المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا و هولندا
إعداد : الدكتور فريد لخنش
دخلت ليبيا في الآونة الأخيرة مرحلة الاغتيالات أو بالأحرى مرحلة التصفية الجسدية رغم وجود خطة نزع السلاح، وهذا يؤشر على وضع خطير جدا قد يؤجج الوضع ويزيد من عمر الأزمة الليبية، حيث يرجح الكثير من المحللين أن سبب هذه الوضعية له علاقة وثيقة بتصفية الحسابات والمصالح المالية أي صراعات مصالح بالدرجة الأولى، إذ تعمل هذه الميليشيات المسلحة على إدارة شبكات معقدة من الأعمال والتجارة ” تهريب الوقود، الاتجار بالبشر ….الخ، وهي تتداخل فيما بينها وتكشف عمق الأزمة وصعوبة إيجاد الحلول في ظل ما تصبوا إليه دول الجوار ودول الاتحاد الأوربي للحفاظ على الأمن الليبي من جهة والأمن القومي لدول الاتحاد الأوربي من جهة أخرى. هذا ما يجعلنا نتساءل عن مدى جدوى الخطة المتبعة من طرف الحكومة الليبية إزاء الميليشيات المسلحة والتي تأبى التنازل عن مصالحها وعن كمية السلاح التي بحوزتها. ليبيا وجهود مكافحة الارهاب
نزع السلاح من الميليشيات الليبية الأزمة الجديدة القديمة
هذه الوضعية إذن تقودنا للحديث عن مدى فاعلية الإستراتيجية التي تتبعها الحكومة الليبية في قضية نزع السلاح من الميليشيات، وهنا يمكن الإشارة للبحث الذي أجراه مركز كارنيغي للشرق الأوسط في 14 حزيران 2012 والذي أكد أنه وبالرغم من تطوير إستراتيجية شاملة وطويلة الأمد لنزع السلاح وإعادة الدمج، إلا أنها في طور التحقّق، ولو ضمن نطاق محدود. إذ أثبتت محاولات المجلس الانتقالي الوطني جمع السلاح عدم جدواها، مع العلم بأنه نجح بحلول كانون الأول 2011 ، في نزع المدافع الكبيرة من المدن الرئيسة، مثل قاذفات الصواريخ الموضوعة في شاحنات “بيك أب”. وتعمل مجموعات أهلية على ردم الهوّة بين السلطة الانتقالية والميليشيات التي لا تثق بها. ففي طرابلس مثلاً، سجّلت إحدى المنظّمات (“ليبيا الحرة”) ذات التمويل الخاص 1400 مقاتل من أصل نحو 17000 في العاصمة في شهر كانون الثاني 2012 فقط.
هذا ما يؤكد عدم نجاعة الإستراتيجية المنتهجة سابقا من طرف المجلس الانتقالي الليبي في سنة 2012، فلم يتغير الوضع ولم يتم نزع السلاح من الميليشيات إلا بشكل جزئي فقط، وبالتالي فالأزمة الحالية التي ميزتها العديد من المظاهر الخطيرة مثل التصفية الجسدية، الاتجار بالبشر، تهريب الوقود وشبكات معقدة من الأعمال والتجارة… الخ. هي في الحقيقة امتداد للأزمة السابقة، حيث لم تستطيع آنذاك الحكومة الليبية وفي تلك المرحلة إجراء دمج فوري لعناصر الميليشيات الذين قدر عددهم في تلك الفترة بين 120000 و200000 عنصر، في القوى العاملة الوطنية.
ويرى بعض المعنيين بالشأن الليبي، أن الاغتيالات هي سياق طبيعي للأحداث عقب انتهاء الحرب، والتي عادة ما يكون الجزء الأكبر منها أعمال جنائية تتعلق بتقاسم الغنائم، و أن أطرافا سياسية ومع بدء مرحلة جديدة من الاستقرار في ليبيا، ستكون بحاجة إلى إغلاق بعض الملفات التي تثبت توّرطها في بعض الجرائم، ولأجل ذلك ستقوم بالتخلّص من الصناديق السوداء للمرحلة السابقة. ولم تعلن السلطات الجديدة عن هذه الاغتيالات وعن الجهة التي تقف وراءها، والذي تزامن مع بدء ممارسة مهامها ورحيل مسؤولي حكومة الوفاق باتهامات بوقوفهم وراء تقوية ذراع ونفوذ المليشيات خلال توليهم السلطة على امتداد 6 سنوات.
