خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
الدفاع ـ متى يبدأ الاتحاد الأوروبي تنفيذ خطته لتدريب القوات الأوكرانية ميدانيًا؟
يقترب الاتحاد الأوروبي من تدريب القوات الأوكرانية داخل البلاد وتوسيع أشكال الدعم الأخرى بما في ذلك مراقبة الحدود، ومساعدة المحاربين القدامى، وتعزيز الأمن السيبراني في أوكرانيا. وتدرس بروكسل إنشاء مواقع متقدمة في أوكرانيا في حالة التوصل إلى وقف لإطلاق النار في المستقبل. يأتي ذلك وفقا لمراجعات استراتيجية للبعثتين التابعتين للاتحاد الأوروبي اللتين تتعاملان مع أوكرانيا البعثة الاستشارية للاتحاد الأوروبي (EUAM)، التي تركز على تعزيز قطاع الأمن المدني؛ وبعثة المساعدة العسكرية للاتحاد الأوروبي (EUMAM)، التي دربت حتى العام 2025 80 ألف جندي أوكراني على أراضي الاتحاد الأوروبي.
تأتي هذه المراجعات في الوقت الذي لا يزال فيه الاتحاد الأوروبي يعمل على تحديد الضمانات الأمنية التي يمكنه تقديمها لكييف إذا توقفت الحرب. تشير الوثائق إلى أن روسيا “تحافظ على هدفها المتمثل في إعادة رسم النظام الأمني الأوروبي” وأن “التهديد العسكري من موسكو ونهجها في العملية الدبلوماسية يثبتان أن هدفها النهائي المتمثل في إخضاع أوكرانيا لم يتغير”. يظل نشر القوات في أوكرانيا الذي يعتبره كثيرون بمثابة الضمانة الأمنية النهائية قراراً وطنياً، ولكن بعثات التدريب التي ينفذها الاتحاد الأوروبي تسمح لبروكسل بتقديم دعم واسع النطاق لكييف. ومع ذلك، فإن تغيير ولاية كل من بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة في حفظ السلام وبعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة في حفظ السلام يتطلب الإجماع، وهذا هو ما تسعى إليه المراجعتان في الواقع.
بعثة الاتحاد الأوروبي لدعم أوكرانيا
كانت بعثة الاتحاد الأوروبي لدعم أوكرانيا، التي تم إطلاقها في أواخر عام 2022 كرد مباشر على حرب أوكرانيا، واحدة من أوجه دعم الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا. تم تدريب 15 لواء قتالي كامل في 18 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، حيث قدمت 1750 نوعًا مختلفًا من وحدات التدريب، بما في ذلك التدريب على طائرات إف-16 وميراج كل هذا بميزانية متواضعة نسبيًا تبلغ 360 مليون يورو (420 مليون دولار). مع ذلك، دعت كييف مرارًا وتكرارًا إلى إجراء بعض التدريبات على الأراضي الأوكرانية. كما تهدف إلى زيادة عدد الجنود المدربين من 4000 إلى 20 ألف جندي شهريًا.
تشير المراجعة الاستراتيجية لبعثة الاتحاد الأوروبي في أوكرانيا إلى أنه تم بالفعل إنشاء 3 مراكز تدريب في الجزء الغربي من أوكرانيا، ولكن لا يعمل أي منها بكامل طاقته بسبب الافتقار إلى البنية التحتية الكافية والمدربين الخارجيين المؤهلين. تشير الوثيقة إلى العديد من الثغرات الناجمة عن افتقار بعثة الاتحاد الأوروبي إلى الوجود الميداني في أوكرانيا، مثل العبء اللوجستي وخطر اضطرار القوات الأوكرانية إلى السفر بعيداً عن خط المواجهة للتدريب.
كما تُشير إلى أن “التدريب على أراضي الاتحاد الأوروبي، في زمن السلم، يُعيق استخدام أنظمة الطائرات بدون طيار وأنظمة الحرب الإلكترونية، التي تُستخدم على نطاق واسع في هذا الصراع”. بالإضافة إلى وجود مخاطر من انتقال قوات من خارج الاتحاد الأوروبي لتقديم التدريب في حال تردد بروكسل. مع ذلك، تُقرّ الوثيقة بأن نقل بعض أو كل أجزاء بعثة الاتحاد الأوروبي في أفغانستان إلى أوكرانيا “يعني ضمناً ضرورة تطبيق وقف إطلاق النار أو أي شكل من أشكال الهدنة”. كما تنصّ على أن النشر يجب أن “يُنسّق مع مساهمة أمريكية أو دعم لضمانات أمنية”.
من أجل السماح بتحرك سريع إلى أوكرانيا وهو ما يمثل في الواقع تغييراً في تفويض المهمة يقترح الاستعراض الاستراتيجي عملية من خطوتين: أولاً، الاتفاق على الاتجاه الاستراتيجي الجديد ومراجعة خطة المهمة، وثانياً، التصويت على التعديلات المطلوبة والموافقة عليها بمجرد أن تسمح الظروف على الأرض بذلك.
