المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا وهولندا
الإجراءات الأمنية في إيطاليا وراء فشل “داعش” في تنفيذ هجمات إرهابية بها
مرصد الأزهر – 13 يناير 2018 – استكمالاً لما قام به مرصد الأزهر في تقرير سابق نشر بتاريخ 22 أكتوبر تشرين الأول 2017، يوضح الدوافع والأسباب وراء عدم تعرض إيطاليا، وهي البلد الأوروبي ذو المكانة الاستراتيجية، إلى هجمات إرهابية على الرغم من التهديدات المستمرة من الجماعات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”.
نتابع في هذا المقال أحد الأسباب الرئيسة والهامة والتي تبين أن خلف هذا الصمود لدولة إيطاليا يوجد جهد كبيرة تقوم به السلطات الأمنية الإيطالية.
هكذا مرت إذن احتفالات عيد الميلاد ورأس السنة بسلام على القارة العجوز دون وقوع هجمات إرهابية، كما هدد تنظيم “داعش” الإرهابي في نوفمبر/ تشرين الثاني، عندما نشرت مؤسسة “وفا” للإعلام الموالية للتنظيم ملصقًا دعائيًا تدعوا فيه العناصر الموالية له، والمعروفة باسم “الذئاب المنعزلة”، بضرب الفاتيكان خلال عيد الميلاد.
متخذين من الآلية، ربما الأسهل لديهم سلاحًا لتنفيذ ذلك، وهي القيام بقيادة سيارة والدفع بها وسط الحشود بأقصى سرعة وقوة ممكنة؛ لإيقاع أكبر عدد من القتلى والمصابين.
وعلى الجانب الآخر لم تَعْتبر كل من دولة إيطاليا ودولة الفاتيكان هذه التهديدات على كثرتها تصريحات جوفاء خالية من المصداقية، أو ربما صرخات من شخص منهزم، تزامنًا مع الهزيمة التي وقعت للتنظيم في كل من سوريا والعراق.
بل قامت أجهزة الأمن باستنفار قوات هائلة لتأمين الاحتفالات والأعياد وسط إجراءات أمنية مشددة، حيث قلصت المداخل المؤدية إلى ساحة دومو Duomo في ميلانو إلى خمس مداخل عوضًا عن سبعة عشر، بالإضافة إلى كاشفات المعادن، وانتشار عدد كبير من أفراد الأمن، الأمر الذي جعل الساحة أشبه بالمصفحة الحربية.
وعلاوة على ذلك، يظل أحد أبرز الأسباب وراء عدم حدوث هجمات إرهابية في إيطاليا هو النشاط الأمني المكثف، على الرغم من أفواج المهاجرين الفارين من ويلات الحرب أو سوء المعيشة آملين في عالم أفضل.
فمن واقع البيانات والإحصاءات يتبين أن قوات الأمن الإيطالية لم تتوانى في فتح تحقيقات تجاه أي مشتبه فيه، أو في إرسال مذكرات اعتقال دولية رسمية في حق كل مذنب خارج الإقليم الإيطالي، وفي بسط يد العون مع الوكالات والسلطات الأمنية التابعة للبلدان الشقيقة.
وبالتزامن مع اقتراب أعياد الميلاد، وفي ظل التهديدات الإرهابية، قامت القوات الأمنية الإيطالية في شهر ديسمبر كانون الأول لعام 2017 بشن حملات مداهمات واعتقالات مكثفة.
كما أصدرت قرارات ترحيل فورية لكل من ثبتت إدانته أو تورطه في أعمال إرهابية، أو مشاركة فعلية في مناطق الصراع المسلح، والانتماء لأي تنظيم إجرامي إرهابي متطرف،.
ومن بين هذه الحملات الأمنية، ما ذكرته صحيفة “نوفا” الإيطالية بتاريخ 7 ديسمبر/ كانون الأول، عن قيامها بإيقاف إطلاق سراح الجزائري بلقاسم دربيليا السجين لأسباب جنائية؛ لضلوعه في أنشطة التحريض على الإرهاب حيث كان يحض السجناء على الجهاد ويشيد بالحرب المقدسة والاستشهاد.
وحسب بيان النيابة العامة الإيطالية كان من المفترض إطلاق سراح دربيليا في ذات الشهر، لكن وحدة تابعة لشرطة السجون أوقفت إجراءات خروجه، وأصدرت أمرًا بتوقيفه مجددًا بتهمة التحريض على الكراهية وارتكاب أعمال إرهابية.
وعلى خلفية الحملة التي تشنها السلطات الأمنية الإيطالية لمحاربة الإرهاب والتطرف على مواقع الإنترنت تحت عنوان “Over the Web” تم توقيف الشاب المغربي نبيل بن عامر البالغ من العمر 39 عامًا في مدينة جينوفا Genova الإيطالية حيث كانت قد أجريت تحريات مكثفه حوله في يونيو/ حزيران الماضي.