التوترات الراهنة في طرابلس وتأثيراتها على دول الاتحاد الأوربي مستقبلا
شهدت العاصمة الليبية طرابلس بتاريخ 19 أبريل 2021 حالة من التوتر الأمني والمناوشات الكلامية بين الميليشيات المسلحة في العاصمة الليبية طرابلس. ووصفت القوات الخاصة لميليشيات ما يعرف باسم “عمليات النواصي”، جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، بأنه ”ميليشيات فوق القانون”، واعتبرته بمثابة “حزب الله في ليبيا”. واتهمته في بيان مختصر لها بمحاولة السيطرة على كامل العاصمة طرابلس بدعوى مكافحة الجريمة، وخاطبت جهاز قوة الردع الخاصة قائلة: “أنتم لستم شرطياً على طرابلس”.
كشفت زيارة رئيس المجلس الأوروبي “شارل ميشال” في خضم هذه التوترات التي تشهدها ليبيا بتاريخ 04 أبريل 2021 الفارط إلى ليبيا، عن دعم الاتحاد الأوروبي لحكومة الوحدة الوطنية والساعية لإخراج البلاد من حالة الفوضى وانعدام الاستقرار التي تشهدها منذ عشر سنوات.
أكد “شارل ميشال” إثر مقابلته رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة: “سنعمل مع الحكومة الجديدة وندعمها”. وشدّد على أن “الاتحاد الأوروبي يدعم بنشاط عملية المصالحة الوطنية”. وتابع أن “التعافي الاقتصادي والانتخابات ومكافحة الهجرة غير الشرعية…. هي المجالات التي يمكن أن يساعد فيها الاتحاد الأوروبي ليبيا”.
كما أعلن عودة سفير الاتحاد الأوروبي إلى العاصمة الليبية في الأسابيع المقبلة. علما بأن فرنسا قد أعادت فتح سفارتها في طرابلس يوم 29 مارس 2021 ، ومن المنتظر أن تستأنف سفارات أوروبية أخرى حضورها في ليبيا خلال الأسابيع المقبلة. وهذا ما يعكس مدى اهتمام الاتحاد الأوربي بالقضية خاصة فيما تعلق بملف الهجرة والمقاتلين الأجانب والتي سوف تطرح على طاولة المباحثات. انقرة ـ ترسل مرتزقة الى ليبيا
التقييم
أجد أن تأكيد “ميشال” على ملف الهجرة واتخاذه موضوعا ذو أولوية قصوى” في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وليبيا، ما هو إلا دليل على تخوف دول الاتحاد الأوربي من تفاقم الأزمة وعدم الاستقرار خاصة مسألة نزع السلاح من الميليشيات وما يتخلل ذلك من صعوبات على أرض الواقع.
فإن فشلت الإستراتيجية المتبعة من الحكومة الليبية الحالية، فقد يترتب عن ذلك الكثير من المشاكل والصراعات مثلما سبق وأن أشرنا بين مختلف الميليشيات المسلحة، مع العلم بأن ليبيا تعتبر طريقا رئيسيا لعشرات آلاف المهاجرين القادمين من دول إفريقيا متوجهين نحو السواحل الإيطالية، وهذا من شأنه أن يشكل تهديدا حقيقيا على مصالح دول الاتحاد الأوربي.
