خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
اللجوء والهجرة ـ ما أسباب تراجع عدد المهاجرين غير النظاميين إلى الاتحاد الأوروبي؟
انخفض عدد حالات الدخول غير النظامي إلى الاتحاد الأوروبي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025 إلى 133400 حالة. ويُعد مواطنو بنغلاديش وأفغانستان من بين أكثر الجنسيات المبلغ عنها. أشارت وكالة حماية الحدود الأوروبية (فرونتكس) إلى أن عدد حالات الدخول غير النظامي إلى الاتحاد الأوروبي تراجع بنسبة 22% خلال هذه الفترة. وسُجِّل أكبر انخفاض على المسار الغربي الإفريقي، حيث تراجعت حالات العبور غير النظامي بنسبة 58%، وتم الكشف في شهر سبتمبر 2025 عن 734 حالة فقط. كما تراجعت أعداد العبور غير النظامي على طرق البلقان الغربية والحدود الشرقية البرية بنسبة 47% و36% على التوالي.
ما أسباب هذا التراجع في الأعداد؟
يُرجّح الخبراء أن النزاعات العالمية وحتى العوامل البيئية قد تكون وراء التباطؤ العام في وتيرة العبور غير النظامي للحدود. تقول هيلينا هان، وهي محللة سياسات في “البرنامج الأوروبي للهجرة والتنوع” التابع لـ”المركز الأوروبي للسياسات (EPC): “يمكن تفسير هذا التراجع العام بمجموعة من العوامل، لا سيما اندلاع أو انتهاء الاضطرابات أو النزاعات، وحالة عدم الاستقرار السياسي، والتعاون الأوثق في مراقبة الحدود، إضافةً إلى الظروف الجوية.” وأضافت هيلينا: “أن الأرقام لا ينبغي أن تُفهم على أنها دليل على تراجع حركة الهجرة العالمية”. متابعةً: “على العكس تماماً، فقد ازداد عدد المهاجرين الدوليين منذ عام 2020، وكذلك عدد المهجّرين قسراً، إلا أنهم لم يعودوا يصلون إلى أوروبا بالوتيرة نفسها التي كانت بعد جائحة كوفيد 19”.
مسارات ما زالت نشطة
رغم الانخفاض العام، لا تزال بعض المسارات تشهد حركة مكثفة، فيما تسجل أخرى ارتفاعاً. يُعد المسار الأوسط للبحر الأبيض المتوسط الأكثر نشاطاً، إذ تم عبره خلال هذا العام نحو 40% من مجمل حالات الدخول غير النظامي. وتُعد ليبيا نقطة الانطلاق الرئيسة لهذا المسار، حيث ارتفع عدد المغادرين منها بنسبة 50% مقارنة بعام 2024. أما أكثر الجنسيات التي تسلك هذا الطريق فهي بنغلاديش وإريتريا. كما أن ما يقرب من ثلاثة أرباع عمليات الاعتراض على هذا المسار تعود إلى رحلات انطلقت من الجزائر. وجاء في تقرير فرونتكس أن “الجهود الوقائية المتزايدة في المغرب أدت إلى لجوء مزيد من الأشخاص إلى المهربين في الجزائر، مما تسبب في تعاون أوثق بين شبكات التهريب الجزائرية والمغربية، ونقل بعض العمليات إلى الأراضي الجزائرية.”
أكثر من 1000 قتيل منذ بداية العام 2025
على الرغم من الانخفاض العام في أعداد المهاجرين، فإن الخسائر البشرية ما زالت مرتفعة. فبحسب قاعدة بيانات المنظمة الدولية للهجرة (IOM)، لقي 1328 مهاجراً حتفهم أو فُقدوا على طرق البحر المتوسط هذا العام، ومعظمهم من الرجال. ويُعد المسار الأوسط للبحر المتوسط الأكثر فتكاً، إذ شهد 895 حالة وفاة أو فقدان، وكانت الغرق السبب الرئيس لمعظمها. وقد حاول العديد من المهاجرين السفر بطرق قانونية، لكنهم لجؤوا إلى الطرق غير النظامية بعد رفض طلبات تأشيراتهم.
النتائج
يُظهر الانخفاض في أعداد المهاجرين غير النظاميين إلى الاتحاد الأوروبي، وفق بيانات وكالة فرونتكس، ملامح مرحلة جديدة في ديناميات الهجرة الدولية باتجاه أوروبا، تتداخل فيها العوامل السياسية والأمنية والاقتصادية والبيئية. فالتراجع بنسبة 22% خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025 لا يعكس بالضرورة نجاحاً استراتيجياً طويل الأمد في إدارة ملف الهجرة، بقدر ما يكشف عن تأثيرات مؤقتة لعوامل ظرفية مثل النزاعات الإقليمية، وشدة الرقابة على الحدود، وتحوّل مسارات الهجرة بفعل الضغوط الأمنية والطقسية.
فعلى الرغم من انخفاض الأرقام الإجمالية، تبقى حركة العبور عبر بعض المسارات، خاصة في وسط البحر المتوسط، مرتفعة للغاية، وهو ما يؤكد استمرار جاذبية أوروبا كمقصد رئيسي للهجرة، خصوصاً من دول إفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا. كما يُلاحظ أن تشديد الإجراءات في مناطق مثل المغرب والنيجر والبلقان أدى إلى تغيّر في خرائط الهجرة أكثر مما أدى إلى تقليصها فعلياً، حيث نشأت شبكات تهريب جديدة في الجزائر وليبيا مستفيدة من الفراغ الأمني والتعاون العابر للحدود بين المهربين.
من جهة أخرى، فإن استمرار ارتفاع عدد الضحايا في البحر المتوسط (أكثر من 1300 منذ مطلع العام 2025) يعكس مأزقاً إنسانياً لا يمكن حله بالإجراءات الأمنية فقط. فالهجرة غير النظامية تظل نتاجاً مباشراً للفقر، وغياب الفرص، والاضطرابات السياسية في مناطق المصدر. وبالتالي، فإن خفض الأعداد مرحلياً لا يعني تراجع دوافع الهجرة، بل ربما يعكس تحوّلاً مؤقتاً نحو قنوات أقل وضوحاً أو أكثر خطورة.
على المدى المتوسط، يُتوقع أن يواصل الاتحاد الأوروبي توسيع شراكاته مع دول شمال إفريقيا لضبط الحدود، وزيادة تمويل “آليات العودة الطوعية” ومراكز الاحتجاز في دول العبور. غير أن هذا النهج، القائم على “التعاقد الخارجي” للهجرة، يثير انتقادات متزايدة من منظمات حقوق الإنسان، التي تحذر من نقل الأزمة إلى الضفة الأخرى من المتوسط بدلاً من معالجتها في جذورها.
أما مستقبل الهجرة إلى أوروبا فيعتمد على مدى قدرة الاتحاد على صياغة مقاربة متوازنة تجمع بين الأمن والتنمية والشرعية القانونية للمسارات الآمنة. فمع استمرار التغير المناخي، وتصاعد النزاعات في إفريقيا والشرق الأوسط، وتراجع فرص الهجرة القانونية، يُرجَّح أن تستمر الضغوط على الحدود الأوروبية، مع تغير مستمر في المسارات واتساع دور شبكات التهريب العابرة للدول. وبذلك، يبقى التحدي الحقيقي أمام أوروبا هو الانتقال من إدارة الأرقام إلى إدارة الأسباب.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=111088