فور وصول معلومات إلى المخابرات الإيطالية بشأنه، تم على إثرها توصيف المتهم تحت اسم “عنصر موالي لداعش”، وتبين من المتابعة أنه عائد إلي أوروبا “بهدف تدريب عناصر أخرى من تنظيم الدولة الإسلامية داعش على كيفية تركيب واستخدام المتفجرات”.
وعثرت قوات الأمن في هاتف المغربي نبيل بن عامر على فيديوهات تدريب على صنع واستخدام المتفجرات، وفيديوهات لأعمال انتحارية، ومشاهد لعناصر إرهابية تُعلن الولاء لداعش قبل قيامها بالأعمال الانتحارية المكلفة بها.
وفي ذات السياق قامت السلطات الإيطالية في الشهر الماضي بإلقاء القبض على الإمام الجزائري ياسين جسري Yacine Gasry المتورط في عمليات إرهابية دولية، أثناء تواجده مدينة فوجْا Foggia الإيطالية، وهو أحد السبعة الجزائريين الذين تم الحكم عليهم من قبل محكمة النقض في نابولي، بتهمة التطرف والإرهاب.
ويعمل ياسين كخطيب في منطقة إقامته كازيرتانو Casertano بالإضافة إلى كونه خطيبًا متجولًا في المناطق الجنوبية المجاورة، الأمر الذي منحه القدرة على توفير أماكن اختباء لكل محتاج، سواء من المهاجرين غير الشرعيين أو من المقاتلين والفارين من العدالة.
الجزائري ياسين جسري هو ثاني عنصر من السبعة المطلوبين يتم إلقاء القبض عليه، حيث سبق إلقاء القبض على مواطنه في مايو آيار الماضي، وقد نجحت القوات الأمنية في اعتراضه خلال إحدى رحلاته الدعوية.
وذلك تنفيذًا لحكم صادر ضده بالسجن لمدة 4 سنوات وعشرة أشهر، بتهمة الانتماء إلى جماعة إجرامية ذات أهداف إرهابية على المستويين الوطني والدولي.
ويظل شبح عودة المقاتلين الأجانب المجندين بين صفوف الإرهابيين foreign fighters أحد الهواجس التي تقلق القارة الأوروبية، ومن بين الحالات التي أثارت جدلًا كبيرًا في الشهر الأخير من العام المنتهي، حادثة الفتاة المغربية مريم الرحيلي Meriem Rehaily البالغة من العمر 19 عامًا، والمولودة في إيطاليا لأبوين من أصول مغربية.
حيث أثارت قصة هذه الفتاة الهاربة إلي سوريا حالة من القلق في مدينة بادوفا ومن ثم في إيطاليا بأسرها، انتهت بإدراج اسمها ضمن قائمة foreign fighters، كما صدرت بحقها مذكرة اعتقال دولي، وتم فتح قضية بالواقعة اتهمت فيها الفتاة بالانضمام لجماعة إرهابية.
عامان على اختفاء مريم الرحيلي دارت خلالها قصص وروايات، في محاولة لكشف الدافع وراء هذا التحول الكُلي الذي عصف بالفتاة وانتهى بها وسط جحيم الحروب والقتل.
ومن بين هذه القصص التي انتشرت حولها، أن مريم هي واحدة من الفتيات الأربع الإيطاليات المقيمات في منطقة الرقة التي سيطر عليها تنظيم الدولة في عام 2014، ويطلق عليهم “زوجات مقاتلو داعش” وهم: سونيا الخديري Sonia Khediri، ماريا جوليا سيرجيو Maria Giulia Sergio، أليتشى برينولي Alice Brignoli.
وتشير الوقائع أن هؤلاء الفتيات يَقُمن بتغير أسمائهن الحقيقية إلى ألقاب يُعرفون بها، فقد عرفت مريم الرحيلي باسم “الأخت ريم” وعرفت ماريا جوليا سيرجيو باسم “فاطمة الزهراء”.
كما أوردت إحدى الروايات أن مريم قتلت في المعركة التي وقعت في الرقة مع القوات الكردية، والتي أعلن تحالف “قوات سوريا الديمقراطية”، في 6 يونيو حزيران من العام المنتهي، عن انطلاق المعركة الحاسمة لتحرير مدينة الرقة، المعقل الرئيس لتنظيم “داعش” الإرهابي في سوريا.
وفي 12 من ديسمبر/ كانون الأول من العام المنتهي أصدرت محكمة فينيسيا Venezia حكمًا غيابيًا على الفتاة التي تبلغ من العمر الآن 21 عامًا بالسجن لمدة 4 سنوات نافذة مع الطرد من إيطاليا عند نهاية المدة، وبينما ينطق القاضي الحكم كان هناك حالة من اليقين أن مريم قد مات.
