إعداد :الخبير الامني العقيد المتقاعد ، حسان عبدالعزيز الخميس ـ دولة الكويت
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا وهولندا
مقدمة :
كل مجتمع يتكون من عدد مختلف الأفكار والعقائد والمذاهب الدينية ، مما قد يتسبب في تواجد بعض الاختلافات بين أطياف المجتمع وهذا أمر طبيعي ووارد حدوثه ، ولكن ربما تتوسع هذه الخلافات الى ممارسات عنف وكراهية تصل الى وقوع الضرر على الاخرين وتؤدي الى نشوب التصادم في ما بينهما وتأتي هذه الممارسات على حساب الامن القومي للبلد وللمجتمع ككل ، مما قد يغذي النزعة العدوانية تكبر في المجتمع أكثر فأكثر وتتوالد هذه الخلافات والكراهية الى أن تورث الى الأبناء ثم الأجيال القادمة .
ومن هنا نرى الأنقسامات بين أطياف المجتمع تكبر وتأخذ أشكال التميز فيما بينهم وكل فئة تنظر أنها هي الاصلح بين الناس وتبدأ فجوة الخلافات تكبر وتولد فئات على شكل أحزاب تطالب بصحة رأيها سواء رأي سياسي او حزبي او ديني او طائفي ..الخ.
الطائفية تنطوي الى أشكال مختلفة منها :
- طائفية في الأفكار السياسية
- طائفية في الأفكار الاجتماعية
- طائفية في الأفكار الحزبية
- طائفية في الأفكار العقائدية الدينية
ونرى في كل مجتمع وجود أشخاص عقلاء يحكمهم الفكر المنطقي وتتمحور عندهم الرؤية حول العقبات التي يتعرض لها المجتمع من متغيرات عدة يحكمها الغموض في نتائجها على أرض الواقع . ونجدهم هم من يدركون هذا الغموض للناس، ومن هذا المنطلق سوف نتطرق الى هؤلاء الأشخاص العقلاء وأهميتهم في المجتمعات.
أولا – من هم العقلاء:
(العقلاء ذوي الرأي السديد الذين يمكن لهم المساهمة في إخراج المجتمع من أزمات الفتن)
هم الأشخاص الذين مرت عليهم تجارب الحياة واستفادوا وتعلموا منها سواء في الجوانب الإيجابية والسلبية وأكتسبوا الخبرات الحياتية ، واكتسبوا أيضا مهارة الاتزان في فهم وتحديد مخاطر الحياة والقدرة على تحليل المواقف ومدى أثرها على الانسان او المجتمع. ولا يشترط حصولهم على مؤهلات علمية و انما تفوقهم بخبرات الحياة جعلتهم يكتسبون صفة العقلانية ، وقد نجد أيضا من العقلاء يمتاز صفة الخبرات العملية والعلمية ، و نلاحظهم دائما أنهم لا يستعجلون في أصدارالاحكام على المواقف .
وينظرون الى أبعادها واثرها على المجتمع سواء على المدى القريب او البعيد. ودائما يلجأون الى تهدئة الأوضاع ومن ثم يطرحون ما يناسب من حلول واقعية ، ولهم نظرة بعيدة المدى، ويمتازون بالحكمة والموعظة في أدراك وتشخيص المشكلة ، ولهم القدرة على تحليل المواقف وما يترتب عليها من نتائج وأثار سواء سلبية او أيجابية على المجتمع ،وأكتسبوا العقلاء الخبرات من خلال التجارب السابقة التي مروا بها وخاضوا الحياة بجميع جوانبها ،ومن خلال اكتساب الخبرات والمعرفة التي اكتسبوها، أعطت لهم وزن في المجتمع.
أساليب ومنهجية العقلاء عند التعامل مع الازمات:
- التهدئة : أي يقومون بتهدئة الأوضاع بين اطراف المشكلة أو المتنازعة ، ويحثون الناس على تهدئة المشكلة وفض النزاع ، و يبدأوا بمحاولة اخماد الازمة وفتيل الفتن.
