الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

آخر المشاركات التلفزيونية

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...

أمن دولي – الكورد في متاهة الجغرافيا السورية: بين الحلم والنار

مارس 26, 2025

بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI

د.محمد العرب

يُشكّل الكورد في سوريا اليوم إحدى أكثر المسائل حساسية وتعقيداً في المشهد السوري المركب ، فبين موروث تاريخي من الإقصاء والتهميش، وصعود ظرفي استثنائي مكّنهم من امتلاك أدوات الحكم الذاتي بحكم الأمر الواقع ، ثم تصاعد تدريجي للتحديات الأمنية تحت وقع الضربات العسكرية التركية ، وتقاطع مصالح القوى الدولية والإقليمية، يبقى مستقبل الكورد في سوريا مفتوحاً على سيناريوهات متعددة، يتنازعها الأمل ببناء كيان إداري مستقر والخوف من الارتداد إلى مرحلة ما قبل 2011 بكل تبعاتها.
من منظور استشرافي، لا يمكن فهم المآلات المحتملة دون قراءة الخلفية التاريخية التي صنعت الإشكال الكوردي في سوريا. فمنذ فرض الدولة القومية الحديثة في سوريا عقب الانتداب الفرنسي، تم التعامل مع الكورد كمكون (طارئ) على الجغرافيا الوطنية، لا يُعترف بخصوصيته الثقافية ولا بلغته. تكرّس هذا التهميش مع مشروع (الحزام العربي) في الستينات، حيث جرى تجريد عشرات الآلاف من الكورد من الجنسية السورية، وزُرعت مناطقهم بعشائر عربية بغرض تفكيك التكتل السكاني الكوردي، لا سيما في مناطق مثل القامشلي والحسكة وعين العرب (كوباني).
غير أن اندلاع الأزمة السورية عام 2011 غيّر من شكل المشهد. في الفراغ الذي خلفه انسحاب النظام السوري من الشمال، تمددت وحدات حماية الشعب الكوردية ثم لاحقاً قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، لتسيطر على رقعة جغرافية كبيرة شملت معظم مناطق الجزيرة السورية. ومع الدعم الغربي، لا سيما الأميركي، في سياق الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بدأت ملامح كيان كوردي شبه مستقل تتشكل لأول مرة منذ قرن، مع مشروع (الإدارة الذاتية) الذي رفع شعار اللامركزية.
لكن هذا المكسب الاستراتيجي لم يكن مستقراً ، فتركيا التي ترى في وحدات الحماية الكوردية امتداداً لحزب العمال الكوردستاني (PKK) رغم إعلان كورد سوريا انهم لا ينتمون تنظيميا لهم ، صنّفتهم كخطر وجودي. وبدأت، منذ عام 2016، سلسلة عمليات عسكرية (درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام) أعادت رسم الحدود الميدانية، وانتزعت من الكورد السيطرة على مناطق عدة مثل عفرين وتل أبيض ورأس العين. في ظل هذا التراجع، تبدو الإدارة الذاتية اليوم أمام تحدي الحفاظ على ما تبقى من نموذجها، في ظل تهديد دائم بالغزو التركي، وصمت دولي متواطئ، وعجز عن تكريس الاعتراف القانوني أو السياسي بوجودها.
يضاف إلى ذلك عامل داخلي بالغ الحساسية، يتمثل في وجود أكثر من 58 ألف عنصر من تنظيم داعش وعائلاتهم محتجزين في سجون ومخيمات خاضعة لسيطرة قسد ( 23 سجن ومخيم ) هذه الكتلة البشرية المتطرفة تمثل قنبلة موقوتة، ليس فقط أمنياً ، بل سياسياً، إذ أن بقاءها عبء ثقيل على أي مشروع استقرار في مناطق الإدارة الذاتية. ومع تعثر عمليات الإعادة إلى الدول الأصلية، وتراجع اهتمام المجتمع الدولي بالملف، تتعاظم احتمالات الفلتان الأمني، سواء بهجمات منظمة من داخل المعتقلات أو باستغلال خلايا التنظيم في البادية السورية لأي فراغ أو ارتباك أمني.
أما داخلياً فلا تزال العلاقة بين الكورد والعرب في مناطق الإدارة الذاتية تشهد تباينات هنا وهناك . فعلى الرغم من هيكلية (قسد) متعددة الأعراق، إلا أن الوعي الجمعي العربي – خاصة في بعض مناطق الرقة ودير الزور – لا يزال يرى في المشروع الكوردي حالة فوقية أو غير تمثيلية، ما يهدد أي مشروع اندماجي حقيقي، ويفتح الباب أمام احتمالات تمرد أهلي أو عودة لهيمنة العصبيات العشائرية، وهو ما تستثمر فيه أنقرة وبعض القوى الأخرى لزعزعة الاستقرار.
في السياق الدولي، يبدو أن الورقة الكوردية فقدت الكثير من بريقها لدى واشنطن، التي خففت من دعمها بعد هزيمة تنظيم داعش ميدانياً ، وانكفأت على استراتيجية الحد الأدنى في شمال شرق سوريا. بينما تواصل روسيا لعب التواجد الحذر ، دون أن تقدم أي ضمانات حقيقية. النظام الجديد بدوره (حكومة الشرع ) لم يبد حتى الآن أي استعداد جاد لمنح الكورد أي شكل من أشكال الإدارة الذاتية الحقيقية
في ضوء هذه المعطيات، يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات مستقبلية لمصير الكورد في سوريا:
السيناريو الأول: تقنين الوجود الكوردي ضمن صيغة لا مركزية توافقية. ويتطلب هذا السيناريو حواراً جاداً بين الإدارة الذاتية ودمشق برعاية دولية، تفضي إلى الاعتراف بالكورد كشريك في صيغة حكم لا مركزي، ضمن دستور جديد يضمن الحقوق الثقافية والسياسية لهم. هذا السيناريو، رغم كونه الأكثر منطقية يتطلب مستوى متقدم من التنسيق والتوافق مع دمشق

