الصورة التي يقدمها الإعلام الغربي حول التطرف والإرهاب.بقلم علا بياض
بقلم علا بياض ـ سيدني
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا و هولندا
الحديث عن كيفية تعاطي الاعلام الغربي مع اعلام ودعاية الجماعات المتطرفة، بضمنها تنظيم داعش، يطرح اشكاليات كثيرة، كون الامر يتعلق بغياب إستراتيجية فاعلة في مواجهة التطرف والإرهاب، لا تتناسب مع حجم وقدرارات دول أوروبا والغرب.
قدمت وسائل الاعلام الغربية بشكل غير مقصود خدمة اعادة نشر رسائل تنظيم داعش والجماعات المتطرفة، ذلك من خلال نقل البيانات وتهديدات التنظيم، بشكل غير مقصود، ساهم بنشر ايدلوجية الجماعات المتطرفة. شبكة الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي، هي الاخرى ساهمت كثيرا ايضا بنشر دعاية التنظيمات المتطرفة، الى جانب تقديم خدمة تشفير الاتصالات بين عناصرها.
وقعت اغلب وسائل الاعلام في خطأ اعادة خطاب وصورة تنظيم داعش للمتلقي، اكثر من وقوفها بوجه الظاهرة الارهابية ، اذ ركزت على الحدث اكثر من التركيز على الظاهرة اي منح العمليات الارهابية اهتماماً اكبر من محاربة الدعاية المتطرفة. على سبيل المثال تغطية وسائل الاعلام الاوروبية الى عمليات “الذئاب المنفردة” مثل الطعن بالسكين والدهس بالسيارات.
يقول الدكتور ياسر عبد العزيز، كاتب ومستشار في مجال الاتصالات والاعلام، بإن غالبية تناول وسائل الإعلام لما يحدث بشأن داعش يذهب إلى تقديم الصورة كما ترد من منظومات داعش الإعلامية من دون عناية بتفكيك محتواها لبناء الرسائل المضادة، ومن دون النفاذ إلى عمق تأثيرها ولا عمق حواملها الرسالية. وغالباً ما يُكتفى بنقل الخبر ـ الأسطوري ـ كما لو كان يخص عالماً مفارقاً للعالم العربي، مركّزين في غالب التحليلات على أن هذه الظاهرة “ليست من الإسلام في شيء”، كما لو أنها نبتة شريرة في حقل من الحنطة.
وسائل الاعلام الاوروبية
من خلال متابعة وسائل الاعلام الغربية، ابرزها ال بي بي سي عربي ، وتعمل تغطية مباشرة الى حادثة عملية فاشلة طعن بالسكين او اطلاق نار، وتستضيف عدد من المحلليين، واحيانا تستعجل بالحكم على العملية على انها عملية إرهاب اسلاموي. تحليلات وتعليقات وسائل الاعلام المرئية ، في بعض الحوادث استعجلت باعطاء العملية صفة إرهاب اسلاموي، رغم تحفظ اجهزة الشرطة الاوروبية بعدم تحديد الدوافع وعدم كشف الادلة الجنائية والتحقيقات.
هذه الاحتمالات، دفعت بعض المعنين في مكافحة الارهاب، بالتروي من تقديم التحليل والرأي الى وسائل الاعلام خلال التغطية المباشرة الى الاحداث (Break News )
إجراءات رادعة
وفي سياق إتخاذ الحكومات الأوروبية، إجراءات جديدة لكبح التطرف، دخل قانون مكافحة الإرهاب الجديد في بريطانيا حيز التنفيذ يوم 12 ابريل 2019 بعقوبات تصل للسجن لمدة 15 عاما لمجرد النقر على مواقع تنشر “دعاية إرهابية”.وتتضمن التدابير الجديدة التي أوردها القانون عقوبة السجن لعشر سنوات للأشخاص الذين يدخلون أو ينتقلون للعيش في مناطق معينة خارج البلاد، وفقا لصحيفة الإندبندنت البريطانية.وينص القانون الجديد أيضا على عقوبة السجن لمن ينشرون صورا أو يكتبون عبارات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعم الجماعات المحظورة. وهذا يعكس هاجس القلق والتأهب في بريطانيا وعواصم أوروبية اخرى.