وبالتزامن مع ذلك فإن حث رئيس المجلس الأوروبي جميع المرتزقة والعسكريين الأجانب على الخروج سريعاً من البلاد يؤكد مدى حرص دول الاتحاد الأوربي على حلحلة الأزمة اللبيبة داخل ليبيا وتحقيق الاستقرار الأمني وتفادي الفوضى التي قد تؤدي إلى تحمل عبء الهجرة الغير الشرعية وتهريب الأسلحة من خلال غلق المنافذ أمام المهاجرين الأفارقة والليبيين وفي نفس الوقت المحافظة على مصالحها ومصالح الشركات العالمية العاملة في ليبيا .
أبرز هذه الشركات : شركة إيني الإيطالية التي تعد من أكبر الشركات النفطية في ليبيا، وتوتال وشلمبرجير الفرنسيتان، وإكسون موبيل وكونوكو فيليبس وبيكر هيوز وهاليبرتون الأميركية إضافة إلى شركة فينتر شال الألمانية وشركة أو أم في النمساوية وبريتش بتروليوم البريطانية وغاز بروم وتات نفت الروسيتين، وريبسول الإسبانية وسوناطراك الجزائرية. فضلا عن العديد من الشركات الأخرى من بينها شركات أميركية وتركية وصينية ومصرية تعمل في مجال الحفر.
تطرح أزمة الهجرة غير الشرعية أمام دول الاتحاد الأوربي وايطاليا بالتحديد العديد من الخيارات، والتي كما يبدوا أنها مفخخة، فهي من جهة تحاول إنقاذ المهاجرين غير الشرعيين من الموت المحتم في عرض البحر وهو بالتالي عمل ذو طابع إنساني تقوم به أمام منظمات حقوق الإنسان.
ولكن تبقى المسألة الأهم وهي من يتحمل عبء هؤلاء المهاجرين وهو يعتبر مأزق حقيقي أمام الاتحاد الأوربي، حيث تشكل البدائل المتاحة بعد مهمة الإنقاذ في البحر نقطة خلاف جوهرية، فهم إما أن يرحلوا لمراكز الإيواء في ليبيا تحديدا وهي مراكز حسب المتتبعين لشؤون الهجرة غير لائقة تماما ولا تمت بصلة بالإنسانية؛ إذ يتعرض الكثير منهم للاعتداءات والمعاملة السيئة أو يباعون في أسواق العبيد في ليبيا أو يتعرضون للاستغلال الجنسي، بحكم أن ليبيا غير مستقرة حاليا من الناحية الأمنية ولم تتخلص من مشكلة الميليشيات المسلحة ولا حتى المرتزقة القادمين من دول مختلفة. أمن الاتحاد الأوروبي…التواجد العسكري و الأمني في ليبيا
يشكل البديل الآخر المطروح وهو تحويل هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين إلى مراكز تابعة لايطاليا أو اسبانيا أو مالطا، تحديا أمام دول الاتحاد الأوربي، لأن التكفل بهم ورعايتهم وتأهيلهم للاندماج في المجتمعات الأوربية، قد يتطلب أموالا ضخمة بالنظر للأعداد الهائلة الوافدة، حتى وإن تحقق ذلك فإن أوربا قد عانت من ذي قبل الكثير من الأعمال الإرهابية والتي لها صلة ببعض المتطرفين والذين تم إدماجهم في أوربا فأمن دول الاتحاد الأوربي قد يبقى مرهونا بحل جميع هذه القضايا المعقدة.
رابط مختصر ..https://www.europarabct.com/?p=75122
* حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
الهوامش:
حرب تصفيات جسدية.. ميليشيات غرب ليبيا تأكل نفسها
https://www.alarabiya.net/north-africa/2021/03/30
تحديات العملية الانتقالية في ليبيا
https://carnegie-mec.org/2012/06/14/ar-pub-48670
تواصل المناوشات لليوم الثاني بين الميليشيات في العاصمة الليبية طرابلس
https://www.alarabiya.net/north-africa/2021/04/19
رئيس المجلس الأوروبي في ليبيا .. الهجرة والمقاتلون الأجانب في صلب المباحثات
ما لا تعلمه عن ذهب ليبيا الأسود.. من يتحكم في النفط الليبي؟