السيناريو الثاني: استمرار الوضع الراهن مع تآكل تدريجي حيث تبقى الإدارة الذاتية قائمة ولكنها تواجه تحديات تراجع المساحات دون غطاء دولي قوي مع استمرار التعنت التركي
السيناريو الثالث: الانهيار الأمني والانفجار الداخلي. وهنا قد يحدث اختراق واسع من قبل التنظيمات المتشددة، إما بتحرك من داخل سجون داعش أو بانفجار النزاعات العرقية والمناطقية. هذا السيناريو يحمل معه كارثة إنسانية وموجات نزوح جديدة، ويفتح الباب أمام تدخل عسكري تركي أكبر بحجة محاربة الإرهاب.
في كل الأحوال، يبقى العامل الذاتي الكوردي حاسما فالتماسك الداخلي بين مكونات “الإدارة الذاتية”، وتطوير صيغة تمثيلية أكثر شمولاً ، وتجاوز الخطاب الإقصائي، كلها مفاتيح لضمان نوع من الاستمرارية وسط هذه الأعاصير. الكورد، الذين لطالما كانوا ضحية الجغرافيا والسياسات الإقليمية، يقفون اليوم على مفترق طرق: إما أن يعيدوا ابتكار مشروعهم السياسي بمرونة وعقلانية، أو أن يعيدهم التاريخ إلى نقطة الصفر، في مشهد جديد من الشتات والخذلان.
ففي سوريا المحكومة بالاحتراب الطويل، لا تَمنح الجغرافيا مهلة طويلة للحالمين. وعلى الكورد أن يتعلموا كيف يكون الحلم قابلاً للتفاوض، دون أن يكون قابلاً للبيع. ففي النهاية، الشعوب التي تنجو، ليست فقط تلك التي تحارب، بل التي تحسن قراءة اللحظة… وتخترع مستقبلها.

رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=102458

الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...