السلفية الجهادية في ألمانيا .. قراءة مستقبلية
إعداد المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا وهولندا
وحدة التقارير والدراسات “12 “
أعادت عملية (الطريق السريع) الحديث عن العمليات النوعية للذئاب المنفردة في ألمانيا، إذ أعلنت النيابة العامة في 19 أغسطس 2020 أن سلسلة حوادث الاصطدام التي نفذها عراقي الأصل في برلين تمت بدافع التطرف الإسلاموي وتم إيداع المنفذ فيما بعد في مستشفى نفسية لفحصه.
وتبرهن هذه العملية باعتبارها الأحدث أن بقاء التطرف كعقيدة يمكنه الخفوت بعض الوقت ولكن لا يعني ذلك أن الإرهاب قد انتهى، فمخاطر التطرف الإسلاموي تتشعب في ألمانيا لتبقى قائمة رغم المجهودات الأمنية التي حرصت الدولة على تطويرها خلال السنوات الماضية، ويطرح ذلك تساؤلاً حول ماهية العوامل الدافعة للزيادة المضطردة في أعداد المنتمين للسلفية الجهادية سنويًا إلى جانب ما يحمله العائدون من داعش من تهديد للسلم الاجتماعي، وما هي المظاهر المبرهنة لاستمرار التطرف؟.
قراءة في إحصائيات التطرف بألمانيا
توثق الإحصائيات الصادرة عن وزارة الداخلية تصاعد في أعداد الإسلامويين بشكل سنوي، فنسبتهم من 2018 إلى 2019 ارتفعت بمقدار 5% ، وأبرز هذه التيارات هم السلفيين وجماعة الإخوان وأعضاء حزب التحرير على الرغم من صدور قرار بحظر أنشطته في البلاد.
وأن ارتفاع النسب لا يقتصر فقط على العامين الماضيين بل يشمل تقريبًا أغلب الأعوام التي تضمنها البحث الذي تنتجه الوزارة دوريًا، ويفضي ذلك إلى وجود نسبة من الخلل في رصد أو في كيفية التعامل الأمني مع الآليات التي تستخدمها تلك الجماعات في الحشد والتجنيد، ما يجعل التطرف الإسلاموي في المانيا مستمرًا. أوروبا: هل نجحت فعلا بإعادة تأهيل العائدين من القتال في صفوف داعش ؟
التواصل الإلكتروني
تعني استمرارية تصاعد جماعات السلفية الجهادية في ألمانيا أنها لا تزال تستطيع التواصل فيما بينها بشكل جيد لا سيما عن طريق استخدام الوسائل الإلكترونية لضم أعضاء جدد والحفاظ على نسب الأعداد القديمة، فطبقًا لكتاب (الحقائق حول التطرف الإسلاموي) الذي أصدرته المفوضية الأوروبية في ديسمبر 2019 تلعب مواقع الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي دورًا مؤثرًا في دعاية التجنيد للتيار.
ويعد (تيليجرام) أبرز المواقع التي يستعملها الجهاديون لما يتيحه من قنوات مشفرة تقوض عملية المراقبة ضدهم، ويعمل القادة على توظيف القضايا الاجتماعية لمزيد من التعاطف من جهة الشباب ولحثهم على التبرع للمجموعة والانضمام لها، بما يعطي رؤية واضحة عن كون هذا النشاط لا يزال قويًا بالرغم من جهود الحكومة لفرض السيطرة عليه بالتعاون مع شركات التكنولوجيا.
جماعات التأثير والنفوذ
يطرح تصاعد السلفية الجهادية التساؤلات حول جدية المراقبة التي تفرضها أجهزة الشرطة على أماكن التجمعات الخاصة بالمتطرفين ومنها بعض المساجد والمراكز الثقافية ودوائر التعليم المختلفة. إستغلال بناء المساجد في أوروبا لأهداف سياسية…تركيا
ـ المساجد
استجابت الدولة للمخاوف من اتخاذ المساجد كأداة للتجنيد عبر اجتماعات ضيقة وسرية تجريها مجموعات السلفية الجهادية، إذ أعلن رئيس مكتب حماية الدستور بولاية شمال الراين وستفاليا، بوركارد فراير في 3 يوليو 2019 عن إخضاع 109 مسجدًا من أصل 850 لمراقبة هيئة الاستخبارات الداخلية.