- يوضحون للناس عواقب تصرفاتهم وقراراتهم أتجاه مواقفهم . وماهي المخاطر التي تترتب عليها قراراتهم.
- يلجأوون الى الحوارات الهادئة والهادفة وصولا الى مفاهيم واضحة للأزمة، ولتمكن من فهم و تشخيص المشكلة.
- لهم القدرة على معرفة مسببات المشكلة.
- يطرحون الحلول المتوازنة التي تقبل بها جميع أطراف المشكلة.
- يحددون ماهية التنازلات التي يجب على الأطراف أن تتخل عنها.
- لا يشجعون على المواقف التي تبني بأسلوب التحدي ويسعون لإزالتها أثناء الازمة.
- تحديد ومسار الحوارات المناسبة التي تطرح أثناء عمليات التفاوض.
أهميتهم في المجتمعات:
- يحثون الناس على عدم سرعة أخذ المواقف والاحكام على الناس.
- أحتواء الازمات قبل أن تكبر.
- يقفون ضد الاشاعات المقرضة، وتوضيح الأمور للناس نحو الاشاعات.
- نجدهم صد منيع لمسببات أثارت الفتن.
- يحثون على مبدأ الاحترام الاخرين وان كان هناك خلاف في الرأي.
- تجد حلولهم ترضي الأطراف المتنازعة.
- هم من يكشف الأشخاص المأزمين الذين يثيرون الفتن والصرعات بين الناس.
- تحقيق التوازن بين المطالب والحقوق المشروعة.
ثانيا – أنواع الأشخاص في المجتمعات ـ مناطق النزاع:
- الأشخاص المعتدليين: هم الذين يرغبون العيش بسلام دون أثارت أي نزعة طائفية ولا يساهمون في أثارتها ولا يشاركون في الحملات الفوضوية أو الحملات التي تؤيد التحريض ضد فئات ولا يميلوا الانقسام الى أطراف ضد أطراف أخرى ، وهذا لا يعني أنهم ليس لهم رأي في القضايا المجتمعية بل على العكس لهم رأي في تحديد طرح جوانب القضية بمقاييس الاعتدال دون أثارت الانحياز لاطراف أخرى ، وربما تجد هؤلاء الأشخاص يتأثرون بالاحداث والقضايا نتيجة قوتها وتبدأ انعكاسات التأثير عليهم ويأخذ وقت ويرجعون الى حالتهم الطبيعية ، ونحن بشر نتأثر بما حولنا ولكن الاختلاف بنوعية الأشخاص حيث تميزهم بقوة الفكر والمعرفة تجعل الانسان يميل الى المنطق والصواب أكثر من انفعالاته.
- الأشخاص المتأثرين : هم الذين تأثروا نتيجة الأحداث وصبغت عليهم التأثير في نفوسهم وعقليتهم ضد فئات أخرى أو ضد جهات أخرى، ولكن مدة هذا التأثير تختلف لفترة ربما تمتد لفترة طويلة او قصيرة لرجوع الى حالتها الطبيعية ، كما أن هذه الفئة قد تنتقل الى فئة الأشخاص المتعصبين في حالة لم تجد أحد يدرك صوابها .
- الأشخاص المأزمين : هؤلاء يعيشون عالة على المجتمع ويسببوا الفتن للناس ، ويحاولون دائما اثارة الفتن بين أطياف المجتمع في كل الجوانب الصغيرة والكبيرة وتعظيم الأفعال الصغيرة على أنها كبائر لتزرع حالة توتر بين الناس وتزيد النار حطب حتى تأكل الأخضر واليابس ، وكلما تهدأ الأمور وترجع الانفس الى طبيعتها بالهدوء ، يقومون مرة أخرى لمحاولة أثارتها وأشعال الازمة من جديد بين الأطراف ولا تريد أن تسكن في هدوء وسلام ، وهؤلاء خطر كبير على المجتمعات، حيث أنهم دائما يذكرون الأطراف بالوقائع السلبية الماضية من كل طرف ، حتى لا تعم السكينة بين الناس ، وهذا هدفها لتجد مكانتها في المجتمع لأوقات الازمات ، ومن الناس من ينخدع بأساليبها المتلونة وتنجرف في مشورتها ، وبالتالي تحصل على مكانة بين الناس على أنها هي أصحاب الرأي الرشيد.
