إعداد المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا وهولندا-
إعداد: نهى العبادي، باحثة في مكافحة الإرهاب الدولي والجماعات الإسلاموية المتطرفة
يثير التطرف في البلقان إشكالية للأمن القومي بالاتحاد الأوروبي عبر متغيرات ترتبط بالواقع المُلهم للجماعات المتطرفة التي تسكن المنطقة إلى جوار العائدين من صفوف داعش مرورًا بالطريق الذي لا يزال الأيسر للهجرة غير الشرعية رغم الإجراءات القاسية المتبعة، فضلا عن النفوذ الدولي لأبرز الداعمين للتيارات الإسلاموية بالمنطقة.
متغيرات التطرف بمشهد البلقان
أولا: الهجرة غير الشرعية عبر بوابة النمسا
طرحت حادثة النمسا التي نفذها الشاب كجتيم فيزولاي، 20 عامًا، في 3 نوفمبر 2020 بفيينا أسئلة حول صفحة التطرف في البلقان ومدى قدرة الجيل الثاني على إعادة إنتاج العنف بالمنطقة، إذ لم يكن فيزولاي فقط هو المقدوني الوحيد المتورط بالحادثة، فعبر شبكة إسلاموية أشارت لها وكالة اسوشتيدبرس تورط اثنين آخرين بمقدونيا في الهجوم الإرهابي وقدمت الشرطة النمساوية أسمائهما للسلطات المقدونية لمتابعتهما.
تقول فورين بوليسي في تقرير نشر في 11 نوفمبر 2020 إن وجود النمسا كبوابة بين أوروبا الشرقية والغربية أسهم في تأثر البلاد بموجات الهجرة القادمة عبر البلقان وما قد تحتويه من عناصر متطرفة تتسلل بين المجموعات، فمن وجهة نظر فورين بوليسي يسيطر المسلحون على المشهد الإسلاموي بالبقان وتتأثر كوسوفو والبوسنة وألبانيا ومقدونيا بخطابًا سلفيًا متشددًا ما يشكل خطورة على أمن الاتحاد الأوروبي عبر تدفقات غير مشروعة.
ولفتت فورين بوليسي في حديثها عن تأثير البلقان في المشهد المتطرف بالمنطقة إلى أن عصابات الجريمة المنظمة والتجارة غير المشروعة بالأخص في ألبانيا تلعب دورًا في استقطاب الجماعات الإرهابية لبناء علاقات نفعية من أجل التمويل فضلا عن انتشار الأسلحة والدعاة المتطرفين ما يجعل منها بؤرة لتغذية العنف تزداد خطورتها مع طريق الهجرة عبر بوابة النمسا.
ثانيًا: العائدون من داعش
يعتبر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون أن البوسنة قنبلة موقوتة بسبب العائدين من داعش، فخلال تعليقه على رفض فرنسا لمفاوضات انضمام مقدونيا الشمالية والبانيا للاتحاد الأوروبي قال ماكرون إن منطقة البلقان مقلقة لأمن المنطقة، وإن أكثر البواعث على القلق هي البوسنة القريبة من كرواتيا نظرًا للموجات المكثفة لعودة الدواعش.
وتسببت تلك التصريحات في غضب شعبي بالبلاد أدى إلى استدعاء حكومة البوسنة للسفير الفرنسي لديها من أجل الاحتجاج على تصريحات ماكرون، وذلك بحسب وكالة رويترز في 8 نوفمبر 2019، كما دعت الحكومة الرئيس ماكرون لزيارة البوسنة والاطلاع على جهودها في مكافحة الإرهاب.
وتتخذ أغلب دول البلقان سياسة منفتحة في تعاملها مع ملف العائدين من داعش على الرغم من كونهم خطرًا داهمًا على الأمن القومي لاحتمالية تعرضهم السابق للتدريبات المسلحة أو التدريب على تصنيع المتفجرات أو حتى عدم التخلص جديًا من المعتقدات التكفيرية بل التمرن فقط على مراوغة الأجهزة الأمنية كما يفعل البعض.