وأفاد بوركارد بأن اختيار مسجدًا ما للمراقبة دون غيره يكون بسبب رصد تجمع عناصر سلفية متطرفة بداخله وكثرة ترددهم عليه أو تبنيهم لخطابات للكراهية، موضحًا بأن الـ109 مسجدًا ينقسمون إلى 70 تعتقد السلطات بإدارتهم من قبل السلفيين بينما يرتبط 16 مسجدًا آخرين بجماعة الإخوان، وذلك بحسب تقريرًا لدويتشيه.
ـ المدارس والمراكز التربوية
ـ الحضانات
استطاعت الجماعات السلفية الجهادية مد نفوذها داخل الأماكن التعليمية، ففي 11 فبراير 2019 أغلقت السلطات الألمانية روضة أطفال النور في ولاية راينلاند بالاتينات لتأكدها من علاقة تربط بين القائمين على المؤسسة والجماعة السلفية المتطرفة، ولفتت دويتشيه في تقريرها المعنون بـ(Germany closes Muslim kindergarten) إلى ترويج منهج يحض على الكراهية وعدم الاندماج في المجتمع بين الأطفال الملتحقة بالمؤسسة.
ـ التنشئة الجهادية
ترجعنا هذه القضية لما يطلق عليه (التنشئة الجهادية)، ففي 6 أغسطس 2018 نقلت دويتشيه تحذير الاستخبارات الداخلية بألمانيا من نشأة الأطفال في وسط أسر تتبنى الفكر المتطرف، مشيرة إلى أن المراهقين المنحدرين من عائلات سلفية متشددة يكونوا أكثر عرضة لتنفيذ العمليات الإرهابية والانتماء للجماعات القتالية الأجنبية والشعور بالاغتراب نتيجة زرع أفكار غير اندماجية بداخلهم كإطلاق وصف الكفار على كل من لا يحمل الفكر ذاته.
أن هذه القضية تبقى شائكة حين ربطها بأطفال الجهاديين العائدين من سوريا والعراق، فخلال سيطرة داعش إبان فترة زعامة أبو بكر البغدادي كان يسعى التنظيم إلى تكوين ما يعرف بـ(أشبال الخلافة) وكان حريص على إعطاء الأطفال تدريبات قتالية حتى أن بعضهم كان ينفذ عمليات إعدام بالذبح.
فإذا كانت تربية الأطفال في وسط سلفي متشدد تشكل خطورة على مستقبلهم النفسي فإن هؤلاء الأطفال الذين ارتبطوا قسرًا بتنظيم داعش وعاشوا قتالا حقيقياً قد تفوق خطورتهم المجموعة الأولى، وهو ذات الدافع الذي كانت ترفض لأجله السلطات الألمانية عودتهم واصفة إياهم بالخطر الداهم، ولكنها حاليًا مضطرة لاستقبالهم بأمر المحكمة.
ـ دور المرأة
أن الحديث عن التنشئة يرتبط أساسيًا بالمرأة سواء كانت أم أو معلمة أو صاحبة نفوذ في أيًا من مجموعات السلفية الجهادية، فبحسب المفوضية الأوروبية يؤول للمرأة دورًا كبيرًا في التيار الجهادي إذ تؤدي دورها في الدعاية والتجنيد بداخل المجتمع النسائي وتسهم في تربية أطفالا يحملون التشدد كمنهج رئيسي.
ويقول رئيس مكتب حماية الدستور في ولاية شمال الراين وستفاليا، بحسب تقرير دويتشيه المعنون بـ(أكثر من 100 مسجد تحت المراقبة) إن نسبة النساء في المجتمع السلفي المتطرف تبلغ حوالي 18%.
ونقل موقع سبوتنيك في 5 يوليو 2020 عن هيئة حماية الدستور بألمانيا ارتفاع عدد النساء في تيار السلفية ليصل في 2019 إلى 1580 بينما كان في 2018 1356 سيدة فقط، ومع احتمالية عودة نساء من داعش إلى البلاد فأن التحدي الأمني يزداد.