وتظهر في المجتمع على أشكال مختلفة:
- اشخاص مأزمين لتخلق لها مكانة اجتماعية في المجتمع.( اشخاص نكرة تود لها وجود في المجتمع)
- أشخاص مأزمين ينتمون تحت أهداف حزبية او طائفية أو أرهابية.( هؤلاء خطر على المجتمع)
- اشخاص مأزمين للحصول على مكاسب ومنافع من وراء الصراعات.( أصحاب الفساد خطر على المجتمع)
- اشخاص مأزمين بطبيعتهم الساذجة لا يدركون ما يفعلون من اثارة الفتن والمشاكل.( هؤلاء هم سفهاء المجتمع )
4) الأشخاص المتعصبين: وصلوا مرحلة التشدد من الفكر والاعتقاد ، وبأن هم نحو الصواب ، والاخرين هم المنحرفون ، والتشدد في رأيهم ، ولا يقبلون الرأي الاخر، وتعتبر هذه المرحلة صعبة الرجوع للفكر الصواب وتحولهم الى الأشخاص الطبيعين ويحتاج الى جهود أكبر ووقت أكثر لرجوعهم نحو الصواب.
5) الأشخاص المتطرفين: وصلوا الى فكر متطرف حيث أنهم يرون الناس على خطأ وأنحروا عن الحق ويجب ردعهم بالعنف والقوة وإعادة الدعوة من جديد لهم .
ثالثا- ماهي المؤثرات على نشوب الطائفية :
- الحوادث السياسية
- المؤثرات الخارجية
- المؤثرات الداخلية
- الاعمال الإرهابية
- الحروب في المنطقة
- الاعلام المزييف
كل هذه العوامل تؤثر على المجتمع وتساهم في تغير توجهاتهم الفكرية السياسية والعقائدية والاقتصادية، وتجعلهم ربما ينجرفون نحو العاطفة وتبدأ بردود أفعال ربما تكون سلبية عكسية على الامن الاجتماعي والامن القومي ، نتيجة تحت تأثير لهذه العوامل التي تم ذكرها ، ومن هنا تبدأ اثارة الخلافات تنادي بها كل جهة نحو تسديد رأيها، وكلما كانت هذه المؤثرات دخلت في نوازع طائفية أو الشعور بفقدان الامن وعدم الاستقرار الاقتصادي وسؤء الحالة المعيشية أشتدد بها الامر نحو مرحلة التأثير أكثر ، وتبدأ شريحة الأشخاص المتأثرين تكبر وهنا في هذه المرحلة ، اذا ما تداركت الدولة في أحتواء المشكلة وفهم الأمور على طبيعتها سوف تواجه جماعات متأثرة تحكمها تحت ظروف عوامل متعددة أنجرفت في تسير أمرها نحو الاحداث ، لذلك على أجهزة ومؤسسات الدولة أن تشارك في سرعة أحتواء المشكلة وسد أي ثغرات يمكن من خلالها تمنع من توسع حجم شريحة الأشخاص المتأثرين .
وكلما تأخرت فترة معالجة المؤثرات نحو الأشخاص المتأثرين في عملية أزالتها ربما سوف نجد بأن الشريحة تكبر وتتحول بعضها الى أشخاص متشددين وهنا تكمن صعوبة الموقف أتجاه الحلول عند الدولة وربما تتعقد وتتحول الى أزمات متتالية يصعب حلها . وفي هذه المرحلة سوف نجد تدخلات من قبل الأشخاص المأزمين حيث يعملون على أثارت الازمة وجرف الناس نحو التشدد في مواقفها وجرها نحو الانصياع وأخذ المطالب بأمور العنف والتشدد في رأيها لكي تنعكس في تحقيق مطالبها ورأيها ، والسعي وراء على عدم فتح مجال قبول التفاوض ، ودخولهم في مرحلة التشدد سواء في مطالبها أو رأيها .
