة في طريق وحدة القارة في لحظة حرجة.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=110162
