هل من دور أوروبي محتمل في المنطقة الأمنة شمال سوريا ؟
إعداد المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا وهولندا
وحدة الدراسات والتقارير “2”
تسببت الدعوة المفاجئة التي أطلقتها ” نيجريت كرامب كارينباور” وزيرة الدفاع الألمانية خلال شهر نوفمبر 2019 لنشر قوات دولية لتأمين منطقة شمال شرق سوريا بانقسام حاد في حكومة الائتلاف الكبير، التي تتزعمها المستشارة “أنغيلا ميركل”. حيث تجري مناقشات حول إقامة المنطقة الأمنة فى سوريا بشكل محتدم في برلين، لكنها لم تحصل على موافقة حكومية بعد، وقوبلت بردود أفعال هادئة بين الحلفاء. وأشار “بروكس تيغنر” المحلل المتخصص في شؤون الناتو والاتحاد الأوروبي، إن ما قدمته الوزيرة الألمانية ليس مقترحاً، بل مجرد فكرة حظيت بردود فعل إيجابية في الظاهر، لكن في الحقيقة لم يُبْدِ أي من الأطراف الاستعداد للمشاركة فيها.
مقترح ألمانى لإقامة االمنطقة الأمنة شمال سوريا
طرحت “نيجريت كرامب كارينباور” وزيرة الدفاع الألمانية على حلف شمال الأطلسي اقتراحا لإقامة المنطقة الأمنة شمال سوريا وفقا لـ”مونت كارلو” فى الخميس 24 أكتوبر 2019 وهي خطة حظيت بدعم تركيا والولايات المتحدة لكن الأمين العام للحلف أشار إلى أنها قد تتطلب مشاركة الأمم المتحدة. وأبلغت حلفاء بلادها بأن إقامة منطقة تتم السيطرة عليها دوليا يتطلب أيضا مشاركة روسيا.
وكان قد دعا ” روديريش كيزه فيتر ” خبير الشؤون الخارجية بالحزب المسيحي الديمقراطي، المنتمية إليه المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، إلى تأسيس منطقة حماية إنسانية شمالي سوريا، والاستعانة في تنفيذ ذلك بما يتراوح بين (30) ألف إلى(40) ألف جندي من دول الاتحاد الأوروبي نهم جنود من الجيش الألماني.وطالب “نوربرت روتغن” رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألمانية يتعين اتخاذ مبادرة أن تكون السيطرة على الوضع الأمني في هذه المنطقة مسؤولية المجتمع الدولي، وليس تركيا وحدها وفقا لـ”DW” فى 21 أكتوبر 2019 .ورحب بمقترح الوزيرة الألمانية ممثلون عن أكراد سوريا وقال ممثل الإدارة الذاتية الكردية لشمال وشرق سوريا في ألمانيا، إبراهيم مراد، إن كل مقترح من أجل حماية السكان المدنيين وتحقيق السلام الدائم، هو أمر إيجابي، شريطة انسحاب القوات التركية من سوريا.
وتقول ” ترينا برمسين” وزيرة الدفاع في الدنمارك وفقا لـ”صحيفة الشرق الأوسط ” فى 25 أكتوبر 2019 ، إن الحالة معقدة في شمال شرقي سوريا، في أعقاب العمل العسكري التركي أحادي الجانب. ونوّهت إلى أن المقترح الألماني هو اقتراح جيد، ويحتاج إلى مزيد من النقاش، ولهذا الغرض ستنعقد النقاشات في الاجتماع الوزاري، للوصول إلى موقف موحد حول هذا الصدد.
مواقف معارضة للمقترح الألمانى
عارض ” هايكو ماس” وزير الخارجية الألماني مقترح وزارة الدفاع الألمانية إقامة المنطقة الأمنة فى شمال سوريا تحت سيطرة دولية وفقا لـ”سكاى نيوز عربية” فى 23 أكتوبر 2019 . ويرى “هايكو ماس” ممثل الحزب الاشتراكي الديموقراطي، حليف ميركل الأصغر في الائتلاف الحاكم ، إن تلك الدعوة أثارت “درجة من الانزعاج بين حلفاء ألمانيا في حلف شمال الأطلسي”. ورأى ماس أن التدخل العسكري التركي في شمال شرقي سوريا، وكذلك دعم روسيا لنظام دمشق، يعني “وجود عقبات كبيرة أمام أي تدويل لحل النزاع”. وأضاف الوزير الاشتراكي أن برلين “تشارك في الوقت الحالي في الجهود المبذولة لحل النزاع” بالوسائل “الدبلوماسية والإنسانية”..وذكرت وكالة ريا نوفوستي للأنباء فى 24 أكتوبر 2019 نقلا عن وزارة الشؤون الخارجية الروسية أن روسيا لا ترى حاجة لإقامة منطقة آمنة تحت إشراف دولي في شمال شرق سوريا .