إعداد أوكرانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي
في حين أن بعثة الاتحاد الأوروبي في أوكرانيا هي بعثة جديدة نسبيا وغير موجودة داخل أوكرانيا، فقد كانت بعثة الاتحاد الأوروبي متمركزة في العديد من المدن الأوكرانية منذ فترة وجيزة بعد “ثورة الكرامة” في عام 2014، والتي دفعت القوى المؤيدة لأوروبا إلى السلطة في كييف بعد الإطاحة بالرئيس الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش. وبقيت في مكانها رغم حرب أوكرانيا، حتى مع اضطرارها إلى مغادرة مكاتبها في خاركوف وماريوبول بسبب الحرب.
يعمل حاليا نحو 400 عضو من البعثة إلى جانب قطاعات الأمن المدني، مثل الشرطة والحرس الوطني ومكتب المدعي العام وحرس الحدود بالولاية. ولا يزال الهدف الرئيسي هو العمل على إصلاح هذه المؤسسات لتتوافق مع معايير الاتحاد الأوروبي عندما يتعلق الأمر بالرقابة المدنية والحوكمة من أجل إعداد البلاد للعضوية النهائية في الاتحاد الأوروبي. لكن المراجعة الاستراتيجية لبعثة الاتحاد الأوروبي في أوكرانيا تقترح أيضاً مجالات جديدة للمهمة، مثل دعم قدرة أوكرانيا على مراقبة حدودها مع روسيا وبيلاروسيا، فضلاً عن التواجد على أي خط تماس مستقبلي محتمل في حالة وقف إطلاق النار.
تشمل الأفكار الجديدة الأخرى، بناءً على احتياجات كييف وطلباتها، تقديم المساعدة في مجال الأمن السيبراني وحماية البنية التحتية الحيوية. ووفقًا للوثيقة، أُلقي القبض على ما يقرب من 600 شخص مرتبط بروسيا بتهمة القيام بأنشطة تخريبية في أوكرانيا خلال العام 2024. وأشارت بروكسل أيضًا إلى استعدادها للمساعدة في إعادة دمج قدامى المحاربين في قطاعات الأمن المدني والحماية المدنية.
النتائج
يشير توجه الاتحاد الأوروبي نحو تدريب القوات الأوكرانية داخل أراضي أوكرانيا إلى تحول استراتيجي عميق في نهج بروكسل تجاه الحرب، يعكس انتقالها من الدعم غير المباشر إلى الانخراط الميداني التدريبي. هذا التغيير، رغم كونه لا يمثل تدخلاً عسكريًا مباشرًا، إلا أنه يحمل دلالات سياسية وأمنية بعيدة المدى، إذ يُظهر استعداد الاتحاد الأوروبي لتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعها سابقًا بشأن الانخراط داخل ساحة الصراع الأوكرانية.
يأتي هذا التطور في سياق مراجعة شاملة لبعثتي الاتحاد الأوروبي المعنيتين بأوكرانيا، سواء البعثة الاستشارية (EUAM) التي تركز على الأمن المدني، أو بعثة المساعدة العسكرية (EUMAM) التي تدرب القوات الأوكرانية منذ عام 2022. تُظهر الوثائق أن بروكسل تدرس إقامة مواقع تدريب متقدمة داخل أوكرانيا، استعدادًا لمرحلة ما بعد الحرب، في حال التوصل إلى وقف إطلاق النار. هذه الخطوة تهدف إلى تعزيز جاهزية الجيش الأوكراني، وتخفيف العبء اللوجستي الناتج عن نقل القوات للتدريب في دول الاتحاد.
تواجه المبادرة تحديات كبيرة؛ فإقامة بعثات تدريب داخل دولة تشهد حربًا مفتوحة مع روسيا يعني رفع مستوى المخاطر الأمنية على المدربين الأوروبيين، ويُحتمل أن يُنظر إليها في موسكو كتصعيد مباشر. كما أن أي تغيير في تفويض البعثات الأوروبية يتطلب إجماع الدول الأعضاء، وهو أمر يصعب تحقيقه في ظل الانقسام بين دول أوروبا الشرقية الداعمة لأوكرانيا بقوة، ودول أوروبا الغربية التي تفضل ضبط التصعيد وتفادي المواجهة مع روسيا.
يبدو أن الاتحاد الأوروبي يسعى لتثبيت حضوره في أوكرانيا كجزء من ترتيبات ما بعد الحرب، سواء في مراقبة الحدود، أو إعادة هيكلة أجهزة الأمن، أو دعم قدرات الأمن السيبراني. هذه الخطوات تُعد جزءًا من إستراتيجية أوسع لتهيئة أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي خلال العقد المقبل، بما يعزز اندماجها المؤسسي والعسكري في المنظومة الأوروبية.
إن نجاح هذه الخطة سيعتمد على عاملين أساسيين: أولاً، مدى تماسك الموقف الأوروبي الداخلي وقدرته على تجاوز الانقسامات بشأن دور الاتحاد في الحرب. وثانيًا، طبيعة العلاقة المستقبلية مع الولايات المتحدة، إذ لا يمكن لبروكسل تنفيذ عمليات ميدانية بهذا الحجم دون تنسيق مع واشنطن. وبالتالي، فإن أي انتشار ميداني مستقبلي للاتحاد الأوروبي في أوكرانيا سيشكل اختبارًا حقيقيًا لقدرة أوروبا على العمل كقوة أمنية مستقلة، ويكشف مدى نضج فكرة “الاستقلال الإستراتيجي الأوروبي” في عالم يتجه نحو تعددية أقطاب أكثر هشاشة وتنافسًا.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=110839