كما ظهر والد مريم في إحدى حلقات البرنامج التليفزيوني Virus بتاريخ 3 ديسمبر/ كانون الأول لعام 2015، تحدث عن أن ابنته ضحية وقعت تحت تأثير الاستقطاب من أحد العناصر الداعشية عبر شبكة الإنترنت، خاصة في أيامها الأخيرة قبل اختفائها حيث كانت لا تفارق هاتفها المحمول، وأنه في المرات القليلة التي تحدث فيها معها لم تخبره بمكانها إلا أنها تمنت أن تعود في أقرب فرصة سانحة.
وأفادت وكالة “نوفا” الإيطالية نقلًا عن جريدة “الحدث” المغربية بتاريخ 19 ديسمبر/ كانون الأول من العام المنتهي أن الفتاة الإيطالية المغربية مريم الرحيلي لا تزال على قيد الحياة وأنها قد تمكنت من الهرب بعد سقوط الرقة وعادت بالفعل إلى أوروبا (فرنسا تحديدًا) بواسطة هوية مزيفة تحت اسم Meriem Errahili، مستغلة التلاعب بالألقاب في اسمها.
وأكد المقال الصادر في جريدة “الحدث” بالرباط أن مريم لا تزال مواليه لداعش ومستعدة لضرب أوروبا، الأمر الذى أثار حالة من التأهب والاستنفار داخل الجهات الأمنية المختلفة وخاصة الفرنسية حيث تتواجد الفتاة الآن.
وعليه إن تم تأكيد هذه المعلومات تصبح مريم الرحيلي بذلك من أوائل المقاتلات الإيطاليات foreign fighters العائدات من مناطق الصراع المسلح، وتشعل بذلك كابوس عودة العديد من المقاتلين إلى أوروبا بعد سقوط داعش.
ويظل السبب الحقيقي وراء ما دفع مريم إلى الرحيل والانضمام إلى صفوف داعش لغزًا يصعب التكهن به، لكنه لا يُخفي حقيقة أن هناك عناصر رقمية موالية لداعش تعمل بكل طاقتها على استقطاب وجذب الشباب من صغار السن عبر شبكة الإنترنت.
وفي ليلة الثالث والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول من العام المنتهي 2017 قامت قوات الأمن الإيطالية لمكافحة الإرهاب الدولي في مدينة ميلانو باعتقال فتاة مغربية إيطالية تبلغ من العمر 35 عامًا في مطار مالبينزا Malpensa ، أثناء عودتها من رحلة إلي تركيا مع زوجها إيطالي الجنسية وأطفالها الثلاث.
نفذت القوات الإيطالية بذلك مذكرة اعتقال رسمية بحق الفتاة، صادر عن محكمة الاستئناف في باريس في 23 ديسمبر/ كانون الأول بسبب الوقائع الارهابية التي ارتكبت في فرنسا وإيطاليا وتركيا وسوريا خلال عام 2017.
حيث وجهت إلى المرأة تهمة الانتماء إلي جماعة إجرامية والإعداد لهجمات إرهابية، على خلفية انتمائها لمنظمة إرهابية وسفرها بصحبة أطفالها القُصر إلى داخل الأراضي السورية في محافظة إدلب، بالإضافة إلى اتهامها ـــ أيضا ــــ بالقيام بتعريض صحة وسلامة أطفالها الصغار للخطر.
وحسب بيان وزارة الداخلية الإيطالية بتاريخ 31 ديسمبر/ كانون الأول لعام 2017، تشير الإحصائيات لعام 2017 إلى أن عدد من تم ترحيلهم خارج الأراضي بتهمة التطرف والإرهاب بلغ 105، وهو ضعف عدد المرحلين في العام ما قبل الماضي 2016 والبالغ عددهم 66 فقط.
بينما ظل مستقرًا عدد من تم اعتقالهم من الإرهابيين على خلفية تهمة التعصب الديني، وهم 36 في عام 2017، و 33 في عام 2016، كما زاد مع نهاية العام المنتهي عدد المقاتلين الإيطاليين المجندين بين صفوف داعش foreign fighters حيث بلغ عددهم 129 على عكس العام ما قبل الماضي 2016 حيث كان عددهم 116.
وتزايدت أيضًا عمليات التفتيش للعام المنتهي 2017 حيث تم تفتيش عدد 372.769 شخصًا، وقدر عدد المركبات التي تم تفتشيها 134.929 مركبة.
ويستنتج مرصد الأزهر من خلال ما سبق أن الحملات الأمنية والملاحقات القضائية التى تقوم بها السلطات الإيطالية تسهم بدور رئيسي في حماية شبة الجزيرة الإيطالية من أي ضربات داعشية حتى الآن، على الرغم من تكرار التهديدات.
رابط مختصر: https://wp.me/p8HDP0-b9Z