استبعدت ” كاترينا بارلي” نائبة رئيس البرلمان الأوروبي وفقا لـ”DW” فى23 أكتوبر 2019 ، إقامة المنطقة الأمنة تحت مراقبة دولية في شمالي سوريا. وقد رفضت بشكل تام مبادرة وزيرة الدفاع الألمانية كرامب كارنباور حول إقامة مثل هذه المنطقة الأمنة . وأضافت أن هذا الاقتراح جاء مفاجئا تماما، ليس فقط بالنسبة إلينا نحن البرلمانيين، بل حتى لوزير الخارجية هايكو ماس. هذه ليست طريقة لاقتراح مهمة دبلوماسية أو عسكرية.
“نبع السلام ” وعقوبات دول أوروبا
كشف استطلاع للرأي بتكليف من وكالة الأنباء الألمانية نشرته “DW” فى 30 أكتوبر 2019 يدعم (52%) استبعاد تركيا من الحلف بسبب التدخل العسكري التركي في شمال سوريا، و(18 %) فقط عارضوا ذلك وفيما يلى أبرز المواقف الأوروبية :
فرنسا : كشفت باريس وفقا لــ”الشرق الأوسط” فى 14 أكتوبر 2019 عن قرارها الوقف الفوري لجميع مبيعات الأسلحة إلى تركيا التي يمكن أن تستخدمها في هجومها على شمال شرقي سوريا. وجاء القرار الفرنسي، الذي أعلن عنه في بيان مشترك لوزارتي الخارجية والدفاع. و أكدت فرنسا أنها ستكثف من جهودها الدبلوماسية بالتنسيق مع شركائها في التحالف ضد تنظيم داعش وضمن دول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو ومجلس الأمن من أجل وضع حد للهجوم التركي في شمال شرق سوريا.
هولندا :أعلنت وزارة خارجية هولندا وفقا لـ”فرانس24″ فى 11 أكتوبر 2019 تعليق تصدير كافة شحنات الأسلحة الجديدة إلى تركيا إثر الهجوم شمال شرق سوريا. ووأكدت ” إين إريكسن سوريدي ” وزيرة الخارجية النرويجية أنها لن تنظر وزارة الخارجية في سياق إجراء وقائي في أي طلبات لتصدير معدات دفاعية ومعدات ذات استخدامات مختلفة (…) إلى تركيا حتى إشعار آخر”. وأضافت “نراجع حاليا كل تراخيص (التصدير) المعمول بها”.ووأعلنت فنلندا تعليق تصدير أي شحنة سلاح جديدة إلى تركيا
بريطانيا : أبلغ ” بوريس جونسون” رئيس وزراء بريطانيا الرئيس التركي “أردوغان” وفقا لـ”رويترز” فى 12 أكتوبر 2019 بأن بريطانيا يساورها ”قلق عميق“ تجاه العملية العسكرية التركية في شمال سوريا وحثه على إنهاء الهجوم والدخول في حوار. وكان قد أعلن وزير الخارجية البريطاني “دومينيك راب” تعليق صادرات الأسلحة إلى تركيا “التي يمكن أن تُستخدم” في الهجوم على شمال شرقي سوريا.
إيطاليا : أعلن ” جوزيبي كونتي ” رئيس الوزراء الإيطالي أنه سيسعى لحظر أوروبي على بيع الأسلحة لتركيا وفقا لـ”سكاى نيوز عربية” فى 14 أكتوبر 2019 . وأضاف البيان الصادر عن مكتب كونتي أن “إيطاليا ستسعى لمحاربة العملية العسكرية التركية في شمال شرق سوريا بكل أداة يسمح بها القانون الدولي”.