ويستدعي ذلك نشاط قضائي لمحاصرة نساء داعش المتطرفات العائدات من مخيمات قبعن فيها لشهور، فتحت عنوان (ألمانيا تحريك دعوى ضد مواطنة ألمانية يشتبه في انتمائها لداعش) نشر موقع دويتشيه في 20 أغسطس 2020 أن الادعاء العام الاتحادي أقام دعوى ضد داعشية رحلتها تركيا في الأونة الأخيرة، وتعتقد السلطات في خطورتها، وهذا ينقلنا إلى حقيقة مفاداها أن الكثير من هؤلاء النساء يعدن إلى بلادهن ليس لأنهن تركن العقيدة المتطرفة ولكن لتدني أوضاع التنظيم بسوريا والعراق.
ـ الإرهاب العائلي
يطرح ما سبق احتمالية تأثير اجتماع هذه المتغيرات لنقل تجربة (الإرهاب العائلي) إلى ألمانيا، تلك النموذج الذي عرفته اندونيسيا بامتيار، فهل تختبره برلين؟.
يزيد التخوف تجاه هذه الفرضية عائلة التونسي سيف الله البالغ من العمر 30 عامًا والذي بدأت محاكمته هو وزوجته الألمانية ياسمين البالغة 43 عامًا في 7 يونيو 2020 في مدينة دوسلدورف لاتهامهما بتصنيع سلاح بيولوجي لتنفيذ عملية إرهابية في البلاد، فبحسب دويتشيه ارتبط الزوجان بالتطرف الإسلاموي وحاولا السفر لداعش عن طريق تركيا مرتين ولكنهما فشلا، فقررا مساعدة التنظيم عبر هجوم بيولوجي قبل أن ان تكتشفه الشرطة التي وجدت في منزلهما سم الريسين وغيره من المواد الخطرة.
الذئاب المنفردة وعودة الدواعش
تجتمع المتغيرات السابقة كدلائل على استمرارية الخطورة الأمنية القائمة على التطرف الإسلاموي باعتباره لم يتناقص بالبلاد على الرغم من خفوت عملياته المنظمة، ويظهر ذلك في بقاء استراتيجية الذئاب المنفردة كخطر محتمل يداهم الدولة مثلما حدث في عملية الطريق السريع.
أن عودة الدواعش في ظل هذه الظروف يطرح إشكاليات كبرى حول مدى استطاعة الأمن تنفيذ عمليات مراقبة دقيقة لهؤلاء في ظل مضامين ترجح عدم فعالية بعض الاستراتيجيات التي سبق ووضعتها الدولة في هذا الإطار، كالمراقبة عبر السوار الإلكتروني في الكاحل والتي ثبت عدم نجاعتها لأنها تحتاج أدلة موثقة لارتكاب الشخص إرهاب سابق حتى تسمح المحكمة بارتدائه السوار، فضلا عن النقص العددي للشرطة مقابل الإرهابيين الخطيرين ونسب السلفية الجهادية المتزايدة.
يطرح ذلك ضرورة لاتخاذ إجراءات صارمة ضد من يشتبه في خطورته كالإرهابي العراقي الأخير والذي قالت عنه السلطات بأن طلب لجوئه قد رفض من قبل، كما أن أنيس العمري مرتكب حادثة سوق أعياد الميلاد كان صاحب حالة مشابهة وعليه يفترض أن تنفذ الدولة عمليات ترحيل سريعة وقسرية لتفادي جرائم مماثلة.
وتحتاج لذلك نشاط دبلوماسي عالي في ظل الضغوط التركية لإرسال جميع المقاتلين الأجانب إلى دولهم، ويستوجب مع ذلك أيضًا وضع أنظمة مراقبة صارمة للسجون التي ستستقبل بعض الدواعش العائدين حتى لا تتحول مواقع الاحتجاز الألماني لحاضنة مثالية للسلفية الجهادية.
.رابط مختصر… https://www.europarabct.com/?p=71604
* حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
الهوامش
Factbook ‒ Islamist extremism, December 2019
أكثر من 100 مسجد يخضع للمراقبة في ولاية ألمانية
Germany closes Muslim kindergarten over Islamist links
“التنشئة الجهادية”..الاستخبارات الألمانية تدق ناقوس الخطر!
تقرير يؤكد ارتفاع نسبة النساء داخل التيار السلفي في ألمانيا
ألمانيا- تحريك دعوى ضد مواطنة ألمانية يشتبه في انتمائها لـ”داعش”
ألمانيا ـ محاكمة تونسي وزوجته بتهمة التخطيط لهجوم “بيولوجي”
دوافع إسلاموية” خلف سلسلة حوادث بالطريق السريع تسبب بها رجل عمداً