خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
اللجوء والهجرة ـ سياسات الهجرة في مفترق طرق، أي طريق تسلكه ألمانيا؟
رغم الانتقادات من العديد من منظمات الإغاثة والسياسيين المعارضين، أكدت الحكومة الألمانية تقريرًا نشرته صحيفة “بيلد”، يفيد بأن ممثلين عن وزير الداخلية الاتحادي، ألكسندر دوبريندت، يجرون محادثات مع ممثلين عن حركة طالبان، التي تحكم أفغانستان، بشأن عمليات الترحيل من ألمانيا. صرّح دوبريندت: “نريد تسهيل عمليات الإعادة المنتظمة والمنتظمة إلى أفغانستان”. وتجري مناقشات مع ممثلين أفغان بشأن هذه المسألة. كما أفادت الأوساط السياسية في برلين أن ممثلين عن الحكومة الألمانية التقوا بممثلين عن طالبان في العاصمة القطرية، الدوحة، في سبتمبر 2025 لمناقشة آلية منتظمة للترحيل. وسيتولى ممثلون قطريون دور الوساطة، كما هو معتاد في العديد من الحالات الأخرى.
رسميًا: لا اتصالات بين ألمانيا وأفغانستان
لا تُعتبر المحادثات مع طالبان مثيرة للجدل سياسيًا فحسب، بل تجري أيضًا في ظل وضع دبلوماسي معقّد. رسميًا، لا توجد أي اتصالات تُذكر بين ألمانيا وأفغانستان، ولا تعترف ألمانيا بحركة طالبان. وصفت لويز أمتسبيرج، عضو البرلمان الألماني من حزب الخضر المعارض، المحادثات مع النظام الأفغاني بشأن الترحيل بأنها “خطيرة من منظور السياسة الخارجية”، مضيفةً: “هذا النوع من الدبلوماسية مع طالبان يضفي الشرعية على النظام، ويخون أولئك الذين عملوا معنا من أجل أفغانستان ديمقراطية”.
قرر تحالف المحافظين (الحزب الديمقراطي المسيحي/الحزب الاجتماعي المسيحي – CDU/CSU) والاشتراكيين الديمقراطيين (SPD) في اتفاق الائتلاف، الذي تم التوصل إليه خلال عام 2025، إنهاء برامج الاستقبال العديدة للأشخاص المهددين من أفغانستان في أسرع وقت ممكن وبشكل شامل. كانت الحكومتان السابقتان قد وعدتا باستقبال اللاجئين في ألمانيا، لا سيما ما يُسمى بالموظفين المحليين وعائلاتهم. ويشمل الموظفون المحليون مترجمين عملوا مع الجنود الألمان لسنوات طويلة، ويخشون من طالبان. كما تلقت جماعات أخرى، مثل نشطاء حقوق الإنسان والعاملين في المجال الثقافي، التزامات مماثلة.
نقاش حاد حول برامج الاستقبال في البرلمان الألماني
ناقش البوندستاغ الألماني، في سبتمبر 2025، وضع هؤلاء الأشخاص في برلين. وصرّح النائب ديتليف سيف، من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي: “أتذكر بوضوح أن خطة استقبال عمال الإغاثة الألمان السابقين المهددين، حظيت بإجماع واسع بين جميع الأحزاب الديمقراطية آنذاك”. ومع ذلك، فقد ازداد عدد الأشخاص الذين سُمح لهم بالدخول لاحقًا بشكل كبير. تابع ديتليف: “في البداية، سمعتُ رقمًا قدره 900، ثم تضاعف الرقم ثلاث مرات”.
وأضاف: “لذا، افترضنا في البداية أن العدد سيتراوح بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف شخص، وكان التركيز على الموظفين المحليين العاملين في المجالات الأمنية، والذين يُتوقع أن يواجهوا، بعد تغيير السلطة، ليس فقط أعمالًا انتقامية، بل اضطهادًا. في غضون ذلك، مُنح حوالي 45 ألف شخص قبولًا، ويوجد حاليًا حوالي 38 ألفًا منهم في ألمانيا”. في رسالة إلى المستشار الألماني، فريدريش ميرز، طالب بعض المرحّلين من باكستان إلى أفغانستان، رغم وعود الحكومات السابقة باستقبالهم، بالسماح لهم بالعودة إلى ألمانيا. وفي البوندستاغ، أكدت شاهينا جامبير، من حزب الخضر: “ينتظر حوالي 2450 شخصًا الإنقاذ الموعود، ومع ذلك، لا تُنفذ الحكومة الفيدرالية هذا الأمر. هذا انتهاك للقانون مع تحذير”.