رابعا – عملية الإصلاح والمعالجة:
- محاولة أزالة أي مؤثرات تقع تحت تأثير المجتمع .
- أستخدام الشفافية في مؤسسات الدولة يعتبر صد منيع للاشاعات وتوضيح الأمور للناس
- دخول دور العقلاء في توضيح رأيهم حول أثر المؤثرات على المجتمع.
- دور الاعلام أثناء الازمات في توضيح عواقب وخطورة الموقف والعمل على تهدأت الوضع العام لتتم المعالجة في أحسن ظروف.
لمعالجة الطائفية لابد ان نأخذ في الاعتبارات الاتية:
- قبول أولا جميع أطياف المجتمع بالتعايش تحت أحكام مبدأ القانون الذي يحتكم به الناس وهو الفاصل والحاكم في حالة تجاوز طرف على طرف أخر، وهو الذي يجعل الناس تلتزم نحو تصرفاتها وسلوكياتها نحو الانضباط وأحترام الغير.
- في حالة نشوب خلافات بين الأطراف او بين أحزاب لا نلجأ الى زيادة كسب مؤيدينا عن طريق أستثارة العاطفة وأنما نترك الحق هو مصدر احكام مؤيدينا.
- القابلية والاستعداد لإزالة الخلافات البسيطة حتى نحصر حدود المشاكل أكثر ، ولا نضيع الوقت في الجزيئات لتأخذ منا جهد وربما ندخل في دائرة التعقيد أكثر.
- نلجأ في تحكيم الخلافات الى جهات او أشخاص لها احترامها في المجتمع قبل أن تتطور الى أزمات أو اللجوء الى المحاكم .
- يجب أن تتوافر فينا مبدأ قبول التنازل ولا اقصد تنازل عن الحق الشرعي للدين وانما التنازل عن الخلافات في أمور حياتنا. ووتوافر فينا مبدأ القبول لتنازل عن بعض الشيئ وذلك لتقليص وانهاء الخلافات ، وعملية التنازل يجب ان تحضى من كل أطراف المتنازعة.
- لا نمس الدين في خلافاتنا ونجعله وسيلة لتحقيق أهدافنا الخاصة.
خامسا – دور الدين، الاسلامي في معالجة قضايا التطرف:
والإسلام من سماته الرفق والعدالة والمحبة والأمن والحرية السامية، وهو دين يحارب العنجهية والخروج على الحاكم ما دام قائما بشرع الله تعالى، ويحرم الظلم والبغي والإفساد في الأرض.
وهنا نجد أن الإسلام الرافض للطائفية والداعي إلى الوحدة بين المسلمين، ويتضح في أسمى صوره في العقيدة والعبادات والسلوك، فرب المسلمين جميعا واحد، وهم يجتمعون على قرآن واحد وسنة نبوية واحدة وقبلتهم واحدة، والأحكام الشرعية التي تنظم العلاقات بينهم واحدة، ولأن الإسلام دين ودنيا، وكما توحد المسلمون في أمور الدين، فإنه يجب أن يتوحدوا في أمور الدنيا حتى يكونوا أمة واحدة لا طائفية فيها ولا تمذهب ولا تفرق.
وقد حث القرآن الكريم المسلمين في أكثر من موضع على نبذ الطائفية وتجنب التمذهب والتفرق إلى شيع وفرق، وطالبهم بأن يتجمعوا ولا يتفرقوا ويعتصموا بحبل الله استجابة لأمر ربهم في قوله عز وجل: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا…)، «سورة آل عمران: الآية 103»، وكذلك في قوله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، «سورة الأنفال: الآية 46»، وبنفس هذه المعاني دعا الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى أن يشد بعضهم بعضا حتى يقووا بتماسكهم وتعاونهم «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً».
رابط مختصر… https://www.europarabct.com/?p=48135
* حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
الخبير الأمني..حسان عبدالعزيز الخميس