وظهر ذلك في استعادة كوسوفو لحوالي 250 شخصًا من مواطنيها من مجموع 355 سافروا لسوريا للانضمام لداعش، بينما استعادت حكومة الجبل الأسود 15 شخصًا من 31 غادروا للانضمام لمعارك خارجية مسلحة، أما البوسنة التي غادرها حوالي 260 شخصًا فقد عاد إليها نسبة لم تحددها الحكومة ويبدو أن في هذا سبب واضح لقلق ماكرون من دواعش البلاد، وفي مقدونيا عاد 83 مواطنًا من 156 سافروا إلى سوريا.
ثالثًا: الإشكاليات الأمنية والقانونية في البلقان
تطرح عودة الدواعش سؤالا حول مدى استعداد دول المنطقة لاحتوائهم ومعالجة أي تأثيرات للعنف على شخصيتهم، فمن جهته عبر أفن سلامي مستشار وزارة الداخلية في كوسوفو في 11 نوفمبر 2020 عن قلقه من إعادة كوسوفو للدواعش بسوريا والعراق بعد خسائر التنظيم مؤكدًا أن مقتل أبو بكر البغدادي أو خسارة الجغرافيا الرئيسية للتنظيم لا تعني انتهاء الخطر الأمني لكوسوفو.
وأشار مستشار الداخلية عبر حديث نشره موقع (Balkan insight) إلى أن كوسوفو وألبانيا شهدا وجود عناصر تخطط لأعمال إرهابية منهم أشخاص من العائدين ومتعاطفين آخرين ضمن الذئاب المنفردة، مضيفًا بأن هناك حوالي 200 شخصًا متهمين بالإرهاب في البلاد ولكن سلطات التحقيق فشلت في تعقب المتعاونين معهم وبالأخص الممولين ما يعني قصورًا في إطار التعاون الأمني القضائي لمعالجة الأزمة.
وأورد الموقع تصريح لمنسق المحاكم في مؤسسة بيرن الاستقصائية بكوسوفو، لابينوت ليبوشتيكا قائلا بإن المتهمين بقضايا إرهاب في البلاد على الرغم من كثرتهم فإن القضاء لم يستطع محاكمة سوى أربعة أشخاص فقط بينما فشلت جهات التحقيق في تحديد العناصر التي جندت أو سهلت مرور الدواعش من البلاد إلى الشرق الأوسط.
رابعًا: عصابات الجريمة المنظمة
تحتاج الجماعات المتطرفة إلى المال لدعم احتياجاتها وبالتالي فإن التواجد وسط بيئة بها عصابات للجريمة المنظمة والتجارة في المخدرات يوفر لها الكثير من الدعم المطلوب، وقدمت المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية في يوليو 2020 ورقة بحثية حول أوضاع العصابات في البلقان وتأثيره على الإرهاب مفاداها أن أوضاع الجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات لا يزال يشكل تحديًا كبيرًا بالأخص في كوسوفو وألبانيا، وأن طريق البلقان هو ممر خطير للتجارة غير المشروعة عبر السنوات الماضية.
ويقول المجلس الاستشاري للأمن الخارجي التابع لوزارة الخارجية الأمريكية (OSAC) في تقرير الجريمة والسلامة لعام 2020 في كوسوفو وألبانيا والبوسنة بأن التهديد الإرهابي لا يزال مرتفعًا مطالبًا الأمريكيين بتوخي الحذر حال السفر إلى هناك، مضيفًا بأن جرائم القتل واستعمال الأسلحة لا تزال موجودة في المنطقة.
خامسًا: السلفية المتشددة والتطرف في البلقان
أدى انتشار الدعاة المتطرفين في المنطقة إلى زيادة نسب أعداد المنضمين للجماعات المسلحة، فبحسب جريدة التايمز البريطانية في 4 نوفمبر 2020 فأن عقد الحرب بالبلقان غمر أوروبا الغربية بالأسحلة النارية غير القانونية وكذلك وفر بيئة مواتية لنمو المتطرفين والدعاة المتشددين، لافتة إلى أن حادثة فيينا مطلع نوفمبر 2020 ما هي إلا تذكير بالإرهاب الكامن بالمنطقة.