انخفاض عدد اللاجئين المقيمين في ألمانيا لأول مرة منذ عام 2011
انخفض العدد الإجمالي للاجئين في ألمانيا لأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات، بحسب إحصاءات حكومية نشرها حزب اليسار في 19 سبتمبر 2025. أظهرت إجابة على استفسار برلماني من حزب اليسار أن عدد اللاجئين في ألمانيا انخفض بنحو 50 ألف لاجئ في النصف الأول من عام 2025، من حوالي 3.55 مليون في نهاية عام 2024 إلى 3.50 مليون. ويمثل هذا أول انخفاض في العدد الإجمالي للاجئين المقيمين في ألمانيا منذ عام 2011. يشمل العدد الإجمالي الوافدين الجدد والمقيمين الدائمين، بالإضافة إلى اللاجئين من أوكرانيا.
أكد حزب اليسار أن هذا التراجع يعكس مزيجًا من زيادة عمليات الترحيل، والمغادرة الطوعية، والتجنس. وتشير بيانات وزارة الداخلية إلى أن 83,150 سوريًا حصلوا على الجنسية الألمانية، رغم أنهم ليسوا جميعًا لاجئين. من بين حوالي 3.5 مليون لاجئ، يوجد حوالي 492 ألفًا في وضع غير مؤكد، بمن فيهم طالبو اللجوء الذين قيد المعالجة، والأشخاص الحاصلون على تصريح إقامة مؤقت في ألمانيا. في نهاية يوليو 2025، بلغ عدد اللاجئين من أوكرانيا المقيمين في ألمانيا 1.27 مليون لاجئ. تقول كلارا بونجر، من حزب اليسار: “إن هذا التراجع ليس سببًا للاحتفال”، مضيفةً أن عددًا أقل من الأشخاص المحتاجين إلى الحماية تمكنوا من عبور حدود الاتحاد الأوروبي.
النتائج
تكشف الخطوات الأخيرة التي تتخذها الحكومة الألمانية، وعلى رأسها التواصل غير المعلن مع حركة طالبان، عن تحوّل استراتيجي في سياسة برلين تجاه ملف اللاجئين، خصوصًا الأفغان. ففي الوقت الذي تراجعت فيه أعداد اللاجئين للمرة الأولى منذ عام 2011، يبدو أن هذا الانخفاض لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة توجّه سياسي واضح نحو تقليص أعباء الهجرة واللجوء، وذلك عبر توسيع الترحيل وتقليص برامج الاستقبال.
هذا التوجه يصطدم بموانع قانونية وإنسانية وأخلاقية؛ إذ لا تعترف ألمانيا رسميًا بحكومة طالبان، ولا تقيم علاقات دبلوماسية معها، ما يجعل أي تنسيق بشأن الترحيل محفوفًا بالتناقض القانوني والسياسي.
الجدل داخل البرلمان الألماني يؤكد انقسامًا سياسيًا حادًا حول الموضوع، بين معسكر يريد الوفاء بوعود ألمانيا تجاه الموظفين المحليين ونشطاء المجتمع المدني الذين عملوا مع القوات والمؤسسات الألمانية في أفغانستان، ومعسكر آخر يرى في استمرار استقبالهم عبئًا على البنية الاجتماعية والاقتصادية للدولة.
على المدى القصير، يُتوقع أن تستمر الحكومة في نهجها الحالي بزيادة عمليات الترحيل، خاصة مع تراجع الضغط الشعبي الداخلي المؤيد لسياسات اللجوء. كما أن وساطة قطر تُعد أداة سياسية لتجنب الاعتراف الضمني بطالبان، مع الاستفادة من قنوات الاتصال غير الرسمية.
أما على المدى المتوسط إلى البعيد، فإن هذه السياسة قد تُعرّض ألمانيا إلى انتقادات دولية متصاعدة، خاصة في حال حدوث انتهاكات بحق المرحّلين، ما قد يضع الحكومة أمام دعاوى قانونية في المحاكم الأوروبية والدولية. كما أن فقدان ثقة الأفغان الذين تعاونوا مع ألمانيا قد ينعكس سلبًا على سمعة برلين في مناطق الأزمات مستقبلًا.
في المجمل، تمثّل السياسات الجديدة خطوة نحو إعادة تشكيل سياسة اللجوء الألمانية وفق معايير أكثر واقعية وأمنية، لكنها في الوقت نفسه تهدد الأسس الحقوقية التي بنت ألمانيا عليها صورتها الدولية خلال العقود الماضية.
رابط مختصر .. https://www.europarabct.com/?p=109517