مساعي أوروبية للضغط على تركيا
تسعى الدول الأوروبية على وجه الخصوص، بريطانيا وألمانيا، وفرنسا إلى تفعيل ما تملكه من أوراق، رغم شحتها ، لتشكيل جبهة ضاغطة على تركيا و على الإدارة الأميركية لمنع تمدد الهجوم التركى شمال شرق سوريا . وتبقى مواقف اوروبا تتمحور حول فرض عزلة سياسية على أنقرة من خلال تجميد العلاقات الدبلوماسية، واستدعاء السفراء، ووقف التعاون الاقتصادي، وفرض عقوبات تجارية واقتصادية ومالية، والتهديد بايقاف تصدير الاسلحة، وغلق ملفات تركيا لدى الأتحاد الاوروبي والعودة مجدداً إلى مجلس الأمن الدولي، وإغلاق الباب أمام دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، اكثر من اي جهد عسكري .
أفادت لـ”اندبندنت عربية” وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية فى 14 أكتوبر2019 أن فرنسا لا تجد خياراً أمامها سوى سحب قواتها من التحالف الدولي ضدّ تنظيم داعش في تلك المنطقة. وتسهم باريس بنحو (1000) جندي في التحالف في سوريا والعراق، وتقول مصادر عسكرية إنّ من بين هؤلاء، نحو (200) من عناصر القوات الخاصة في شمال سوريا. وذكرت صحفية “تايمز” البريطانية، أن بريطانيا هددتبسحب قواتها الخاصة من سوريا حيث تتمركز عدة مئات من قوات الكوماندوز البريطانية. وأن الاستعدادات للانسحاب التدريجي للقوات البريطانية من البلاد قد يبدأ. إذا انسحبت القوات الأمريكية بالكامل من سوريا تمهيدا للغزو التركى .
الخلاصة
مازالت دول اوروبا، غير جاهزة لسد الفراغ الاميركي، ربما ماعد فرنسا، بسبب ثقلها العسكري ممكن ان تقوم بذلك، لكن مشكلة الاوروبيين في سوريا، ان دورهم تحول الى دور لوجستي داعم الى القوات العسكرية الاميركية، وهذا يعني بانسحاب القوات الاميركية من سوريا، ينتفي وجود القوات الاوروبية هنا.
ولو قررت الدول الاوروبية ان يكون لها دور فاعل في سوريا،فينبغي عليها عادة تموضع واعادة نشر او توزيع القوات من جديد، وعسكريا يعني ابدال القوات الحالية، وتعزيزها بقوات قتالية على الارض، وهذا يبدو مستبعدا في الوقت الحاضر.
الانتقادات الى دول اوروبا، باتت واضحة بعدم اتخاذها المبادرة للقيام بدور عسكري يتناسب مع حجمها السياسي والاقتصادي، والحديث لربما يتعلق بقدرات ومشاركات المانية تحديدا داخل التحالف الدولي والذي لم يتجاوز الدور النمطي التقليدي القائم على الدعم اللوجستي.
وما اقترحته وزيرة الدفاع الالمانية، ربما يكون في باب الطموحات، اكثر من تنفيذ ذلك. الدور الاوروبي في سوريا وفي منطقة الشرق الاوسط الان بات ضروريا اكثر بعد ضعف الوجود العسكري الامريكي. لكن المشكلة ان دول اوروبا مازالت تنظر الى الامن في منطقة الشرق الاوسط بقدر انعكاساته السلبية على امنها القومي وهي نظرة “انانية” ورؤية ناقصة الى التطورات التي تشهدها شمال سوريا وبقية دول المنطقة.
التوصيات
زيادة دول اوروبا انفاقها العسكري، داخل الناتو وكذلك زيادة الوجود العسكري والسياسي الى دول اوروبا في شمال سوريا ودول المنطقة، لسد الفراغ السياسي، امان تمدد قوى اقليمية ودولية في المنطقة ابرزها تركيا وايران وروسيا. موازين القوى في المنطقة باتت مطلوبة في اعقاب الانسحاب الاميركي، واستخدام التنظيمات المتطرفة اوراق ضغط على دول المنطقة.
رابط مختصر… https://www.europarabct.com/?p=55926
* حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات