خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ألمانيا وهولندا ECCI
اللجوء والهجرة ـ لماذا لم تعد ألمانيا “الوجهة الأولى” لطالبي اللجوء؟
لم تعد ألمانيا الوجهة الأولى لطلبات اللجوء، ولم يعد معظم المتقدمين من دول البحر الأبيض المتوسط. انخفض عدد طالبي اللجوء الجدد داخل الاتحاد الأوروبي، وكذلك في النرويج وسويسرا، بشكل ملحوظ في النصف الأول من العام 2025. وبحلول نهاية يونيو 2025، أحصت وكالة اللجوء التابعة للاتحاد الأوروبي (EUAA) ما يقرب من 400 ألف طلب جديد. وبالمقارنة مع النصف الأول من عام 2024، يمثل هذا انخفاضًا قدره 114 ألف طلب، أي بنسبة 23%. ولأول مرة منذ سنوات عديدة، لم تعد ألمانيا الدولة الأكثر استقبالًا للوافدين الجدد.
تشمل الإحصاءات أرقامًا من جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى النرويج وسويسرا، وكلاهما خارج الاتحاد. وبلغ إجمالي الطلبات الواردة 399,000 طلب من الدول الـ29. وكانت فرنسا (78,000)، وإسبانيا (77,000)، وألمانيا (70,000)، وإيطاليا (64,000) في صدارة القائمة بفارق كبير.
معظم الوافدين الجدد من فنزويلا
عزت الوكالة، ومقرها مالطا، هذا الانخفاض بالأساس إلى الإطاحة بالنظام السوري السابق في ديسمبرمن العام 2024. ولأول مرة منذ عقد، لم تعد غالبية طالبي اللجوء الجدد 25 ألفًا قادمة من الدولة المطلة على البحر الأبيض المتوسط، بل من فنزويلا 49 ألفًا في أمريكا الجنوبية. وتقدم 42 ألف شخص بطلبات لجوء من أفغانستان.
باستثناء فرنسا، انخفضت الأعداد في جميع دول المقصد الرئيسية، وبشكل ملحوظ في ألمانيا انخفاض بنسبة 43%، وكذلك في إيطاليا انخفاض بنسبة 25%، وإسبانيا انخفاض بنسبة 13%. قدم جميع طالبي اللجوء الفنزويليين تقريبًا طلباتهم في إسبانيا، حيث تُتحدث اللغة نفسها. ولم تُدرج المملكة المتحدة في هذه الإحصاءات لسنوات بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
يتم قبول طلب واحد فقط من كل أربعة طلبات
وفقًا للهيئة، انخفض ما يُسمى بمعدل الاعتراف إلى أدنى مستوى له على الإطلاق؛ إذ لم يُوافق إلا على طلب واحد من كل أربعة طلبات أولية 25%. ومع ذلك، لا يزال هناك عدد هائل من الطلبات التي تنتظر المعالجة في الولايات، ففي نهاية يونيو 2025، لم يُبتّ بعد في أكثر من 900 ألف طلب في المرحلة الابتدائية. ولأن الاستئناف ممكن، لا يزال هناك ما يقارب 1.3 مليون قرار معلق.
لطالما كانت معاملة المهاجرين إحدى أبرز القضايا الخلافية في السياسة الأوروبية لعقود. ويعمل الاتحاد الأوروبي الآن مع دول شمال أفريقيا لمنع المهاجرين من الفرار إلى أوروبا. وتؤدي محاولات عبور البحر الأبيض المتوسط في قوارب غالبًا ما تكون غير صالحة للإبحار إلى كوارث خطيرة.
لماذا لم تعد ألمانيا “الوجهة الأولى” لطالبي اللجوء؟
يرجع ذلك إلى عدة أسباب رئيسة أبرزها، منذ تولي الحكومة الألمانية الجديدة مهامها خلال العام 2025، اتخذت وزارة الداخلية الاتحادية نهجًا أكثر تشددًا تجاه الهجرة غير النظامية، في خطوة تهدف إلى الحد من تدفق المهاجرين عبر الحدود الألمانية. وقد أعلن وزير الداخلية الاتحادي ألكسندر دوبريندت عن رفض 12 ألف محاولة دخول غير قانونية إلى البلاد خلال الفترة التي تلت بدء تنفيذ السياسات الجديدة، مشيرًا إلى أن ذلك تم منذ الثامن من مايو 2025.
عززت ألمانيا من الضوابط على الحدود وزيادة عدد ضباط الشرطة الفيدرالية، مما ساعد على رفض الدخول غير القانوني. بالإضافة إلى تقييد الوصول إلى المساعدات الاجتماعية، واستبدال الدعم النقدي ببطاقات أو قسائم شراء أو مساعدات عينية. شددت ألمانيا من إجراءات الاحتجاز والترحيل، وتم تبيان فعالية أكبر في تنفيذ الطرد، مع زيادة عدد المرحَّلين.
