خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ألمانيا وهولندا ECCI
الدفاع ـ ما مدى قدرة أوروبا على الابتكار السريع في المجال العسكري؟
يقول ويل مارشال، عالم سابق في وكالة ناسا، ومؤسس ومدير تنفيذي لشركة Planet، وهي شركة تكنولوجيا كاليفورنية رائدة في مجال المراقبة: “لن تكسب الأقمار الصناعية والطائرات المُسيّرة والذكاء الاصطناعي الحروب وحدها، ولكن بدونها، تُخاطر أوروبا التباطؤ والتخلف عن ركب الحروب الحديثة”. مؤكدًا: “من السابق لأوانه أن نقول كيف قد تبدو آفاق مفاوضات السلام في أوكرانيا، ولكن من المعروف على وجه اليقين كيف تبدو ساحة المعركة في القرن الحادي والعشرين متفرقة، رقمية، ومدفوعة بالمعلومات”.
تفوق روسي على الدول الأوروبية
تحت ضغطٍ متواصل وتفوقٍ روسي تقليدي بنسبة تصل إلى 7 أضعاف في بعض المجالات اضطرت أوكرانيا إلى الابتكار للتصدي لروسيا، وكانت النتيجة ثورة تكنولوجية في العمليات العسكرية، لا سيما في مجال المعلومات عبر الأقمار الصناعية والطائرات المُسيّرة والذكاء الاصطناعي. ربما للمرة الأولى، تحقق دولة لا تمتلك أسطولاً بحريًا تقليديًا تفوقًا بحريًا؛ فبفضل بيانات الاندماج المتعدد، تمكنت أوكرانيا من تنسيق هجمات صاروخية وبحرية بطائرات مسيّرة على أسطول البحر الأسود الروسي، مما أدى إلى تدمير أو إتلاف 24 سفينة روسية، وإجبارها على سحب أصولها الرئيسية من قاعدتها في سيفاستوبول.
انتبهت الدول الأوروبية لهذا التطور؛ ففي يوليو 2025 اقترحت المفوضية الأوروبية تخصيص 131 مليار يورو لبرامج الدفاع والفضاء في ميزانيتها القادمة، أي ما يعادل 5 أضعاف الميزانية السابقة. يأتي ذلك بعد قانون الفضاء الأوروبي المقترح، الهادف إلى تعزيز مرونة البنية الفضائية والأمن السيبراني وتشجيع الابتكار البيئي. كما يُظهر التركيز البريطاني على الفضاء في مراجعة الدفاع الاستراتيجي أن شركاء الناتو يدركون أهمية هذا المجال المهم.
أقمار صناعية وأدوات ذكاء اصطناعي لرصد النشاط الروسي
يمتلك المشهد الدفاعي الأوروبي قاعدة قوية لتبني التطورات التكنولوجية، لكن مع تزايد المسؤوليات الأمنية، يجب التحرك بسرعة وفعالية، وأظهر الناتو مؤخرًا إمكانية تحقيق المرونة من خلال شراء بيانات أقمار صناعية وأدوات ذكاء اصطناعي لرصد النشاط والتهديد الروسي. واللافت في الأمر هو سرعة التنفيذ، والتحول من الفكرة النظرية في مارس 2025 إلى التطبيق الفعلي في يونيو 2025. هذه القدرات ليست بدائل للأنظمة التقليدية، بل أدوات تكميلية وتمكينية تُستخدم بسرعة وبتكلفة منخفضة، وهنا تكمن الفرصة، فلا حاجة لإعادة تكرار النماذج القديمة بل التفكير بمنظور النتائج. على أوروبا أن تستفيد من التكنولوجيا، إذ إن أبرز النجاحات الأوكرانية اعتمدت على تقنيات مدنية جرى تكييفها عسكريًا.
الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والطائرات المُسيّرة
الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والطائرات المُسيّرة والفضاء الإلكتروني يعني وعيًا ظرفيًا ضروريًا لاتخاذ القرار والدقة والبقاء. كما أن إعداد الميزانيات الدفاعية بحاجة إلى مرونة وتحديث دائم بدلًا من الالتزام بنموذج 7 سنوات ثابت. التحول يجب أن يتم من متطلبات تقنية صارمة إلى نتائج ميدانية واضحة. فبدلًا من تحديد مكونات الدرون أو القمر الصناعي، يجب تحديد النتيجة المطلوبة، وترك المجال للصناعة لتحقيقها بأفضل الطرق. تمتلك أوروبا المقومات التكنولوجية والدفاعية الصناعية، وينقصها فقط الوضوح الاستراتيجي والإرادة السياسية. ومن المؤكد مع توفر ذلك، يمكنها التفوق في ميدان الحروب والصراعات والنزاعات الحديثة.
النتائج
هناك رؤية استراتيجية واضحة دقيقة لمستقبل الدفاع الأوروبي، حيث تُطرح التكنولوجيا الرقمية كعامل حاسم في معادلة الردع. ومن خلال تحليل التجربة الأوكرانية في مواجهة روسيا، تُبرز التطورات في حرب أوكرانيا، كيف أن الابتكار الرقمي مكّن دولة أضعف عسكريًا من تعطيل أسطول تقليدي قوي.
التحول المفاهيمي الأساسي هنا هو تجاوز الهياكل الدفاعية القديمة، والتركيز بدلًا من ذلك على القدرات العملية مثل سرعة اتخاذ القرار والوعي اللحظي بالبيئة القتالية. هذا يتطلب استثمارات مرنة في الذكاء الاصطناعي، الطائرات المُسيّرة، وتكنولوجيا الفضاء، والتخلي عن النماذج التقليدية والجامدة للدفاع.
تتضح هنا أهمية الزمن والسرعة في اتخاذ القرار والرد العملياتي، ليس فقط على مستوى المعركة بل في آليات تطوير المنظومات الهجومية والدفاعية. كما هناك تحذيرات من أن الميزانيات طويلة الأمد دون مرونة قد تُصبح عبئًا على الدول الأوروبية، في توقيت تتغير فيه القدرات التكنولوجية.
من المحتمل إذا واصل هذا التوجه الأوروبي، سيصبح قادرًا على الاستقلال التدريجي عن المظلة الأمريكية، مع تعزيز شراكته مع حلف شمال الأطلسي من موقع أكثر تكافؤًا، لكنه بحاجة إلى تحول سياسي وهيكلي مواكب لهذا الطموح التكنولوجي.
أحد التحديات المستقبلية التي ستواجه الدول الأوروبية لا سيما الأعضاء داخل الحلف، سيكون في موازنة الابتكار التقني مع الأمن السيبراني والاعتبارات البيئية القتالية. كما أن التعاون بين القطاعين المدني والعسكري سيكون مفتاحًا لأي تطور تكنولوجي دفاعي حقيقي في أوروبا.
أوروبا أمام مفترق طرق: إما أن تواصل الاستثمار في تكنولوجيا قادرة على منحها مرونة ومبادرة ميدانية، أو تظل حبيسة بنى تقليدية تُفقدها القدرة على مواكبة خصومها في الحروب القادمة.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=109193