ونقلت الصحيفة عن وكالة مكافحة الإرهاب النمساوية ، BVT قولها بإن التهديد الرئيسي لأمن أوروبا يكمن في الجيل الثاني من المهاجرين وبالأخص من الشيشان وتركيا والبلقان، وأن هؤلاء شكلوا الجزء الأكبر للملتحقين بمجموعات التطرف بالشرق الأوسط.
سادسًا: النفوذ الدولي للداعمين للإسلام السياسي
يبقى النفوذ الإيراني والتركي والقطري بمنطقة البلقان أحد المخاطر في دائرة التطرف لما تمتلكه هذه الدول من أجندات إيدلوجية تعتمد على نشر المراكز الثقافية والدينية وكذلك دعم المساجد في ظل نظام أمني يعجز عن تتبع دوائر الإرهاب إلى جانب مساعي هؤلاء لذرع شوكة إقليمية للاتحاد الأوروبي.
أدى الاصطباغ المقصود بين السياسة والدين الذي فعلته إيران بالمنطقة إلى نزوح عناصر تنظيم القاعدة إلى منطقة البلقان وتأسيس معسكرات مسلحة لتدريب الشباب، وهو ما أكده القيادي البارز في الحرس الثوري الإيراني، سعيد القاسمي بتصريحه المنشور في موقع العربية في 18 أبريل 2019 حول الدور الإيراني في استغلال الجمعيات الخيرية الناشطة بالمنطقة آنذاك لتأسيس معسكرات تدريبية للقاعدة.
واستنكرت السلطات الإيرانية هذه التصريحات معتبرة إياها كاذبة، ولكن شهادة الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوسيفيتش (1941: 2006) خلال محاكمته في لاهاي حول ارتكاب جرائم حرب أشار إلى أن تنظيم القاعدة كان يساعد على تأجيج العنف بالمنطقة واشترك في القتال، وذلك بحسب تغطية قدمتها شبكة بي بي سي للمحاكمة في 8 مارس 2002، كما أوردت وثيقة قديمة لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI) تعود إلى 2001 نشاط تنظيم القاعدة لتأسيس فرع له بالبوسنة والهرسك وكذلك ألبانيا بالتعاون مع بعض المتطرفين المصريين في الجماعة الإسلامية ومنهم من عاد إلى القاهرة وتمت محاكمته في القضية المعروفة بـ(العائدون من ألبانيا) .
الاتحاد الأوروبي ومعالجة التطرف في البلقان
يحاول الاتحاد الأوروبي مساعدة منطقة البلقان لتخطي متغيرات الإرهاب، ففي 6 أكتوبر 2020 نظم اليوروبول وحدات عمل للتعاون مع أبانيا ومقدونيا والبوسنة والهرسك والجبل الأسود وصربيا وغيرهم لمكافحة المحتوى المتطرف على الانترنت وتعقب الإصدارات التي يبثها داعش والقاعدة.
رغم ماتبذله دول البلقان من جهود في محاربة التطرف والإرهاب، من الداخل، تبقى دول أوروبا خاصة غرب أوروبا، تعيش هاجس “البلقان” وتعتبرها “الحديقة الخلفية” الى دول أوروبا ممكن ان تستغلها الجماعات المتطرفة، نقطة عبور وانتقال، رغم ماتبذله أوروبا من جهود ومساعي بمسك الحدود خاصة عبر هنغاريا او النمسا. بعض التقارير الإستقصائية، كشفت ان اعداد من المقاتلين الأوروبيين “يترقبون” من داخل البلقان من أجل العودة الى أوروبا، ناهيك ان البلقان ايضا تمثل نقطة عبور الى المهاجرين غير الشرعيين، وهذا مايزيد من هاجس وقلق دول أوروبا من مخاطر مصدرها “البلقان”.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=73268
*جميع حقوق النشر محفوظة إلى المركز الاوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الإستخبارات
الهوامش
Gunman who killed 4 in Vienna attack had sought to join IS
Austria, Not France, Is the Model for Europe’s Crackdown on Islamists
البوسنة تستدعي سفير فرنسا بعد وصف ماكرون لها بأنها “قنبلة موقوتة”