التغيرات السياسية في الدول المصدرة لللاجئين وتحسّن الأوضاع الأمنية والاقتصادية في تراجع تدفق طالبي اللجوء. على سبيل المثال تجميد بعض قرارات لجوء السوريين بسبب تغيّرات سياسية في بلدهم، مما أدى إلى تراجع كبير في هذا الملف، ولا يزال عدد كبير من القضايا معلقة. أخيرًا التحول الديناميكي في أولويات طالبي الحماية، وزيادة الطلبات من دول مثل فنزويلا، حيث توجه معظم طالبي اللجوء إليها نحو إسبانيا بدلاً من ألمانيا.
هل تمضي ألمانيا فعلًا نحو إغلاق تدريجي لأبوابها؟
بينما تستمر عمليات الرفض عند الحدود، يطرح المراقبون تساؤلات جوهرية حول مستقبل سياسة الهجرة الألمانية: هل تمضي ألمانيا فعلًا نحو إغلاق تدريجي لأبوابها؟ أم أن هذه الإجراءات مجرد مرحلة مؤقتة للحد من التراكمات القديمة؟ وفي كل الأحوال، فإن نقاش الهجرة سيبقى في صلب السياسة الداخلية في ألمانيا، لا سيما في ظل ارتفاع التوترات الاجتماعية واشتداد المنافسة الحزبية.
وصفت كلارا بونغر، خبيرة الشؤون الداخلية في حزب اليسار، إجراءات الحكومة الفيدرالية بأنها “سياسة غير قانونية لإغلاق الحدود”. وصرحت بونغر: “أن هذه السياسة تُصعّب على طالبي اللجوء الفرار، وتُؤدي إلى فوضى مرورية في المناطق الحدودية، وتُثقل كاهل المسافرين عبر الحدود، وتُسبب تكاليف باهظة. ودعت إلى إنهاء فوري لعمليات مراقبة الحدود”.
النتائج
يشير التراجع الحاد في عدد طلبات اللجوء داخل دول الاتحاد الأوروبي والنرويج وسويسرا إلى تحول واضح في المشهد الجغرافي والسياسي المرتبط بالهجرة الدولية.
أبرز ما يميز هذا التحول هو فقدان ألمانيا مكانتها التقليدية كأكثر الدول استقبالًا للاجئين، وتقدُّم فرنسا وإسبانيا، ما يعكس تأثير التحولات في سياسة الهجرة، وتغير مواقف الدول المستقبلة، والعوامل الجيوسياسية التي دفعت اللاجئين للبحث عن وجهات بديلة.
اللافت هو الصعود الكبير في عدد طالبي اللجوء القادمين من فنزويلا، أما التراجع في طلبات السوريين، فيُعزى إلى سقوط النظام السوري السابق والتي ربما أوحت بتحسن محتمل في الأوضاع هناك، ما أدى إلى انخفاض أعداد الفارين من البلاد.
أما في ما يخص معدل الاعتراف المنخفض، فهو يعكس تشددًا متزايدًا في سياسة قبول اللاجئين، خاصة بعد سنوات من الضغط على أنظمة اللجوء الأوروبية. تراكم 1.3 مليون طلب معلق يشير إلى أزمة إدارية مزمنة، ستحتاج إلى إصلاحات جذرية لتقليل مدة الانتظار وتخفيف الأعباء عن أنظمة اللجوء الوطنية.
من ناحية أخرى، لا يمكن تجاهل دور الاتفاقيات الأوروبية مع دول شمال إفريقيا في تقليص أعداد الوافدين عبر المتوسط، وهو ما يُنظر إليه من قبل البعض كسياسة “ردع”، لكنها تُنتقد لأسباب إنسانية، خاصة مع استمرار كوارث قوارب الهجرة غير الشرعية.
المستقبل القريب قد يشهد استمرار تراجع الطلبات إذا واصلت الدول الأوروبية تشديد الإجراءات الحدودية وتفعيل برامج العودة الطوعية، أو التعاون مع دول المصدر والعبور. لكن هذا لا يمنع إمكانية حدوث موجات لجوء جديدة إذا اندلعت أزمات سياسية، خصوصًا في مناطق مثل الساحل الإفريقي أو آسيا الوسطى.
سيكون على الاتحاد الأوروبي الموازنة بين أمن حدوده وواجباته الأخلاقية والإنسانية، بالإضافة إلى ضرورة إصلاح نظام اللجوء الأوروبي المشترك، لتقاسم الأعباء بشكل عادل بين الدول الأعضاء.
رابط مخصر.. https://www.europarabct.com/?p=108895