الاعلام مابعد مابعد هجمات باريس نوفمبر 2018
وشهدت وسائل الاعلام، المرحلة مابعد هجمات باريس نوفمبر 2018 الأمر الذي أثار اهتماما غير مسبوق به وبممارساته. ولم تشهد وتيرة تسليط الإعلام الضوء على نشاطات داعش تغيرا جوهريا مع انطلاق العملية الجوية الروسية في سوريا ، وبقيت تغطيته معتدلة إلى أن عم صدى جرائمه في سوريا، لتسجل “شهرته” في وسائل الإعلام شرقا وغربا بلا استثناء زيادة حادة وصلت إلى 150 % قياسا “بمؤشر” شهرته السابقة. وفقا الى تقرير نشرته روسيا اليوم في 26 فبراير 2018.
لقد نجح اعلام الجماعات المتطرفة ابرزها تنظيم داعش بالتسلل الى الاعلام الاوروبي، الى درجة وصلت نقل نص ماتتناوله”وكالة اعماق” المقربة من تنظيم داعش. اعتمد تنظيم “داعش” على إستراتيجيته إعلامية لتمرير رسائل دعائته في الترهيب. ووقعت دول اوربا بخطا التعامل مع دعاية تنظيم داعش على سبيل المثال، تقديم عناصر تنظيم داعش العائدين من القتال الى اوروبا الى انهم ابطال ومنحهم الدعم الاجتماعي والنفسي والرعاية، وعرض تجاربهم الى الجمهور.
وفي سياق كيفية تعامل الاعلام الغربي مع دعاية تنظيم داعش والجماعات المتطرفة، صدرت دراسة تحليلية عن مؤسسة التنمية والدعم الروسية المنبثقة عن نادي “فالداي” الدولي للحوار تناولت الصورة التي يقدمها الإعلام الأجنبي عن “داعش” بهدف التعرف على الرسائل التي يوجهها الإعلام والأعمال الروائية المتلفزة حول هذا التنظيم الإرهابي. تقول الدراسة بان الاعلام الغربي، كرس اهتمامها واسع لـداعش وظاهرته، وذلك في الفترة الممتدة مما دونه جورج أورويل الناقد الصحفي ومؤلف الشعر الخيالي، وصولا إلى نشاط تنظيم “القاعدة”، واعتداءات الـ11 من سبتمبر. وكشفت استخدام وسائل الغربية تسمية “داعش” دولة في 56 % من تقاريرها، فيما تسميه تنظيما إرهابيا في 45 % من التقارير.
وضمن جهود دولية قررت شركات كبرى منها فيسبوك ويوتيوب الاستعانة بتقنية جديدة تمنع إعادة نشر الأفلام التي تحتوي على محتويات متطرفة أو تحتوي مثلا على مشاهد ذبح أو خطابات عنف، كأفلام تنظيم “داعش”، بعد التعرف عليها وتصنيفها كمواد محظورة، محاولة منها لمواجهة الدعاية المتطرفة.
هذا التنظيم يُجبرنا اليوم على مراجعة طرح الخطاب الإعلامي المضاد الى تنظيم داعش وبقية الجماعات المتطرفة، والتعاطي به الى مستوى يرتقي مستوى التهديدات القائمة والتماشي مع سرعة انتشار الخطاب المتطرف، عبر وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والذي اصبح سمة مميزة.
الاعلام الغربي بالفعل ساهم كثيرا بنقل خطاب وصورة الجماعات المتطرفة، بغياب إستراتيجية اعلامية يتفق عليها الاطراف المعنية في محاربة الإرهاب. وساهمت وسائل الاعلام الاوروبية والغربية بتمجيد عمليات تنظيم داعش الارهابية من حيث لا تدري، بنقل الصورة والخبر بدل من ان تمثل الاعلام المضاد لتنظيم داعش والجماعات المتطرفة.
* نشر في مجلة عرب أستراليا https://arabsaustralia.com/
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
الكاتية والصحفية علا بياض ـ سيدني